مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 29/07/1994

الشام تنفي التطرف كما نفته من قبل

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسوله وصفيه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله الله إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعد فيا عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى تَفضّل على هذه الأمة فاختصها بمزايا لم توجد في كثير من الأمم من قبلها، ولعل من أبرز ما اختص الله سبحانه وتعالى به هذه الأمة من المزايا ذلك النعت الذي وصفها الله سبحانه وتعالى به في محكم تبيانه عندما قال عز من قائل: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)، هذه الوسطية مزية من أكبر مزايا التي اختص الله سبحانه وتعالى بها هذه الأمة، الوسطية في الاعتقاد، والوسطية في السلوك والشرع، والوسطية في المنهج المتبع في الحياة، ولعل فينا من يقول: أفليس شرعُ الله عز وجل وسطاً للأمم جميعاً؟ أولم يكن المعتقد الذي ألزم الله به عباده جميعاً متسماً بهذه الوسطية؟ ونقول في الجواب بلى، بل إن الدين كان ولا يزال واحداً والمعتقدات التي أخذ الله بها عباده منذ فجر الوجود الإنساني إلى اليوم معتقدٌ واحد، ولكن الأمم السابقة شردت عن خط هذا المعتقد فانحازت إلى غلوٍ أو تقصير، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، أما هذه الأمة فقد أكرمها الله عز وجل أو أكرم السواد الأكبر منها بالتوفيق فكانت متبعة النهج الأمثل الذي شرعه الله لها وللأمم من قبل، وكانت متبعة النهج الأمثل في المعتقدات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لها وللأمم السالفة من قبل، وروى أبو يعلى في مسنده بسندٍ جيد من حديث وهب ابن منبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن لكل شيءٍ طرفين ووسطاً فإن أمسكت بالطرف الواحد مال الطرف الآخر وإن أمسكت بالوسط اعتدل الطرفان فعليكم بالأوساط من كل شيء) ولعلنا إن أردنا أن نحلل هذا الكلام النبوي العظيم احتاج منا هذا التحليل إلى ساعات طوال كل ما يمكن أن نصغي إليهم من حديث الناس عن التطرف والتحذير من التطرف بأنواعه إنما يتضمنه هذا الكلام النبوي العظيم، إذاً فديننا الإسلامي العظيم جاء بعيداً عن التطرف بل جاء محذراً عن التطرف بكل أنواعه وذلك عندما أمر الناس بالوسط أي أمر الناس بالابتعاد عن الطرف الأقصى نحو الغلو والطرف الأقصى نحو التقصير، وأحب أن أقول لكم من منطلق هذا الكلام إن الأمم أو الجماعات أو الفئات أو الحكومات عندما تتداعى إلى محاربة التطرف فإن عليها أن تعلم أن الإسلام هو أول من دعا إلى نبذ التطرف، وأن المسلمين الملتزمين بدين الله هم أعظم مظهر للابتعاد عن التطرف وللتمسك بالمنهج الوسط العدل الذي شرعه الله سبحانه وتعالى.

ولكن كيف يمكن محاربة التطرف؟ إن التطرف أيها الأخوة كُل لا يتجزأ فمن أراد أن يحارب التطرف فعليه أن يحارب الكل بأجمعه، أما أن يخيل إلى فئة من الناس أن تحارب طرفاً من أطراف التطرف فإنها بهذا تحقق التطرف بأسوأ صوره وأشكاله وتستورده من أقصى ساحات الغُلب، ذلك لأن الأمر كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم إن أمسكت بطرفه من الشيء لابد أن يميل الطرف الآخر ويجنح عن خط الاعتدال وإن أمسكت من الطرف الآخر لا بد أن يميل هذا الطرف أيضاً ويجنح عن خط الاعتدال، إذاً فمحاربة التطرف إنما تكون بنبذ التطرف كُلاً دون أي تجزُّء.

