مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/04/1991

المستهدف من هذه الفتن .. والطريقة المثلى لمواجهتها

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

نعودُ مرّةً أخرى إلى الحديثِ عن الفتنِ التي وصفها رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ووصفَ خطورتَها وبيَّنَ أنّها كقطعِ الليلِ المظلم، تجعلُ الرّجلَ يصبحُ مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبحُ كافراً، بل تجعلهُ يبيعُ دينَهُ بعَرَضٍ من الدّنيا قليل.

هذهِ الفتنُ تستهدفُ المسلمينَ ولا ريب، ولكنّها إنّما تستهدفُ الإسلامَ من خلالِ المسلمين. فمهما تنوّعت هذهِ الفتن، ومهما تشكّلت، ومهما ظهرت في أساليبَ شتّى، فإنّها تهدفُ إلى غايةٍ واحدة، ألا وهيَ تقويضُ هذا الدّينِ الإسلاميِّ وإطفاءُ شعلته.

فلئن استهدفَ أصحابُ هذهِ الفتنِ المسلمينَ فإنّما يستهدفونَ الإسلامَ من خلالهم. ولئن طمِعوا بأرضٍ لهم أو وطنٍ أو مال، فإنّما يطمعونَ من خلالِ ذلكَ بإسلامهم. وقد أوضحَ البيانُ الإلهيُّ هذهِ الحقيقةَ، وأثبتها لنا في محكم كتابه من خلالِ آياتٍ كثيرةٍ من مثلِ قولهِ اللهِ عزَّ وجلّ: (يريدونَ ليطفئوا نورَ اللهِ بأفواههم واللهُ متمُّ نورهِ ولو كرهَ الكافرون). ومن مثلِ قولهِ عزَّ وجلّ: (يريدونَ أن يطفئوا نورَ اللهِ بأفواههم ويأبى اللهُ إلا أن يتمَّ نورَه). ومن مثلِ قولهِ عزَّ وجلّ: (هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهرَهُ على الدّينِ كلِّهِ ولو كرهَ المشركون).

وهذهِ الحقيقةُ تجلّيها هذهِ العصورُ كما جلّتها عصورٌ سابقة، وكما تؤكّدُها عصورٌ لاحقة. والمهمُّ أنَّ على كلِّ مسلمٍ أن يعلمَ أنَّ هذهِ الأممَ التي حدّثَ عنها رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وأخبرَ أنّها ستداعى علينا كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها. لن يكونَ ذلكَ من جرّاءِ طمعٍ في أشخاصنا، ولا في أوطانِنا أو أموالنا. ولكنَّ ذلكَ إنّما يضمرُ طمعاً في ديننا، ويضمرُ سعياً إلى تقويضِ أركانهِ كما قلتُ لكم. وإنّكم لتلاحظونَ مظاهرَ هذهِ الفتنةِ في كثيرٍ من الكتاباتِ التي تُكتَب، والمنشوراتِ التي تُرَوَّج. بل إنّكم لتلاحظونَ هذا في أنَّ أجهزةَ الإعلامِ في أكثرِ البلاد العربيّةِ معرضةٌ عن هذهِ النّيرانِ التي تلتهمُ الإسلامَ وتحاولُ القضاءَ عليه، وساكتةٌ عنهُ سكوتَ تجاهلٍ أو سكوتَ لا مبالاة.

ما العملُ الذي ينبغي على المسلمينَ أن يفعلوهُ تجاهَ هذهِ الفتنةِ التي تستهدفُ إسلامهم؟ ينبغي أن نعلمَ أيّها الإخوة قبلَ كلِّ شيء: أنَّ النّاسَ الذينَ يعيشونَ في العالمِ العربيِّ والإسلاميّ أحدُ فريقين. الفريقُ الأوّل: واقفٌ ومنحازٌ إلى الصّفِّ الذي يثيرُ هذهِ الحربَ الشّعواءَ ضدَّ الإسلامِ وضدَّ المسلمين. الفريقُ الثّاني: واقفٌ في الطّرفِ الآخرِ المستَهدَف، وهم بينَ عالمٍ بالإسلامِ فهوَ متبصّرٌ بالأمرِ مدركٌ لأبعادهِ عالمٌ بحقيقتهِ ولا يمكنُ أن يذهبَ ضحيّةَ أيِّ تجهيلٌ يرادُ به، وإنسانٌ آخرُ جاهلٌ بالإسلامِ ولكنّهُ متعاطفٌ معه.

