مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 16/09/1994

التّنازع والشّقاق أخطر المصائب التي حذر الله منها

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

ما أعتقدُ أنَّ العالمَ الإسلاميَّ - والعالمُ العربيُّ قلبُه - منيَ في عصرٍ من العصورِ بمصيبةٍ استنزفت حيويّتهُ وكادت أن تقضيَ على وجوده كالمصيبة التي منيَ بها العالم الإسلاميُّ والعربيُّ في هذا العصر، تلكَ المصيبة التي تتمثّل في التّفرّقِ والتّشرذم اللَذَينِ قضيا عليه.

ومهما تصوّرنا المصائبَ وأهميتها، ومهما تصوّرنا النّكبات التي مرّت بهذه الأمّة على جسامتها، فلن نجدَ أجسمَ ولا أخطر من المصيبةِ الكبرى التي حاقت بها في هذا العصر والتي تتمثّلُ في التّدابر الذي حاقَ بجماعاتها وبدولها وأقطارها حتى غدا كلٌّ منها محوراً ضدَّ المحورِ الآخرِ تقريباً.

وهذه المصيبةُ الكبرى تتفرّعُ عنها - كما قلتُ أكثر من مرّة مصائب متنوّعة ومتعدّدة - لا مجالَ لحديثِ عنها بل ربّما لا مجالَ لإحصائها.

وأنتم تعلمون أيها الإخوة أنَّ اللهَ عزَّ وجلّ ما امتنَّ على عبادهِ بنعمةٍ من النّعم التي جاءت ثمرة للإسلام كنعمةِ الوحدةِ التي أكرمَ اللهُ هذه الأمّةَ بها، وما أعلمُ أنَّ اللهَ حذّرَ هذه الأمّة من أن تتنكّبَ فتقعَ في مصيبةٍ من أخطرِ المصائب كما حذّرها من التّنازعِ والشّقاق، فكلّكم يقرأ قولَ اللهِ عزَّ وجلّ: (واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تفرّقوا)، وكلّكم يقرأ قولَ اللهِ عزَّ وجلّ: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ يحكم).

وإنا لنرى بأمِّ أعيننا السّبب في أنَّ اللهَ عزَّ وجلّ امتنَّ على عبادهِ بهذه النّعمةِ الكبرى، ونرى السّبب في أنَّ اللهَ حذّرَ عبادهُ المسلمين من أن يقعوا في نقيضِ هذه النّعمةِ من التّنازعِ والتّدابر، نرى سببَ ذلكَ فيما قد حاقَ بنا، عندما تفرّقت هذه الأمّة سَهُلَ على العدوِّ أن ينالَ منها كلَّ منال، وأن يصلَ منها إلى كلِّ ما يبتغي، وأن يحيلَ عزَّها إلى ذلّ، وأن يحيلَ قوّتها إلى ضعف، وأن يحيلَ غناها إلى فقر، ولا داعيَ إلى أن أفصّلَ وأفسّر.

ولكن من أين جاءَ هذا التّدابر؟ وكيفَ تسرّبَ إلينا هذا التّنازع؟ وكيفَ أصبحنا محاورَ متدابرة؟ محاور متنازعة بعدَ أن شاءَ اللهُ عزَّ وجلَّ لنا أن نكونَ أمّةً واحدة؟ هنالكَ عواملُ كثيرة، ولكن من أخطرِ هذه العوامل عواملُ ينسجها المسلمونَ بأيديهم، بل يسعى إليها المسلمونَ الملتزمون بالإسلام باختيارهم، وهذا هو البلاء الأطم، أن يكون المسلمون هم الأداة لهذا التّفرّقِ الذي حاقَ بهم، وعن طريقِ إسلامهم فيما يبدو، هذا العاملُ الذي أريدُ أن ألفتَ النّظرَ إليه بكلماتٍ وجيزة، وبكلامٍ مكثّف نلاحظهُ أيها الإخوة إن التفتنا إلى يميناً أو شمالاً، أنّا نظرنا نجد كيفَ أنَّ المسلمينَ بأيديهم يمزّقونَ وحدتهم، وبمساعيهم يقضونَ على التّضامن الذي أكرمهم اللهُ سبحانهُ وتعالى به.

