مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 19/06/1992

خطبة الإمام البوطي : هكذا يستغل الحج لتحقيق مزيد من الخلاف والشقاق

من خطب عام 1992

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

ما من شكٍّ في أنَّ الحجَّ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ ركنٌ من أركانِ الإسلام، وقد تبيَّنَ هذا وعُلِمَ ممّا عُلِمَ من أحكامِ وحقائقِ الإسلامِ الضّروريّةِ البدهيّةِ التي لا يرتابُ فيها مسلم، وكلامُ اللهِ سبحانهُ وتعالى في وجوبِ الحجِّ على المستطيعينَ صريحٌ. إذ قالَ في محكَمِ كتابهِ: (وللهِ على النّاسِ حِجُّ البيتِ من استطاعَ إليهِ سبيلاً). وهذا الكلامُ مكرّرٌ في أكثرَ من موضعٍ في كتابِ اللهِ سبحانهُ وتعالى.

ولكن ينبغي أن نعلمَ أيضاً أنَّ واقعَ هذا الحجِّ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ في هذا العصرِ كظاهرةٍ متبيّنةٍ يراها المسلمون، إنّما تجسِّدُ حقيقةَ ما قالهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حديثهِ الصّحيح: (ستداعى عليكمُ الأممُ كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها)، إلى أن قالَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ جواباً عن سؤالِ سائل: أمن قلّةٍ نحنُ يا رسولَ اللهِ يومئذ؟ قال: (بل أنتم كثيرٌ ولكنّكم غثاءٌ كغثاءِ السّيل، وسينزعنَّ اللهُ الرّهبةَ منكم من قلوبِ أعدائكم، وسيقذفنَّ في قلوبكمُ الوهن). ولـمّا سألهُ أحدهم عن الوهنِ قال: (حبُّ الدّنيا _أو الحياة_ وكراهيةُ الموت).

فنحنُ لا نجدُ صورةً تتجسّدُ فيها هذهِ الصّفةُ التي وصفَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بها مآلَ المسلمينَ كما تتجسّدُ في واقعِ الحجِّ في هذا العصرِ إلى بيتِ اللهِ الحرام. أمّا الكثرةُ فحدِّث عنها ولا حرج، فالمقبلونَ إلى الحجِّ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ كثيرونَ وهم في تكاثرٍ وازدياد، وأمّا الغايةُ التي وظَّفَ اللهُ سبحانهُ وتعالى الحجَّ من أجلِها، فإنّها لا أقولُ في تناقص بل في انعدامٍ كلّيّ، وإذا لاحظنا هذهِ الحقيقة: تزايدُ العددِ من حيثُ الكمّ، وتناقصُ أو انعدامُ الوظيفةِ التي وظّفَ اللهُ سبحانهُ وتعالى الحجَّ إلى بيتهِ الحرامِ من أجلِها، لاحظنا فعلاً أنَّ واقعَ الحجِّ في هذا العصرِ تجسيدٌ لقولهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلام: (بل أنتم كثيرٌ ولكنّكم غثاءٌ كغثاءِ السّيل).

لو أنَّ هذهِ الكثرةَ من الحجيجِ في كلِّ عامٍ وهيَ تزدحمُ حولَ بيتِ اللهِ العتيق، أو تفيضُ بها أرضُ عرفة، أو تفيضُ بها بقاعُ مِنى، لو أنَّ هذهِ الكثرةَ الكاثرةَ كانت فعلاً تسيرُ على نهجِ الإسلامِ وكانت تهتدي فعلاً بكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وبسنّةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، إذاً لحقّقَ اللهُ عزَّ وجلَّ من هذهِ الكثرةِ الإيمانيّةِ حزاماً يقي المسلمينَ من كلِّ سوء، ولجعلَ اللهُ سبحانهُ وتعالى من هذهِ الكثرةِ العظمى حصناً يتحصّنُ بهِ المسلمونَ بل يحصِّنونَ بهِ عزّهم وقوّتهم وغناهم ووحدتهم. ولكنّنا ننظرُ إلى هذهِ الكثرةِ الكثيرةِ فعلاً التي يتباهى بها الكمُّ العدديّ، وننظرُ إلى رصيدِ هذه الكثرةِ فلا نرى شيئاً، بل نرى ما هو مخزٍ، ونرى ما يؤكِّدُ تفرُّقَ المسلمين وتشتّتهم وضياعهم على الرّغمِ من أنَّ بيتَ اللهِ العتيقِ يدعوهم إلى الاتّحادِ والوئام، وعلى الرّغمِ من أنَّ كلَّ شعارٍ من شعائرِ الحجِّ وأنَّ كلَّ عملٍ من أعمالهِ وأنَّ كلَّ ركنٍ من أركانهِ يهيبُ بالمسلمين أن يتّحدوا، ويهيبُ بالمسلمين أن يكونوا لا يداً واحدةً بل قلباً واحداً أيضاً.

