مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 24/09/1993

الصدق مع الله يكون بتعلم دينه

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

جاءني منذ يومين من حدثني أن بعض الإذاعات الأجنبية القريبة منا أو البعيدة تتحدث بأحاديث تبشيرية عن المسيحية والمسيح ونحو ذلك .. وترد من خلال ذلك على عقائد الإسلام. وشكى إليَّ هذا الانسان أنه قد أصغى إلى كلام شوش عليه عقيدته، وأدخل شيئاً من الريب والتشويش والشكوك في يقينه بالإسلام وعقائد الإسلام، ولا أحب أن أحدثكم عن الكلام الذي قلته له والحوار الذي جرى بيننا، ولكنني أحب أن ألفت نظركم إلى مشكلة هي من أسوءِ وأخطر المشكلات التي تحيق بالمسلمين في هذا العصر.

ليست المشكلة متمثلة بوجود من يبشر بعقائد أخرى غير الاسلام ثم يتهجم من خلال ذلك على حقائق الإسلام ويقينياته، وهذا شيء متوقع وأمر مفترض. العالم مليء بمن يعادون هذا الدين، ومليءٌ بالجنود المتهيئين للاستجابة لهؤلاء الذين يعادون بأي وسيلة من الوسائل إذا أخذوا أجورهم على ذلك، ولكنّ المصيبة تتمثل في أن لا يكون لدى المسلمين ذخرٌ ثقافيٌ من إسلامهم، تلك هي المصيبة.

هنالك كثير وكثير ممن يحاولون أن يُدخلوا الريب والشكوك في دين الله سبحانه وتعالى هنالك، من يزعم أن القرآن حق، ولكن يجب أن نؤول القرآن وأن نمضي به حسب تقلب الظروف والأحوال، وأن نجعل لتطور الظروف أساساً لتفسير كتاب الله سبحانه وتعالى. وهنالك - بناءً على هذا - من يقول: إن الربا الذي حرمه الله سبحانه وتعالى إنما كان الربا الذي يؤخذ من فقراء؛ يقترضون قروضاً استهلاكية من أجل أن يصلِوا به إلى ضرورات معيشتهم، ولكن القروض الكثيرة الآن هي قروض تجاريةٌ إنتاجية، فالظرف الذي حرم فيه الربا غير هذا الظرف إذاً ينبغي أن نتجاوز حرمة الربا إلى إباحته. وهنالك من يقول: إن الله إنما حرّم شرب الخمر لكثرة من كانوا يتطوحون في الطرقات وهم سكارى فكانوا يسيئون بذلك إلى الناس وإلى المارة، أما الآن وقد أصبح شرب الخمر في أماكن مُعدة وفي بيوتهم الخاصة، وقد انتفى ذلك المحظور الذي من أجله حُرم الخمر، فينبغي أن نتجاوز هذه المسألة إلى الصفح وإلى إعلان الإباحة. وهنالك من يقول: إن الحجاب إنما كان مفروضاً على المرأة بسبب أنها لم تكن في ظرف يحملها على أن تشارك الرجل في العمل والصناعة وغير ذلك .. أما الآن وقد فرض عليها الظرف والزمن ومقتضى الحضارة التي نعيشها أن تشترك المرأة مع الرجل في سائر الميادين وسائر الأعمال، فقد أصبح الحجاب عثرةً في طريق هذه الضرورة، إذاً ينبغي أن نتجاوز ذلك الحكم إلى غيره. وهنالك من يقول: إن الجهاد إنما كان مشروعاً إذ لم تكن هناك مؤسساتٌ دوليةٌ ترعى حقوقَ الشعوب وترعى حقوق الأمم والدول، أما وقد قامت اليومَ هذه المؤسسات الدولية التي تسهر على حقوق الشعوب، فلم تعد حاجة بعد ذلك إلى الجهاد وهكذا ...

هنالك من يفتح السبيل إلى هذا بكلمة واحدة، وهي أن القرآن ينبغي أن نجعل الظرف والزمن هما المتحكمان في فهمه، لا أن نجعل اللغة العربية وحدها هي الأساس، ومن منطلق هذا الكلام يتبدل كل ما في القرآن من أحكام. ولا شك أنه السبيل المخطط للوصول بالمسلمين إلى حالة لا إسلام فيها، لا موضوعاً ولا شكلاً وأخيراً ولا اسماً.

أنا لا أعجب من أن يكون هنالك من يتربصون بالإسلام المكائد، وغبيٌ كل الغباء ذاك الذي لا يتصور هذا لا سيما في هذا العصر. ولكن المشكلة والمصيبة الكبرى أن نعود إلى المسلمين فنجد أن الغالبية العظمى منهم لا يفقهون من إسلامهم شيئاً. يأتي من يشككهم في عقائدهم كذاك الذي أصغى إلى إذاعة تبشيريةٍ بعد منتصف الليل من إذاعة أجنبية في الإذاعات الكثيرة، وليس له علم بعقائده وإسلامه، سمع لأول مرة من يتهم الإسلام ومن يبرئ العقائد الأخرى، فماذا نتوقع من إنسانٍ انتمى إلى الإسلام بكلمة لا معنى لها، ولم يحاول أن يفقه من هذه الكلمة أيَّ معنى، ولم يحاول أن يفهم عقائد الإسلام فضلاً عن أن يفهمَ أدلة هذه العقائد، شيءٌ طبيعي إذا سمع اللغو المتمثل في تبشير المبشرين وفؤاده فارغٌ من فهم معنى الإسلام وحقيقته .. شيءٌ طبيعي أن يعلق بذهنه هذا الذي يسمع ثم أن يعود من وراءه بريبٍ وشكوك.

