مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 25/10/1991

بين الدعوة إلى الله والرحمة بالناس : تلازم تام

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

كانتِ الدّعوةُ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة. ولا تزالُ شعيرةً من أقدسِ شعائرِ هذا الدّين، وواجباً من أهمِّ الواجباتِ المنوطةِ بأعناقِ المسلمين. ولكنَّ هذا الواجبَ يتفاوتُ بينَ أن يكونَ واجباً كفائيّاً، وبينَ أن يكونَ واجباً عينيّاً يتعلّقُ بكلِّ فردٍ فردٍ على حدة. فإذا كانَ المسلمونَ مقبلينَ على اللهِ عزَّ وجلّ، وكانَ العلمُ هو المتغلِّبَ على الجهل، وكانتِ الرّعايةُ للإيمانِ والإسلامِ متوفّرةً على أحسنِ الأحوالِ، فإن واجب الدعوة إلى الله من الواجبات الكفائية.

أما إن سادَ في النّاسِ الإدبارُ عن الدّين، وتخلّى أكثرُ المسلمينَ عن رعايةِ إسلامهم ودينهم إن في بيوتهم، أو في مرافقهم ومؤسّساتهمُ العامّة. فإنَّ واجبَ الدّعوةِ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى يصبحُ من الفرائضِ العينيّةِ التي تتعلّقُ بعنقِ كلِّ إنسانٍ مسلم، على أن يدعوَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ في نطاقِ ما يعلم، وضمنَ حدودِ ما يتقن، وأن لا يتجاوزَ الحدودَ التي يطيقُها. وما من مسلمٍ صادقٍ معَ اللهِ عزَّ وجلَّ ومعَ نفسهِ في إسلامهِ إلّا ولهُ حدودٌ يستطيعُ أن يتحرَّكَ في دائرتها، ويستطيعُ أن يدعوَ إلى اللهِ من خلالها، لا سيّما في آلهِ وأولادهِ وضمنَ داره.

ولعلّنا في هذا العصرِ نعيشُ الحالةَ الثّانية .. فالجهالةُ هي المتغلّبة، والإدبارُ عن دينِ اللهِ عزَّ وجلَّ في أكثرِ الأحيانِ هو السّائدُ وهوَ المتغلّب. ومن ثمَّ: فإنَّ الدّعوةَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ لم تعد كما كانت بالأمسِ فرضاً كفائيّاً، بل أصبحَت من الفروضِ العينيّةِ الواجبةِ على كلِّ إنسان.

مثالُ ذلك: ما إذا شبَّ حريقٌ في مكانٍ ما، وكانت فرقُ الإطفاءِ قليلة، أو في إجازة، أو لم تكن تبالي بهذا الأمرِ وخطورته. فلا شكَّ أنَّ واجبَ القيامِ والنّهوضِ لإطفاءِ هذا الحريقِ يتعلّقُ بالنّاسِ جميعاً، كلٌّ منهم على قدرِ استطاعته. وحريقُ الجهالةِ والإدبارِ عن الدّينِ وعن اللهِ عزَّ وجلَّ أخطرُ بكثيرٍ من هذا الحريقِ المادّيِّ الذي يقفُ مهما استشرى عندَ حدٍّ لا يتجاوزُه. ولعلّي قد قلتُ وأعدتُ القولَ في هذا الموضوعِ ذاتَ يوم، وأوضحتُ أنَّ على كلِّ مسلمٍ في هذا العصرِ أن يكونَ قائماً على حدودِ الله، حارساً لشريعتهِ وأوامرهِ في النّقاطِ التي يتمكّنُ أن بها، ومهما ضاقَ هذا النّطاقُ فلن يضيقَ عن الدّارِ التي هوَ المهيمنُ عليها وهوَ المشرف.

وأكرّرُ القولَ وأُعيد: أنَّ هذا الواجبَ هو أقدسُ واجبٍ يتحمّلهُ اليومَ كلُّ مسلمٍ في عنقه. ذلك: لأنَّ الجهالةَ بدينِ اللهِ عزَّ وجلَّ قد استشرت، ولأنَّ المشاغلَ والعوائقَ والغوائلَ قد تكاثفت وكوّنت حجاباً صفيقاً بينَ النّاسِ وبينَ الدّينِ الذي خُلِقوا من أجله، بل بينَ النّاسِ وعقولهم.. فحيلَ بينهم وبينَ التّدبّر، والتّأمّلِ والتّفكّر، وحيلَ بينهم وبينَ النّظرِ في المآلِ الذي لا بدَّ لهم أن ينتهوا إليه. ومهما تلوتَ عليهم كتابَ اللهِ عزَّ وجلّ، فهوَ لا يعدو أن يكونَ كلماتٍ تطوفُ بأذهانهم، ولكنَّ شيئاً من نورِ هذهِ الكلماتِ لا يتسرّبُ إلى أفئدتهم.

