مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 15/02/1991

واقعنا الحالي وخطأ الحكام والمحكومين والحل لهذه الأزمة

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. وأسألك اللهم أن تلهمني السداد والرشد وأن ترزقني الإخلاص في القول والعمل يا رب العالمين.

أما بعد فيا عباد الله:

أيها الإخوة ما الذي ينبغي أن نفعله في مواجهة هذه الفتن المدلهمة، وما هو السبيل الذي إن سلكناه وقانا الله سبحانه وتعالى بذلك من شرور هذه الفتن وما الموقف الذي ينبغي أن نتخذه، يسأل كثيرٌ من الإخوة هذا السؤال وكأنهم يتصورون أن هذه الفتن المدلهمة التي أنبئنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل كل مسلم بيده على انفراده مفتاح الحل لها، ومفتاح السبيل إلى التخلص منها. والأمر ليس كذلك.

إن هذه الفتن التي ابتلى الله سبحانه وتعالى المسلمين بها، إنما جاءت نتيجة أخطاء جماعية، لا أخطاء فردية، أخطأ المسلمون أخطاء جماعية، وانحرفوا انحرافات جماعية، وسلكوا بشكل جماعي سبلاً بعيدة عما أوصاهم الله سبحانه وتعالى بها فأقبلت إليهم هذه الفتن (كقطع الليل المظلم) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصفها.

كانت جماعة المسلمين من قبل تتولى الله ورسوله ثم تحولت هذه الجماعة بل هذه الجماعات من ولايتها لله ورسوله وأخذت توالي عباد الله سبحانه وتعالى، بل توالي أعداء الله من عباده، تلك هي الخطيئة الأولى، كانت جماعة المسلمين تعتز بأخوتها الإيمانية والإسلامية وترعى ولا تزال شبكة هذه الأخوة من أقصاها إلى أقصاها فكل ما اهتز طرف منها اهتز مجموع هذه الشبكة ذلك لأن كل مسلم كان يعي معنى الأخوة الإسلامية التي عبر البيان الإلهي عنها أيما تعبير فقال:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)

كان كل مسلم حارساً على هذه الأخوة يصلحها إن تسرب إليها خوف، يرعاها إن تربص بها عدو ولكن المسلمين فيما بعد أو إن جماعة المسلمين فيما بعد عمدوا إلى هذه الأخوة فأخذوا يمزقونها بأيديهم شر ممزق، أمرهم الله برعايتها فمزقوها، أمرهم الله سبحانه وتعالى بإصلاح هذه الأخوة فأعرضوا عنها وتركوها للأعداء المتربصين بها، كانت جماعة المسلمين من قبل تستعمل النعم التي أنعم الله بها عليهم من رزق وفير ومال كثير ورغد في العيش، كانت جماعة المسلمين من قبل تستعمل هذه النعم فيما يرضي الله سبحانه وتعالى وتجنِّدها في سبيل السعي إلى مرضاة الله عز وجل، فخلف من بعدهم خلف أخذوا يستعملون هذه النعم وسيلة حرب لله عزو جل وأداة سكر وطغيان وإعراض عن الله سبحانه وتعالى، فتحول شكرهم كفران وتحول اتخاذهم لهذه النعم سبيلاً إلى مرضاة الله تحول حجاباً حاجزاً يبعدهم عن الله سبحانه وتعالى، وهي كما ترون أخطاء جماعية تعاون الكل في الوقوع فيها وليست أخطاء فردية، فلما ارتكبوا هذه الأخطاء لما تقلصت أيديهم عن مبايعة الله وعن موالاتهم لله سبحانه وتعالى ونسوا أو تناسَوا قول الله سبحانه وتعالى:

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ)،

ونسوا أو تناسوا قول الله عز وجل:

(إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)،

وأعرضوا عن موالاتهم لله لتمتد أيديهم إلى موالاة أعداء الله سبحانه وتعالى وعمد هذا الخلق من بعدهم إلى النعم الكثيرة التي أكرمهم الله عز وجل بها، فجعلوا منها أداة تنافس فيما بينهم وهدف تسابق، فأغرى ذلك ما بينهم العداوة والبغضاء بعد الأخوة التي نسجها الله سبحانه وتعالى فيما بينهم، وتحولوا إلى أعداء متنافسين يتسابقون إلى المغانم وهي كثيرة، ويتخوفون عن المغارم، وهي بعيدة. فلما آل أمر تلك الجماعة إلى هذه الحال أقبلت إليهم الفتن من كل حدب وصوب، كان حال هؤلاء المسلمين كما وصف الله في محكم كتابه:

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ)،

وهذا بعد أن قال الله عز وجل:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)،

حذر وأنذر ثم نبه إلى فريق من المسلمين يسارعون إلى موالاة هؤلاء الذين حذر الله من موالاتهم وقال:

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)،

تلك هي حالنا وهذا هو واقعنا .. وكما وقع الخطأ جماعياً فلا بد أن يكون الإصلاح أيضاً جماعياً، ماذا يغني أن يقوم الفرد فيسأل أي موقف أتخذ وإلى أي علاج أهرع من أجل أن أقاوم هذه الفتن والبلاء، لا بد أن يتم الإصلاح على مستوى جماعي كما وقع الخطأ على مستوى جماعي، لا بد أن يصحوا المسلمون ولا بد أن يستيقظوا جميعاً أو أن تستيقظ الفئة الكثيرة الكبيرة منهم فيأوبوا إلى رشدهم بعد هذا التيه، ويتبينوا الصراط الذي تاهو وضلوا عنه ثم يعودوا فيصطلحوا جماعياً مع الله سبحانه وتعالى، ويقطعوا سبل هذه الموالاة المزيفة بينهم وبين أعداء الله، ويعلموا أن هؤلاء الناس لا يمكن أن يفيدوهم في شيء.

