مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 03/06/1994

من لم يتهم خواطر نفسه لا يعد من الرجال

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

رأيتُ في كلامِ بعضِ الرّبانيين من السّلفِ الصالح، رأيتهُ يقول: (من لم يزن أعمالهُ وأحوالهُ في كلِّ وقتٍ بالكتابِ والسنّة، ويتّهم خواطرهُ، فلا تعدُّه منَ الرّجال). أي لا يعدُّ منَ الرّجالِ الذينَ قالَ اللهُ فيهم: ((رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليهِ فمنهم من قضى نحبهُ ومنهم من ينتظرُ وما بدّلوا تبديلاً)).

استوقفني هذا الكلام من هذا العالمِ الرّبّانيّ، الذي هو من أعيانِ السلفِ الصالح من أربابِ القرونِ الثلاثةِ الأولى، وهو يقول: (من لم يزن أعمالهُ وأحوالهُ في كلِّ وقتٍ بالكتابِ والسنّة، ولم يتّهم خواطرَ نفسه، فلا تعدّهُ من الرّجالِ الذينَ قالَ اللهُ فيهم: ((رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه))، وعدتُ بهذا الكلامِ الذي يقولهُ لا واحد، بل هو كلامُ سائرِ الرّبّانيّين من سلفنا الصّالح. عدتُ بهذا الكلام، إلى واقعِ المسلمينَ في هذا اليوم، وتساءَلتُ عنِ الأفئدةِ التي تستوعبُ هذهِ النّصيحة، والتي تقفُ عندها بإجلالٍ وتقبُّل، فرأيتُ أنَّ هذا الكلامَ غريبٌ غربةً كبرى في عصرنا اليوم. ولا أقولُ أنهُ غريبٌ في مجتمعاتٍ غيرِ إسلاميّة، فهذا شيءٌ واضح، ولكنّي أعني أنَّ هذا الكلامَ غريبٌ في مجتمعاتنا الإسلاميّة. أينَ همُ المسلمون الذينَ يعودونَ فيزينونَ أعمالهم وأحوالهم في كلِّ وقتٍ بميزانِ الكتابِ والسنّة؟

ثمَّ أينَ هم الذينّ إذا سنحت لهم خواطر، ووقفوا أمامَ تصوّراتٍ واجتهادات، عادوا فاتّهموا أنفسهم؟ اتّهموها ربّما باتّباعِ الهوى، أو اتّهموها بالخطأِ في الفهم، أو اتّهموها بالسّطحيّةِ في الارتباطِ والرّجوع، هذهِ غدتْ قلّةً قليلةً جدّاً في مجتمعاتنا الإسلاميّة.

وقفزَ إلى ذهني تساؤلٌ أعلمُ أنَّ كثيرين وكثيرين يطرحونه، من أينَ جاءَ هذا الإنسانُ بهذا الكلام؟ وهل هذا كلامُ قرآنٍ أم كلامُ سنّة؟ ليسَ هذا الكلامُ آيةً في كتابِ الله، ولا حديثاً من كلامِ رسولِ الله. ففيمَ الوقوفُ عندَ كلامِ إنسانٍ يصحُّ منهُ الخطأُ والصّواب؟ وهذهِ ظاهرةٌ من أمراضِ هذا العصر. قفزَ إلى ذهني انَّ في الناسِ من يسألُ هذا السؤال، فما الجواب؟

والجواب، هو أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ قالَ في الحديثِ الصّحيح، أجل في الحديثِ الصّحيح الذي لا يعجبُ اليومَ بعضَ الفِرَقْ: "عليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفاءِ الرّاشدينَ المهديين، عضّوا عليها بالنّواجذ". عندما يقولُ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ هذا الكلام، فإنّهُ يدلي من خلالهِ بشهادةٍ لهذهِ العصورِ النيّرة، التي تمثّلُ فجرَ انبلاجِ الإسلامِ بعدَ بعثةِ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسلّم.