ولكن كأنّهم يجتمعونَ هناكَ ليعلنوا مزيداً من عواملِ فرقتهم، وكأنَّهم يتقاطرونَ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ إلى هناكَ لتحفرَ كلُّ فئةٍ مزيداً من الأخاديدِ التي تفرِّقُ ما بينَ الفئةِ والفئةِ الأخرى، ألا تسمعونَ إلى الشّعارات؟ إلى الآراءِ التي يزدهي كلُّ فرقةٍ بها كيفَ تتسامى وكيفَ تتباهى بها أثناءَ موسمِ الحجِّ إلى بيتِ اللهِ الحرام؟ الحجُّ إلى بيتِ اللهِ الحرام، بمقدارِ ما هو ركنٌ من أركانِ الإسلامِ بمقدارِ ما هو مَعينٌ ثَرٌّ لاتّحادِ المسلمينَ ولاجتماعِ شملهم ولتضافرِ قواهم واجتماعِ كلمتهم على صراطٍ سواء، والذي نراهُ اليومَ من الحجِّ مظاهرُه، والذي نفتقدهُ من الحجِّ آثارهُ ووظائفه، وإذا تبيَّنَ لنا هذا علمنا أنَّ المسلمينَ يعانونَ من بلاءٍ وبيلٍ جدّاً، بل يعانونَ من سرطانٍ خطيرٍ جدّاً لا يستشري في جسمِ مجتمع، وإنّما يستشري في جسمِ الإسلامِ ذاته، يستشري في جسمِ الإسلامِ ذاته.

وأنا عندما أقولُ هذا الكلامَ أتمثّلُ حجّةَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وما حجَّ حجّةً غيرَها، وأنظرُ إلى عمله، وأنظرُ إلى هديهِ الذي كانَ ينثرهُ وينشرهُ من حولهِ وقد ازدحمَ المسلمونَ وأحدقوا بهِ من كلِّ حدبٍ وصوب، وأنظرُ إلى وصايا رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وكانَ بوسعِ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ وهوَ يخطبُ خطبةَ الوداعِ التي ودَّعَ بها المسلمينَ في ذلكَ الموقف، كانَ بوسعهِ أن يقفَ بهم على دقائقِ الأحكامِ الإسلاميّة، وكانَ بوسعهِ أن يضعَ لهم ضمنَ الخطوطِ العريضةِ الخطوطَ التّفصيليّةَ الدّقيقةَ أيضاً، وكانَ بوسعهِ أن يضعَ على كلِّ حرفٍ نقطتهُ أو نقاطهُ لكي لا يختلفَ المسلمونَ في هذهِ الدّقائقِ من بعد.

ولكنّي أصغي إلى خطابهِ هذا فلا أراهُ عرَّجَ على شيءٍ من هذهِ القضايا التّفصيليّة، ولا أراهُ وقفَ عندَ مسألةٍ من هذهِ المسائلِ الاجتهاديّة، وإنّما رسمَ للمسلمين المبادِئَ الكلّيّة، ووضعهم أمامَ الخطوطِ العريضةِ، واعتصرَ لهم من الإسلامِ الجذورَ المجمّعة، وتركهم من فروعها أمامَ ما قد يجتهدونَ بهِ وأمامَ ما قد يتقرّبونَ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى بأفهامهمُ الاجتهاديّةِ فيه، وبوسعِ كلِّ منكم أن يعودَ إلى خطابهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حجّةِ الوداعِ يومَ عرفةَ ليتبيَّنَ هذا الذي أقول، وبوسعهِ أن يتساءل: لماذا لم يُرِح رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المسلمينَ من اختلافاتهم في المسائلِ الاجتهاديّةِ الفرعيّة؟ والمظنونُ برسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم - إن لم يكن الـمُتَأَكَّد - أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد أوحى إليهِ وألهمهُ الاختلافاتِ التي ستؤولُ إليها حالُ أمّتهِ من بعد، فلماذا وقد أُلهِمَ ذلك -يقيناً، لماذا لم يَضَعِ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لهم الحقائقَ التي هيَ الصّوابُ الذي لا يوجدُ بعدهُ إلا باطلٌ أمامَ طُرقِ المسلمينَ وأمامَ سبلهمُ الاجتهاديّة؟ لماذا صمت؟