الانسان الذي لم يفقه شيئاً عن الربا وحقيقته والظرف الذي حرَّمَ اللهُ فيه الربا أيام نزول آيات التحريم، ولم يصغ إلى شيءٍ من هذه الآيات الجامعة العامة، وسمع لأول مرةٍ من يقول: إن الله إنما حرم ذلك الربا الذي كان يتمثل في اضطرار الفقير إلى الاقتراض ثم في استغلال الغنيِّ ضرورَته إذ يحمّله آصاراً من الفائدة إثر الفائدة إثر الفائدة؛ شيءٌ طبيعي أن يعلق بذهنه هذا الوهم، لأنه لأول مرة يسمع شيئاً عن الربا وعلّة تحريمه.

شيءٌ طبيعي بالنسبة للإنسان الذي لم يعلم دلائل الحجاب التي هي مبثوثة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعلم الحكمة من مشروعية هذا الحجاب، شيءٌ طبيعي لهذا الانسان الجاهل إذا سمع هذا اللغو الخادع عن الحجاب أن يتأثر به وأن يقول لعل هذا الكلام صحيح. فالمرأة اليوم غير المرأة بالأمس إنها مضطرة إلى أن تخرج وتشارك الرجل في كل الميادين والساحات.

شيءٌ طبيعي بالنسبة للإنسان الذي قال أنا مسلم، لكنه لم يتعلم من إسلامه شرو نقير، أن يتخطّفه الدجالون من كل حدب وصوب ..

وهكذا فالمصيبة كما تلاحظون ليست مصيبة وجود أعداء للإسلام، هذا ليس شيئاً جديداً وليس أمراً بديعاً في حياتنا، ذلك هو واقع التاريخ بالأمس ومن قبل الأمس واليوم وغداً. دين الله سبحانه وتعالى كان ولا يزال يتربص به أعداء الله. من هم الذين يقول الله عز وجل عنهم: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). ألم يكرر البيان الإلهي هذا.

إذاً ليس شيئاً غريباً أن يوجد أعداءٌ للإسلام والسعيُ إلى تطهير الأرض من أعداء الإسلام سعي في غير طائل وعمل يتناقض مع سنة الله سبحانه وتعالى في الكون. أليس هو القائل: (وما أكثرُ الناس ولو حرصت بمؤمنين). وفيم يأمر الله بالدعوة وفيم يأمر الله بالحوار لو لم يكن العالم مليئاً بالجاهلين بالإسلام وبالمعادين للإسلام، إذاً هذا ليس شيئاً غريباً، وما ينبغي أن نتوقع خلافه، إنما الشيءُ الغريب حقاً أن نجد أنفسنا أمام جيلٍ من المسلمين يزعمون أنهم مسلمون ولا يعلمون من إسلامهم شيئاً.

مسلمون ويعيشون في العراء ينتظرون من يتخطفهم ومن يصطادهم بسهام التشويش والرِيَب، السبيل إلى أن نتخلص من هؤلاء الأعداء أن نتحصن في حصوننا التي تنادينا بلسان الحال أن تعالوا فاجلسوا في هذه الحصون. وما هي هذه الحصون؟ إنها دراسة هذا الدين .. إنها تعلم الإسلام .. إنها معرفة هذا الإسلام ..

ما من إنسان توَّجَ إيمانَه الفكري أو العاطفي لله بتاج العلم - بمجمل هذا الدين لا أقول بتفاصيله - إلا وجعله الله في حرز حريز وفي حصنٍ حصين ضد كل هذه الشبهات والرِيَب التي تطوف بنا أو التي تتسابق إلى آذاننا.

ولكن .. أين هم الذين يتعلمون الدين الذي يزعمون أنهم يعانقونه؟! قلت بالأمس أكثر هؤلاء المسلمين لو سألتهم ماذا يعلمون من إسلامهم لأجابوا وبكل فخر: إنهم غير متخصصين بالإسلام، متخصصون بفنون أخرى ربما بالطب ربما بالهندسة ربما بالعلوم بالكيمياء بالفيزياء ربما بالحقوق وبالقوانين، وربما قال لك إنه منصرفٌ إلى تجارة أو إلى زراعة أو إلى صناعة .. هكذا يجيبون. وكأن الإسلام اختصاصٌ قائمٌ بين هذه الاختصاصات، وكأنَّ الله قد قال لنا عندما فتحنا أبصارنا وبصائرنا على هذا العالم: انظروا فاختاروا لأنفسكم اختصاصاً من هذه الاختصاصات إما أن يكون طباً أو فلسفةً أو تاريخاً أو قانوناً أو محاماةً أو علماً من العلوم الكونية أو إسلاماً أو إسلاماً!!