التّطرّف .. التّطرّف هو الذي يخلقُ ردودَ الفعل، وردود الفعل تنتهي إلى هذا التّمزّقِ الذي أحدّثكم عنه، والتّطرّفُ نراه في السّلوك، ونراهُ في المعتقدات، ونراهُ في مخترعاتٍ تُختَرَعُ باسمِ الدّين، كلُّ هذه الأمورِ وغيرُها يدخل تحتَ عنوان التّطرّف أو التّكلّف أو التّقعّر، وقديماً نهانا رسولُ اللهِ وحذّرنا من التكلّف، وحذّرنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ من التنطّع.

والتّكلّفُ والتّنطّعُ والتّقعّرُ والتّطرّف، كلُّ ذلكَ كلماتٌ لها مدلولٌ واحد، ألم يقل المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام: "هلكَ المتنطّعون"؟ قالها ثلاثاً، والحديثُ صحيح: "هلكَ المتنطّعون، هلكَ المتنطّعون، هلكَ المتنطّعون"، ويضيقُ المجالُ أيها الإخوة عن رسم هذا التّنطّع الذي يقوم به المسلمون سيراً في اتّجاهٍ مناقض لما أوصانا به رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، ولكن فلأضعكم أمامَ نماذج، ولأوضح لكم كيفَ أننا نصنعُ بأيدينا أسبابَ الفُرقةِ والتّدابر..

هنالك من يتنطّع، ومن يتطرّف في التّصوّر والاعتقاد، فيذهبُ مذهباً يرى به رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم بدعةٌ جارحة، ولعلّكم لا تصدّقون أنَّ في المسلمينَ اليوم من ذهبَ هذا المذهب ولاذَ بهذا الملاذ، سمعت ذلكَ أذني في موسمٍ من مواسمِ الحجّ من إنسانٍ قام يدعو إلى اللهِ عزَّ وجلّ وله مظهر الدّاعي إلى الله والعالم بشريعة الله، يقولُ لهم: إياكم والغلوَّ في حبِّ محمّدٍ رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، سمعت أذني هذه الكلمة، أقولُ ذلك لأنّهُ ما من مسلمٍ إلا ويشمئزُّ ويعجبُ من هذا الكلام، هذا تطرّفٌ عجيب، ما الموجبُ لأن يُقالَ هذا الكلام؟ لو أنَّ الذي قالَ هذا الكلام نظرَ فرأى نفسهُ بينَ ثلّةٍ من المجاذيب الّذينَ جُذبوا عنِ الدّنيا بمحبّةِ رسول الله، فغابوا عن أنفسهم وعن تجاراتهم ودنياهم، ولكنّنا ننظرُ أنّا كنّا وحيثُ ما وُجدنا فلا نجدُ إلا أنسانً معرضين عن حبِّ اللهِ وعن حبِّ رسولِ الله، وأكثرنا حبّاً لله هو ذاكَ الذي يشطرُ قلبهُ إلى قسمينِ اثنين: جزء يتجه به إلى حبِّ دنياه وشهواته وأهوائه، وجزءٌ يتّجه به إلى حبِّ اللهِ وحبِّ رسوله، أينَ هم الغلاة؟ أينَ هو الإنسان الذي سَكِرَ بحبِّ رسولِ الله حتى لم يعد يستطيعُ أن ينظرَ في أمورهِ الدّنيويّة؟

هذا التّطرّفُ في القولِ إلامَ يدفع؟ يدفعُ إلى ردودِ فعل، يدفعُ إلى نقيضِ هذا الكلام، يدفع إلى أن يقومَ أناسٌ هنا وهناك وقد اندفعوا بالاشمئزازِ من هذا القول، فيقومُ الجَدَل، وتشيعُ الفُرقة، ذلكَ لأنَّ التّطرّف من شأنهِ أن يوجِدَ التّكلّف، وذلكَ لأنَّ التّكلّف من شأنه أن يُوجِدَ ردودَ الفعل المختلفة، وهذا هو العاملُ الأكبر في القضاءِ على التّضامنِ والوحدة أينما وُجدوا.