هذا هوَ واقعُ المسلمينَ اليوم: قسمٌ منهم منحازٌ وواقفٌ مع أبطالِ هذهِ الفتنة، مع الذينَ يثيرونَها، ومعَ الذينَ يخططونَ للكيدِ للإسلامِ وإن كانوا مسلمينَ بالانتماء، وإن كانوا مسلمينَ بالانتساب. هؤلاءِ باعوا أنفسهم بعَرَضٍ من الدّنيا رخيص، بل باعوا أنفسهم لأعداءِ اللهِ سبحانهُ وتعالى وأعداءِ هذهِ الأمّة بعَرَضٍ من الدّنيا قليلٍ كما قالَ اللهُ سبحانهُ وتعالى وكما أكّدَ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام. فهؤلاءِ لا داعيَ للحديثِ عنهم، بل لا داعي إلى أن نثيرَ الهمَّ والحزنَ والأسى من أجلهم، فقد حكموا على أنفسهم أن يكونوا في معسكرِ أعداءِ اللهِ سبحانهُ وتعالى. إن بالأقلامِ التي يكتبونَ بها، وإن بالصّيحاتِ والنّداءاتِ التي تتعالى من حلوقهم، وإن بالتّصرّفاتِ الأخرى التي تبدرُ منهم.

ولكنَّ الحديثَ ينبغي أن يكونَ محصوراً في الفريقِ الثّاني، المسلمينَ الذينَ يضمّونَ فئتين: فئةٌ عرفت حقيقةَ الإسلام، وتزوّدت بزادٍ ثقافيٍّ كافٍ منه، هؤلاءِ مهما طافت برؤوسهم عواصفُ الكيدِ وعواصفُ الفتنِ فإنّها لن تزعزعَ من يقينهمُ الإسلاميِّ شيئاً لأنَّ الحقَّ الإسلاميَّ لا يمكنُ أن يقفَ في وجههِ أيُّ باطلٍ مهما تراكمَ وتكاشف. ولكنَّ المشكلةَ تتمثّلُ في الفئةِ الثّانيةِ منَ المسلمينَ المتعاطفينَ معَ الإسلامِ بوجداناتهم، والجاهلينَ للإسلامِ بعقولهم. هؤلاءِ همُ الذينَ يمكنُ أن يذهبوا ضحيّةَ أمثالِ هذهِ الصّيحة، هؤلاءِ همُ الذينَ يمكنُ أن يُغَرَّرَ بهم، ويمكنُ أن يُخدَعوا.

فما العمل؟ وما الطّريقةُ التي ينبغي أن نسلكها في سبيلِ أن نحصِّنَ هذهِ الفئةَ ضدَّ كيدِ الكائدينَ وهم كثيرون؟

الجوابُ أيّها الإخوة: أنَّ التقاطَ جزئيّاتِ ما يستغلّهُ أربابُ وأبطالُ هذهِ الفتن، أمرٌ لا طائلَ منهُ ولا نهايةَ له. فلا فائدةَ من ملاحقةِ هؤلاءِ المفتئِتينَ على اللهِ وعلى الإسلام، أن نمسكَ بجزئيّاتِ ما يقولونَ لنردَّ عليها. لن يكفيَ لذلكَ زمنٌ مهما طال، ولن يتّسعَ لذلكَ وقتٌ مهما كانت أوقاتُنا فارغة، بل ليسَ هذا هوَ المنهج العقلانيّ والمنطقيّ الذي ينبغي أن يسلكَهُ عاقلٌ ضدَّ مجنون.

الطّريقةُ المثلى: هي أن يتثقّفَ هؤلاءِ المسلمونَ ثقافةً إسلاميّةً راشدةً بقطعِ النّظرِ عن كلِّ شيء.