مظهرهم مظهر غنى وحقيقتهم أحط وأدنى من الفقر المدقع، مظهرهم مظهر قوة وحقيقتهم أحط وأدنى من منتهى الضعف، مظهرهم مظهر عزة ولكنهم أذل من كل ذليل، فيما نمد أيدينا إليهم فيما نرى أنفسنا تبعاً لهم وقد أكرمنا الله بموالاته، وقد رفع شأننا إلى مستوى من العزة لا يرام، ولا يمكن أن يناله أحد في ملكوت الله سبحانه وتعالى حتى الملائكة فيما قرره جمهور المسلمين.

لماذا نريق هذا العز وندبر عن هذا المجد ونوالي بعد أن والانا الله وواليناه، نوالي أعداء الله سبحانه وتعالى. لماذا وما الحاجة وما الضرورة إذا أدبنا إلى الله عز وجل بشكل جماعي وعدنا فاصطلحنا مع الله عز وجل ولملمنا شؤننا وأحوالنا بشكل جماعي، وأعدناها على النهج القويم سيراً على صراط الله سبحانه وتعالى.

فالمشكلة محلولة والبلاء ذاهب والفتن مضمحلة، ويعيد الله عز وجل عباده إلى أعلى مستويات النصر والسعادة، المشكلة محلولة إن أردنا بشكل جماعي حلها، وإلا فلنعلم أن الدنيا التي أقامنا الله فيها هي عبارة عن كفَّتي ميزان إن رجحت الواحدة منهما طاشت الأخرى والعكس صحيح، فإما أن ترجح كفة المسلمين وعندئذ لا بد أن تطيش كفة أعداء الله عز وجل. وأما إن طاشت كفة المسلمين بإعراضهم عن ربهم وبعكوفهم على هذه الأخطاء التي نتحدث عنها إذاً لا بد أن ترجح الكِفة الأخرى، لأن الحياة ستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يمكن إذا فسد حال المسلمين أن يطوي الله الأرض وهذه الحياة لسواد عيون المسلمين الذين لم يعودوا أهلاً لقيادة الإسلام والمجتمع الإنساني.

فهل عسيتم أن تعودوا إلى ربكم سبحانه وتعالى عوداً جماعياً وأن تستيقظوا على أصوات هذه السياط التي يربينا الله عز وجل بها لنعود إلى أخوّتنا الإيمانية، ولنعود إلى وحدتنا الإسلامية، ولنمد أيدينا من جديد إلى الله عز وجل نبايعه ونجلس تحت مظلة الولاء له. إن فعلنا هذا حلت المشكلة كلها؛ وإلا فاعلموا أن الأمم الأخرى تحيط بكم، واعلموا أن دول البغي تجتمع من كل حدب وصوب ضدكم.

وما أشبه الليلة بالبارحة، ما أشبه اليوم بذلك اليوم البعيد البعيد إذ كان ينادي منادي الحروب الصليبية وهو يتحول من سقع في أوروبا إلى سقع، حاملاً صليبه يدعو دول البغي إلى محاربة الإسلام وإلى القضاء عليه، ولكنهم لم يستطيعوا آن ذاك أن يصلوا إلى بغيتهم التي هتفوا في سبيل الوصول إليها؛ ذلك لأن المسلمين عادوا فاصطلحوا مع الله عز وجل آن ذاك، ولأن المسلمين توحدوا على صراط الله بعد أن شردوا عنه شروداً ما آن ذاك. فلما آبوا أوبة الحق إلى الحق طرد الله سبحانه وتعالى من ديارهم أعداءهم، أما اليوم فيبدوا أننا لا نزال عاكفين على غينا منتشرين في ساحات شرودنا تائهين عن أنفسنا وعن ولينا الواحد الأحد سبحانه وتعالى؛ إذاً فليس بدعاً وليس غريباً أن تعود المصيبة التي حمانا الله بها في عصر من العصور وأن تجدوا دول البغي تتنادى وها هي ذي قد تنادت وتحيط بنا، وها هي ذي محيطة هدفها في الظاهر وهو هدف يخاطب به الأغبياء والسذج فقط ما تعلمون من الأسباب الشكلية، أما هدفها الحقيقي المرسوم في أذهانهم والمنشور في صحفهم والمعلن عنه في إذاعاتهم، فهو عبارة عن حملة صليبية يعلنون في تبجحٍ أنها ستكون الحملة الصليبية الآخرة الناجحة، هذا ما يقولون ولكن الله من ورائهم محيط، ولكن الله من ورائهم محيط، وهو ناظر إلى عباده. فإن آبوا إليه أوبة الحق وإن اصطلحوا معه ولو بعد شرود طويل وإن جمعوا أمرهم تحت مظلة العبودية له، فإن الله سيخلق لهم معجزات النصر والتأييد ولسوف يعيد إليهم كل ما سمعتم من خوارق الأمور. ومعجزات الرب التي أكرم الله بها عباداً له من قبل.

فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهم عباده الرشد وأن يعيدهم إلى صراطه العزيز الحميد. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم

تحميل



تشغيل

صوتي