مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/07/1995

حذار من متصيدي أولادكم وبناتكم في هذا الصيف

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

إن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم أوصانا فيما صح عنه: إذا رأينا دنيا متبعة من حولنا وإذا رأينا الأهواء هي التي تقود وهي التي تحكم، وإذا رأينا العصبيات هي التي تتحكم، أوصانا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا رأينا ذلك أن نعرض عن الأمور العامة ومشكلاتها، وأن يشرف كل منا ليكون حارساً على أهل بيته؛ ليكون متتبعاً للتربية التي ألزمه الله سبحانه وتعالى بها لخاصة أسرته، يربي أهله وأولاده على النهج الذي ارتضاه الله، ويحرس سيرهم ليل نهار على صراط الله سبحانه وتعالى، ويُدخل محبة هذا الدين ومحبة كتاب الله والالتزام بسنة رسول الله في شغاف أفئدتهم. هكذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه.

ولكم ردّدت على مسامعكم الكلام الذي قاله عليه الصلاة والسلام في هذا الصدد، ولقد رأينا اليوم مصداق ما قد حذِر منه رسول الله وحَذَّر، فلقد رأينا الهوى المتبع، ورأينا الشح المطاع، ورأينا اتباع كل إنسانٍ لهواه، ورأينا العصبية التي تقود في مكان المنطق والعقل، رأينا كل ذلك .. فحق علينا أن نُطبق وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي أرسلها إلينا من خلال الأجيال والقرون قبل أربعة عشر قرناً أو يزيد، حقَّ علينا أن نضاعف اليوم من تطبيق هذه الوصية التي أوصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ينصرف كلٌ منا إلى رعاية أهل بيته، إلى رعاية أسرته، إلى حراسة سير أفراد هذه الأسرة على صراط الله سبحانه وتعالى. فهل تقومون أيها الأخوة بما قد أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إنكم أعرضتم عما أوصى به؟ ولحقتم ما أمركم الرسول بأن تُعرضوا عنه؟

لا أريد أن أجيب عن هذا الكلام ولكني أُحيل الجواب على كلٍ منكم لينظر إلى واقع أمره وإلى الصلة ما بينه وبين أفراد أسرته.

إن الله سبحانه وتعالى أناط بعنق كل مسلم، أياً كان شأنه وأياً كان مركزه، مسؤوليةً كبيرة جليلة شرّفه الله عز وجل بها، وأول خطوات هذه المسؤولية أن يكون الإنسان قيّوماً على نفسه، يرعى دين الله عز وجل في كيانه؛ إخلاصاً لله والتزاماً بأوامر الله سبحانه وتعالى، ثم تأتي الخطوة الثانية لتتمثل في رعاية هذا الإنسان لأفراد أسرته .. زوجه أولاده وبناته. وتلك هي الخاصة التي عبّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال في آخر الحديث الذي أشرت إليه: "فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة"، وإذا كنا نعلم هذه الحقيقة، وإذا كنا على يقين من أنّ الله عز وجل يسألنا يوم القيامة عن خاصة أنفسنا قبل أن يسألنا عن عامة بلادنا، فلنعلم أن هذا الذي قد بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا توضيحاً وتأكيداً لما قد بينه الله عز وجل من قبل، ألم يقل في محكم تبيانه: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى" ألم يقل: "يا أيها الذين آمنوا قووا أنفسكم وأهليكم"، وكلمة الأهل تعني الخاصة فهما مترادفتان "قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".

وإذا كانت هذه الوصية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء في كتاب الله عز وجل، وإذا كانت تأكيداتها نيرة في سنة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنعلم - أيها الأخوة - أن هذه المسؤولية تتضاعف في مثل هذا الصيف اللاهب، فلنعلم أن هذه المسؤولية تتضاعف وتزداد أهميةً عندما تغلق المدارس أبوابها، وتغلق الجامعات أبوابها، وينتشر الشباب والفتيات عن يمين هذا الصيف وعن يساره إن بشكلٍ عفويٍ وإن بدوافع، وكلكم يعلم هذه الدوافع، ولا أريد أن أطيل الحديث عنها، كلكم يرى ذلك.

