مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/08/1994

واجب الأهل تجاه التربص بالأمة عبر استهداف الناشئة

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

إنكم لتسمعون الكثير من التذكرة المتمثلة في آيات وأحاديث نبوية كثيرة ومتنوعة، والتي تتضمن تحميل الآباء والأمهات مسؤولية تربية أولادهم، وما أكثر ما ردد هذا الكلام في مناسبات حتى غدا هذا الموضوع من المسائل البديهية التي لا يجهلها - أو ما ينبغي أن يجهلها - إنسان مسلم.

غير أن هذه المسؤولية التي أناطها الله عز وجل بأعناق الآباء والأمهات في كتابه المبين أولاً، ومن خلال نصوص من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانياً، أقول: إن هذه المسؤولية تتضاعف في صيف كل عام، وتزداد أهمية التذكير بها حتى لربما يشعر الإنسان بأن عليه أن يذكر أخاه بهذا الواجب في كل أسبوع، إن لم نقل في كل يوم؛ ذلك لأن شياطين الإنس والجن ولأن جنود الطغاة ولأن المخططين للكيد لهذا الدين خارج هذا العالم الإسلامي وداخله يهبون هبة عجيبة لإفساد الناشئة ولإضلال جيل المسلمين في صيف كل عام، ويعتبرون هذه الأشهر أو هذين الشهرين من صيف كل عام الموسم الذي ينبغي أن يهب فيه محترفوا الغزو الفكري وعملاء الغرب والشرق؛ الذين باعوا الشرف قبل أن يبيعوا الدين، ينشط هؤلاء الناس في هذه الأشهر علماً منهم بأنها الفرصة السانحة. فالأطفال والشباب يعيشون في فراغ، والساحة مهيئة لنثر المغريات ونشرها في كل صوب وعلى كل مستوى وبكل مناسبة،

ونظراً إلى هذا فإن واجب الآباء والأمهات يتضاعف في هذه الأشهر، وكما أن الصيف موسمٌ لمحترف الغزو الفكري ولمحاربي الشرف ودين الله عز وجل، فكذلكم هذه الأشهر موسمٌ ينبغي أن ينتهز الآباء والأمهات فرصته للرجوع إلى أبنائهم وبناتهم بالتربية التي أناطها الله سبحانه وتعالى في أعناقهم، ومهما قلنا عن دور المجتمع ومهما تحدثنا عن دور المدرسة وأهمية الإعلام وغيره، فإن معين التأثير إنما ينبع من البيت - كما قال العلماء والمربون قديماً وحديثاً.

فإذا كان البيت مسلماً وكان هذا الإسلام متمثلاً في التزام الأبوين وفي قيام كل منهما بالواجب الذي أناطه الله عز وجل به، فإن انحراف المجتمع، وإن انحراف وسائل الإعلام وإن سائر الخطط الأخرى لا تنال من الشاب الذي خرج من هذا البيت المسلم أي منال. قد يؤثر تأثيراً عارضاً، لكنه ما يلبث أن يعود إلى رشده، وما يلبث أن يعود إلى جاذبية الاسلام في الدار التي ربته وفي ظل التربية الإسلامية التي تلقاها من الأبوين، وإذا كانت هذه التربية واجباً خطيراً وكبيراً معلقاً بأعناقنا في كل يوم، وإذا كانت دلائله من كتاب الله عز وجل دلائل مخيفة، فما بالكم بالقيام بهذا الواجب في هذا الموسم الذي يتكاثر فيه جنود البغي وجنود الضلال على كل المستويات؟!

ما أحسب أن مسلماً - عالماً أو غير عالم - لم يقرأ كتاب الله عز وجل ولم يقف فيه على مثل قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). ومهما كان الانسان عامياً غير متخصص بالشرع فإنه عندما يقرأ هذا الكلام العربي المبين لا بد أن يستوقفه - إن كان مسلماً - حقاً لابد أن يستوقفه قول الله عز وجل (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) فكيف عندما يرى المسلم أن أولاده أصبحوا نهبة لشباك المتربصين بالإسلام والمتربصين بهذا الجيل؟ كيف إذا رأى ببصره وببصيرته أن أصحاب هذه الشباك لا يبحثون في سعيهم الذي يسعونه عن ثقافة؟ ولا يبحثون في سعيهم هذا عن وطنية؟ ولا يبحثون عن رشدٍ حقيقي؟ وإنما يبحثون عن شيء واحد .. هو تمزيق جذوة هذا الدين في قلوب هذه الناشئة، ومن ثم تمزيق جذوة هذا الدين في كيان المجتمع، ومن ثم نثر هذا المجتمع مزقاً متناقضةً متصارعة، لتنتهي هذه المزق إلى موت فهلاك.

