مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 18/12/1992

الله الله في أصحابي

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أما بعدُ فيا عبادَ الله:


إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأنا عن علامات تدل على قرب قيام الساعة، وقد قسم علماء الشريعة والعقيدة هذه العلامات إلى قسمين اثنين: علاماتٍ صغرى وعلامات كبرى.


والمراد بالصغرى: تلك العلامات التي أنبأ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل الخبر عنها إلى درجة التواتر القطعي واليقيني. من هذه العلامات الصغرى التي أنبأ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كثرةُ الفتن.


وكلمة الفتنة تعني كل ما يسبب اضطراباً أو فوضى في صفوف الأمة، أياً كان مظهر هذا الاضطراب، وأياً كان شكله وأياً كانت حدوده. كل ما يخالف النظام والألفة والتلاقي على الود وهو نوعٌ من الفتن. فمن أشراط الساعة أن تكثر الفتن؛ أي أن تكثر الاضطرابات وأن يكثر الفوضى في الرأي وأن يكثر الاختلاف بين الناس حتى يحملهم هذا الاختلاف إلى التهارج والخصام، بل يحملهم على ما وراء ذلك ربما، ولقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عليٌ رضي الله عنه أنه قال: )ستكون فتنٌ من بعدي[ قالوا: وما العاصم منها يا رسول الله؟ قال: )كتابُ الله فيه حكم ما بينكم ونبأ من قبلكم من اعتصم به هداه الله ومن تركه من جبارٍ قصمه الله تعالى[. والحديثُ طويل.


وهذا الحديث يدل على أمرين اثنين: يدل أولاً - كما قلت لكم - على أن من علامات قرب الساعة كثرة الفتن، ثم إنه يدل على أن خير معتصمٍ من هذه الفتن وخير ملجأٍ يفر إليه الإنسان منها الرجوع إلى كتاب الله عز وجل بالتدبر فيه ثم بالاهتداء بهديه، والتمسك بأوامره والانتهاء عن نواهيه، فمن فعل ذلك فإنه سيظل معصوماً عن رياح هذه الفتن مهما كانت هوجاء ومهما كانت مؤثرةً وخطيرة، ومن ند أو ابتعد عن كتاب الله عز وجل أطاحت به رياح هذه الفتن. ألم يقل عندما سُئِل ما العاصم منها قال: ) كتاب الله[.


ونحن اليوم نرى مصداق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حدثنا عن الفتن، كما نرى مصداق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نجد كتاب الله سبحانه وتعالى هو الملاذ والمعتصم من هذه الفتن الهوجاء التي تطل علينا إطلالة خطرٍ لا يعلم مداه أحدٍ إلا الله.


وهذه الفتن كثيرة، ولكني أحب أن أحدثكم اليوم عن واحدةٍ من هذه الفتن، أحب أن أحدثكم عن الألسن التي تمتد متطاولةً بقالة السوء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن الأقلام المسمومة التي تكتب في الظلام كلاماً يسيء بحقِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما كتب ذلك أو قيل ذلك باسم الإسلام وباسم الغيرة على دين الله سبحانه وتعالى، وهذه فتنةٌ من أخطر الفتن التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنبأ عنها؛ أن نجد المسلمين وقد راحوا إلى تلك الفئة التي كانت حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الرعيل الأول الذي حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من أن يمتد أحدٌ بأي أذىً بلسان أو بقلمٍ إليهم عندما قال: )الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي[ والحديث صحيح. ولكنا نجد اليوم من يسيء القول إليهم، بل ربما من يشتمهم ويسخر منهم ويتهجم عليهم باللسان أو بالقلم باسم الإسلام وباسم الغيرة على دين الله سبحانه وتعالى. وانظروا كم يجر هذا الموقف من فتن، وانظروا كم يجر هذا الموقف المسلمين إلى رزايا. وما العاصم من هذه الفتنة؟ العاصم منها كما قال رسول الله )كتاب الله[ عز وجل.


عندما يقرأ شابٌ من المسلمين كتاباً فيه قالة السوء بأشكالٍ شتى في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أو في حق أبو بكر أو عمر أو عثمان أو في حق أيٍ من الصحابة، وعندما يقرأ هذا الكلام ويجد أن مبرراته هي الدين والغيرة على الدين بحسب ما يتبدى من لسان الكاتب ودوافعه. ماذا يفعل هذا الشاب عندما يقرأ هذا الكلام؟ وكيف يدرك أنه يقرأ كلاماً باطلاً ينبغي أن يترفع عنه؟ أو أنه يقرأ كلاماً صحيحاً كما يقول كاتبه يندفع إليه باسم الغيرة على الإسلام، إنها لحيرة وإنها لفتنة وأي فتنة، ولكن ما العاصم منها؟ العاصم منها كما قال سيدنا رسول الله الرجوع إلى كتاب الله عز وجل.