إننا نحارب التطرف الذي يجنح إليه كثيرٌ من الناس عندما يحاولون أن يطبقون الشرع فينقذفون إلى جانب من الغلو نحارب ذلك، ونعلم أن في محاربتنا لهذا الغلو ضمان أن لا يقع غلوٌ في الطرف الآخر، ولذا فإن على الآخرين أيضاً عندما يريدون أن يحاربوا التطرف أن يدركوا هذه الحقيقة المنطقية ذاتها، وأنا أضرب مثلاً حياً على هذا الذي أقول نحن نحارب التطرف أي الغلو في الحجاب الذي شرعه الله عز وجل ستراً وحشمة للمرأة ونجعل من ميزان الشرع الحكم العدل والفاصل بين الوسط والغلو، وعلى الآخرين أن يدركوا هذه الحقيقة ولكن ألا تلاحظون أن هنالك من يصنعون التطرف ليل نهار وهم يتظاهرون بأنهم يحاربون التطرف؟ ألا تلاحظون أن هنالك من يستولدون التطرف بكل وسائله في الوقت الذي يتمشدقون بأنهم محاربون التطرف، عندما نجد من يحارب حجاب المرأة أو الفتاة إن في المعسكرات أو في المدارس عندما نجد من يلاحق هذا الحجاب وكأنه شعارٌ صهيوني أو كأنه سمة من سمات الفجور أو كأنه مظهر من مظاهر الإنحراف عن جادة الفضيلة والخُلق، عندما نجد من يلاحق الحجاب بهذا الشكل أليس هذا تطرفاً؟ أليس هذا إمساكاً من الحقيقة بطرف؟ ماذا تتوقع من المجتمع الملتزم بأوامر ربه والمتمسك بشرعة مولاه وخالقه عندما يجد من يمارس هذا العمل بانفعال عصبي _ وينبغي أن تعلموا أن التطرف دائماً إنما ينبثق من انفعال عصبي ولا ينبثق من فعل فكري أبداً _ لا بد أن تعلموا أن الانفعال العصبي هناك يستولد الانفعال الصبي هنا هذه حقيقة لا شك فيها ولا ريب.

فإذا أراد هؤلاء الأخوة أن يحاربوا التطرف وأن يتساعدوا معنا على محاربة التطرف، فعليهم أن يتركوا الأمر على سجيته وطبيعته، عليهم أن يجنحوا إلى الحرية يمارسونها في حق أنفسهم ويفتحون آفاقها في حق الآخرين والأخريات أيضاً، وعندئذ نكون قد أطفئنا جزوة التطرف هنا وهناك، أليست هذه حقيقة منطقية أيها الأخوة؟!.