ولكنَّ الدّعوةَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ لها آفاتٌ أيُّها الإخوة، ويجبُ على المسلمِ أيّاً كانَ إذا أرادَ أن ينهضَ ولو بقسطٍ من واجبِ الدّعوةِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ إن في دُويرةِ أهله، وإن في مجتمعٍ أوسعَ من ذلك، ينبغي أن يتّقيَ هذهِ الآفات.

والآفاتُ التي يواجهُها الدّاعي إلى اللهِ كثيرة ولا مجالَ للحديثِ عنها في هذا المقام، ولكنّي أشيرُ اليومَ إلى آفةٍ خطرةٍ منها ما أكثرَ ما نعاني منها، وما أكثرَ ما تسرّبت هذهِ الآفةُ فكوّنت داءً عُضالاً في شخصِ الدّعاةِ إلى الله، فكانَ من واجبهم أن يرجعوا إلى أنفسهم فيطبّبوها من هذهِ الآفةِ قبلَ أن يدخلوا في معتركِ الدّعوةِ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى، واستعدادُ الدّاعي إلى اللهِ جزءٌ من أجزاءِ الدّعوة كما أنَّ الوضوءَ جزءٌ من أجزاءِ الصّلاةِ كما قالَ كثيرٌ من الفقهاء. ما هيَ هذهِ الآفة؟

كثيراً ما ينظرُ الدّاعي إلى اللهِ عزَّ وجلَّ إلى المجتمعِ الذي هوَ فيهِ نظرةَ طبيبٍ إلى مجموعةٍ من المرضى وقعوا في براثنِ الهلاكِ واستيأسَ هذا الطّبيبُ من معالجتهم ومن عودهم إلى العافيةِ والصّحّة. فهوَ ينظرُ إليهم نظرَ اليائس، ويعالجهم معالجةَ من يريدُ فقط أن ينفِّذَ أمراً وُكِلَ إليه، ولكنّهُ لا يرجوا فائدةً من وراءِ عمله، بل هو ينظرُ إليهم وكأنَّ الموتَ قد حاقَ بهم، وكأنَّ المرضَ العُضالَ قد استحكمَ بهم، وكأنَّ الدّواءَ لم يعد ناجعاً فيهم. كثيرٌ من الدّعاةِ ينظرونَ إلى النّاسِ اليومَ -بمجملهم- هذه النّظرة.

ولا شكَّ أنَّ هذا التّصوُّرَ تصوّرٌ خاطئ، ولا شكَّ أنَّ الدّاعيَ إذا نظرَ إلى عبادِ اللهِ عزَّ وجلَّ في أيِّ حالٍ كان، وفي أيِّ عصرٍ من العصورِ وُجِدوا. إذا نظرَ إليهم هذهِ النّظرةَ فقد خالفَ أمرَ رسولِ الله، وقد خالفَ شرعَ اللهِ عزَّ وجلّ، وخالفَ مقتضى ما هوَ مرسومٌ في كتابِ اللهِ سبحانهُ وتعالى.

ولقد صحَّ عن المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قوله: "من قالَ: هلكَ النّاس، فهوَ أوّلهم هلاكاً". أي من كانَ ينظرُ إلى النّاسِ من خلالِ سعيهِ للدّعوةِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بينهم، وقد وقرَ في نفسهِ أنّهم جميعاً هالكونَ لأنّهم جميعاً بعيدونَ عن دينِ اللهِ عزَّ وجلّ، فليعلم أنّهُ في رأسِ هذهِ القائمةِ التي يتصوّرُها. "هوَ أوّلهم هلاكاً".

وقد رُويَ عن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنّهُ قال: "أمّتي كالمطر، لا يُدرى أوّلُها خيرٌ أم آخرُها خير". وإنّما قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا الكلامَ حتّى لا ينظرَ المسلمُ أيّاً كانَ -المسلمونَ عامّةً والدّعاةُ خاصّةً- إلى إخوانهم في أيِّ عصرٍ من العصورِ إلا نظرةَ من يتأمّلُ فيهم خيراً، ومن يرجو منهم إقبالاً إلى اللهِ عزَّ وجلّ، ومن ينظرُ إليهم على أنَّ بينهم وبينَ الهدايةِ اتفاتةٌ واحدةٌ بسيطة. هذا أسلوبٌ من أساليبِ التّربيةِ النّبويّة، يعلِّمُنا إيّاها سيّدُنا رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

وقد صحَّ عنهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيضاً أنّهُ قال: "لا تزالُ طائفةٌ من أمّتي ظاهرينَ على الحقِّ لا يضرُّهم من خالفهم حتّى يأتي أمرُ اللهِ وهم ظاهرون".

