مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 20/09/1990

تحذيرات نبوية نبه إليها الإمام الشهيد قبل 25 عاماً

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

يعتذرُ بعضُ النّاسِ اليومَ عن تقصيرهم في الرّجوعِ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى والانضباطِ بأوامرهِ بأنّهم يعيشونَ عصرَ فتن، وأنّهم يتقلّبونَ بينَ مغرياتٍ وبينَ مهيِّجاتٍ من شأنِها أن تبعدهم عن صراطِ اللهِ سبحانهُ وتعالى. أمّا الرّعيلُ الأوّلُ من المسلمين - أصحابُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم - فقد كانَ سبيلُهم إلى الوصولِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ معبّداً ميسوراً، وكانت رؤيتُهم لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تملأُ أفئدتهم حبّاً للهِ ومخافةً منه، وتطهّرُ هذه الأفئدةَ لدى النّظرةِ الأولى من كلِّ سوء، ثمَّ إنّهم لم يكونوا ليتعرّضوا لفتنٍ كهذهِ الفتن، ولمغرياتٍ ومهيّجاتٍ كالّتي نعاني منها اليوم. هذا ما يعتذرُ بهِ كثيرٌ من النّاسِ اليومَ إن عوتبوا في تقصيرِهم وبعدِهم عن اللهِ عزَّ وجلَّ.

ونقولُ أيُّها الإخوة: إنَّ عدالةَ اللهِ عزَّ وجلَّ أدقُّ من أن تفرّقَ بينَ جيلٍ وجيلٍ من عباده، وإنَّ رحمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ متّسعةٌ منبسطةٌ على النّاسِ جميعاً منذُ أن أوجدَ اللهُ هذهِ الخليقةَ فوقَ هذهِ الأرضِ إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها.

ولئن كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ ظهراني أصحابه، فكانت لهم من ذلكَ شعلةٌ تضيءُ قلوبهم، وتيسّرُ سبيلهم إلى الله، فإنَّ أموراً أخرى تحجزهم عن هذا الوصولِ إلى اللهِ عزَّ وجلّ. أنسيتمُ الجهادَ الذي كانوا ينامونَ عليهِ ويستيقظونَ على أوامرهِ ومقتضياتهِ في كلِّ صباحٍ ومساء؟ أنسيتم أنَّ الإسلامَ الذي كانوا يتمسّكونَ بهِ إنّما أينعَ وسطَ واحةٍ تحيطُ بها النّيرانُ من كلِّ جانب؟ أنسيتم أنَّ كثيراً منهم كانت نهايةُ حياتهم استشهاداً في سبيلِ الله؟ أنسيتم أنَّ حياةَ كثيرٍ منهم كانت شظفاً في العيش؟ وكانت عُجباً من أسبابِ الحياة؟ فلم يكونوا يتمتّعونَ ولا باليسيرِ اليسيرِ ممّا تتمتّعونَ بهِ من نعيم. ومع ذلكَ كلّهِ خاضوا غمارَ تلكَ الصّعوباتِ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى، واقتحموا كلَّ أنواعِ الجهادِ الذي أمرهمُ اللهُ به. امتثالاً لعظمة الله ووحدانيته، يقيناً بأن الله هو قائد الكون، وبأنه محرك لكل ما يجري فيه، وبأن محمداً عليه الصلاة والسلام بأنه لم يكن ينطق عن هوى. (إن هو إلا وحي يوحى).

ألم يُسأل رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن أشراطِ السّاعةِ فقال: "أن تلدَ الأَمَةُ ربَّتها، وأن تجدَ الحفاةَ العراةَ العالةَ رعاءَ الشّاةِ يتطاولونَ في البنيان". ومنذا الذي سمعَ أو رأى أو عرفَ من المؤرّخينَ وعلماءِ الاجتماع: أنَّ الذينَ كانوا يبنونَ البناياتِ الباسقة أيّامً المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام أو من بعدهِ بيسير كانوا يتطاولونَ في البنيان؟ ما عرفتِ الهندسةُ المعماريّةُ عَظَمَةً في البنيانِ إلا العَظَمَةُ الأفقيّة، أمّا التّطاولُ فشيءٌ حديثٌ يعرفهُ العصرُ الحديث. تلكَ معجزةٌ من معجزاتِ رسولِ اللهِ تجسد معنى النّبوّةِ في حياته.