هذا مثالٌ للتطرّفِ في طرفٍ معيّن، ولكن انظروا إلى التّطرّفِ الآخرِ في الطّرفِ الثّاني، سمعت أذني أيضاً شيخاً من الشّيوخِ يقولُ لمريديه: إنَّ حبَّ الشّيخِ أهمُّ وأجلُّ من حبِّ اللهِ ورسوله، هذا ما سَمِعَتهُ أذني، والرّجلُ أيضاً داعٍ ومربٍّ ومعدودٌ في العلماء، ثمَّ قالَ الرّجل: لعلّكم ترونَ في هذا مبالغةً، فالأشرح لكم: إنَّ حبَّ اللهِ عزَّ وجلّ شيءٌ كبيرٌ وكبيرٌ جدّاً، لا يتّسعُ لهُ قلبُ الإنسان الذي عاشَ حياتهُ الدّنيويّةَ هذه متقلّباً في فجاجها كعامّةِ النّاس، لا بدَّ لصاحبِ هذا القلبِ الصّغير من مربٍّ يهيّئ هذا القلب لحبِّ الله، وهذا المربّي هو الشّيخ، ولكي يستطيعَ المربّي أن يهيمنَ على قلبِ هذا المريد لابدَّ أن يتّجهَ هذا المريدُ بكلِّ مشاعره إلى حبِّ الشّيخ، ومن ثمَّ ينتقل إلى حبِّ اللهِ عزَّ وجلّ.

لو لم أسمع أيّها الإخوة هذا الكلامَ بأذني لأنكرته ولكنّني سمعته، وتأمّلت في ذلك الإفراط وهذا التفريط، وتأمّلت في ذلك التّكلّف الذي يسيرُ إلى أقصى الغرب، وهذا التّكلّف الذي يسير إلى أقصى الشّرق، والأمّةُ الواحدةُ هي التي تتمزّقُ بينَ هذا وذاك.

المسلمون، عبادُ الله عزَّ وجلّ الذين يريدون أن يعرفوا الحق فيتّبعوه، يريدونَ أن يتبيّنوا صراطَ اللهِ عزَّ وجلّ فيتلاقوا عليه، يتمزّقونَ بينَ هذا التّكلّفِ وذاك، بينَ ذاكَ التّنطّعِ وهذا، فماذا يصنعُ هذا القولُ الأرعنُ، وهذا القولُ الأرعنُ الثاني؟ ولابدَّ أن يقومَ النّاسُ فيثوروا، ولابدَّ أن تقومَ ردودُ فعل، ولابدَّ أن تتحوّلَ وحدةُ الأمّةِ الإسلاميّةِ إلى نثار متمزق، هذا شيءٌ طبيعيّ.

بينَ ذلكَ التّطرّف ولهُ نماذجُ شتّى ويضيقُ الوقتُ عن ذكرها، وهذا التّطرّف ولهُ نماذجُ شتّى ويضيقُ الوقتُ عن ذكرها، تظهرُ فقاقيعُ الخلافات، وتظهرُ فقاقيعُ الأفكارِ المتناقضةِ المتصارعة، وكلُّ ذلكَ يصبُّ في أمرٍ واحد، ما هو؟ وحدةُ هذه الأمّة هي التي تذهبُ ضحيّةَ ذلكَ كلّه.