وما أَمَرَنا اللهُ سبحانهُ وتعالى في كتابهِ بالدّعوة، إلا وأمرَنا أن تكونَ هذهِ الدّعوةُ مضمّخةً بالأمل، مقرونةً بالتّقدير، مقرونةً بافتراضِ أنَّ المدعوَّ أفضلُ من الدّاعي إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى.

وانظروا إلى معنى قولِ اللهِ عزَّ وجلّ: ((فبِمَا رحمةٍ من اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلبِ لانفضّوا من حولكَ فاستغفر لهم وشاورهم في الأمرِ فإذا عزمتَ فتوكَّلْ على الله)). هذهِ الرّحمةُ جعلها اللهُ سبحانهُ وتعالى زاد نبيِّهِ سيِّدِنا محمَّدٍ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ في طريقِ دعوةِ أولئكَ الذينَ كانوا مظهراً لكفرِ الجاهليّة، أولئكَ الذينَ كانوا صورةً لظُلُماتِ الكفرِ والشّكِّ والوثنيّة. ومع ذلكَ فقد ملأَ اللهُ عزَّ وجلَّ صدرَ نبيِّهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ بالرّحمةِ لهم، بل ملأ قلبهُ بالأملِ المتعلِّقِ بهم، ومن هذا الـمُنطَلَقِ دعا، وبهذا السِّرِّ نجحت دعوته. ولو أنَ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ دعاهم من خلالِ اليأسِ المتبرم، لو أنَّ النّبيَّ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ دعاهم من خلالِ أملٍ مقطوعٍ بينهُ وبينهم، إذاً لما كان لكلماتهِ أيُّ تأثيرٍ في نفوسهم. وهذا معنى قوله: ((ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلبِ لانفضّوا من حولك)).

فإذا كانَ هذا منهجَ الدّعوةِ الرّبّانيّةِ في عصرِ الشّركِ وأيّامَ ظُلُماته، فكيفَ ينبغي أن يكونَ هذا المنهجُ في عصرٍ النّاسُ كلُّهم مستأنسونَ بدينِ الله، يعرفونَ عبوديّتهم لله، ولكنَّ الشّهواتِ والأهواءَ هي التي حالت بينهم وبينَ الاصطلاحِ مع اللهِ عزَّ وجلَّ، وما أكثرَ ما تتلوَّنُ هذهِ الشّهواتُ بألوانٍ عدّة، وما أكثرَ ما تأخذُ ترجماتٍ وتعبيراتٍ متنوّعةً مختلفة، ولكنَّ جذورَها واحدٌ على كلِّ حال، هو الشّهواتُ والأهواء.

إذاً فيجبُ على الدّعاةِ أياً كانوا إذا دعوا إلى الله عزَّ وجلَّ أن لا يتصوروا أن هؤلاءِ النّاسِ مهما كانوا جانحينَ عن صراطِ الله، ما ينبغي أن يتصوّروهم وقد وُضعوا في سجنٍ أُغلق بابهُ بأقفالٍ كثيرةٍ فلا أملَ من خروجهم إلى ساحةِ الإيمانِ وإلى صعيدِ الهدايةِ وفهمِ دينِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، بل إنَ من تصوّرَ الأمرَ على هذا النّحوِ فليعلم أنّهُ هو السّجينُ في هذا السّجن. ورُبَّ سجينٍ يظنُّ نفسهُ طليقاً، ورُبَّ سجينٍ هو اليومَ سجينٌ ولكنّهُ غداً سيكونُ طليقاً، ولسوفَ يتبوَّءُ مركزاً يرضي اللهَ سبحانهُ وتعالى ويسعدُه. هذا ما ينبغي على كلِّ مسلمٍ أن يعرِفهُ ويتصوّره.

هذا إذا كنّا نبتغي بالدّعوةِ إلى اللهِ مرضاةَ الله وإذا كانَ الدّافعُ لنا إلى هذهِ الدّعوةِ الإخلاصُ لدينِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، هذا الإخلاصُ وهذهِ الغايةُ يجعلانِ كلّاً منّا تأمّلُ في النّاسِ جميعاً على شتّى مستوياتهم الخيرَ العميم، بينهم وبينَ الهدايةِ التفاتةٌ واحدة، بينهم وبينَ الهدايةِ حوارٌ قصير. إن كان َ هذا الحوارُ مضمّخاً بالإخلاصِ لدينِ اللهِ سبحانهُ وتعالى؟ وأنا لا أقولُ لكم هذا الكلامَ من منطلقِ آدابٍ إسلاميّةٍ نظريّةٍ فقط، ولكنّي أقولهُ أيضاً من خلالِ تجربة، من خلالِ نظر، من خلالِ واقعٍ أعيشُ فيه.