الطّريقةُ المثلى: هيَ أن يعمدَ هؤلاءِ المسلمونَ إسلاماً عاطفيّاً فيلجموا عواطفهم الإسلاميّة، ويتوّجوها ويقيّدوها بالثّقافةِ الإسلاميّةِ الصّحيحة، بل بالعلومِ الإسلاميّةِ التي يفيضُ بها كتابُ اللهِ عزَّ وجلّ، وتفيضُ بها سنّةُ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فإذا وعى هؤلاءِ الإخوةُ إسلامهم عرفوا العقيدةَ الإسلاميّةَ ومنطلقاتها، عرفوا كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ والمنهجَ العلميَّ لدراستهِ وفهمهِ وتفسيره، وعرفوا الاجتهادَ الإسلاميَّ في فهمِ نصوصِ القرآنِ والسّنّة، وأيقنوا كيفيةَ وصولِ الإسلامِ إلينا عبرَ تاريخهِ المعروف، وأخذوا من كلِّ شيءٍ زاداً خفيفاً جهدَ استطاعتهم، فإنَّ ذلكَ يجعلهم في حصنٍ حصينٍ ضدَّ لغوِ اللاغينَ وضدَّ كيدِ الكائدين. هذا هوَ السّبيلُ الذي ينبغي أن يُسلَك.

ونقول: إنَّ السُّبُلَ إلى هذا مفتّحةٌ في بلادنا والحمدُ لله، وإنَّ التّقصيرَ ممّن لا يريدُ أن يلجأَ هذهِ السُّبُلَ من أبوابِها.

وينبغي ألا ننسى، بل ينبغي أن نحمدَ اللهَ إذا ما ذكرنا أنَّ بلادَنا هذهِ تمتازُ على كثيرٍ من البلادِ الإسلاميّةِ بما فيها من معاهدٍ مفتّحةٍ للعلومِ الشّرعيّةِ لم تتوافر في أيِّ بلدةٍ أخرى. ينبغي أن نذكرَ أنَّ بلادَنا هذهِ تمتازُ بحلقاتٍ للعلومِ الإسلاميّةِ تفيضُ بها كثيرٌ من المساجد، وهيَ مزيّةٌ لم يكرم بها اللهُ سبحانهُ وتعالى كثيراً من البلادِ الأخرى.

الأبوابُ مُفَتَّحةٌ إذاً إلى نيلِ الثّقافةِ الإسلاميّةِ الرّاشدةِ عن طريقِ المعاهدِ الشّرعيّةِ الكثيرة، وعن طريقِ الحلقاتِ العلميّةِ المتوافرة، وعن طريقِ الجلوسِ كمستمعينَ في جامعاتِنا وكلّياتِنا الإسلاميّة. ولكنَّ الذّنبَ ذنبُ من يُؤثر الكسلَ ولا يريدُ أن يَنشُطَ لمعرفةِ إسلامهِ في الوقتِ الذي يمسكُ فيهُ كثيرٌ من النّاسِ بألسنةِ اللهبِ من أجلِ أن يحرقوا البنيانَ الإسلاميَّ كلَّه .. بدءاً من أقصى الشّرقِ الملحد، إلى أقصى الغربِ الصّليبيِّ المفتئتِ والمتربّصِ بالإسلام.

نحنُ الذينَ يُكادُ لنا ونحنُ الذينَ تطوفُ من حولنا الفتنُ لا بأشخاصنا، ولكن من حيثُ عقائدنا، ومن حيثُ هذا الإسلامِ الذي ارتضيناهُ تاجاً لعقولِنا وصراطاً لسلوكِنا.

فلماذا؟ لماذا ونحنُ نتعاطفُ مع الإسلام؟ لماذا لا نلهبُ عواطِفَنا ليدفَعنا هذا اللهبُ إلى تعلّمِ دينِنا؟ إلى معرفةِ إسلامنا؟ وعندئذٍ لن تجدوا لأيِّ فتنةٍ داهمةٍ مهما أوغلت ومهما اعتصفت ومهما كادَ بها الكائدون، لن تجدوا لها منفذاً إلى عقلِ إنسانٍ مسلم.

ولا شكَّ أنَّ هنالكَ وسائلَ أخرى غيرَ هذهِ الوسيلةِ الفعّالةِ المباشرة، ألا وهيَ وسيلةُ العكوفِ على فهمِ الإسلام. هنالكَ وسائلُ أخرى، كتجنيدِ أجهزةِ الإعلامِ المقروءةِ والمرئيّةِ والمسموعةِ لكبحِ جماحِ هذهِ الفتنة. ولردِّ هذهِ الغائلة.