كل ما ترونه أيها الأخوة من المظاهر المؤسفة والمؤلمة حلقات من سلسلة واحدة، فمحاربة الدين في مظهر الأخلاق الإسلامية، ومحاربة الدين في مظهر التشكيك بالحقائق الإسلامية التي نقرؤها في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله، ومحاربة الدين في مظهر تحويل الإسلام الواحد إلى إسلامات متصارعة متناقضة شتى، ومحاربة هذا الدين في مظهر تحويل هذه الأمة إلى محاور متناقضة متصارعة .. كل ذلك حلقات مترابطة متواصلة من سلسلة واحدة لا تتقطع ولا تنفصل أبداً.

والمبتغى من وراء ذلك، المبتغى من وراء إبعاد الفتاة والفتى عن النهج الأمثل الذي رسمه الله عز وجل لنا خلقاً وشرف، والإمعان في ما وراء ذلك مما قد قلت .. كل ذلك يصب في هدف واحد: أن تتحول هذه الأمة الواحدة التي شاء الله عز وجل أن تكون قوتها في وحدتها وأن تكون عزتها في ترابطها، وأن تكون هيبتها في تضامنها، الهدف من وراء ذلك كله أن تتحول هذه الأمة الواحدة إلى فئات وشرائح متصارعة شتى، وعندئذ تتحقق الأهداف كلها الأهداف التي يرسمها العدو المتربص بنا، والأهداف أيضاً سلسلة من حلقات متصلة، هذا السلم الذي تسمعون عنه السلم المزيف العفن الذي تفوح رائحة عفونته من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق. كيف يتم إخضاع هذه الأمة له؟ إنما يتم إخضاع هذه الأمة له عن طريق تمزيقها إلى فئات وتحويل كل فئة إلى لقمة، وهكذا فإن كل لقمة تؤكل بعيداً عن الشريحة الأخرى. ألا ترون ذلك؟! ألا ترون اللقم كيف تأكل في كل حين بعد اللقمة التي سلفتها؟! ألا تلاحظون هذه الظاهرة؟! ألا تلاحظون المقدمات التي سبقت؟! ولم تكن أزمة الخليج إلا مقدمة من تلك المقدمات. كان ينبغي أن تتناثر هذه الأمة أولاً، وكان ينبغي أن تتحول إلى فئات متناقضة إن باسم الدين الموحِد، وإن باسم المصالح، وإن باسم الأموال التي يتقارع ملاكها عليها.

كان ينبغي لهذه الأمة أن تتمزق أولاً وأن تتحول إلى محاور، تحقق ذلك وبوسائل شتى، هذه الوسائل منها ما يتمثل في محاربة الخلق والفضيلة، ومنها ما يتمثل في تزييف الدين الواحد ومن ثم تحويله إلى فرق متصارعة من المذاهب المتنوعة إلى آخر ما هنالك من أسباب ..

ونظر الكائدون فوجدوا أن هذه الأمة التي كانت في الأمس الدابر أمة واحدة تخيف وتملأ رهبتها القلوب قد تحولت فعلاً كما قلت لكم إلى لقم متناثرةٍ على مائدة، وهيهات أن تنصر كل لقمة لأختها، وهكذا بدأت رحلة السلم المزيف تؤكل كل لقمة بالمعزل عن جارتها، ونسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحصن هذه البلدة التي لا تزال تخيف والتي لا تزال ترعب والتي لا تزال تأوي إلى ركن من التماسك، ولكننا لا ندري إلى أي مدىً سيبقى هذا التماسك. مهما يكن من أمر فينبغي أن نعلم ما هي الأسلحة التي تستعمل للكيد ضدنا عرفناها، إذاً ينبغي أن نجابه هذه الأسلحة بنقيضها.

