مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/04/1989

وآتوهم من مال الله الذي آتاكم

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

لقد صحَّ عن المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنّهُ كانَ إذا دخلَ العشرُ الأخيرُ من شهرِ رمضانَ المبارك: طوى الفراش، وشدَّ المئزَر، وأقبلَ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى يبالغُ في العبادةِ والتّضرّعِ والتّبتّلِ بينَ يديهِ عزَّ وجلّ.

وقد صحَّ عنهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنّهُ كانَ كثيرَ الجود، ولكنّهُ كانَ أجودَ ما يكونُ في هذا الشّهرِ المبارك، ثمَّ كانَ أجودَ ما يكونُ في هذا العشرِ الأخيرِ من هذا الشّهرِ المبارك.

ولقد صحَّ عنهُ أيضاً صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنّهُ قالَ عن ليلةِ القدر: "التمِسوها في العشرِ الأخيرِ من هذا الشّهرِ في ليالي: الحادي والعشرين، والثّالثِ والعشرين، والخامسِ والعشرين، والسّابعِ والعشرين، والتّاسعِ والعشرين".

ومن عجبٍ أيُّها الإخوة: أنَّ كثيراً منَ النّاسِ يقبلونَ في أوائلِ شهرِ رمضانَ المباركِ إلى المساجدِ وإلى الطّاعاتِ بمزيدٍ من النّشاطِ والإقبالِ على اللهِ سبحانهُ وتعالى. حتّى إذا دخلَ هذا العشرُ الأخيرُ فترت هِمَمُهُم، وتراجعوا بعدَ إقبال، وفرغَ كثيرٌ من المساجدِ منهم، مع أنَّ الأمرَ يقتضي العكسَ تماماً.. الأمرُ يقتضي أن يزدادَ النّشاطُ منهم في هذا العشرِ الأخير، وأن يزدادوا إقبالاً على اللهِ سبحانهُ وتعالى، وأن تتضاعفَ لديهمُ الهِمَم. واللهُ هوَ المسؤولُ والـمُستعانُ أن يوفِّقَنا لأداءِ هذا الشّهرِ كما ينبغي وكما طلبَ اللهُ سبحانهُ وتعالى منّا، ثمَّ أن نؤدّيَ حقوقَ هذا العشرِ الأخيرِ على خيرِ وجه.

الحديثُ عن فضائلِ هذا الشّهرِ والعشرِ الأخيرِ منهُ حديثٌ طويل، والفضائلُ كثيرةٌ لا تكادُ تحصى، ولكنّي أريدُ أن ألفتَ نظري ونظركم إلى شيءٍ واحدٍ في مقامي هذا: هوَ كرمُ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الشّديد، ومضاعفةُ كرمهِ في هذا الشّهر، بل في هذا العشرِ الأخير. وقد كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قدوتَنا، وكانَ قائدَنا على صراطِ اللهِ سبحانهُ وتعالى. فرحمَ اللهُ امرَءاً اقتدى برسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم. ورحمَ اللهُ امرَءاً مسلماً برهنَ على صدقِ إسلامهِ باليدِ التي يبذُلُها ويفتحُها معطاءةً كريمةً متّكلاً على اللهِ سبحانهُ وتعالى.

ألا وإنَّ سائرَ العباداتِ أيُّها الإخوة قد تكونُ أمراً تقليديّاً، وقد تتحوَّلُ إلى عادةٍ ميتةٍ في كيانِ الإنسان، كلُّ عبادةٍ إلا البذلُ والسّخاء. فلا يمكنُ أن يتحوَّلُ البذلُ والسّخاءُ إلى عادةٍ ميتةٍ أو إلى تقليدٍ لا معنى له، لأنَّ الذي يعطي ولا يخشى الفقرَ لا يمكنُ أن يفعلَ ذلكَ إلا من منطلقِ ثقتهِ باللهِ عزَّ وجلّ. الذي لا يؤمنُ باللهِ الإيمانَ الحقيقيَّ لا يثقُ به. والذي لا يثقُ بهِ هوَ أشدُّ ما يكونُ بخلاً وأشدُّ ما يكونُ حرصاً على المال.

فإن وجدتَ إنساناً لا يحرصُ على المال، ويبذله، ويعطيهِ ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمال، فاعلم أنّهُ مؤمنٌ باللهِ إيماناً حقيقيّاً، ومن ثمَّ فهوَ واثقٌ بوعدِ اللهِ عزَّ وجلّ. ولقد قالَ اللهُ سبحانهُ وتعالى: (من ذا الذي يقرضُ اللهَ قرضاً حسناً فيُضاعِفَهُ لهُ أضعافاً كثيراً واللهُ يقبضُ ويبسطُ وإليهِ تُرجَعون). هذا وعدُ اللهِ سبحانهُ وتعالى، واللهُ عزَّ وجلَّ لا يخلفُ الميعاد.

فالإنسانُ أحدُ رجلين: إمّا أن يكونَ مؤمناً بالله، ذا ثقةٍ بكلامِ الله، هذا الإنسانُ لا يبالي أبداً مهما بذلَ ومهما أعطى، لأنّهُ يعلمُ أنَّ اللهَ يراه، وأنَّ اللهَ مطّلعٌ عليه. ومهما بلغَ الكرمُ بالإنسانِ فإنَّ اللهَ أكرمُ منه. ومهما بلغت رحمةُ الإنسانِ بالإنسانِ فإنَّ اللهَ أرحمُ منَ الرّاحمِ والمرحومِ معاً. هذا ما أريدُ أن أنبّهكم إليهِ أيُّها الإخوة.

نحنُ نعاني من مصائبَ شتّى، ونعاني من أنواعٍ من الضّيقِ كثيرة. ولكن ما من مصيبةٍ يعاني منها النّاسُ إلا وهيَ ثمرةُ أعمالهم، وثمرةُ انحرافهم. وهكذا بيَّنَ اللهُ سبحانهُ وتعالى لنا وقرَّرَ وأوضح. وإذا كانَ الأمرُ كذلك: فإنَّ أنجعَ دواءٍ لرفعِ البلاء، وإنَّ أعظمَ دواءٍ لنقلِ الإنسانِ من الشّدّةِ إلى الرّخاء، إنّما هوَ التّراحمُ الحقيقيُّ إذ يشيعُ بينَ فئاتِ المسلمينَ بعضِهم تجاهَ بعض. فمن رَحِمَ رُحِمْ. ومن لا يَرحَم لا يُرحَم. هكذا يقولُ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم. والنّاسُ كلُّهم -إن نظرنا إلى الموضوعِ نظرةً نسبيّة- أغنياء، فما من إنسانٍ مهما كانَ فقيراً إلا وهوَ أغنى ممّن كانَ دونَهُ في الغِنى.

وهكذا فإنَّ الإنسانَ أيّاً كانَ مستواهُ يجدُ نفسهُ مكلّفاً بالعطاء، وبهذا المعنى تمتدُّ سلسلةُ التّكافلِ والتّضامنِ في مجتمعٍ يشيعُ فيهِ الإسلامُ الحقيقيُّ والإيمانُ الحقيقيُّ باللهِ سبحانهُ وتعالى. وأنا لا أتكلَّمُ الآنَ عن الزّكاة، فالزّكاةُ ضريبةٌ مرسومةٌ في مالِ الإنسان، وهيَ ليست مالَهُ أبداً، إنّما هيَ حقٌّ لمن سمّاهمُ اللهُ سبحانهُ وتعالى في محكمِ كتابه، ولا يُتَصَوَّرُ أن يكونَ هنالكَ مسلمٌ يمرُّ عليهِ العامُ وفي مالهِ حقٌّ ترتّبَ عليهِ زكاةً ثمَّ لا يدفعُ زكاةَ مالِه. لا أتصوَّرُ أنَّ ثمّةَ مسلماً يسيرُ على هذا النّهجِ المنحرفِ قَطّ. ولكنّي أتحدّثُ عمّا وراءَ الزّكاة، وقد قالَ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّ في المالِ حقّاً سوى الزّكاة".

وقد يظنُّ الإنسانُ أنّهُ عندما يُخرجُ المالَ من جيبهِ ليعطيَهُ للمستحقِّين والفقراء، قد يتصوَّرُ أنّهُ اقتطعَ شيئاً من مالهِ الذي يملكُه، وهذا خطأٌ كبير .. بل إنّهُ ليكادُ يكونُ جريمةً في التّصوُّرِ. إنَّ الباريَ عزَّ وجلَّ تحدَّثَ في محكمِ كتابهِ كثيراً عنِ المالِ الذي يدخلُ حوزةَ الإنسان، ولكنّي -وقد استعرضتُ كتابَ اللهِ من أوّلهِ إلى آخرهِ- لم أجدِ البيانَ الإلهيَّ مرّةً واحدةً يصفُ هذا المالَ الذي وضعهُ بينَ يديكَ بأنّهُ ملكُك، أبداً لم أجد هذا. إنّما يقولُ اللهُ سبحانهُ وتعالى: (وآتوهُم من مالِ اللهِ الذي آتاكُم). أو يقول: (وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفينَ فيه)، من أجلِ أن يجتثَّ من ذهنكَ هذا التّصوُّرَ الخاطئ، المالُ ليسَ مالكَ وإنّما أنتَ قَيِّمٌ عليه، وما أعطاكَ اللهُ عزَّ وجلَّ إياهُ ليسَ من ممتلكاتكَ، فأنتَ لا تملكُ نفسكَ فضلاً عن أن تمتلكَ شيئاً وضعهُ اللهُ عزَّ وجلَّ تحتَ يديك، إنّما أنت مؤتمنٌ على هذا المال، وأنتَ مبتلىً بهذا المال، ترى هل تثقُ باللهِ عزَّ وجلّ؟ ترى هل تبرهنُ على صدقِ إيمانِكَ باللهِ فتبذلهُ سخيّاً ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمال، ثمَّ تمدُّ اليدَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ تطلبُ منهُ العِوَض؟ إذاً أنتَ مؤمنٌ حقّاً، وأنتَ زاهدٌ حقّاً. وقد وردَ عن المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ أنّهُ قال: "ليستِ الزّهادةُ في تحريمِ الحلالِ ولا في إضاعةِ المال، ولكنَّ الزّهادةَ أن تكونَ أوثقَ بما في يدِ اللهِ ممّا في يدك". تلكَ هيَ الزّهادة: أن تكونَ ثقتُكَ بما في يدِ اللهِ أكثرَ من ثقتِكَ بالمالِ الذي في يدك.

هذا المعنى ينبغي أن نتفهّمهُ جيّداً أيُّها الإخوة، وينبغي إذا كنّا ندّعي الإيمانَ باللهِ عزَّ وجلَّ أن نضعَ إيماننا في هذا الميزان، وفي محكِّ هذهِ التّجربة. ثمَّ لينظر كلُّ واحدٍ منّا النّتيجة، فإمّا أن يصنّفَ نفسَهُ معَ الأدعياءِ الكاذبين. وإمّا أن يصنِّفَ نفسَهُ حامداً شاكراً اللهَ عزَّ وجلَّ معَ المؤمنينَ الصّادقينَ باللهِ سبحانهُ وتعالى.

ثمَّ يا أيُّها النّاس: من ذا الذي يتصوَّرُ أنَّ مسلماً يمدُّ يدَ السّخاءِ إلى محتاج، ثمَّ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يدعُ تلكَ الثّغرةَ التي تكوّنت لديهِ من عطائهِ، يدعُها كما هي؟ متى كانَ هذا من شأنِ اللهِ سبحانهُ وتعالى؟ اللهُ لا تنفدُ خزائنهُ، بل كلُّ من سارَ في هذا الطّريقِ عَلِمْ، عَلِمَ عِلْمَ اليقين، ورأى حقَّ اليقين، أنّهُ ما من إنسانٍ يعطي درهماً في سبيلِ اللهِ سبحانهُ وتعالى إلا ويعطيهِ اللهُ عزَّ وجلَّ قبلَ أن يبيتَ عليهِ اليوم، يعطيهِ أضعافَ ذلك.. عشرةَ أضعافٍ فما يزيدُ عن ذلك، إنَّ اللهَ لا يبقي عليهِ منّةً لعبده. هذهِ الحقيقةُ ينبغي أن نعلمها.

ثمَّ إنَّ اللهَ ابتلانا، ابتلى كلّاً منّا بالآخر، ذلكَ هوَ قرارُ الله: (وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكانَ ربُّكَ بصيراً). جعلَ الغنيَّ فتنةً للفقير، والفقيرَ فتنةً للغنيّ، وكانَ اللهُ قادراً على أن يغنيَ الفقيرَ دونَ أن يُحوِجَهُ إليك. ولكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ علّقَ النّاسَ بعضهم ببعضٍ وجعلَ كلّاً منهم مادّةَ ابتلاء بالآخر. فلا تكوننَّ عقولكم من الغباءِ كعقولِ أولئكَ المشركينَ الذينَ كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يحملهم على البذلِ والعطاء، فيتمرّدونَ على قولهِ قائلينَ كما روى اللهُ عزَّ وجلَّ عنهم: (وإذا قيلَ لهم أنفِقوا ممّا رزقكمُ اللهُ قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعمُ من لو يشاءُ اللهُ أطعمه إن أنتم إلا في ضلالٍ مبين).

الباري عزَّ وجلَّ قادرٌ أن يعطي. ولكن لو أنَّ اللهَ أغنى النّاسَ جميعاً، إذاً لانفكّت آصرةُ التّعاونِ بينَ النّاس، ومن ثمَّ لزالَ معنى افتتانِ النّاسِ بعضهم ببعض. والدّنيا حقلُ ابتلاء، وأساسُ امتحان. ولكن الإنسانُ الذي يسيرُ على نهجِ اللهِ عزَّ وجلّ، ويثقُ باللهِ فيعطي، لا يمكنُ أن يخسرَ لا من دينهِ ولا من دنياهُ شيئاً. لا بدَّ أن يفوزَ بربحٍ آجلٍ وعاجلٍ معاً. فأيُّ حماقةٍ تلكَ التي يتّصفُ بها من يعرضُ عن أمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ متعلّقاً بحبالِ الوهم، يتعلَّقُ بالوهمِ وهوَ يحسبهُ حقيقة. وهوَ بهذا التّعلّقِ أفسدَ دنياهُ وآخرته، وأبعدَ نفسهُ عن سعادة عاجلهِ وآجله. ثمَّ اسمعوا ما يقولهُ المصطفى عليهِ الصّلاةُ والسّلام: "ألا إنَّ اللهَ قد فرضَ في مالِ الأغنياءِ بالقدرِ الذي يسعُ فقراءهم، ولن يُجهدَ الفقراءُ إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنعُ أغنياؤهم، وإنَّ اللهَ محاسبُهم على ذلكَ حساباً عسيراً".

أسألُ اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يوفِّقنا للاقتداءِ بنبيِّنا محمّدٍ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ في سائرِ أحوالِنا عامّةً، وفي هذا العشرِ الأخيرِ من هذا الشّهرِ المباركِ خاصّةً. وأن يتجلّى ذلكَ في مزيدٍ من الإقبالٍ على اللهِ في بقايا هذا الشّهر، وفي الكرمِ الذي يبرهنُ على صدقِ إيماننا باللهِ سبحانهُ وتعالى حتّى يشيعَ التّعاونُ بينَ المسلمين، وتشيعَ حقيقةُ التّراحمِ فيما بينهم فيرتفعَ البلاء، ويبدلُ اللهُ عزَّ وجلَّ شدّتنا برخاء. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم...

الخطبة الثانية

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

أذكّركم بأعظمِ شعيرةٍ من شعارِ هذا الشّهرِ المبارك، ألا وهوَ إخراجُ زكاةِ الفطر، وهوَ معنىً ممّا كنتُ أتحدّثُ عنهُ آنفاً.

هذهِ الشّعيرةُ واجبةٌ على كلِّ إنسانٍ تدخلُ عليهِ ليلةُ العيدِ، وهوَ موسرٌ بما يزيدُ عن حاجاتهِ الضّروريّة. لديهِ كفايتهُ الضّروريّةُ من المأكلِ والمشربِ والملبسِ والمسكن، ويفيضُ لديهِ شيءٌ من المالِ وراءَ ذلك. إذاً هذا الإنسانُ مكلّفٌ بأن يخرجَ زكاةَ الفطرِ عن نفسهِ وعن كلِّ من كلّفهُ اللهُ سبحانهُ وتعالى بالإنفاقِ عليه. ويستقرُّ وجوبُها بدخولِ ليلةِ العيد، فمن وُلِدَ بعدَ مغيبِ شمسِ آخرِ ليلةٍ من رمضانَ أي في ليلةِ العيدِ لم تجب عليهِ زكاةُ الفطر. ومن ماتَ بعدَ دخولِ ليلةِ العيدِ استقرّت عليهِ زكاةُ الفطرِ هذه.

وللإنسانِ أن يخرجَها منذُ أوّلِ أيّامِ هذا الشّهرِ المبارك، ولكن يُسَنُّ أن يخرجَها صباحَ يومِ العيدِ وقبلَ الخروجِ إلى صلاةِ العيد، ويحرمُ أن يؤخّرها عن ذلكَ اليوم.

زكاةُ الفطرِ هذهِ مقدّرةٌ تقديراً مستمرّاً وإنّي لأعجبُ ممّن يسألُ كلَّ عامٍ عنه: صاعٌ من غالبِ قوتِ البلدِ أو كما قالَ الإمامُ أبو حنيفة: قيمةُ صاعٍ من غالبِ قوتِ البلد. وللإنسانِ أن يتوسّعَ فيقلِّدَ الإمامَ أبي حنيفةَ فيخرجَ القيمةَ بدلاً من إخراجِ القوت، ذلكَ هوَ الذي يفيدُ الفقراءَ والنّاسَ في هذا العصر. هذا الصّاعُ يساوي مقدارَ كيلوين في عصرنا اليوم من هذا القوت. وعلى كلِّ إنسانٍ أن يسألَ عن قيمةِ ذلكَ في السّوق: كم يساوي الكيلو الواحدُ من الحنطة؟ ليسأل. وعندئذٍ يعلم، ومن ثمَّ يدركُ القدرَ الذي ينبغي أن يخرجهُ عن نفسهِ وعن كلِّ من كلّفهُ اللهُ سبحانهُ وتعالى بالإنفاقِ عليه. أسألُ اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يوفِّقَنا لتطبيقِ أوامره، وأن يرزقنا الإخلاصَ لوجهه..

واعلموا أنَّ اللهَ أمركم....

تحميل



تشغيل

صوتي