في مثل هذه الحال تزداد وتتضاعف مسؤولية الأبوين اتجاه أولادهما ولا والله لا جدوى لأي اهتمامٍ بأمر المجتمع بعد أن يقفز هذا الإنسان المهتم عن رعاية أسرته والاهتمام بها، والجهاد في سبيل الله عز وجل من خلال رعايتها. لا قيمة ولا جدوى لأي اهتمام بمصير المجتمع، بإقامة المجتمع الإسلامي بما وراء ذلك من كلمات كبيرة جوفاء لا معنى لها إذا قفز الإنسان إليها فوق هذه المسؤولية التي أوصى بها رسول الله كلاً منا بها. "عليك بخاصة نفسك".

ما قيمة أن يأكل قلبي الاهتمام بمصير الإسلام والعالم الإسلامي؟ وما قيمة أن لا أرقد الليل بسبب اهتمامي بضرورة أن يقوم المجتمع الذي تُطبق فيه شرائع الإسلام؟ إذا كانت شرائع الإسلام في بيتي تتحطم، إذا كان أولادي تقتنصهم شباكات الصيف، إذا كانت بناتي تقتنصهن خوادع الصيف وشياطين الإنس والجن وكنت معرضاً عن هذا لأي سبب من الأسباب. ما أغرب هذا الإنسان الذي يعرض عن ما أوصى به رسول الله! ثم يلاحق ويسري لاهثاً وراء ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإنسان بالإعراض عنه!

أيها الإخوة شياطين الإنس والجن - وما أكثرهم - يتصيدون أولادكم وبناتكم في فرصة هذا الصيف بالوسائل المختلفة، يتخذون من الشطآن مثابة، ويتخذون من النزهات والمعسكرات مثابة، ويتخذون من اللهو - وقد يسمى بريئاً – مثابة، يتخذون من ذلك كله مثابة ... وأنتم قبل كل شيء أولياء هؤلاء الشباب والفتيات، مسؤوليتهم ومسؤوليتهن منوطةٌ بأعناقكم أنتم، فلتعلموا أن شاباً من أولادكم إذا شرد عن صراط الله ثم اتبع شيطاناً من شياطين الإنس والجن، فلن يحمل إصر ومسؤولية هذا الشرود إلا أنتم قبل كل شيء، أنتم وإذا شردت فتاةٌ عن حصن طهرها، وشردت متبعةً شيطان من شياطين الإنس والجن ليمزق مزيداً مما كانت تعتز به من طهر وعفاف، ثم لكي تضيع في براثن الشقاء - أجل الشقاء -الدنيوي قبل الأخروي، فلن يتحمل مسؤولية ذلك إلا أنتم قبل كل شيء، نعم.

ومهما غطى أحدنا نفسه وفرّ من هذه المسؤولية بالحديث عن المجتمع الإسلامي وضرورة إقامة المجتمع الإسلامي ووضع الخطط لكيفية التحرر من هذه المجتمعات التي ابتعدت عن دين الله عز وجل، مهما كَثر هذا الكلام ومهما أزبد وأرغى على ألسن قائليه، فإن الله لا يُخدع، فإن الله لا يُأخذ بهذا الكلام الأجوف. سيقول لك الله سبحانه وتعالى: ألم تقرأ كلامي فيما أولت وأعرضت، "وأمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً"، "قووا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة" .. إلى آخر الآية .

أمرتك بأمر محدد وحملتك مسؤولية محددة، جعلت مسؤولية زوجك أولادك وبناتك منوطةً بعنقك، فلماذا تتيه عن المسؤولية التي حَمّلتك إياها؟ وتتشاغل عنها بالكلام الذي لن يخدعني؟ لا بد من وقفة بين يدي الله عز وجل ولا بد من حديث من هذا القبيل يواجه الله سبحانه وتعالى به هؤلاء الناس.