نحن نحارب في أخلاق أبنائنا وبناتنا، وهي حلقة من هذه السلسلة، نحن نحارب في الشرف الذي يعتز به هذا الجيل متمثلاً في أبنائه وبناته، نحن نحارب من خلال تحويل الإسلام الواحد إلى إسلامات متعددة، إذاً ينبغي أن نصحو إلى هذا، ينبغي أولاً أن ينهض الآباء والأمهات في بيوتهم فيضحو بكل شيء في سبيل حماية أولادهم وبناتهم من السوء الذي يراد بهم، ينبغي إن كانوا مسلمين صادقين أن يعلموا أن هذا هو جهادهم الذي كلفهم الله عز وجل به، وما عجبي من شيءٍ كعجبي من أناسٍ قيض الله لهم أسرةً، جعل الله سبحانه وتعالى إليهم مسؤوليتها، يجترّون الغيرة الزائفة الباطلة على دين الله عندما ينظرون بعيداً بعيداً بعيداً. كيف ينبغي أن يقاوم المجتمع الإسلامي؟ وكيف ينبغي أن يسود الإسلام وأن يطبق قانوناً في قصور العدل وردهات الحكم؟ وكيف ينبغي أن يحارب الحكام الذين لا يطبقون دين الله عز وجل؟ وهم عن واجبهم الأول الذي أناطه الله في أعناقهم معرضون تائهون .. بناتهم أبنائهم أصبحوا في شباك هؤلاء المتربصين، أصبحوا غنيمةً لهؤلاء الماكرين. ولم يكن ذلك ليتحقق إلا لغفلة هؤلاء الآباء بسبب حديثهم عن الإسلام وغيرتهم المضحكة، لو لم يكن أمرهم كذلك ولو عادوا إلى ما قد كلفهم الله عز وجل به فَضَحّوا بكل شيء في سبيل أن تبقى أسرهم أولادهم بناتهم في حصنٍ حصين، بعيداً عن مكر الماكرين. إذاً لرأيتم أن هؤلاء الشباب لم ولن يقعوا في شباك هؤلاء الناس أبداً.

والعمل يبدأ من الخطوة الأولى، ولا يبدأ من الخطوة الأخيرة، هذا شيء يعرفه كل عاقل، ولكننا ابتلينا أيها الأخوة بكثير وكثير من الآباء الذين يحاولون أن يبيعوا الله كلاماً؛ كلاماً لا يتناه بشكل من الأشكال حتى إذا حان العمل والقيام بالواجب المحدد الذي طلبه الله منهم أعرضوا ونسوا أو تناسوا؛ يضحون بأولادهم وبناتهم في سبيل مستقبلٍ ماليٍ موهوم، لا يعلمون أيتحقق أم لا يتحقق، يضحون بدين أولادهم وبناتهم في سبيل أن يحققوا لأنفسهم مستقبلاً أرغد ومستوىً أبسق وأعلى، وكم وكم رأيت من يزج بابنه لا في أتون مجتمع تائهٍ قريب منه، لا بل يلقيه يقذف به بعيداً بعيداً في مجتمعات غير إسلامية. وكم يقال له: أما تخاف الله يا هذا؟ ما تقول لله عندما يذكرك بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) بدلاً من أن تستجيب لأمر الله تستجيب لوهم الشيطان، (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً) بدلاً من أن تثق بوعد الله تثق بوعد الشيطان، فتستجيب للفحشاء الذي يخططه لك، وهؤلاء الذين يزجّون أولادهم بهذه المتاهات، لا والله ليسوا فسقة ولا والله ليسوا علمانيين، هم مسلمون هم ممن يبيعون الله الكلام الكثير الكثير، هم ممن يتفلسفون عن المجتمع الإسلامي وكيفية إقامته.

نعم .. المجتمع الإسلامي لا يقام من خلال حلمٍ يداعب النائمين حول المجتمع الإسلامي، المجتمع الإسلامي تتم إقامته من خلال تضحيتي بكل شيء، في سبيل أن تبقى ابنتي متوجةً بتاج الفضيلة، عرف ذلك من عرف وجهل ذلك من جهل، المجتمع الإسلامي يتحقق من خلال تضحيتي بكل شيء في سبيل أن يبقى ابني وفلذة كبدي موحِّداً الله بلسانه وبنبضات قلبٍ محبٍ لله عز وجل، وذلك لا يتم إلا من خلال تربيةٍ موصولة النسب آناء الليل وأطراف النهار. فانظروا واستمعوا إلى الأعذار الكثيرة التي يعتذر بها هؤلاء الناس، ولا أريد أن أردد شيئاً منها فأنتم أعرف مني بها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله .

تحميل



تشغيل

صوتي