ارجع إلى كتاب الله وتدبر فلسوف تذكر أنك قرأت فيه قول الله عز وجل: )والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً[.


أرأيت إلى العاصم تقرأ فيه كلام الله سبحانه وتعالى في صفة المؤمنين أنهم أذلةٌ على المؤمنين أعِزّة على الكافرين تقرأ فيه قول الله سبحانه وتعالى: )محمدٌ رسول الله والذين معه أشداءُ على الكفارِ رحماءُ بينهم[.


وتقرأ من مؤيدات ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اتفق عليه الشيخان من قوله صلى الله عليه وسلم )المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده[.


فإذا وقفت على هذا البيان الناصع في كتاب الله وتدبرته رأيت فيه معتصمك، وعلمت أن هؤلاء الذين تمتد ألسنتهم كالثعابين لبث قالة السوء في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا من كتاب الله في شيء وليسوا من الإيمان بالله عز وجل في شيء، وتجد أن هذا الكتاب الرباني الذي جعله معتصمك ضد الفتن كلها، تجد أنه خير حصنٍ يؤويك وخير ملجئ يبعدك عن هذه الفتن كلها، وهكذا تنجو بدينك وإيمانك من كل هذه العواصف إلى أن ترحل عن هذه الدنيا إلى الله سبحانه وتعالى.


)والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً[ الذين يؤذون المؤمنين، لم يقيد المؤمنين بأن يكونوا صالحين، لم يقيد المؤمنين بأن يكونوا علماء أولياء، ولم يقيد المؤمنين بأن يكونوا صحابة كرام، بل أعلن أن كل من يؤذي بلسانه أو بأي وسيلةٍ من الوسائل مؤمناً من المؤمنين كيف ما كان، فليعلم أنه احتمل في جنب الله بهتاناً وإثماً مبيناً . فكيف عندما يكون هذا الإنسان الذي تمتد إليه الألسن بالأذية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف عندما يكون واحدة من أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يمكن وأنت تعود إلى كتاب الله وتجعله الحكم عند كل مشكلةٍ وعند كل فتنة، هل يمكن أن تتصور أن هذا الذي يفعله هذا عنده آثارة من دين؟ معاذ الله.


عندما يصف الله سبحانه وتعالى التابعين لسيدنا محمد بأول صفة إذ يقول: )والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم[ رحماء فيما بين المؤمنين؛ ثم تنظر فتجد من يلغو بالظلم والإثم والكلام الذي يخجل منه الإنسان. أياً كانت نحلته؟ وأياً كان مذهبه؟ هل يمكن أن تتصور أن هذا واحدٌ ممن يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الوصف الذي وصف الله به أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ولقد قلت بالأمس وأقولها اليوم: لو جاز في مقياس الدين وميزان الإسلام أن ألتقط أخطاء المؤمنين من حولي لأجعلها مبرراً للهجوم عليهم ولمد اللسان أو القلم بالإيذاء في حقهم إذاً، إلى أي شيء سيحول حال المسلمين سيؤول حال المسلمين لا شك أن حال المسلمين سيؤول إلى أن ينطلق كل إنسان ليتقرب إلى الله بحرب أخيه الإنسان ذلك لأن كل بني آدم خطاء، إذا كانت قربتي إلى الله عز وجل أن أبحث عن أي خطيئة أو حتى عن معصية يرتكبها إنسان من الناس لأجعل منها مبرراً للهجوم الصاعق عليه ولمد اللسان أو القلم بالإيذاء في حقه، إذاً ينبغي أن أقضي حياتي كلها في الهجوم على إخواني المؤمنين، وأن يقضي كلٌ منهم حياته في الهجوم عليّ أيضاً، وهكذا فإن هذه الأمة تصبح أمة قد تحولت إلى رحىً يطحن بعضها بعضاً في أتونٍ من الحرب الدامية التي لا تنتهي، ويكون ذلك قربةً إلى الله عز وجل.