حبُّ الشّيخ أهمُّ وأجلُّ من حبِّ الله، كيفَ ذا؟ هل هنالكَ إنسانٌ لم يُفطر على حبِّ اللهِ ورسوله؟ أليسَ هذا الإسلامُ دين الفطرة؟ أليست هذه العقيدة التي جاءت بها الرّسلُ والأنبياء انعكاساً لشعاعٍ ينبثقُ من فطرةِ الإنسان؟ كلُّ إنسانٍ إذا عرفَ الله أحبّه ولا داعيَ إلى وساطةِ شيخه، إنما يحتاجُ الإنسانُ إلى وساطةِ عقلٍ مفكّر، ثمَّ إلى وساطةِ فكرٍ يذكرُ الله، جُبلتِ النّفوسُ على حبّش من أحسنَ إليها، هل هذا القانونُ يحتاجُ إلى شيخ؟ كلُّ من أحسنَ إليك لابدَّ أن تحبّه، ليكن جارَك، ليكن أستاذك، ليكن تلميذك، ليكن القائدَ الذي تسيرُ في ركابه، ليكن أيَّ زيدٍ من النّاس، فكيفَ عندما يكونُ المحسنُ ربَّ المحسنين؟ كيفَ عندما تذكرُ أنَّ اللهَ هو الذي أكرمكَ بالنّطقِ وأكرمكَ بالفكر وأكرمكَ بالعافيةِ والصّحةِ وأكرمكَ برغدِ العيشِ وأكرمكَ بالقدرةِ على استيرادِ الطّعامِ وأكرمكَ بالقدرةِ على الشّرابِ وأكرمكَ بالقدرةِ على الرّقاد وأكرمكَ فسترَ معايبك وأظهرَ محاسنك، عندما تتفكّرُ وتتأمّلُ في هذه الآلاء أفتحتاجُ إلى من يتوسّطُ ليملأَ قلبكَ بحبِّ اللهِ عزَّ وجلّ؟ لو أنَّ أيَّ رجلٍ من الشّارع تفكّرَ في آلاءِ اللهِ عزَّ وجلّ لعشقَ اللهَ سبحانهُ وتعالى. هذه حقيقةُ ينبغي أن نعلمها جميعاً.

وحبُّ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم مهما بلغّ، أفيصلُ إلى درجةٍ اسمُها الغلو؟ أفيصلُ إلى درجةٍ اسمُها الغُلو؟ وهل في النّاسِ من فعلَ أكثرَ مما فعلَ أصحابُ رسولِ الله؟ أفأضعكم أمامَ نماذج من حبِّ أصحابِ رسولِ الله لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم؟ أفأذكّركم بقولِ أبي سفيان: (ويحكم ما رأيتُ قوماً أشدَّ حبّاً لشخصٍ من حبِّ أصحابِ محمّدٍ لمحمّد)؟ ومهما غالى المغالي، أفيصلُ بحبّهِ إلى أبلغَ من الدّرجةِ التي وصلَ إليها زيدُ بن الدَّثِنّة، الذي جيءَ به ليُقتل في ضاحيةٍ من ضواحي مكّة، فقالَ لهُ أبو سفيان: أنشُدُكَ الله يا زيد، أتحبُّ أنّكَ في أهلكَ آمناً مطمئناً وأنَّ محمّداً في مكانكَ هنا؟ فقالَ: والله لا أحبُّ أن أكونَ في بيتي آمناً مطمئنّاً ورسولُ اللهِ يُشاكُ بشوكة. أي أنا مستعدٌّ أن أضحّي بحياتي كلّها في سبيل أن لا يشاكَ رسولِ اللهِ بشوكة. مهما بلغَ الإنسانُ في حبّهِ لسيّدنا رسولِ الله أفيبلغُ هذه الدّرجة؟ كيف، كيف يمكن أن يقبلَ العقل كلمةً من هذا القبيل؟