ألم يقلِ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام: "صنفانِ من أمّتي لم أرهما قَطّ: نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلات، رؤوسهنَّ كأسنمةِ البُختِ المائلة. ورجالٌ يحملونَ سياطاً كأذنابِ البقرِ يضربونَ بها النّاس. أولئكَ لا يجدونَ ريحَ الجنّة، وإنَّ ريحَ الجنّةِ لتفوحُ من مسيرةِ كذا وكذا عام"؟ والحديثُ صحيح.

ألم يقل رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "لا تقومُ السّاعةُ حتّى يتباهى النّاسُ بزخرفةِ المساجد"؟

ألم يقل رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيما رواهُ البخاريُّ وغيره: "سيتقاربُ الزّمن"؟

وانظروا كيفَ يتحدّثُ عن أمورٍ نعيشُها: "سيتقاربُ الزّمن، وينقصُ العمل، ويفشو الشُّح، وتكثرُ الفتن، ويشيعُ الهرجُ والمرج"، قيلَ: ما الهرجُ وما المرج؟ قالَ: "القتلُ القتل".

وها نحنُ نرى كيفَ يتقاربُ الزّمن، وإنَّ العالمَ والطّبيبَ والمثقّف، بل إنَّ كلَّ فئاتِ النّاسِ ليحسّونَ أنَّ الأشهرَ تمرُّ مرّاً سريعاً كما الأيّام، وأنَّ السّنواتِ تمرُّ مسرعةً كأنّها شهور. ولكنَّ العلماءَ يبحثونَ عن تحليلِ هذهِ الظّاهرةِ: أهيَ الشّمسُ تسرعُ في مسيرِها أكثرَ ممّا كانت تسرع؟ أم هيَ الأرضُ ازدادتِ سرعتُها وازدادَ دورانُها عمّا كانت عليه؟ أم هوَ ماذا؟ لا يعلمُ هذا التّحليلَ أحد. إنّما هيَ ظاهرةٌ يلمسُها كلُّ إنسانٍ بحسّه، "سيتقاربُ الزّمن، وسينقصُ العمل"، وإنّكم لترونَ كيفَ نقصَ العمل. الدّعاوي كثيرة، والكلماتُ عريضة، والأقوالُ الخطابيّةُ ممّا تسمعونَ الآنَ كثيرةٌ جدّاً. لكن انظروا إلى الأعمال، انظروا إلى الأعمالِ التي زالت ثمَّ زالت ثمَّ لم يبقَ منها إلا أثرٌ بعدَ عين. نتكلَّمُ عن الإسلامِ وعن الصّلواتِ وعن ضرورةِ السّعيِ إلى مرضاةِ الله، لكن منذا الذي يدفعُ زكاةَ مالهِ كما أمر؟

نتكلَّمُ عن الأخلاقِ التي هي لبابُ الإسلامِ والتي قالَ عنها المصطفى: "إنّما بُعِثتُ لأتمّمَ مكارمَ الأخلاق"، نتكلَمُ كثيراً. لكن انظروا إلى واقعِ النّاسِ وعلاقاتِهم بعضهم مع بعضٍ في البيوت، أو في الأسواق، أو في صلة ما بينَ فئاتهم من أعلى فئة إلى أدنى فئة من الناس فلا تكادُ تجدُ أثراً لهذهِ الأخلاق.