إذاً أين بقي معنى قول الله عز وجل: )واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا[؟ وما معنى قول سيدنا رسول الله )الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي[؟


إن هذا لا يعني أن أصحاب رسول الله قد أصبحوا بهذا معصومين أبداً وكل الناس ما عدا الرسل والأنبياء معرضون للأخطاء معرضون للمعاصي، ولكن الله عز وجل على الرغم من ذلك أدبنا بأن لا نمد ألسنتنا بقالة السوء بحق أي من إخواننا. )المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده[ لم يقل المسلمون من سلم المسلمون المعصومون من لسانه ويده إذاً ما هي الدوافع التي تحمل إنساناً على أن يكتب فينشر وينشر الهجوم على أصحاب رسول الله، بل على عيون أصحاب رسول الله على أمهات المؤمنين بل على عيون أمهات المؤمنين. ما هي الدوافع أهي فعلاً غيرة على دين الله؟ لا والله إنما هي غيرة على الهوى، إنما هي غيرة على العصبية، إنما هي غيرة على الشهوة، إنما هي غيرة على الكبرياء وحب الذات والانتصار للأنا، الأنا الجماعية المهلكة الحالقة كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: )لا أقول حالقة الشعر بل حالقة الدين[ هذا هو الدافع.


وإننا لنقول دائماً أما الاختلاف في الرأي، وأما الاجتهاد في ساحة الإسلام الواحد فما أيسر أن يتسع الإسلام لهذه الإجتهادات المتعددة، ولكن على أن تنطلق هذه الاجتهادات من دافع الإخلاص لوجه الله، من دافع الغيرة فعلاً على دين الله عز وجل، عندئذٍ لابد لهذه الآراء الاجتهادية مهما تكاثرت أن تتجمع أخيراً ثم تتجمع ثم تلتقي على نقطة واحدة، هي نقطة الهدف الأقدس، هي نقطة الغاية القدسية، وهكذا يكون بدء هذه الاجتماعات، هذه الآراء المختلفة كقاعدة الهرم التي تنطلق منها ربما خطوط كثيرة، ولكنك لا تنظر إلى قمة الهرم إلا وقد اتحدت هذه الخطوط كلها، لكن عندما نجد أن هذه الآراء الاجتهادية تسير متباعدةً ولا تلتقي لا في منطلق ولا في نهاية، وعندما نعرضها على كتاب الله فنجد أن كتاب الله بصريح بيانه يتبرأ من هذه الاجتهادات، نعلم عندئذٍ أن هذه الآراء ليست نابعة من ساحة الدين، وإنما هي نابعة من حظوظ النفس.


أجل أيها الأخوة إنها من الفتن التي حذر منها رسول الله، وأنبأ أن ظهورها بعض من علامات قرب قيام الساعة، والأهم من هذا أن نعلم المُعتصَم الذي ذكره رسول الله عندما سُئل فما العاصم منها؟ قال: العاصم كتاب الله. فإذا رأيتم من يهذي هجوماً على أيٍ من أصحاب رسول الله فاعتصموا بكتاب الله وتدبروه تجدون ميزان كتاب الله اتجاه هذا الشذوذ، تجاه هذا العمل الذي قد يتقنع في كثيرٍ من الأحيان باسم الإسلام.


وليت شعري لو أن الصحابة فعلاً كانوا أهلاً لهذا الهجوم، وأهلاً لهذه النقيصة إذاً بجهد مَن مِن الجنود انتصرت هذه الأمة، وقامت هذه الفتوحات، وارتفع رأس الأمة بتاريخ المسلمين عالياً من أين جاء هؤلاء الجنود؟ أهبطوا من سماء الله ملائكة؟ أم خرجوا من طبقات الأرض جناً؟ إذا لم يكن أصحاب رسول الله هم أصحاب الفضل الذي يطوق أجيال المسلمين من بعدهم إلى أن تقوم الساعة، إن لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين أسدوا إلى الأمة هذا الفضل، ترى أنتحدث عن حلم عندما نتكلم عن هذا الفتح الإسلامي العظيم؟ أنتحدث عن حلم عندما نتكلم عن مقادة الحضارة يوم سلمها الله سبحانه وتعالى للمسلمين من هي الأيدي التي تسلمت مقادة الحضارة؟ من هي الأيدي إن لم تكن أيدي أصحاب رسول الله؟ إن لم تكن أيدي أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ومن معهم من بقية الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم.


اللهم إنا نشهدك أننا ماثلون أمام وصية رسولك المصطفى صلى الله عليه وسلم: )الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي فإنه لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً لما بلغ مُدَ أحدهم ولا نصيفه[.


ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا بالقول الثابت وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن فاستغفروه يغفر لكم .

تحميل



تشغيل

صوتي