مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 10/08/1990

لتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

لقد وصفَ اللهُ سبحانهُ وتعالى الإنسانَ في محكمِ تبيانهِ بالضّعف، فقالَ عزَّ من قائل: ((وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً)).وضعفُ الإنسانِ يجرّهُ إلى الانحراف، ويجرّهُ إلى ارتكابِ الأخطاء، ويجرّهُ إلى نسيانِ العهدِ الذي بينهُ وبينَ اللهِ سبحانهُ وتعالى، وليسَ في شيءٍ من ذلكَ من عجب لا سيّما إن تذكّرنا قولَ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلّم: "كلُّ بني آدمَ خطّاء وخيرُ الخطّائينَ التّوّابون".

ولكنَّ المشكلةَ التي قد لا نرى حلّاً لها، والانحرافَ الذي لا يقبل، وقد لا يُغفَر، عندَ اللهِ سبحانهُ وتعالى: أن لا تُغطّى المعاصي التي يرتكبها النّاس بتذكرةٍ من خير، وبأمرٍ بالمعروف، وبنهيٍ عن المنكر.

كلّما لوحِقَتِ المعاصي التي يرتكبها الأفراد أو التي يزجّ فيها الجماعات بتذكرةٍ تأتي من هنا أو هنا، وبالقيامِ بواجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنّهيِ عن المنكر، فإنَّ المأمولَ من كرمِ اللهِ سبحانهُ وتعالى وفضله: أن يصفحَ عن المجتمعِ الذي تشيعُ فيهِ هذه المعاصي على أقلِّ تقديرٍ في الدّارِ الدّنيا. ولكن إذا شاعت المعاصي وكَثُرَتِ الانحرافات، ولم تستتبع هذه الانحرافات بالتّذكرةِ وبواجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنّهيِ عن المنكر، فتلكَ هي المصيبةُ الفادحة، وذلكَ هو المؤشّرُ الخطير الذي ينذرُ بغضبِ اللهِ سبحانهُ وتعالى.

أن يكونَ النّاسُ معصومين: هذا شيءٌ لا يقوى عليهِ الإنسانُ ما عدا الرُّسُلِ والأنبياء. ولكنَّ النّاسَ يستطيعون أن يعالجوا معاصيَهم بالتّذكرة، يستطيعونَ أن يعالجوا انحرافاتهم بواجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنّهيِ عن المنكر. بهذه الشّعارات، أو بهذه الوظيفة التي أمرهمُ اللهُ سبحانهُ وتعالى بالقيامِ بها.

وقد يقولُ قائل: ما فائدةُ الأمر بالمعروفِ والنّهيِ عن المنكر بينَ أناسٍ ضربتِ المعاصي فيما بينهم جذوراً راسخةً لها؟ ما فائدةُ التّذكرةِ بالحقِّ بينَ أناسٍ ارتفعت رؤوسهم إلى أعلى حدودِ الكبرياء، فهم لا يأبهونَ بالتّذكرة، ولا ينصاعونَ لموعظة. هذا السّؤالُ كثيراً ما يتكرّرُ ويتردّد، ولكنَّ هذا السّؤالَ نتيجةُ جهلٍ بالحكمةِ التي من أجلِها وظّفنها اللهُ سبحانهُ وتعالى في هذا الواجب. صاحبُ هذا السّؤالِ يخيَّلُ إليه أنَّ الذي يذكِّرُ هو الذي يجتث المعاصيَ من القلوبِ أو البيوتِ أو المجتمعات، صاحبُ هذا السّؤال يخيَّلُ إليهِ أنَّ الذي يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر إنّما يقوى بأمرهِ ونهيه على تغييرِ أعمالِ النّاس وتغييرِ اتّجاهاتهم وإزالةِ أسبابِ انحرافهم. وهذا وهمٌ خطير، وباطلٌ من التّصوّرِ والاعتقاد، وقديماً خاطبَ اللهُ عزَّ وجلَّ رسولهُ قائلاً: (إنّكَ لا تهدي من أحببت ولكنَّ اللهَ يهدي من يشاء). قلوبُ العبادِ بيدِ اللهِ عزَّ وجلّ، ومفاتيحُ الهداية بيدِ اللهِ سبحانهُ وتعالى. إذاً ما فائدةُ التّذكرة؟ ما فائدةُ الموعظة؟ أو وفائدةُ الأمرِ بالمعروفِ والنّهيِ عن المنكر؟

