مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 19/08/1994

الاقتصاد .. سلاح الغرب في محاربة الإسلام

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

كلنا يقرأ في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى: "وأَعِدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رِباط الخيل تُرهبون به عدو اللهِ وعدوكم" إلى آخر الآية ...

كثيرون هم الذين يتصورون أن المراد بالقوة في هذه الآية هي قوة السلاح، ولكن جُلَّ العلماء المفسرين فسّروا القوة بما هو أعم من ذلك؛ فسروها بمقتضى المطلق الذي جرت الآية على سننه، (أعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، كل ما يمكن أن يُعَدّ قوةً يحرز المسلمين عن الوقوع في براثن أعدائهم ينبغي أن تعدوا تلك القوة له، يدخل في معنى هذه القوة السلاح بكل أنواعه وبسائر تطوراته، ويدخل في هذه القوة أيضاً قوة الجسم وما يتبع ذلك، ويدخل في معنى القوة: القوة الاقتصادية، وهذه القوة ليست أقل في الخطورة والأهمية من قوة السلاح أبداً، وكان من الممكن أن يأتي التعبير القرآني هكذا (وأعدوا لهم ما استطعتم من أسلحة) ولكن لأمرٍ ما عمم البيان الإلهي وجاء التعبير بكلمة القوة الشاملة لمعاني كثيرة.

ومن هنا قرر العلماء أن على المسلمين أن يُحَصّنوا أنفسهم ضد أعدائهم بكل حصون القوة، من هذه الحصون قوة السلاح، ومن هذه الحصون - ولعلها أهم - القوة الاقتصادية، وفي الناس من قد يتصور أن سعي الإنسان وراء بناء القوة الاقتصادية ركونٌ إلى زهرة الحياة الدنيا. وقد قال الله عز وجل: "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان"، ولكن هذا تنكر خطير عن معنى كلام الله عز وجل، وعن فهم العلاقة القائمة بين المسلم وما أودع الله في باطن الأرض وظاهرها من مقومات الحياة الاقتصادية، المسلمون ينبغي أن لا يكونوا أقل من غيرهم سعياً إلى إقامة وإشادة البناء الاقتصادي بأقوى مظاهره، ولكن الفرق بين المسلمين وغيرهم أن غير المسلمين يتعشقون هذا البنيان الاقتصادي لذاته ويتعشقون المال ركوناً منهم إليه. أما المسلمون فقد علّمهم الله عز وجل أن يتخذوا من البنيان الاقتصادي كلب حِراسة يحرسهم كي لا يتسلل عدوٌ إلى دارهم. تلك هي نظرةُ الإسلام إلى ما ينبغي أن ينهض به المسلمون من عمران اقتصادي، وتلك هي نظرة العشاق عشاق الدنيا ابتغاء الركون إلى متعها وشهواتها.

ولقد رأيت في كتاب مدخل ابن الحاج أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إبان خلافته ذات يوم إلى السوق، فلفت نظره أن معظم الأسواق التجارية بيد الأنباط القادمين من بلاد الشام فأغضبه ذلك، وهرع إلى المسجد ودعا الناس إليه، ثم اختطب فيهم وأمرهم أن ينافسوا هؤلاء الناس وأن يجعلوا مقادة التجارة والأعمال الاقتصادية كلها في أيديهم. فقال له أحد الصحابة الجالسين: يا أمير المؤمنين قومٌ سَخرهم الله لنا ففيما ننهض بما ينهضون عنا به؟ قال له أمير المؤمنين عمر: والله لأن قلتم هذا ليكونن رجالكم خدماً لرجالهم، وليكونن نساؤكم خدماً لنسائهم.