وعندما أجد ثناءَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم، على القرونِ الثّلاثة التي عاشَ هو في أوّلِ قرنٍ منها، "خيرُ القرونِ قرني، ثمَّ الذينَ يلونهم، ثمَّ الذينَ يلونهم". فأنا أمامَ شهادةٍ ثانية، بأنَّ هؤلاءِ الرجال المسلمين الذينَ نشؤوا في ظلالِ كتابِ اللهِ وسنّةِ رسوله، في فجرِ هذه القرونِ الثّلاثة، هذهِ شهادةٌ من المصطفى صلى اللهُ عليه وسلّم أنَّ كلامهم هدي، وأنَّ نصائحهم سنّةٌ متّبعة، بعدَ سنّةِ رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلّم.

ثمَّ إنني أقفُ لأتساءَلْ، أفكانَ هؤلاءِ الرّبّانيّون ينزحون في هذا الكلامِ وأمثالهِ من أفكارهم، مما تملي عليهم أنفسهم؟ هؤلاءِ الرّبّانيّون كانوا رقباءَ على ألسنتهم، فما كانَ أحدهم يتفوّهُ بكلامٍ إلا بعدَ ان يقتطفهُ من نصوصٍ من كتابِ اللهِ عزَّ وجلّ، أو أن يأخذهُ غضّاً طريّاً من كلامٍ قالهُ سيّدنا رسولُ الله صلى اللهُ عليهٍ وسلّم. ولكنَّ الإنسانَ الذي يعجبُ برأيه، يتيهُ عن كلامِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّم، ويتيهُ عن الدلائلِ العقلانيّةِ التي تدلّهُ على صراطِ اللهِ سبحانهُ وتعالى.

أليسَ هذا الكلام الذي يقولهُ هؤلاءِ الرّبّانيّون، وليسوا واحداً، أليسَ هذا الكلام هو ذاتُه الذي يقولهُ المصطفى عليهِ الصلاةُ والسّلام، فيما رواهُ النّسائيُّ والترمذيُّ وابنُ ماجه بسندٍ صحيح: "إذا رأيتَ شحّاً مطاعاً، وهوىً متّبعاً، ودنياً مؤثرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيه، فعليكَ بخاصّةِ نفسك، ودع عنكَ أمرَ العامّة".

ما معنى أن يعجبَ الإنسانُ برأيه؟ معنى ذلك، هذا الذي يحذّرُ منهُ هذا العالمُ الربّانيُّ الجليل، (من لم يتّهم خواطره) من لم يتّهم خواطرَ نفسهِ بالخطأ، بالنسيان، بتسرّبِ الزغل النّفسيِّ إليها، من لم يفعل ذلك، فلا شكَّ أنّهُ ممن قالَ عليهِ الصّلاةُ والسلام عنهم: "إذا رأيتَ شحّاً مطاعاً، وهوىً متّبعاً، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيه، ودنياً مؤثرةً، فعليكَ بخاصّةِ نفسك، ودع عنكَ أمرَ العامّة". من هذا الكلام، استقى هؤلاءِ العلماءُ هذا النّصح.

وأعودُ فأقول: أينَ يكمنُ الخطأ، بلِ الخطر، في أن لا يتّهمَ الإنسانُ نفسهُ في قرارٍ يدلي به، أو في رأيٍ يرتئيه، أو في خاطرةٍ حامت حولَ قلبه، أينَ هو مكمنُ الخطرِ في ذلك؟ مكمنُ الخطر، أنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى أعلنَ لنا في محكمِ كتابه، وأنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أكّدَ لنا في الصحيحِ من سنّته، أنَّ "أعدى عدوّك نفسكَ التي بينَ جنبيك"، هذا كلامُ رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلّم.