أي أحمق من المسلمين يفهم أن الإسلام هكذا، الإسلام هو القاعدة الواسعة التي يجتمع كل المسلمين عليها؛ يصطبغون بها يملؤون عقولهم فهماً لحقائق الإسلام، ثم ينطلقون بعد ذلك إلى اختصاصاتهم. الإسلام أشبه ما يكون بهذا المعصم الجامع لهذه الأصابع، والاختصاصات هي هذه الأصابع المتفرعة عن هذا المعصم، ولكن في الحمقى اليوم من يريدون أن يتصوروا الإسلام الجامع الذي هو أشبه بالمعصم يريدون أن يجعلوا منه إصبعاً بين هذه الأصابع.

ماذا نتوقع من مسلمين بهذا الشكل عندما نجد أن الغرب والشرق وغيرهم يجنّدون أنفسهم وعقولهم وأموالهم ويجندون العملاء بالأموال التي ينثرونها هنا وهناك في سبيل الكيد لهذا الدين، وأصحاب هذا الدين جهلاء لا يعلمون منه شيئاً، وأصحاب هذا الدين بدلاً من أن يتحصنوا بحصونه العلمية يتناثرون وينتشرون في العراء هنا وهناك ليَتَصيًّدهم هؤلاء الناس، ثم يأتي من يقول لي إن إذاعة أجنبية تكيد للإسلام وتتحدث عن المسيحية أو اليهودية ربما أو أي دين آخر من خلال الهجوم على الإسلام العظيم. ما هذه الغيرة الجوفاء الحمقاء التي لا معنى لها قط!!

نحن اليوم بحاجةٍ أمام هذه المكائد الكثيرة إلى أن نصدق مع الله؛ وسبيل الصدق مع الله هو أن نفقه إسلامنا، نفهمه فهماً حقيقياً، فإذا فهمنا الإسلام بعقائده وبمجمل تشريعاته وأحكامه فهيهات ثم هيهات للغو الباطل أن يتسرب شيء منه إلى أذنٍ أو إلى فؤادٍ أو عقل. لا يمكن أن يتم هذا بشكل من الأشكال، ولكن الدنيا هي التي استحوذت علينا، أتقنا السعي اللاهث إلى إتقان الفنون التي نحن نختص بها بكل فخر، ولم نتقن أبداً السعي إلى ما قد خلقنا اللهُ من أجله وهو معرفة هذا الدين، ولو أننا عرفنا الدين وفقهناه كما أمر الله سبحانه وتعالى وكما أمرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً لرأينا أن الدنيا كلها لو تحولت إلى أقلام تهذي هجوماً على الإسلام وإلى ألسنةٍ تتخرص هجوماً على الإسلام لسوف نجد أن المسلمين من هذا كله يقفون في مَكانةِ الثُريا، لا تستطيع كل هذه المكائد ولا يستطيع شيءٌ من هذا اللغوِ أن يتسامى إلى مكانتهم الباسقة إطلاقاً. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق في إسلامنا كما قد رزقنا الصدق في حب دنيانا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم .

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشهد أن لا إله إلا الله إقراراً بربويته وإرغاماً لمن جحد به وكفر وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيّه وخليله خير نبي أرسله , أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين . عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر وأخرجوا حبَّ الدنيا من قلوبكم فإنه إذا استولى أسر , وأعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكة قدسه فقال عز من قائل عليماً إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم وآل سيدنا ابراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم وآل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ورضي الله عن الخلفاء الراشدين ذو الفخر العلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وأَلِّف بين قلوبهم يا رب العالمين اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً يا رب العالمين اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالسعي إلى مرضاتك ولاتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم تولنا وعبادك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بعين عنايتك وبأتم رعايتك وأبدل عسر هذه الأمة يسراً عاجلاً غير آجل وفَرِّج الكرب عن المكروبين ونَفِّس الهم عن المهمومين وأَحسِن خلاص المسجونين وردَّنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً يا رب العالمين اللهم ارحم أمة سيدنا محمد اللهم اصلح أمة سيدنا محمد اللهم انصر أمة سيدنا محمد اللهم فَرِّج عن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فرجاً قريباً اللهم إنا نسألك أن تتولى عبدك هذ الذي ملَّكتهُ زمام أمورنا أن توفقه للسير على صراطك ولاتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونسألك اللهم أن تملأ قلبه بمزيدٍ من الإيمان بك وبمزيدٍ من الحب لك وبمزيد من التعظيم لحرماتك ونسألك اللهم أن تجمع به أمر هذه الأمة على ما يرضيك وأن تكرمه في سبيل ذلك بطانة صالحة يا مولانا يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا الحاضرين ووالديهم ولمشايخنا ولأرباب الحقوق علينا ولسائر المسلمين أجمعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين . عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظكم لعلكم تذكرون .

تحميل



تشغيل

صوتي