هذا المعنى متألق واضحٌ أيها الأخوة، وكم يتجلى هذا المعنى في هذا العصر حيث أصبح السلاح الأول الذي يُوجه إلى صدور المسلمين والذي تُقَوّض بواسطته المجتمعات الإسلامية هو السلاح الاقتصادي، هذا السلاح الذي يستعمله الغرب وأمريكا الإمام المقتدى به في ذلك، الغرب يحاربنا بواسطة قوته الاقتصادية، وبواسطة إفقاره إيانا في الاقتصاد، وإنكم لتلاحظون كيف تتساقط هذه الدول العربية والإسلامية واحدة إثر أخرى بعد أن أُلجِئت إلى المضائق الإقتصادية، وبعد أن أُلجِئت إلى الحرمان فصبرت حيناً ولم تستطع أن تواصل، فاضطرت أن تمد يدها إلى العدو الذي يقيم على مقربة منا والمؤامرة مستمرة، والخطة ماضية ..

نحن نحارَب في أخلاقنا وفي مبادئنا وفي قِيَمنا وفي أرضنا التي تنتقص من أطرافها، نُحارب بذلك كله بواسطة سلاحٍ واحد هو السلاح الاقتصادي، ولعلكم تعلمون أو ربما ينبغي أن تعلموا أن هنالك صندوقاً اسمه صندوق الإسكان المنبثق من هيئة الأمم المتحدة، صندوق الإسكان هذا كان يُنظم منذ أمدٍ طويل مؤتمراً عالمياً كبيراً لا يُقام في بلاد الغرب، وإنما يقام في بلدةٍ ضعيفةٍ اقتصادياً من بلاد الإسلام، وهذا ما سيتحقق من خلال الأيام القليلة القادمة. ما شأنُ هذا الصندوق؟ وما علاقته بهذا المؤتمر؟

الغرب أيها الأخوة يهدف ومنذ حين إلى أن ينتقص هذا العالم العربي لا من قواه فقط بل من أعداده أيضاً، وتُتخذ الوسائل الخفية والظاهرة إلى ذلك باسم خطر الانفجار السكاني وما أشبه ذلك مما تسمعون، وسُئلنا وأجبنا أن لا إشكال حيث أن الشريعة الإسلامية أجازت للزوجين أن يتحكّما اعتماداً على الوسائل المعروفة المستعملة في أمر الإنجاب وعدمه، شريطة أن لا تتدخل أي قوى أجنبية، أو لا يتدخل سلطان أي دولة في ما بين الزوجين. ولكن المجتمع يسير على النهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لنا.

الخطة الموضوعة أن على المجتمعات العربية والإسلامية المتخلفة اقتصادياً، بل التي فُرض عليها أن تتخلف اقتصادياً أن تُقلل من الإنجاب، بل أن تُحارب الإنجاب. لكن كيف السبيل إلى إلجاء هذه الدول إلى ذلك؟ سبيل ذلك هو الإفقار، سبيل ذلك هو التعرية الاقتصادية، سبيل ذلك إلجاء هذه الدول إلى المضايق، حتى إذا أُلجئوا ووجدوا أن الاختناق كاد أن يحيق برقابهم جاء صندوق الإسكان ليقول لهم انظروا إلى المال الوفير، ستأتيكم المعونات من كل حدب وصوب. بشرطٍ واحد: أن تلتزموا بالنهج الذي ستحملون عليه والذي يُرسم لكم. وما النهج؟ تقرأونه في الوثيقة التي سيسير المؤتمر على ضوئها الخطة هي أن تُفتح أبواب المتع الخلفية بعيداً عن الزواج، وأن يُشجع ذلك على كل المستويات لأن هذا سبيل من سبل تقليل الإنجاب، وإذا اقتضى الأمر ينبغي أن يشجع الشذوذ الجنسي أيضاً، ذلك لأن هذا العلاج وذاك يحققان جزءاً كبيراً من الهدف بوسع الإنسان أن يمارس لذته ومتعه دون أن يتحمل مسؤولية كثرة الإنجاب من وراء ذلك. فإذا انصاعت هذه الدولة المتخلفة المختنقة اقتصادياً لهذه الشروط، جاءتها المعونات التي تتلألئ داخل صندوق الإسكان، وإذا لم تنصع هذه الدول أو هذه المجتمعات حُرمت من هذا الصندوق وتركت للضيق الذي يحيط بها وتُركت للإختناق الذي يدنو من رقابها.