هذا هو واقعنا أيّها الإخوة، العالَمُ العربيُّ والإسلاميُّ هذه الكتلة يضحّى بها بسببِ هذا التّنطّع، هذا التّنطّع الذي يجرُّ الأمة آناً إلى أقصى هذا الطّرف، ويجرُّ الأمّةَ آناً إلى أقصى هذا الطّرف، ويجرّها أقصاً إلى أطرافٍ أخرى كثيرة وكثيرة، وانظروا إلى النّتائج، انظروا إلى الخلافات، انظروا إلى الخصومات، انظروا إلى الشّقاق، من الذي يستفيدُ منه؟ من الذي يبني عليه ساقاً فوقَ ساقٍ من البنيان؟ العدوّ، العدوّ هو الذي ينفخ في نيران هذه الخلافات، أنحنُ مجنونون؟ بلغنا درجةَ الجنونِ أيها الإخوة، أم نحنُ متجاهلون؟ أم إنَّ مصالحنا أودت بنا إلى هذا الحدّ من اتّخاذِ الدّين أشبهَ ما يكونُ بكرةٍ تُقذفُ إن بالعقول المتنطّعة كما قالَ رسولُ الله، أو بالأقدامِ الدّافعة، كلا الأمرينِ سواء، وأمامي صورٌ كثيرةٌ لهذا التّنطّع ويضيقُ الوقتُ عن ذلك، ولكنّي أحبُّ أن أعودَ إلى صدرِ حديثي: هذه الأمّة بُلِيَت بأعظمِ مصيبة، بأعظمِ مصيبةٍ حاقَت بها منذُ فجرِ الإسلامِ إلى يومنا هذا: مصيبةُ التّفكّك، مصيبةُ التّشتّت، ولذلكَ أسبابٌ متنوّعة، ولكنَّ هذا من أخطرِ الأسباب، لن أتحدّثَ عن سببٍ يأتينا من عدوّ فهذا شيءٌ طبيعيّ، لن أتحدّثَ عن سببٍ نُدفعُ إليهِ دفعاً ربّما كانَ هذا أمراً طبيعيّاً، لكنَّ الأمرَ العجيب الذي تنزفُ منهُ الدّماءُ من الأكباد، الأمرُ الذي يشكّلُ مصيبةً داهمةً أخرى: أن يكونَ المسلمونَ هم العاملَ الأوّل في هذا التّشرذم وبسلاحِ الإسلام، وبسلاحِ الإسلامِ نفسه. فأنا أسألُ اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يقينا شرَّ التّطرّف.

أيّها الإخوة أنتم المقصودونَ بهذا التّطرّف، وأنتم الّذينَ تعانونَ من الانجذابِ إلى هنا آناً وإلى هنا آناً، ما العاصم؟ العاصم أن تدرسوا دين الله، وأن تتبيّنوا شريعةَ الله وأن تخلصوا عملكم للهِ عزَّ وجلّ، عندئذٍ سيكرمكم اللهُ بالتّوفيق. لا يمكنُ لمن يجذبكم إلى تّنطّعٍ ذاتَ اليمينِ أن يؤثّرَ عليكم، ولا يمكنُ لمن يريدُ أن يجذبكم إلى تنطّعٍ ذاتَ الشّمالِ أن يؤثّرَ عليكم بشكلٍ من الأشكال.

نحنُ نؤمن بالتّصوّف، ولكنّا والله ننكرُ التّصوّفَ عندما يكونُ وعاءً لبدعٍ كاذبة، ننكرُ التّصوّف عندما يكونُ سلّماً لشهرةِ أشخاص، ننكرُ التّصوّف عندما تتحوّلُ العبوديّةُ للهِ إلى العبوديّةِ للأشخاص، ننكرُ التّصوّف عندما يدفعُ أصحابهُ إذا ماتَ لهم شيخٌ أن يقيموا لهُ نصباً تذكاريّاً وكأنّهُ يُعبدُ من دونِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، ما كفرنا بالتّصوّفِ الذي هو لبُّ الإسلام، ولكنّا نجحد بالتّصوّف الذي يُتّخذُ لأمثالِ هذه البدع.

ونحنُ لا يمكن أن نبتعدَ عن إسلامنا الحقيقيّ، عن طريقِ شعاراتٍ اسمُها محاربةُ البدع، ثمَّ إننا نجد أنَّ هذه الشّعاراتِ في وادٍ وأنَّ الواقعَ في وادٍ آخر، وأنَّ الذي يُحارَبُ في الواقعِ هو دينُ الله وليست البِدع.

عن طريق محاربة البدع يقالُ إيّاكم الغلوّ في حبِّ رسولِ الله، عن طريقِ محاربةِ البدع يقالُ أين الله ولن تكونَ مسلماً إلا إذا أشرتَ بإصبعك هكذا وقلتَ في الأعلى، أيضاً هذا ممكن. ونسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يلهمنا الرّشد وأن يجعلنا ممن قالَ اللهُ عزَّ وجلّ عنهم: ((وكذلكَ جعلناكم أمّةً وسطاً))، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم...

تحميل



تشغيل

صوتي