وإذا عرفَ الإنسانُ أنَّ أعدى عدوٍّ لهُ في هذه الدّنيا هي نفسهُ الكامنةُ بينَ جنبيه، وإذا علمَ أنَّ كيدَ الشّيطانِ ضعيف بالنّسبةِ لكيدِ نفسه، وأنَّ الشّيطانَ يجعلُ من كيدِ النفسِ سلاحاً لهُ في معركتهِ مع عبادِ اللهِ سبحانهُ وتعالى.

إذا عرفَ الإنسانُ المسلمُ هذا، وكانَ مسلماً حقّاً، وكانَ يسيرُ على صراطِ اللهِ عزَّ وجلَّ على وَجَلْ، من أن يشذَّ عن الطريق، ومن أن يشردَ عن الصّراط، فلا شكَّ أنهُ كلّما سنحت في فكرهِ خاطرة، يحاولُ أن يتبيّن، أليست في هذه الخاطرةِ شائبةٌ من شوائبِ نفسه، أليست هذهِ الخاطرةُ التي ظهرت أمامي مقنّعةً بقناعِ الإسلام، أليست هي في الحقيقة شهوةً من شهواتِ النّفس، رغبةً من رغائبِ الهوى؟

ينبغي أن أتّهم، ينبغي أن أمحّص، ينبغي أن أراقبَ وأنظر، ومقياسُ النظر، إنما هو التبصّرُ بكتابِ الله، والتبصّرُ الدّقيق، الدّقيق، بسنّةِ رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلّم.

فإن غمَّت عليه السبل، فليجعل من كلامِ هؤلاءِ الربّانيين قبساً منيراً أمامه، كما علَّمنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم، وليجعل من كلامِ أولئكَ السلفِ الصّالح مصباحاً منيراً يبعدهُ عن التّيه، ويعينهُ على اتّهامِ نفسه، ليتبيّنَ الخطأ من الصواب من آراءِ نفسه.

إن فعلَ الإنسانُ هذا، فلا شكَّ أنهُ كانَ من الرّجال، الذينَ أشارَ إليهم أولئكَ الرّبّانيّون والّذينَ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في حقّهم: ((رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه فمنهم من قضى نحبهُ ومنهم من ينتظر)).

والكلامُ مفتوح، يشملُ الأجيالَ كلّها إلى يومِ القيامة، إن هم كانوا ممن وصفهم الله سبحانهُ وتعالى بهذا الوصف.

أمّا إن كانَ هذا الإنسان ممن إذا وصلَ إلى رأيٍ يرتئيه، أو وقفَ على خاطرةٍ سنحت له، أو ركنَ إلى اجتهادٍ أعجبَ به، تعلّقَ بهذا الرّأيِ والاجتهاد، ورأى أنَّ الحقَّ كلَّ الحق هو ما قد اهتدى إليهِ من هذا الرأي، وأنَّ الضلالَ كلَّ الضلال، هو ما يتمثّلُ في الآراءِ والأفكارِ والخواطرِ الأخرى، وعادَ يتّهمُ الآخرينَ بدلاً من أن يتّهمَ نفسه، فهذا إنسانٌ تائهٌ عن صراطِ الله. وهوَ ممن صدقَ في حقِّهم قولُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: "وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيه".

فماذا نجد من حالِ المسلمين في هذا العصر؟ ألستم تلاحظونَ أيها الإخوة أنَّ جلَّ المسلمينَ اليوم، قد غدوا عشّاقاً لآرائهم؟ يضعونَ أنفسهم موضعَ العصمةِ من حياتهم، إذا سنحت فكرةٌ لأحدٍ منهم، رآها هي القرآن ذاتُه، وهي كلامُ اللهِ سبحانهُ وتعالى الذي لا يأتيهِ باطلٌ من بينِ يديهِ ولا من خلفه، فلو أنَّ الثّقلين جاءا ليوضحا لهُ خطأهُ وخطله، لم يرعو عن الرأيِ الذي تعشَّقهُ وتمسَّك به.