صمتَ عن ذلكَ كلّهِ وإنّما ركّزَ وأكَّدَ الأمورَ الأساسيّة، المبادئَ القاطعةَ التي لا يمكنُ أن يطوفَ حولَها خلاف، فماذا يعني ذلك؟ يعني هذا: أنَّ على المسلمينَ قبلَ أن يتشاجروا في القضايا الاجتهاديّةِ الجزئيّةِ الخلافيّة، عليهم قبلَ هذا أن يجتمعوا على هذهِ المبادئِ الأساسيّةِ الكلّيّة. فإذا لم يجتمعوا على هذهِ المبادئِ الأساسيّةِ ولم يوطِّدوها في تربةِ عقائدهمُ الإيمانيّة، فلا خيرَ في أنشطتهمُ الاجتهاديّةِ في الفروعِ بعدَ ذلك، ومهما اجتهدوا بعدَ هذا في المسائلِ الفرعيّةِ والقضايا الجزئيّة، فإنَّ أنشطتهم هذهِ لن تعودَ إليهم إلا بالخُسران، ولن تعودَ إليهم إلا بالضّرر. ولكنَّ المسلمينَ إن ساروا وراءَ هديِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فجعلوا من كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ ومبادئهِ الكلّيّةِ الرّاسخةِ دعامةَ حياتهم، ومن سنّةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بيانَ كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ فيما بينهم، ومن المبادئِ الكلّيّةِ العامّةِ المتمثّلةِ في الشّريعةِ الإسلاميّة، جعلوا من ذلكَ دستورَ حياتهم، سواءٌ في الأمورِ الاعتقاديّةِ أو في التّطبيقاتِ والأمورِ السّلوكيّة، إن هم بدؤوا بهذا الأمرِ فرسّخوهُ في أفئدتهم واجتمعت عليهِ كلمتهم، فإنَّ موقفهم من تلكَ القضايا الجزئيّةِ موقفٌ لا يعودُ بأيِّ ضرر، سواءٌ اتّحدوا أو اختلفوا، سواءً اتّفقوا أو لم يتّفقوا، تلكَ هي وصيّةُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

ولكن إلامَ آلَ حالُ المسلمينَ الذينَ يسمعونَ هذهِ الوصيّةِ والذينَ يتأمّلونَها والمفروضُ أنّهم يتدبّرونها؟ إلامَ آلَ حالُ هؤلاءِ المسلمين؟ آلَ حالهم إلى السّيرِ في طريقٍ مناقضٍ لما خطّطهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، أمرهم بالاجتماعِ على الجذورِ ولكنَّ المسلمينَ اليومَ أعرضوا عن الجذورِ وراحوا يشتغلونَ بمتاهاتِ الفروع، أمرهم رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يجتمعوا على هذهِ المبادئِ الكلّيّةِ التي لا يسعهم أن يختلفوا فيها، وتركَ لهمُ الخلافَ وتركَ لهمُ الاجتهادَ في تلكَ القضايا الجزئيّةِ المتفرّعةِ الاجتهاديّة، فكانَ حالُ هؤلاءِ المسلمينَ أنّهم لم يتسامحوا فيما سامحَ فيهِ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الخلافِ والاجتهادِ في تلكَ القضايا الجزئيّةِ وأعرضوا كلَّ الإعراضِ عن تلكَ المبادئِ الكلّيّة، ومن ثمَّ فإنّنا عندما ننظرُ إلى أنشطةِ الحجيجِ في تلكَ البقاعِ المقدّسةِ نلاحظُ ظاهرةَ التّهارجِ تحتَ مظلّةِ هذهِ الشّعيرةِ التي جعلَها اللهُ سبيلاً للاتّحادِ أكثرَ ممّا نرى ظاهرةَ الاتّحادِ والتّضامنِ والاتّفاق، وإنَّ هذهِ لكارثةٌ ما بعدَها كارثةٌ أيّها الإخوة.