لكم قيل لي عن تطرفٍ يتجلى في مظهر غلو في الحجاب الذي شرعه الله عز وجل، وأقول وقلت مراراً أجل إنه غلو هنالك غلو، ولكم رأيت من تأفف من هذا الغلو ولكني أقول إن هذا ليس تأففاً إن المتأفف من الغلو يحاربه بالمنهج المنطقي هذا الغلو إنما استنبت في تربة غلو آخر، لماذا؟ من أجل أي سبب تمنع الفتاة من أن تمارس حريتها فتلتزم بمظاهر حشمتها استجابةً لأمر مولاها وخالقها لما؟! وأنا فكرت طويلاً أيها الأخوة وتفاعلت في نفسي مع هؤلاء الأخوة الذين يلاحقون الحجاب وكأنه عدوٌ لدودٌ لهم في هذه المعسكرات، قلت في نفسي لعل هذا الحجاب يمنع من تحقق الوحدة الوطنية على مستواها المناسب، ولكني رأيت أن الأمر على النقيض من ذلك، إن هذا العمل يهدد الوحدة الوطنية قلت: لعل هذا الحجاب يمنع من الانضواء على وحدةٍ إسلامية جامعة دون ابتعاد إلى مذاهب وفرق متناحرة متخاصمة، ولكني رأيت أن هذا الموقف هو الذي يستولد التناحر وهو الذي يستولد الخصام، قلت في نفسي: لعل السبب في محاربة الحجاب السعي في المحافظة على أمن هذا الوطن الغالي وطمأنينته ولكني رأيت كما ترون أن الأمر يسير إلى العكس من ذلك، ذلك لأن الناس هم عبارة عن جملة من الوعي والفكر وجملة من الأعصاب، فإذا رأيت من يتلاعب بطهر ابنتي، بعفاف ابنتي، بشرف ابنتي، في هذا المظهر فلا شك أن ثورة عصبية تتجمع في كياني، قد أتماسك ثم أتماسك ثم أتماسك ولكن أرأيت لو أن ذلك التطرف استمر ثم استمر ثم استمر، هل أستطيع أن أضمن أن أستبقي على نفسي كوابح الالتزام بالعقلانية والتحرر من العصبية ؟! لا أستطيع. إذاً أليس من الحق أن اقول وأن يقول كل مواطن بصفته مواطناً في ما يا أيها الناس تحاربون الوحدة الوطنية بهذا الذي تفعلون؟! تحاربون التماسك الإسلامي والخلقي في أعدل صوره بهذا الذي تفعلون؟! تحاربون الأمن الرخي الذي تتمتع به هذه البلدة فيما تفعلون، لتمنيت لو أن إنساناً حدثني أن هذا الحجاب الحضاري البسيط الذي تضعه الفتاة على رأسها لتستر به زينة شعرها بعيداً عن المغريات أمام الشباب الآخرين وأنتم تعلمون حالهم، ترى ما الفائدة من وراء ذلك؟! لو أن هنالك أي فائدة لكنت أول الساعين مع هؤلاء الأخوة إلى ذلك. إذاً نحن نحارب التطرف ونحن جميعاً مدعوون إلى محاربة التطرف، ولكن هؤلاء يستولدون التطرف هؤلاء هم الذين ينفخون في نيران التطرف، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا جميعاً أن نكون مخلصين لهذه الأمة ولهذا الوطن ولهذه التربة المباركة وللقِيَم التي شائها الله سبحانه وتعالى أن تكون تاجاً لهذه التربة ولهذه الأمة.