ما أكثرَ الذينَ كنتُ أتصوّرُ أنّهم جانحونَ عن صراطِ اللهِ عزَّ وجلَّ جنوحاً أبعدهم عن الهدايةِ أيّما إبعاد، وزجّهم في مَضَايِقَ لا أملَ من الخروجِ منها .. ورأيتُ أنَّ كلمةً واحدة، حديثاً واحداً، حواراً قصيراً واحداً جعلهم ينتفضون، وجعلهم يستيقظونَ كالنّائمِ الذي كانَ يغطُّ في رقادٍ عميق، فما هيَ إلا حركةٌ وأخرى حتّى استيقظَ وهبَّ من سريره.

ما أكثرَ الذينَ لو أنّني تحدّثتُ عنهم لقيلَ لي من قِبَلِ أناسٍ كثيرينَ ممّن يهتمّونَ بالدّعوة: إنّهم ميؤوسٌ منهم، ولا أملَ من الدّعوةِ لهم، ولا أملَ من الحديثِ معهم.. وربّما استرسلوا في القولِ إلى ما وراءِ ذلك. ولكنّي وجدتُ بعيني كيفَ دخلتِ الهدايةُ أعماقَ قلوبهم، وكيفَ تسرّبَ اليقينُ باللهِ عزَّ وجلّ، وتربّعتِ المخافةُ من اللهِ عزَّ وجلَّ على عرشِ فؤادهم، ورأيتُ من يستوقفُني في الطّريقِ ممّن لو رآهُ أحدُ الدّعاةِ إلى اللهِ يبتعدُ عنهُ مسافةَ نصف كيلو لو استطاعَ من كثرةِ الظُّلماتِ التي رانت على قلبه، ومن كثيرةِ فسوقهِ وعصيانهِ. ما أكثرَ ما استوقَفَني واحدٌ من هؤلاءِ يسألُني عن سبيلِ العودةِ إلى الله، وعن طريقِ الصُّلحِ مع الله، وعن الدّواءِ النّاجعِ الذي ينبغي أن يأخذَ بهِ نفسهُ لكي لا يعودَ إلى ماضيهِ القذرِ السّيّء.

عندما أجدُ هؤلاءِ النّاسِ ينبغي أن أعلمَ أنَّ الواحدَ من هؤلاءِ ربّما كانَ خيراً منّي، و(ربّما) هنا للتّكثيرِ وليست للتّقليل. انظر إلى هذهِ التّجربةِ التي أراها بعيني، ثمَّ أتأمّلُ حالَ أولئكَ الذينَ إن دعوا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ كما أمرَ الله، دَعَوهم، دَعَوا هؤلاءِ النّاسَ من أبراجهمُ العاجيّةِ الباسقةِ المرتفعة، كأنّهم يخاطبونهم وهم متعلّقونَ بالثّريّا، والنّاسُ الذينَ يكلّمونهم ملتصقونَ دونهم بالثّرى وترابه. متى يمكنُ لمثلِ هذا الكلامِ أن يؤثِّرَ في هؤلاءِ النّاس؟

هذهِ الدّعوةُ لا تفيدُ شيئاً، من استيأسَ من الّناسِ ينبغي أن يستيئِسَ من نفسهِ أوّلاً. ومن قالَ: النّاسُ هلكى فهو أوّلهم هلاكاً. ومن تصوّرَ أنَّ إنساناً ألحدَ باللهِ عزَّ وجلَّ لا فائدةَ من دعوتهِ إلى الله، فليعلم أنّهُ واحدٌ ممّن قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ عنهم: ((إنّهُ لا ييأسُ من رَوحِ اللهِ إلا القومُ الكافرون)). وفي آيةٍ أخرى: ((ولا ييأسُ من رَوحِ اللهِ إلا القومُ الفاسقون)).

أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يرزقَنا حسنَ الظّنِّ بعباده، وأن يرزقَنا معَ ذلكَ الغيرةَ على دينه، حتّى يجتمعَ لنا من هذا وذاكَ خيرُ مزيجٍ يسوقُنا إلى السّبيلِ الذي يرضي الله، نأمُرُ وندعوا من خلالِ الغيرةِ على دينِ الله، ونحسِّنُ الظّنَّ بعبادِ اللهِ عزَّ وجلّ، ونتصوّرُ أنَّ بينهم وبينَ الهدايةِ التفاتةٌ يسيرةٌ واحدة، وما أيسرَ أن تتحقَّقَ هذهِ الالتفاتة. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم ...

تحميل



تشغيل

صوتي