أن تجمعنا مظلّةُ هذهِ الشّعيرةِ القدسيّةِ العظمى، وأن نكونَ في السّاعاتِ التي وظّفَ اللهُ عزَّ وجلَّ هذهِ الشّعيرةَ فيها لجمعِ المسلمين، نكونُ في الوقتِ الذي نتفيّأُ ظلالَ هذهِ الشّعيرةِ أكثرَ ما نكونُ تهارجاً وأكثرَ ما نكونُ تخاصماً، في كلِّ بقعةٍ من البقاعِ تسمعُ شعاراتِ التّهارج، تسمعُ شعاراتِ التّكفير، تسمعُ شعاراتِ التّبديعِ فوقَ كلِّ منبرٍ ومن فمِ كلِّ خطيبٍ حتّى الأطفالُ الصّغار، إي والله، حتّى الأطفالُ الصّغارُ الذينَ لم يبلغوا سنَّ الرّشدِ يلقَّنونَ كلماتِ التّبديع، يلقَّنونَ كلماتِ التّشريك، ويُدفَعُ الواحدُ منهم إلى هنا وإلى هناكَ ليقولَ ما قد حُفِّظَـ، وليتّهمَ النّاسَ الذينَ من حولهِ بما قد لُقِّنَ أن يتّهمهم به، ولو سألتَ هذا الطِّفل: ماذا تعني بما تقول؟ لم يعِ جواباً.

هذا واقعٌ رأيناه، وهذهِ كارثةٌ شاهدناها، والحجُّ الذي شرعهُ اللهُ إنّما شرعهُ اللهُ لتذويبِ أسبابِ الخلاف، شرعهُ اللهُ عزَّ وجلَّ ليجتمعَ المسلمونَ من هذهِ الشّعيرةِ على كلمةٍ سواء، شرعهُ اللهُ عزَّ وجلَّ ليدفنوا قضاياهمُ الاجتهاديّةَ في تربةِ عبوديّتهم لله، وما جاؤوا إلى هذا المكانِ إلا ليعانقوا هذهِ العبوديّةَ ثمَّ ينصاعوا إلى المبادئِ الأساسيّةِ العظمى التي لا يمكنُ للأمّةِ الإسلاميّةِ أن تختلفَ حولها يوماً من الأيّام. هذهِ هي مشكلةُ هذهِ الشّعيرةِ الإسلاميّة، من المسؤولُ عنها؟

ليسَ هذا هو المهمّ، كلُّ مسلمٍ مسؤولٌ عن هذهِ الكارثة، كلُّنا ينبغي أن نستشعرَها، وكلُّنا ينبغي أن نعلمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ما شرعَ ركناً من أركانِ الإسلامِ الخمسِ إلا ليكونَ هذا الرّكنُ خادماً لهدفٍ قدسيٍّ يتمثّلُ في جمعِ كلمةِ الأسرةِ الإنسانيّةِ على نهجٍ واحد، في أن تتساقطَ عواملُ البغضاءِ والشّحناءِ من قلوبِ أفرادِ هذهِ الأسرةِ فتجتمعَ هذهِ الأفئدةُ على صراطٍ سواء، على مشاعرَ ربّانيّةٍ واحدة. فإذا كانتِ الصّلاةُ شرعها اللهُ من أجلِ إيصالِ المصلّينَ إلى هذا الهدف، وإذا كانَ الصّيامُ لهذا الهدف، وإذا كانتِ الزّكاةُ لهذا الهدف، وإذا كانَ الحجُّ تاجاً في تحقيقِ هذا الهدفِ أيضاً، فلماذا يعرضُ المسلمونَ عن الأهدافِ التي ربطَ اللهُ هذهِ الأركانَ بها؟ ولماذا يمعنونَ في أن يلتذّوا في خلقِ عواملِ الفرقةِ والشّقاقِ بينَ المسلمين؟

أسألُ اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يبصِّرَنا بحقيقةِ دينِنا وأن يُسقِطَ عصبيّاتِنا لأنفسنا، وأن يُسقِطَ حوافزَ انتصارِنا لذواتِنا. هذا الدّاءُ الخفيّ، الخفيُّ جدّاً، والذي سُتِرَ ثمَّ سُتِرَ ثمَّ سُتِرَ بأقنعةٍ إسلاميّةٍ متنوّعةٍ كثيرة، ولو كشفنا هذهِ الأقنعةَ لرأينا، أنَّ كلَّ فئةٍ من هذهِ الفئاتِ إنّما تسعى لاهثةً لتحقيقِ ذاتِها، لتحقيقِ سيادتِها في نطاقِ هذهِ الحلبةِ الصّراعيّةِ في أمرٍ جعلهُ اللهُ سبحانهُ وتعالى مثابةَ وحدةٍ ومثابةَ ألفة، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم...

تحميل



تشغيل

صوتي