أينَ هو مكانُ اتّهام المسلم لنفسه، فيما يقولهُ هؤلاءِ الرّبّانيّون؟ أينَ هو التعامل مع قولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "أعدى عدوّك نفسكَ التي بينَ جنبيك"؟ أينَ هو التّعامل مع هذا الذي يوضحهُ بيانُ اللهِ سبحانهُ وتعالى في كثيرٍ من آياتِ كتابه؟ أما ينبغي أن أعلم أنَّ كياني مشوب، خليطُ خيرٍ بِشَرّ، أملكُ عقلاً نيّراً، وأملكُ نفساً تأمرني بالسوء، وإنَّ كيدَ النفسِ شرٌّ من كيدِ الشيطان، أما ينبغي أن أعلمَ هذه الحقيقة؟ فإن علمتُها، أما ينبغي أن أمحّص؟ أما ينبغي أن أتّهمَ نفسي؟ هذا ما قد أصبحَ غريباً في مجتمعاتنا الإسلاميّة اليوم، وهو مظهرٌ من مظاهرِ الخوارقِ التي أكرمَ اللهُ بها رسولهُ صلى اللهُ عليه وسلّم، إذ كشفَ لهُ عن سجاف الغيب، وأراهُ كثيراً مما يجري في حياةِ أمّته من بعده.

هذا التّهارجُ الذي يقعُ في مجتمعاتِ المسلمينَ اليوم، هذه الاختلافات الكبيرة والكثيرة والتي تتحوّلُ إلى صراعاتٍ مريرة، يصطادها أعداءُ المسلمين ويوظفونها لخططهم ومصالحهم، هذه الاختلافاتُ التي ترون أو التي تسمعون عنها، نتيجةُ هذا الذي يحذّرُ منهُ أولئكَ العلماءُ الرّبّانيّون، ويحذّرُ منهُ من قبلهم سيّدنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم، فعندما أرتئي رأياً باسمِ هذا الدّين، ثمَّ أتعشّقهُ ولا أريدُ أن أتّهمَ نفسي بأني لعلّي منهُ على خطأ. وعندما تسنحُ لكَ أنتَ الآخرُ فكرة، فيما يتعلّقُ بهذهِ المسألةِ نفسها، فتتعشّقُ هذه الفكرة، وتضعُ نفسكَ منها موضعَ العصمة، وعندما يرتئي ثالثٌ في هذهِ المسألةِ رأياً آخر، ويأبى أن يتّهمَ هو الثّالثُ نفسه، ويضعُ نفسهُ من رأيهِ أمامَ العصمة، إلامَ تنتهي الأمور؟ تنتهي الأمورُ إلى مقارعات، وتنتهي الأمورُ إلى مصادماتٍ عدوانيّة، وتنتهي الأمورُ إلى شقاقٍ ثمَّ تنابذٍ مما قد نهى اللهُ سبحانهُ وتعالى عنهُ ومما لا أريدُ أن أخوضَ فيه.

وهذا ما يجري اليوم، وإلا فإننا لا نعلم أنَّ الخلافَ كانَ موجوداً في عصورِ السّلفِ الصالح كما هو موجودٌ اليوم، لكنَّ هذه الخلافات كانَ يذيبُها الأدبُ الإسلاميّ. كانَ الرجلُ إذا ارتأى رأياً، من أجلِ خدمةِ دينِ اللهِ عزَّ وجل، قدَّرَ أنهُ ربّما كانَ على صواب وربّما كان على خطأ، وحتّى لو لم تلح لهُ دلائلُ كونهِ مخطئاً، فهو يفرض احتمالَ خطئهِ مرجوحاً، ولذا فإنهُ يتقبّلُ الرأيَ المخالف لأنهُ يسدُّ الاحتمالَ الذي تصوّرهُ علمه.