ولا شكَّ أنّهُ تقصيرٌ ما بعدهُ تقصيرٌ أن تكونَ هذهِ الصّحف، وهذهِ الأجهزة، بعيدةٌ كلَّ البعدِ عن هذهِ النّيرانِ المتسعّرةِ التي تستهدفُ عقولَنا، والتي تستهدفُ عقائدَنا. ومن ثمَّ تستهدفُ كياناتِنا ثمَّ القضاءَ علينا جملةً وتفصيلاً.

ما مهمّةُ هذهِ الأجهزةِ إن لم تكن رعايةَ العقولِ من كيدِ الكائدين؟ ما مهمّتُها إن لم تكن رعايةَ الأمّةِ من تربّصِ المتربَّصين؟ ولا أعلمُ غايةً أقدسَ لهذهِ الأجهزةِ من هذهِ الغاية. والمأمولُ ونحنُ نحسنُ الظّنَّ دائماً، ونحنُ نفتحُ القلوبَ للتعاونِ دائماً: أن تكونَ، بل أن تصبحَ هذهِ الأجهزةُ على مستوى هذا الخطرِ المحدقِ بهذهِ الأمّة. المأمول، وأنا أعلمُ أنّنا جميعاً نعتزُّ بالإسلام. وأنّنا جميعاً نعتزُّ به إن تراثاً ورثناهُ من الآباءِ والأجداد، وإن مبدأً من المبادئِ التي أوحى اللهُ عزَّ وجلَّ بها إلى هذهِ الصّفوةِ المختارةِ من عباده، وهذا ما نلقى اللهَ عزَّ وجلَّ عليه.

أنا أعلمُ أنَّ كلَّ من في البلدةِ على شتّى المستوياتِ يعتزّونَ بهذا الإسلامِ أيّاً كانَ منطَلَقُ هذا الاعتزاز. فمالنا لا ندافعُ عن هذا الذي نعتزُّ به؟ مالَنا لا نحمي حوزةَ هذا الدّينِ الذي نعتزُّ به؟ لماذا ونحنُ نرى بأمِّ أعيننا كيفَ يُخَطَّطُ لهذا الدّينِ بليل، وكيفَ تتضافرُ الخططُ كما قلتُ لكم من أقصى الشّرقِ إلى أقصى الغرب؟

وها هوَ شهرُ رمضانَ على الأبواب، والمأمول: -إن نسينا الدّفاعَ عن الإسلام وإنْ نسينا تثقيفَ شبابِنا وجيلِنا بالثّقافةِ الإسلاميّةِ الرّاشدة - أن يذكِّرنا بهذا المبدأِ هذا الشّهر. أن يذكِّرَنا بهذا الواجبِ هذا الشّهرُ المبارك، هذا الشّهرُ الذي يدعونا بلطفٍ وبرقّةٍ ما بعدها رقّة، يدعونا على شتّى المستوياتِ وبواسطةِ كلِّ السُّبلِ التي نملكُها وكلِّ الأجهزةِ التي نعتزُّ بها. يدعونا هذا الشّهرُ إلى اصطلاحٍ قدسيٍّ معَ اللهِ عزَّ وجلّ، وإلى رجوعٍ مباركٍ إلى رحابِ اللهِ سبحانهُ وتعالى. هذا الشّهرُ يدعونا إلى أن نجعلَ صفحاتِ منشوراتِنا وجرائدَنا متوّجةً بالتّذكرةِ النّابضةِ بالحبِّ لهذا الدّين، والغيرةِ على الثّقافةِ الإسلاميّةِ لهؤلاءِ الشّبابِ بل لهذا الجيلِ أجمع.

هذا الشّهرُ يهيبُ بنا جميعاً مع كلِّ ما نملكُ من وسائلَ وسُبُلٍ أن نجنّدها، ثمَّ نقفَ صفّاً واحداً في وجهِ هؤلاءِ المتربّصينَ بدينِنا. ولو شئتُ أيُّها الإخوةُ لوضعتُ لكم كثيراً من النّقاطِ على كثيرٍ من الحروفِ في توثيقِ فتنٍ تأتينا من أقصى الغرب، واللهِ لا تهدفُ أشخاصاً، ولا تهدفُ أرضاً ولا وطناً ولا مالاً. ولكنّها تستهدفُ هذا الدّين...

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم، فاستغفروهُ يغفر لكم...

تحميل



تشغيل

صوتي