أيها الإخوة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم، وحكمته مظهر من مظاهر تأديب الله له وصدق عليه الصلاة والسلام، إذ يقول "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، ومن مظاهر هذا التأديب أنه نبهنا إلى سُلم المسؤوليات إلى سُلم الأولويات في درجات المسؤولية، أجل كلنا ينشد المجتمع الإسلامي، وكلنا يحلم باليوم الذي يُطبق فيه دين الله بحذافيره. ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ ما السبيل إلى أن تقيم بناءً باسقاً ذا عشرة أدوار؟

سبيل ذلك أن تأتي بالحجارة فترصفها وتجمعها وتنسقها ثم تقيم منها سقف فوق سقف فوق سقف وإذا بالبناء قد تكامل، ما سمعنا أن مجنوناً من المجانين حلم ببناء من هذا القبيل، ثم إنه جعل من حلمه سدا ولحمة لإيجاد هذا البناء، لن يوجد البناء. أوجد الحجارة، أوجد المواد الخام الجزئية، واشغل وقتك بذلك تجد أن الجزء قد نبع منه الكل، تجد أن هذه الجزئيات قد تولدت منه كليات، ما المجتمع؟ المجتمع هو الأسر الإسلامية. وما الأسر الإسلامية؟ زوجان وأولاد وبنات، فإذا صَلُحت الأسر. أفتتصورون أن تلاقي أسر صلُحت وتحركت تحت مظلة هذا الدين وانتعشت كباراً وصغاراً بمعرفة هذا الإسلام والتعلق به، أفتتصورون أن يكون المجتمع الذي يتألف من هذا الأسر مجتمعاً شاردا؟ً مجتمعاً تائهاً!

صلاح الأسر يساوي المجتمع الإسلامي، وفساد الأسر يساوي المجتمع المنحرف عن دين الله سبحانه وتعالى. من الذي يجهل هذه الحقيقة أيها الأخوة؟

من أجل هذا يقول عليه الصلاة والسلام "إذا رأيت شحاً مطاع، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه" وقد رأينا كل ذلك "فعليك بخاصة نفسك" هذا خطابٌ يخاطب الله به كل فرد فرد فرد فرد منكم.

فتصوروا أن كل رب أسرة سمع كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا، وانقاد له قائلاً: لبيك يا سيدي يا رسول الله، ها أنا ذا أسعى لتنفيذ أمرك مجاهداً في عُقرِ داري وفي إصلاح خاصة نفسي كما قد طلبت، إذا لبى كل رب أسرة نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، وصبر وصابر وصمد ضد كل ضائقة وضد كل ما يصده عن هذا السبيل كيف يكون الحال؟

تنظر فتجد أن الإسلام قد نبع من هنا ومن هنا ومن هنا، ثم تلاقى هذا الإسلام نسيجاً بسداه ولحمته، وتكون منه المجتمع الإسلامي السليم.

مرةً أخرى أيها الأخوة أقول لكم: ينبغي أن نعي الحقائق، الآخرون يحطمون المجتمع الإسلامي من خلال تحطيم خُلق الأفراد، لا ينظرون إلى المجتمع ككلٍ في حلم يتقلبون فيه كما يفعل كثير من المسلمين الحركيين، لا إنما يتصيدون الأفراد ذكوراً و إناثاً، ويجعلون من مسرح هذا الصيف اللاهب فرصةً سانحة لهم، لأنهم يعلمون إذا انتشر الفساد هنا وهنا وهناك، وإذا ماعت الأخلاق في صفوف الشباب والفتيات، ثم ازدادت ميعةً هنا وهناك، فإن هذا الفساد يتلاقى، وإن هذه الميوعة تتجمع ويتكون من ذلك تيار من الفساد، وإذا بهذا التيار الفاسد قد انبثق منه مجتمع فاسد.

لماذا يدرك أولئك المبطلون هذا المنطق في التحرك من الجزئي إلى الكلي، ونحن المسلمين لا ندرك هذا المنطق، بل نأبى إلا أن نهبط من الكلي إلى الجزئي، وهل للإنسان أن ينجح في هذا الهبوط.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا معرفة قدسية وصية رسول الله هذه، وأن يجعلنا أبطالاً في هذه الساحة نتحرك مجاهدين في دورنا في بيوتنا على النهج الذي أمر الله عز وجل، نصمد صمود الطود في بيوتنا وعندئذٍ انظروا كيف يكون ثمرة هذا الثبات . أقول قولي هذا وأستغفر الله .

تحميل



تشغيل

صوتي