عندما أجنحُ إلى رأيٍ وأراهُ أقربَ إلى الصواب لا الصوابَ بعينه، فلا شكَّ أنَّ احتمالاً ولو يسيراً يبقى أنني ربما أكونُ على خطأ، هذا الاحتمال الذي لهُ فسحةٌ في نفسي وفي قلبي يتّسع للرأي الآخر الذي يرتئيهِ الآخرون، ولذلك فلم يكن يقعُ شقاق، ولم يكن يقعُ تصادم، لأنَّ الهدف إنما هو السعيُ إلى مرضاةِ الله، لا السّعيُ إلى الانتصارِ للنفسِ وللذات، ومن ثمَّ فلقد كانَ المسلمونَ من قبلُ متّحدين، بمقدارِ ما كانوا مختلفينَ في أمورهم الاجتهاديّةِ المتنوّعة.

أمّا اليوم، فقد غدتْ آراؤنا الاجتهاديّةُ المتنوّعة غذاءاً نغذّي بهِ أنفسنا، نغذّي بهِ ذواتنا، نغذّي بهِ شهواتنا، نغذّي بهِ أنانيّاتنا، ولذلكَ فهيهاتَ أن أتنازلَ عن رأيٍ ارتأيتُه مهما كانتِ الظروف، ومهما كانتِ الدّلائل، لأنني لو تنازلتُ عنه لجرحتُ بذلكَ كرامتي، ولأنزلتُ بذلكَ نفسي من برجِ عصمتها، وكذلكَ المقابلُ لي، لا يمكنُ أن يتنازلَ عن رأيهِ مهما لاحت لهُ البوارقُ أنّهُ مخطئ، لأنهُ إن فعلَ ذلك سيجرحُ هو الآخرُ كرامته، ولسوفَ ينزلُ نفسهُ من علياءِ عصمتها، ما النتيجةُ إذاً؟ النتيجةُ لا بدَّ من التصادم، والتصادمُ يودي إلى عدوان، والعدوانُ يودي إلى شروخٍ مما قد ترون، ومما قد وظّفهُ الغربُ لنفسهِ أيّما توظيف.

عندما يكونُ حالُ المسلمينَ هكذا، ما العلاج؟ العلاج، يتمثّلُ في هاتين الكلمتين اللتينِ قالهما رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم: "عليكَ بخاصّةِ نفسك، ودع عنكَ أمرَ العامّة". والخاصّة تتمثّلُ في الذات، وفي الأهل، الزوج، الزوجة، الأولاد، كلُّ من يلوذون بك. "ودع عنكَ أمرَ العامّة"، لأنَّ الخوضَ في أمرِ العامّةِ خوضٌ في طريقٍ مسدود، لن تجدَ من نتيجتهِ إلا جداراً مسدوداً تقفُ أمامه.

ولكنّي أعودُ فأقول: إنني أبحثُ في خيالي وذهني في هذا العصر، عن شبابٍ يسيرونَ على صراطِ اللهِ عزَّ وجلّ، ويتّجهونَ ربّما إلى سبلِ الدّعوةِ إلى الله، أبحثُ عن أناسٍ يقفونَ أمامَ كلماتِ هؤلاءِ الربّانيّين، ويتلقّونَ منهم التّربية، ويصغونَ إلى نصائحهم، فلا أجد.

أصبحتْ كلماتُ هؤلاءِ النّاس غريبةً عنّا أيها الإخوة، وأصبحت نصائحهم موضوعةً في أماكنَ قصيّة على رفوف، والكتبُ التي تحوي هذه النّصائح أصبحت غريبة، وربّما أصبحت مجهولة من أذهانِ كثيرٍ من الشبابِ المثقّف الذينَ حشيت أذهانهم بمئاتٍ من الكتبِ الحديثةِ الفكريّةِ المتنوّعة، ولكنهم عن هذه النصائح معرضون.

وإنها لظاهرةٌ تدلُّ على مرضٍ خطير، يفصلُ هذه الأمّةَ عن سلفها، أقولُ قولي هذا وأسألُ اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يصلحَ أحوالنا جميعاً فاستغفروهُ.

تحميل



تشغيل

صوتي