إنَّ فائدةَ ذلكَ كلِّهِ تتمثَّلُ في شيءٍ واحد: هو القيامُ بما أمرَ اللهُ سبحانهُ وتعالى. وظيفةٌ وظّفنا اللهُ عزَّ وجلَّ بها، مهمّةٌ حمّلنا اللهُ عزَّ وجلَّ شرفها، تبدأُ هذه المهمّة: بأن تصدعَ بكلمةِ الحقِّ بالحكمةِ واللطف، وتنتهي: بأن تدخلَ هذه الكلمةَ في آذانِ النّاسِ من حولك. ثمَّ إنَّ هذه المهمّةَ تتكرّر كلّما تكرّرت موجباتُها، وكلّما لاحت معاصٍ تستدعي التّذكرة بأنّها معاصٍ يبغضُها اللهُ سبحانهُ وتعالى. وليسَ لكَ من حق، وليسَ من شأنِكَ أبداً أن تتساءَلَ عن نتيجةِ كلامِك، أو عن جدوى تذكرتِك، ذلكَ لأنَّ مهمّتكَ مقطوعةٌ عن تلكَ النّهاية.

أمرٌ وظّفكَ اللهُ به، مهمّةٌ حمّلكَ اللهُ سبحانهُ وتعالى إيّاها، والنّاصرُ هو الله، والهادي هو اللهُ سبحانهُ وتعالى. وهو لا يُسأَلُ عمّا يفعل، وهم يُسألون.

إذا عرفنا هذا الجواب زالَ الإشكال. إذا عرفنا هذا الأمر عرفنا أنَّ الحصنَ الذي يمكنُ للمسلمين أن يحفظوا أنفسهم في داخلهِ ضدَّ المصائب، وضدَّ الرّزايا، وضدَّ ما توعّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهِ عبادهُ من أن يلبس بعضَ عبادهِ شيَعاً ويذيقَ بعضَهم بأسَ بعض، الحصنُ الوحيدُ ضدَّ هذا: أن يشيعَ بينَ النّاسِ واجبُ الأمر بالمعروف، واجبُ النّهيِ عن المنكر، واقرأوا كتابِ اللهِ سبحانهُ وتعالى. كم تجدونَ هذا الأمرَ مكرّراً؟ وكم تجدونَ الوعيد مكرّراً في حقِّ من نامَ عن هذا الواجب؟ وغفلَ عن هذه المهمّةِ بل الوظيفةِ القدسيّةِ التي أناطها اللهُ سبحانهُ وتعالى بأعناقنا؟ جعلَ خيرية هذه الأمّة منوطةً بشيءٍ واحد: بقيامِها بهذه الوظيفة. ومعنى ذلك أنَّ صمّامَ الأمانِ ضدَّ كلِّ المصائبِ لهذه الأمّة يتمثّلُ في واجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنّهيِ عن المنكر. ألم تقرؤوا قوله: ((كنتم خيرَ أمّةٍ أرسِلت للنّاس تأمرونَ بالمعروفِ وتنهونَ عن المنكر وتؤمنونَ بالله))؟ مصدرُ هذه الخيريّة: قيامُكم بذلكَ الواجبات.

ألم تقرؤوا قولَ اللهِ سبحانهُ وتعالى: ((وإذا قالت أمّةٌ منهم لم تعظونَ قوماً اللهُ مهلكهم أو معذّبهم عذاباً شديداً))؟ هو السّؤالُ ذاتُه الذي يتطارحهُ -كما قلتُ لكم- كثيرٌ من النّاسِ اليوم. قالوا: (معذرة إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون).

لكي نعذر أمامَ اللهِ أنّنا قمنا بما يجب، نطقنا بالحقّ، ذكّرنا إخواننا بالمعروف، أمرناهم به، ونهيناهم عن المنكر.

ولكن انظروا إلى الآيةِ التي تليها: ((فلـمّا نسُوا ما ذُكِّروا بهِ أنجينا الذينَ ينهونَ عن السّوءِ وأخذنا الذينَ ظلموا بعذابٍ بَئيسٍ بما كانوا يفسقون)). ((أنجينا الذينَ ينهونَ عن السّوء))، أقلُّ المراتب أنَّ الأمّةَ التي تشيعُ فيها المنكرات، ويشيعُ فيها إلى جانب ذلك الأمرُ بالمعروفِ والنّهيُ عن المنكرِ والتّذكرةُ بالحقّ، فإنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى يجعلُ هؤلاءِ القائمينَ بأمرِ اللهِ في مأمنٍ من عذابه، بعيدينَ عن سخطه، هذا إذا كانَ القائمونَ بهذه المهمّةِ كثيرين. أمّا إذا كانوا قلّة، فإنّما ينطبقُ عليهمُ القانونُ الآخر الذي يعبِّرُ عنهُ البيانُ الإلهيُّ في مكانٍ آخرَ إذا يقول: ((واتّقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذينَ ظلموا منكم خاصّة)).

متى يكونُ ذلك؟ عندما يكونُ التّيّارُ الكثيرُ الكبيرُ تيّارَ الانحراف، تيّارَ الفسوقِ والعصيان، وعندما تكونُ الأصواتُ المذكّرة والآمرةُ بالمعروفِ والنّاهيةُ عن المنكر أصواتاً ضعيفةً في كيفيّتها قليلةً في كمّيّتها. ذاكَ هو القانونُ الآخرُ المطبّق.

هذا المعنى ينبغي أن يكونَ ملجأنا في هذه العصورِ يا عبادَ الله، نحنُ ضعاف، لا نستطيعُ أن نكونَ على مستوى الاستقامةِ الدّائمةِ على أمرِ الله، لا نستطيعُ أن نكونَ على مستوى العصمة ضدَّ ما نهى اللهُ سبحانهُ وتعالى عنه، لكنّنا نستطيع وبكلِّ سهولة أن نلاحقَ المعاصي بالتّذكرة الحلوة، أن نلاحقَ المعاصيَ أيّاً كانَت ومن أيِّ جهةٍ صدرت بأمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن منكر، فإن فعلنا ذلك تغمَّدَنا اللهُ برحمته وبغفرانه، أنا لا أستطيع أن أدعو الأسر كلها إلى أن تكون رقيبة ضد أي معصية تقع في بيتها. وإن طالبت الأسر بذلك فمعنى ذلك أني أتاركهم في سنة الله في عباده. وكل بني آدم خطاء، وما جعل الله العصمة لأناس أو لفئة حاشا الرسل والأنبياء، ولكني أستطيع أن أذكرهم بما لا يعجزون عن القيام به، أن يكونوا رقباء على بيوتهم أن يكون كل إنسان حارساَ على داره، كلما رأى معصية وقعت، يجمع أسرته ليذكرهم بحق الله وليذكرهم بواجب الله وليحذرهم من مغبة عذاب الله تعالى إن استشرت هذه المعاصي، فإذا وقعت معصية أخرى بعد يومين جمع الأسرة مرة أخرى وذكّر وأنّب وحذر،

أنا لا أستطيع أن أطلب من المجتمع أن يكون مجتمعاً معصوماً لا يمكن هذا، لا بد أن أسير في الأسواق ولا بد أن أتوقع المعاصي التي أراها عن يميني وعن شمالي، ولكنني أستطيع أن أشيع التذكرة كما تشيع المعاصي، وأن أشيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر ما تشيع من المعاصي في هذا المجتمع ولا يعجزني ذلك شيء، فأنا إن فعلت هذا وإن فعل هذا سائر الإخوة المؤمنون عصمهم الله عن الهلاك وعصمهم الله عن المصائب والمعاصي، وإن وقعت المعاصي فيما بينهم.

ويا عجباً لمن يستبطئ هذه الوظيفة، ولمن يراها شابة، ولمن يتصور أنه رجلاً مكلفاً يحمل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتذكرة بالحق هنا وهناك، عجيب أمر هؤلاء الناس، وكأنهم لا يقرؤون كتاب الله تعالى، وكأنهم لا يقرؤون قول الله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) هذا أمر عام، يخاطب الله به العلماء والجهال والصناع والتجار وكل فئات الناس، ما الذي يعجزك - وأنت من المؤمنين – أن تسير في السوق، فإذا صادفتك معصية وقفت عند صاحبها تذكر وترشد وتحذر بلسان حلو وبكلام يستساغ، ما الذي يمنعك وأنت التاجر الذي تمارس التجارة في متجرك إذا جاءك إنسان متلبس بمعصية أن تجلسه عندك ضيفاً وأن تكرم وفادته لديك، ثم أن تحدثه وتذكره بالله.

ما الذي يمنعك إن جاءتك فتاة أو لقيت امرأةً جانحة مبتعدة عن دين الله أن تحدثها حديثاً عذباً تذكرها بواجب الله تعالى وأن تذكرها بحب الله تعالى.

ما الذي يعجزك إن عدت إلى دارك وأقبل إليك أقاربك وأرحامك مساءً، أن تجعل الحديث، حديث السهرة معهم، حديث تذكرة بحقوق الل،ه حديث إرشاد إلى دين، حديث تذكير بسطوة الله، أتظن أن هنالك عقبات تصدك عن هذا ، لا والله .. لإن تراءت إليك العقبات فإن دخولك بأداء هذا الواجب يجعل من مظاهر فضل الله عليك أن يزيل هذه العقبات من طريقك، أم أنك تظن أن كلامك ممجوجاً ثقيلاً على الأسماع، إن الإله تقوم بما أمرك به من أجله خالصاً لوجهه يجعل كلامك مقبولاً في الأسماع على النقيض مما تتصور، يجعل كلامك مؤثراً في القلوب على النقيض مما تتصور، ولكنا عن هذا الواجب معرضون، وكلنا يتصور أنها ليست مهمتنا وإنما مهمة من يسمون زوراً وبهتاناً برجال الدين، أين هذا مما جاء في كتاب الله أو في سنة رسول الله أو فيما كان عليه السلف الصالح.

مصيبتنا أيها الإخوة ليست بالمعاصي والله يغفر المعاصي إن غطيت بهذه التذكرة، ولكن مصيبتنا أن أصحاب هذه المعاصي وأن كثيرين ممن يرون هذه المعاصي من حولهم يرقدون أمامها رقدة الموت أو رقدة أصحاب الكهف، ولسان حال أحدهم يقول: لا عليك لست أنا المسؤول عن ذلك رجال الدين هم المسؤولون. حتى أسرته الخاصة حتى أولاده وبناته، حتى ما كلفه الله تعالى به من واجب الرعاية لبناته لتربيتهن، يرى انه غير مكلف، إن وجد في وجه ابنته عقبه تصدها عن بلوغ مرضاة الله فليس عليه أن يحرك ساكناً وإنما هي مهمة رجال الدين، وإنما هي من تقصير رجال الدين، أما هو فعليه أن يرقد رقدة الموت كما قلت والله سبحانه وتعالى لم يكلفه شيء، ولكن الأمر ليس كذلك، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أين نحن من هذا الكلام.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الإخوة هما صمام الأمان ضد المصائب ضد الشرور ضد الرزايا ضد كل مصيبة تسمعون بها او ترونها من حولكم، فانهضوا بهذا الواجب، وإلا فأنتم معرضون لنذير طالما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، (لتأمرن بالمعروف ولتَنْهَونّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم ليدعوا خياركم فلا يستجاب لكم).

تحميل



تشغيل

صوتي