نتكلَّمُ عن العبوديّةِ ومعناها ونتقنُ الحديثَ عن ذلكَ أكثرَ ممّا أتقنهُ أصحابُ رسولِ الله. لكن أينَ من يصطبغُ بحقيقةِ العبوديّةِ لله؟ "وسيقلُّ العمل، ويفشو الشُّحّ". أي: ستجدُ المالَ كثيراً، ولكنَّ هذا المالَ مختنقٌ بيدٍ من الشّحِّ، تقبضُ على هذا المالِ حتّى الاختناق. كلامٌ عجيبٌ دقيق، يقولهُ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام، ولقد قلتُ وكررت: كلاماً علميّاً يشهدُ لهُ علمُ الاجتماعِ وعلماؤه: أنَّ الغنى يورثُ البذخ، وأنَّ البذخ يورثُ الشُّح، وأنَّ الشُّحَّ يقدحُ زنادَ الهلاك، وهذا ما أنبأَ بهِ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام، وتكثر الفتن. وها أنتم تشاهدون.. "وينتشرُ الهرجُ والمرج"، وها أنتم تشاهدون..

ألم يقلِ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام: "ويلكم"، وفي روايةٍ: "ويحكم .. انظروا، لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض". ألا تسألونَ أنفسكم: لماذا يقولُ رسولُ اللهِ "ويلكم انظروا"؟ أصحابُ رسولِ اللهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلام الذينَ كانوا من حولهِ لم يكن يخطرُ ببالِ أحدٍ منهم أن يرتدَّ كافراً وأن يسلَّ سيفهُ ويضربَ بهِ عنقَ صاحبه. بل لقد علمَ رسولُ اللهِ أنَّ هؤلاءِ الصّحابةَ لن يفعلوا ذلك. ولكنّهُ مع ذلكَ قالَ لهم : "ويلكم" أو "ويحكم انظروا، لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضربُ بعضكم رقابَ بعض". ما معنى هذا؟

إنّه يخاطبُ الأجيالَ الآتيةَ من خلالِ أولئكَ الصَّحابة. أي إنّهُ يخاطبُ تلكَ الأجيالَ وقد أراهُ اللهُ المهاويَ التي ستنحطُّ فيها. أراهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بمرآةِ النّبوّةِ كيفَ سيتهارجونَ وكيفَ سيخلعونَ ربقة هذا الشرف العظيم الذي أكرمهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ به. ولذلكَ فهوَ يناديهم عبرَ الأجيال: "ويلكم .. ويحكم انظروا، لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضربُ بعضكم رقابَ بعض". وواللهِ إنّي لأتخيّلُ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلامَ وهوَ يقولُ هذا الكلامَ كما لو كانَ أباً شفوقاً ينظرُ من النّافذةِ إلى ولدٍ من أولادهِ عن بعد وهوَ يركضُ في مهوىً خطيرٍ ومنزلقٍ مميت، فهوَ يناديهِ قائلاً: ويلك، ويحك، انظر، قف، لا تجز في هذهِ المهلكة. ينظرُ إليهِ من بعيدٍ عبرَ هذهِ النّافذةِ ولكنّها نافذةُ النّبوّة، نافذةُ الوحيِ الرّبّانيّ.

ألا ترونَ إلى هذهِ الكلماتِ العجيبةِ التي ينطقُ بها رسولُ الله؟ أترونَ أنّها أقلُّ في فهم معنى الإعجازِ فيها من تلكَ المعجزاتِ التي رآها الصّحابةُ بأمِّ أعينهم؟ تلكَ معجزاتٌ لهم وهذهِ معجزاتٌ لنا. نحنُ نراها ونزدادُ يقيناً بنبوَّةِ رسولِ الله، بل نتخيّلُ أنَّ رسولَ اللهِ يعيشُ فيما بيننا وأنّهُ يرانا تماماً، بل إنّهُ ليحلِّلُ ما يرانا عليهِ تحليلاً علميّاً دقيقاً عجيباً.

ألم يقل رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "من ثم يبزغُ قرنُ الشّيطان"؟ وكم تساءلَ النّاس: أيُّ قرنٍ هذا الذي سيبزُغ؟ وكيفَ سيبزُغ؟ ولماذا سيبزُغ؟ وجاءَ الزّمنُ يشرحُ ويحلّلُ ويجسد. يجسد ذلكَ كلَّه.

ألم يقل المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ كلماتٍ عجيبة تقشعرُّ لها القلوبُ ويعودُ المرتدُّ فيها إلى الإيمان؟ ويتطايرُ من هذهِ الكلماتِ كلُّ مظاهرِ الشُّبُهاتِ والشّكوكِ التي قد تطوفُ بقلبٍ أو بعقلٍ من العقول.

ومع هذا، فإنَّ كثيراً منّا لا يزالونَ سائرين في غيّهم، الكثيرونَ منّا لا يزالونَ يخوضون في ظلماتِ أنظارهم وأوضاعهم الجاهليّة التي عدنا إليها بعدَ تحذيرِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لنا من العودةِ إليها.

فياللعجبِ من أن نسمعَ تحذيرَ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ يصكُّ آذاننا، بل يلمسُ أفئدَتنا كأنّهُ صوتُ أبٍ شفوق، بل أمٌّ رؤوف. ومع ذلكَ فالعاكفُ على غيِّهِ لا يزالُ عاكفاً، والعاكفُ على انحرافهِ لا يزالُ عاكفاً، دونَ أن نرعوي من هذهِ الكلمات.

كثيرونَ منّا يكتبونَ عن سيرةِ رسولِ الله، ويتحدّثونَ عن حياتهِ وبطولاتِه، تلكَ دعاوي. ولكن أينَ العمل؟ هؤلاءِ الكاتبونَ ينقلبونَ في الليالي إلى حياةٍ تستثيرُ غضبَ اللهِ سبحانهُ وتعالى، إلى حياةٍ من البذخ، والانحراف، ورسولُ اللهِ يقولُ: "ويلكم، لا ترجعوا بعدي كفّاراً". ويقولُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "اتّقوا الظّلمَ فإنَّ الظّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، واتّقوا الشُّحَّ فإنّهُ أهلكَ من كانَ قبلكم، حملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلّوا محارمهم".

رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: "أكرِموا جوارَ نعمِ اللهِ فإنّها إن ذهبت لن تعود". ومع ذلكَ فإنَّ نعمِ اللهِ تجاورُنا، لا، بل نحتضِنُها احتضاناً. ورزقُ اللهِ يتهاوى إلينا من السّماءِ ويتفجّرُ إلينا من الأرض. فإذا أقبلنا إلى هذهِ النّعمِ أقبلنا إليها بغطرسةٍ وكبرياءٍ. وألقينا الطّعامَ شَذَرَ ومَذَرَ بعدَ أن نشعرَ بالشِّبَعِ الذي يكرمنا اللهُ عزَّ وجلَّ به. تخيّلوا كم هيَ بقاياَ الطّعامِ التي تُلقى بينَ الأقذارِ في الفنادقِ وفي البيوتِ المسلمة. تخيّلوا وتصوّروا ما هيَ ضريبةُ الغنى التي نطالبُ ربَّنا بها بدلاً من أن يطالبنا بها ربُّنا، لأنَّ اللهَ أعطانا المالَ الوفير. نطالبُ اللهَ بضريبةٍ تتمثّلُ في أن نلقيَ بقايا الطّعامِ بينَ القاذوراتِ وفي طوايا التراب.

تساءَلوا أيُّها الإخوة عن بقايا الطّعامِ في الطّبق الذي يوضَعُ بينَ يديِ الآن، يُشتَرَطُ أن لا يأتيَ على الطّعامِ كلّهِ حتّى لا يَذِلَّ بينَ النّاس، وحتّى لا تُجرَحَ كبرياؤه. وإذا قامَ عن المائدةِ وهذهِ الأطباقُ لا تزالُ الأطعمةُ المتنوّعةُ فيها. تساءَلوا: ما مصيرُ هذهِ الأطعمة؟ مصيرُها أنّها تُلقى بينَ مواطئِ الأقدام. والرّبُّ يرى، والمنعمُ المتفضّلُ يراقب، ورسولُ اللهِ يقول: "أكرموا جوارَ نعمِ اللهِ فإنّها إن ذهبت لن تعود". "إن ذهبت لن تعود". وهيَ موشكةٌ واللهِ أن تذهب، بعدما غارت مياهُنا ولا ندري هل تعودُ هذهِ المياهُ مرّةً أخرى تبرقُ بريقها في أنهُرِ الشّامِ أم لا؟ وما أظنُّها ستعودُ إن لم نعُد إلى اللهِ بتوبةٍ نصوحة..

ماذا تتصوّرونَ لو أنّنا استقبلنا شتاءً في هذا العامِ كالشّتاءِ الذي أدبرنا عنهُ في عامِنا الماضي، ماذا تتصوّرونَ أن يكونَ حالُنا؟ وإلامَ ستؤولُ حالُ هذهِ الغوطةِ التي كم تغنّينا بها؟ والتي كم تباهينا بها؟ إلامَ سيتحوّلُ حالُها؟ هؤلاءِ الذينَ يعيشونَ على الآبارِ لشربهم وحاجاتِهم الأخرى، فإذا استمرّت غائرةً من أينَ يأتون بالماءِ النمير؟ نحنُ نفتحُ الماءَ هكذا، نتصوّروهُ شيئاً تافهاً وما جاءت تفاهتُهُ إلا من كرمِ الله. فإذا قطعَ اللهُ عنّا رزقه، وحبسَ عنّا قطره، هل بوسعكم أن تفتحوا الماءَ بغطرسةٍ كما كنتم تفعلون؟ ألا يتحوّلُ حالُنا إلى أناسي يلهثون بألسنتهم يميناً وشمالاً بحثاً عن جرعةِ طعام؟ أيبقى ثمّةَ وقتٌ لبرمجةِ ليالٍ ساهرةٍ في حياتِنا؟ أيبقى ثمّةَ وقتٌ لتشكيلِ موائدَ عامرة أمامنا نأكلُ منها لقيماتٍ ثمَّ نلقي البواقي تحتَ مواطئِ الأقدام؟ أنا لا أتكلّمُ عن أناسٍ آخرين، ولو صوّرتُ حالَهم لسمعتم شيئاً يَندى لهُ الجبينُ وتقشعرُّ لهُ الأفئدة.

لكن أريدُ أن نستفيقَ من هذا الانحرافِ لأنفسِنا نحن. نحنُ نسيرُ على النّهجِ ذاته، قد تكونَ بيننا وبينَ تلكَ النّهايةِ مسافةٌ. لكنَّ الطّريقَ واحدةٌ والكلُّ يسيرونَ على هذا الطّريقِ.

أيّها الإخوة:

رسولُ اللهِ كأنّهُ يعيشُ بيننا، ما من ظاهرةٍ نراها إلا وريشةُ النّبوّةِ صوّرتها أدقَّ تصويرٍ على لسانِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فهل عسيتم أن تجدّدوا إيمانكم بنبوّةِ رسولِ الله؟ وهل لكم بعدَ هذا الإيمانِ أن تجدّدوا بيعتكم لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم؟ وهل لكم بعدَ هذا أن تتوبوا إلى اللهِ توبةً نصوحاً؟ وأن تستنطقوا أهليكم وأولادكم بهذهِ التّوبةِ حتّى يرفعَ اللهُ سبحانهُ وتعالى عنّا هذهِ الفتن؟ وحتّى يكرمنا بالرّعايةِ والحماية ولا يقطعَ عنا رحمتهُ ورزقه؟ أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم...

تحميل



تشغيل

صوتي