هذا ما ينبغي أن تعلموه أيها الأخوة لكي تعلموا أننا نُحارب اقتصادياً قبل أن نحارب بواسطة الأسلحة، ولكي تعلموا أن الخطط الماكرة هذه لا تصمد أمامها إلا خطط مثلها. فأين الذين يخططون؟ أين المسلمون الذين يعتزون بدينهم بعد أن بايعوا الله سبحانه وتعالى على هذا الالتزام، ثم عرفوا كما عرف عمر ومن قبل عمر والمسلمون الذين جاؤوا من بعد أن الحصن الاقتصادي لا يقل أبداً عن الحصون العسكرية وما شابهها بشكلٍ من الأشكال .

لقد استسلمنا للخطط الأجنبية دون أن نرهق عقولنا بوضع أي خطة، بل إنني مضطرٌ أن أقول لكم وسامحوني إن اضطررت إلى التكرار بعد التكرار بعد التكرار: بدلاً من أن نخطط لحماية أنفسنا اقتصادياً تثور شريحة منا على شريحة من أجل أن تُسحق البقايا الاقتصادية الموجودة فيما بيننا، ومن أجل أن ندفع بأنفسنا وبأيدينا شيئاً فشيئاً فشيئاً إلى تلك المضايق التي ستلجئنا إلى الاختناق والعدو اللاهث ينظر ويتربص حتى إذا جاءت الساعة التي يستطيع أن يتحكم برقابنا ساق صندوقه الإسكاني إلينا وحملنا حملاً على ما ينبغي أن نفعله تحت سلطانه وأوامره.

المؤتمر سيُعقدُ عما قريب في القاهرة، ولعلكم تعلمون لماذا يُعقد في القاهرة، القاهرة التي خضعت لكل شيء، وطَبّقت كل شيء، وما زادها ذلك إلا فقراً، وما زادها ذلك إلا تراجعا. ها هي ذي الآن تتنفس تحاول أن تتنفس الصعداء فلا تستطيع, هناك سيعقد هذا المؤتمر وهناك ستعلن هذه الوثيقة، لم يستطيع أحدٌ أن يناقش وثيقة، هي النور الذي يسير عليه المؤتمر وهو الدستور الذي يسير على أساسه. كل ما يمكن أن يناقش من حوله أمور فرعية وراء هذه الوثيقة الكبرى. ماذا نملك أن نصنع؟

نملك أن نصنع كل شيء عندما نرتبط بمولانا الذي بيده كل شيء، ولا نستطيع أن نفعل أي شيء عندما ننفض أيدينا من إسلامنا العزيز، ونترك الأمور تسير طبق ردود الفعل وطبق الشعارات الفارغة التي لا نعلم من أي مصدر تأتي وإلى أي نهاية تسير. نحن أغنياء أيها الأخوة ولسنا بفقراء، لكن حُكم علينا أن نصبح فقراء، وها هي ذي بلدان الخليج. لا أقول يُنتقص من أطرافها بل يُنتقص من أموالها ها هي ذي أموالها تذوب ثم تذوب ثم تذوب، لابد، لأنها ينبغي أن تخضع لسلطان هذا الصندوق، لا أريد خير الكلام ما قل ودل ،وكثيراً ما يكون الكلام جارحاً. فما ينبغي أن أزيد في جراحاتكم لا سيما عندما يكون الكلام مذكراً بواجب دون نملك السير في طريق هذا الواجب. ولكن الله هو المستعان وعليه التكلان، وهو الذي يرحم عباده عندما يلوذون به.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي