مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 06/11/1992

ظاهر الإثم وباطنه .. وأثرهما على المجتمع الإسلامي

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عبادَ الله:

إنَّ المعاصيَ التي حرّمها اللهُ سبحانهُ وتعالى وحذَّرَ منها عبادهُ تنقسمُ إلى قسمينِ اثنين: معاصٍ ظاهرةٌ تتلبَّسُ بالجوارحِ وتنحطُّ على الأعضاءِ ويراها الإنسانُ بحواسِّه. ومعاصٍ أخرى مكمنُها القلبُ ومركزُها النّفسُ ولا يستطيعُ الإنسانُ أن يتبيّنها بحاسّة.

فأمّا القسمُ الأوّلُ: فهوَ الذي سمّاهُ اللهُ سبحانهُ وتعالى في محكمِ كتابهِ ظاهرَ الإثم. وأمّا القسمُ الثّاني: فهوَ الذي سمّاهُ اللهُ سبحانهُ وتعالى باطنَ الإثم. وقد أمرَنا باجتنابِ كلا القسمينِ فقال: ((وذروا ظاهرَ الإثمِ وباطنه))، ولكن أيُّهما أخطر؟ وأيُّهما الذي يضربُ بجذورهِ في كيانِ الإنسانِ حتّى يصبحُ منَ العسيرِ امتلاخُهُ واقتلاعُه؟

أمّا المعاصي الظّاهرةُ التي تتمركزُ على الأعضاءِ وتبرزُ في سلوكِ الإنسانِ الظّاهريِّ فهوَ أخفُّ هذينِ القسمين، وأيسرُهُما على صعيدِ المعالجة، وهذا هوَ القسمُ الذي يغلبُ أن لا تكونَ لهُ جذوراً خفيّة، وإنّما مردُّهُ إلى ما وصفَ اللهُ سبحانهُ وتعالى الإنسانَ بهِ منَ الضّعف، إذ قالَ عزَّ وجلّ: (وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً)، فما أيسرَ على الإنسانِ الذي انزلقَ في معصيةٍ من معاصي الحواسِّ والأعضاء، ما أيسرَ إذا صحا من معصيتهِ أن يستغفرَ اللهَ ويتوبَ إليه، وما أسرعَ أن يتوبَ اللهُ سبحانهُ وتعالى عليك، كيفَ لا وهوَ القائل: (وهوَ الذي يقبلُ التّوبةَ عن عباده)؟ وهوَ القائلُ أيضاً: (والذينَ إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسَهم ذكروا اللهَ فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرُ الذّنوبَ إلا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون).

وأمّا النّوعُ الثّاني من المعاصي وهوَ ذلكَ الذي يكونُ خفيّاً ويتوضّعُ - كما يقولُ الأطبّاءُ - فيتمركزُ في طوايا القلبِ فهذا هوَ النّوعُ الخطيرُ الذي يصعبُ علاجُه، بل يصعبُ الاستيقاظُ منه. بمقدارِ ما يسهلُ على العاصي أن يستيقظَ من معاصيهِ الظّاهرةِ عندما تبتعدُ نشوتُها عنهُ فإنّهُ يعسرُ على الإنسانِ أن يستيقظَ من معاصيهِ الباطنةِ لأنَّ نشوتَها لا تزايلُه، ولأنَّ آثارَها لا تفارقُه، ولأنَّ سكرَها ممتدّ. ومن هنا كانَت هذهِ المعاصي أخطر، ومن هنا كانَ باطنُ الإثمِ أوغلَ في إبعادِ صاحبهِ عن صراطِ اللهِ سبحانهُ وتعالى وزجّهِ في مخاطرِ الإلحادِ والفسوق، بل ربّما كانت الخطورةُ الكبرى أنّها تهيِّئُ لهُ خاتمةً سيّئةً في نهايةِ عُمُره.

هذهِ المعاصي الباطنةُ التي تحدَّثَ البيانُ الإلهيُّ عنها كثيراً في محكمِ كتابهِ وحذَّرَ منها كثيراً تتمثّلُ في الكِبر، تتمثَّلُ في العصبيّةِ والاعتدادِ بالذّات، تتمثّلُ في الحقدِ على الآخرين، تتمثّلُ في الحسد، تتمثَّلُ في حبِّ الجاهِ والسّمعةِ والمكانة، تتمثَّلُ في حبِّ الدّنيا بكلِّ أنواعِها، والدّنيا كشجرةٍ ذاتُ أغصانٍ لا تكادُ تحصى. ويضيقُ الوقتُ عن عدِّ وإحصاءِ هذهِ الأغصان، تلكَ هيَ المعاصي الخفيّةُ الباطنة.

والمجتمعُ الذي ابتعدَ عن صراطِ اللهِ عزَّ وجلَّ وانحطَّ في الموبقاتِ، إذا تأمّلنا ونظرنا فإنّنا سنلاحظُ أنَّ التّيّارَ الذي يزجّهُ في هذهِ الموبقاتِ لا يتمثَّلُ في معاصٍ ظاهريّةٍ فقط، لا .. بلِ التّيّارُ الخفيُّ والحقيقيُّ يتمثَّلُ في هذهِ المعاصي الباطنة: عصبيّةُ الإنسانِ لذاته، عصبيّةُ الإنسانِ لآرائهِ التي تصبحُ جزءاً من ذاته، كبرياؤه، عنادُه، حقدهُ كما قلت، حَسَدُه، إلى آخرِ ما هنالِك، هوَ الذي يفتُّ في عضُدِ المجتمعِ الإسلاميّ، هوَ الذي يجعلهُ أنكاثاً ويمنعُ وسائِلَ الألفةِ مهما كانت قويّةً من أن تعملَ عملَها في حياةِ هذا المجتمع.

إنَّ الإنسانَ يستطيعُ أن يحدِّثَ عدداً منَ الذينَ يرتكبونَ المعاصيَ الظّاهرةَ ويقعونَ في اللهوِ الذي انحطَّت نفوسهم إليهِ يستطيعُ أن يلتقيَ بهم ويذكِّرَهم بالله، ويذكّرهم بالمخافةِ منَ الله، وإذا بقلوبهم تتّجهُ إليه، وإذا بعيونهم تهمي منها الدّموع، وإذا بهم يتألّمونَ لمعاصيهم, ويتساءلونَ الواحدَ إثر الآخر, ما السبيلُ إلى أن أعودَ إلى اللهِ وأرى اللهَ عزَّ وجلَّ راضياً عنّي؟ وما أيسرَ أن تدعوهم إلى وفاقٍ ووئامٍ لأنَّ القلوبَ نظيفة, وإنّما البلاءُ كامنٌ في أعضاء, في معاصٍ ظاهرةٍ تلبست بها الأعضاءُ عن سائقِ ضعفٍ لا عن استكبارٍ على اللهِ عزَّ وجلّ. ولكن جرّب أن تلتقيَ مع ثلّةٍ منَ النّاس، كلٌّ يزهى بعصبيّتهِ وانتمائه، كلٌّ يُضمِرُ في نفسهِ كبرياءَهُ التي يعبّرُ عنها ويترجمُها بالطّريقةِ التي يشاء، قد تُتَرجَمُ الكبرياء بطريقةٍ دينيّةٍ، وقد تترجَمُ بطريقةٍ منَ النُّصحِ والإرشادِ وما إلى ذلك، وقد تُتَرجّمُ بطرائِقَ أخرى، جرّب أن تلقى هؤلاءِ النّاسِ ثمَّ تذكِّرَهم بالله، ثمَّ تذكّرهم كيفَ حذّرَ اللهُ عزَّ وجلَّ من باطنِ الإثم، وكيفَ كانَ يقولُ سيِّدُنا إبراهيم: ((ولا تُخزِني يومَ يُبعَثون * يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم))، حاول أن تجرِّبَ نصيحتَكَ بينَ هؤلاءِ النّاس، ماذا ستجد؟ ستجدُ كلاً منهم قد سدَّ عليكَ منافذَ الطّريق، وقامَ كلٌّ منهم فجعلَ من نفسهِ مرشِداً أكثرَ من إرشادك، ومذكِّراً أكثرَ ممّا تذكِّر، وأدخلَ في كلامِكَ العيوب، وربّما سَخِرَ ممّا تقول. ومهما حاولتَ لن تجِدَ سبيلاً إلى علاج، لأنّكَ لا تملكُ أن تعالِجَ إلا هذهِ المعاصي الظّاهرة، أمّا أن تدخُلَ إلى القلوبِ فتجتثَّ أمراضَها فما أعسرَ عليكَ ذلك.

فانظروا أيّها الإخوةُ إلى هذينِ الواقِعَينِ اللَّذَينِ لا أتخيَّلُ الفرقَ بينهما بوهم، ولكنّي أجسِّدهُما واقعاً يتبيّنهُ كلُّ إنسان، لو أنَّ إنساناً اتّجهَ إلى ثلّةٍ من هؤلاءِ العاصينَ المنحرِفينَ فذكَّرهم باللهِ خلالَ دقائق، أدنى ما يمكنُ أن نقولهُ منَ الوصولِ إلى التّأثيرِ إليهم: أن يعترفوا بأنّهم آثمون، وأن يعترفوا بأنّهم مخطئون، وهذا أدنى معاني التّأثيرِ الذي سيؤثِّرُ كلامُكَ بهم على أساسه، والمظنون أنَّ مثلَ هذا النُّصحِ سيوصلُهم إلى خيرٍ من ذلِكَ أيضاً، ولن يوقفَهم عندَ هذا الحدِّ أبداً. ولكن عندما تلتقي بأناسٍ هيمنت هذهِ الأمراضُ على نفوسهم وقلوبهم فهيهاتَ هيهاتَ أن يلقى نُصحُكَ أيَّ أذنٍ صاغيةٍ منهم، وأينَ هيَ الأذنُ التي يمتدُّ سلطانُها منَ الطّبلةِ الصُّماخيةِ إلى القلب؟ والقلبُ قد صُفِّحَ بهذهِ الأمراضِ التي أحدِّثكم عنها.

فإذا عرفنا ذلكَ فلتعلموا أنَّ الخيرَ الذي حقّقهُ اللهُ عزَّ وجلَّ للرّعيلِ الأوّلِ من هذهِ الأمّة، الخير الذي قيّضهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بما يشبهُ الخوارقَ والمعجزاتِ لأصحابِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، والثّمراتُ الإيمانيّةُ التي تحقّقت في حياتهم أُلفةً وحُبّاً ووحدةً وقوّةً وعزّاً لم تكن بسببِ أنَّ هؤلاءِ الصّحابةَ ارتقوا إلى صعيدِ العِصمة، لا، بل كانوا مثلَكم ومثلَ سائِرِ البشرِ خطّائين، "كلُّ بني آدمَ خطّاء"، هكذا يقولُ رسولُ الله: "وخيرُ الخطّائينَ التّوّابون".

إذاً ما سرُّ هذهِ البركةِ التي هيمنت على حياتهم؟ فوحّدتهم وجمعت شملهم وحققّت دعائمَ القوّةِ والعزّةِ في حياتهم؟ السّرّ: أنَّ قلوبَهم صفت من الشّوائب، السِّرّ: أنّهم عالجوا أنفسهم ضدَّ ما سمّاهُ اللهُ سبحانهُ وتعالى باطنَ الإثم، السِّرّ: أنّهم ساروا في منهجٍ من مداواةِ قلوبِهم حتّى انتهَوا من هذهِ المداواةِ إلى تحريرِ قلوبِهم من حبِّ الدّنيا وغوائلِها، إلى تحريرِ أنفسهم منَ الكِبرِ والعناد، إلى تحريرِ أنفسهم من العصبيّةِ للذّات، إلى تحريرِ قلوبِهم منَ الحقدِ والضّغائنِ والسّخائمِ ضدَّ الآخرين، فرقّت قلوبهم، وتحوّلت إلى مرآةٍ تلألأَ عليها حبُّ اللهِ والخوفُ منَ اللهِ سبحانهُ وتعالى. فما الذي يصدُّهم عن أن يجتمعوا؟ وأن يتآلفوا؟ وأن يصبحوا يداً واحدةً في السّرّاءِ والضّرّاء؟

قد يصدرُ من بعضٍ منهم معاصٍ تتعلَّقُ بالجوارح، ولكنَّ الأهمَّ من هذا أنَّ قلوبَهم طَهُرَت وأصبحت مثالاً للقلبِ السّليمِ الذي تحدَّثَ عنهُ سيِّدُنا إبراهيم على نبيِّنا وعليهِ الصّلاةُ والسّلامُ في دعائه. هذا هوَ السِّرّ، وهذا هوَ الفارقُ العظيمُ بيننا وبينَ أصحابِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

وقد يسألُ الواحدُ منكم: ما المنهجُ الذي اتّبعوهُ حتّى وصلوا إلى ذلكَ الشّأوِ البعيد؟ ليسَ هنالكَ منهجٌ مرسومٌ في حياتهم، ذلكَ لأنَّ المناهجَ سواءٌ منها ما يتعلَّقُ بالاجتهادِ الشّرعيّ، أو ما يتعلَّقُ منها بروايةِ الحديث، أو ما يتعلَّقُ منها بتطهيرِ القلوب. هذهِ المناهِجُ رُسِمت وكُتِبت فيما بعد، أمّا أصحابُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فكانوا تنفيذيّين، كانوا عمليِّينَ في حياتهم، لم يكن متّسعٌ لديهم لأن يكتبوا ثمَّ يرصدوا ثمَّ يتعلّموا ثمَّ يطبِّقوا..

تلقَّوا هذا كلَّهُ من رسولِ الله، من كتابِ اللهِ عزَّ وجلّ، وطبّقوهُ رأساً أكثرَ من ذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ في البُكورِ والآصال، كلَّما التقت ثلّةٌ من صحابةِ رسولِ اللهِ قالوا: تعالوا بنا نؤمن ساعة، جلسوا يذكرونَ اللهَ عزَّ وجلّ، كلّما لقيَ إنسانٌ صاحِبَه، ثمَّ التقى معهم ثالث، كلٌّ كانَ يتصوَّرُ أنَّ صاحِبَهُ خيرٌ منهُ فكانوا يتداعَونَ إلى مجلسٍ يجلسونَهُ فكانَ يدعو الواحدُ منهم ويؤمِّنُ الباقون، ثُمَّ يدعو الثَّاني فيُؤمٍّنُ الباقون, ثُمَّ يدعو الثَّالثُ فيُؤمٍّنُ وهكذا في سلسلةٍ دائريّةٍ متواصلة. ولم يأخذوا طريقةً من شيخ، ولم يبايعوا شيخاً باسمِ التّصوُّف، ولكنَّهم طبّقوا المضمونَ قبلَ أن يقفوا أمامَ المصطلحات، فكانَ هذا هوَ السِّرَّ الذي جعلَ منهم أولئكَ الرِّجالَ العِظام، أولئِكَ الرِّجالَ الكِبار: صفاءُ السّريرةِ أيُّها الإخوة.

أمّا نحنُ اليومَ فإنّنا نُزهى بالحديثِ عنِ الظّواهرِ والمظاهرِ والأُطُر، ولكنّنا عن تنظيفِ قلوبِنا التي رانت عليها العفونةُ معرضون، ولو أنّنا كشفنا عن طوايا أفئدتِنا هذهِ لرأيناها عشّاً للكبرياء، لرأيناها -واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو- عشّاً للعصبيّة، للذّاتِ والرّأيِ الذّاتيّ، لرأيناها عشّاً لحبِّ الكبرياءِ والرِّئاسةِ والمجدِ والزّعامة، لرأيناها عشّاً لحبِّ المال، ولحبِّ الجاه، لرأيناها عشّاً للحقدِ على الآخرين، ومنِ الآخرون؟ مسلمونَ أيضاً.. وعندما نحدِّثُ هؤلاءِ النّاسِ بالإكثارِ من ذكرِ الله، وبالسّيرِ على المنهجِ الذي سارَ عليهِ صحابةُ رسولِ الله، وبتخليةِ القلبِ عنِ الضّغائنِ والأمراض، ثمَّ تحليَتِها بحبِّ اللهِ والخوفِ منَ الله، قالوا أو قالَ أحدهم: إنّها رائحةُ تصوُّفٍ أشمُّها من هذا الكلام، واتّجهوا بالهجومِ الصّاعقِ على هذا المنهجِ كلِّه، وحجّتهم في ذلكَ اصطلاح، اسم: (التّصوُّف).

ولو أنَّ قلوبَنا كانت طاهرة، ولو أنَّ قلوبَنا كانت نظيفةً لتجاوَزنا الاسم، ولأخذنا المضمون، المضمونَ الذي تمسَّكَ بهِ أصحابُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولطبّقناهُ في حياتِنا. سمِّهِ احساناً، سمِّهِ تربيةً، سمِّهِ تزكيةً، سمِّهِ سلوكاً إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى، لا مُشاحّةَ في الاصطلاح، ولكن من مظاهرِ السّوءِ الذي رانَ على حياتِنا أنّنا نتهارجُ بأسماء، ومن أجلِ مصطلحات، ونضيِّعُ الجوهرَ الثَّمينَ الذي أمرنا بهِ اللهُ عزَّ وجلَّ.

المهمّ: أن تتحوَّلَ قسوةُ قلبي إلى رقّة، اسلكِ الطّريقَ الذي تشاءُ بشرطِ أن يكونَ موزوناً بميزانِ شريعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ وسمِّهِ ما تشاء، المهمُّ أن يتحوَّلَ قلبُكَ من نموذجٍ للقسوةِ كما كانَ قلبُ عمرَ بنِ الخطّاب يُضرَبُ بهِ المثل، إلى قلبٍ في غايةِ الرّقّةِ كما آلَ إليهِ قلبُ عُمَرَ بنِ الخّطّابِ فيما بعد واسلُكِ السّبيلَ الذي تشاء. ألا ترونَ كيفَ كانَ عُمَرُ في جاهليّتهِ مَضرِبَ المثلِ في القسوةِ والغِلظةِ والفظاظة؟ ثمَّ إلامَ آلَ أمره؟ كانَ يصلّي في القومِ صلاةَ الفجرِ ولمّا تلا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: ((إنَّ عذابَ ربِّكَ لواقع * ما لهُ من دافع)) خرَّ مغشيّاً عليهِ وحُمِلَ إلى داره، وكانَ يعودُهُ النّاسُ خلالَ ثلاثةِ أيّام. المهم: أن يؤولَ حالُكَ إلى مثلِ حالِ عُمر واسلُكِ الطّريقَ الذي تشاء. المهمّ: أن يُصبِحَ هؤلاءِ المسلمونَ متآلفينَ متحابّينَ كما وصفَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "ألا أنبِّئكم بأقربكم منّي مجالساً يومَ القيامة؟ أحاسِنُكم أخلاقاً، الموطّؤونَ أكنافاً، الذينَ يألفونَ ويؤلَفون". ولا واللهِ لا سبيلَ إلى ذلكَ إلا طهارةُ هذا القلب، اسلُك الطّريقَ الذي تشاءُ وسمِّهِ ما تشاءُ على أن يكونَ طريقاً لا يخالفُ هديَ الله، ولا يخالفُ سنّةَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

هذا هوَ الدّواءُ الذي أخذَ الصّحابةُ أنفسهم بهِ فتحقّقت لهم معجزاتُ التّأييد، أمّا نحنُ فصحيحٌ أننّا أوغلنا في المعاصي، ولكنَّ علاجَ هذهِ المعاصي الظّاهرةِ يسير، تضميدٌ يسيرٌ للجراحِ يوقِفُ النّزيف. ولكنَّ الأشكلَ والأخطرَ هوَ أن تكتشِفَ السّرطانَ الخفيّ، وأن تبعثَ بدواءٍ إلى مكمنِ هذا السّرطان، هذا هوَ واقعُنا نحنُ المسلمين.. والبلاءُ الأطمُّ فوقَ هذا وذاكَ أنَّ في المسلمينَ الذينَ يريدونَ ويتمنّونَ أن تكونَ لهمُ الرّيادةُ الإسلاميّة من يحاربونَ هذا النّهج، ومن يحاربونَ السّيرَ على صراطِ اللهِ سبحانهُ وتعالى بحثاً عن تزكيةِ النّفس. ألا ترون؟ ألا تسمعون؟ أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم...

تحميل



تشغيل

صوتي