نحن عندما نقول هذا الكلام ننطلق من غيرةٍ صادقةٍ على ما يسمى بالوحدة الوطنية، لأننا نعلم أن الوحدة الوطنية هي الخطوة الأولى نحو الأم وحدة الأمة الإسلامية بل إن العدو ما استطاع أن يتسرب إلينا بخططه وبمكائده وبما ترون من تحويله لهذه الأمة إلى لقم صغيرة يبتلعها لقمة إثر لقمة باسم السلام ونحو ذلك، ما استطاع هذا العدو أن يفعل فعله بنا إلا بعد أن قضى على هذه الوحدة الوطنية في كل قطرٍ قطرٍ على حدة. ولكن بقايا من التماسك لا تزال موجودة في هذا الوطن لا تزال موجودة في هذه الأمة، أجل بقايا من التماسك الأخلاقي، بقايا من التمسك بحبل الفضيلة، بقايا من الوحدة الوطنية السامية المتنامية، كل ذلك موجود ولذلك فإني لأعتقد أن هنالك تركيزاً على هذا القطر، لعل وعسى أن يصبح كأقطارٍ كثيرة أخرى، لعل الخصام يسود محل الاتفاق، لعل التنابذ يحل محل الوحدة سمها العربية أو الوطنية أو كما تشاء، لعل التنابذ يحل محل ذلك، وقلت بالأمس وأقولها اليوم الملاهي كثيرةٌ في بلادنا ونحن لم نقف عندها ولم تلفت أنظارنا قط، هي موجودة وموقفنا منها معروف ولكن هذا الشيء موجود، والذين يديرون هذه الملاهي وهذه القاعات وهذه الصالات معروفون، تجار مال يستقبلون ويأخذون لم نقل شيئاً، ذلك لأننا نحارب التطرف، لا نريد أن نجنح إلى التطرف وإنما نسلك سبيل التوعية لإبعاد الناس عن هذه الأماكن وعن هذه المهايع ولكن حدثوني وأجيبوني ما المبرر لأن تنهض فئة خفية تنشط نشاطاً عجيباً في هذه البلدة فتوزع بطاقات بأسماء مستعارة تدعو الشباب الصغار المراهقين إلى حفلات مغرية شديدة الإغراء، حامية الإغراء مجاناً أو شبه مجان في أوقاتٍ يستطيع الشاب المراهق أن يتسرب فيها من داره دون إذن كالخامسة مساءً، وتسأل من هم الذين يبذلون هذا المال كله سخياً، لا تعلم، لماذا لا يستعيدون جزءً من هذا المال الذي يبذلونه على الكثير والكثير من أجل ترتيب هذه الحفلات، لا تعلم كيف يمكن لحفلات من هذا النوع أن تقوم بكرمٍ حاتمي دون أن يستعيد المشرفون على هذا الحفل شيء من المال؟ كيف يمكن أن يتم هذا؟ وهذا الشيء غير الملاهي التقليدية الموجودة والتي لم نتحدث عنها شيئاً قط قلت وأقول: إن هذا العمل عندما يسير بخفاء لا تعلم مصدره ولا تعلم وارده، وعندما تجد أن كرماً شيطانياً ينثر بين أرجل المراهقين وبين أحضانهم ثم يُتصيدون، أجل يُتَصيدون إلى هذه الملاهي في هذه الأوقات التي حدثتكم عنها، فمعنى ذلك أن خيطاً بعيداً بعيداً عن هذا القطر قد تسرب إلينا، وقد اخترق وحدتنا الوطنية، لا شك في هذا ولا ريب، قلت بالأمس، إن الله وقى هذا القطر من كثير من المصائب ومن جملة المصائب التي وقى هذا القطر منها إلى الآن تلك المخدرات التي هي أعظم مرضٍ سرطاني يمكن أن يفتك بالجيل الناشئ في هذا العصر، ولكن هنالك من يخطط من أجل أن تخترق هذه البلدة، لماذا تُخترق؟ لماذا تسيح وتسير فتن هذا البلاء الماحق الذي يمزق صحو الشباب من حولنا؟ ثم يبقى هذا القطر بعيداً متسامياً بعيداً عن الاختراق؟ لماذا؟ من جملة الوسائل هذه الوسيلة هذه الوسيلة التي أحدثكم عنها يذهب الشاب لأول مرة، وقد حصلت يذهب الشاب لأول مرة فيسكن إلى هذا اللهو المظلم الذي يستثير الغرائز ويرى شيئاً لم يألفه من قبل ويأتي من يسكن إليه، ويأتي من يركن إليه ويأتي من يقدم إليه الشراب، ثم من يقدم إليه شيئاً آخر، ثم من يصور له متعةً أعظم، لكن لها شروط غير هذه الشروط، وهكذا فإن الشاب متى وضع رجله في المنزلق لا بد أن يهوي إلى الحضيض، أنا هنا وأنا مسلم، وعقيدتي الإسلامية هي أسمى من كل شيء وفوق كل شيء، ولكني في هذا الموقف إنما أعبر عن غيرةٍ وطنية، إنما أُعبر عن غيرة على الوحدة الوطنية في هذه الأرض، وهنالك تناسق وتساوق بين هذا وذاك. أسأل الله العظيم أن يوفقنا لأن نتعاون على كل المستويات في هذا القطر المبارك لتحصين هذا القطر من كل ما يراد به، والله هو المستعان وعليه التكلان فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي