مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 04/05/1984

مشكلات يغض المحتفلون بالإسراء والمعراج الطرف عنها

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاُ عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعد فيا عباد الله:

منذ أيام احتفل العالم الإسلامي بذكرى الإسراء والمعراج وأقيمت الحفلات الكثيرة في أقطار إسلامية شتى بهذه المناسبة، ودارت الأحاديث كلها في هذه الاحتفالات حول بيت المقدس والمسجد الأقصى، وضرورة أن يهبّ المسلمون لاستعادته وربط الخطباء بين ذكرى الإسراء والمعراج وبين قداسة المسجد الأقصى وبين مصيبة استلاب اليهود له من المسلمين، وعند هذا وقف حديث الخطباء ووقف كلام المتكلمين والمتحمسين مع أن ذكر الإسراء والمعراج كما أنها تذكر بالمسجد الأقصى فهي تذكر أيضاً بالصلوات الخمس التي أمر الله عز وجل بها عباده في تلك الليلة، وتذكرهم بكثير من المحرمات التي جسدت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوباتها، وتذكرهم بكثير من الواجبات التي جسدت أمام عين رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة مثوباتها، ومع هذا فإن الناس الذين احتفلوا بهذه الذكرى في معظم أقطار العالم الإسلامي، لم يبصروا مما توحي به هذه الذكرى إلا مشكلة المسجد الأقصى، وإلا مشكلة الأرض المقدسة التي استلبت واغتصبت من أيدي المسلمين فعلى ما تدل هذه الظاهرة؟ ولماذا ينتقي المحتفلون مسألة واحدةً مما تذكرنا بها أو مما تذكرنا به حادثت الإسراء والمعراج ويغضون الطرف عن المسائل الأخرى؟

إن من المعلوم أن الله عز وجل أمر عباده بخمس صلوات في اليوم والليلة، في الليلة التي أسري بها برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت المقدس، ثم عرج به إلى السماوات العلا ومن المعلوم أن صلة ما بين العبد وربه لا تتمثل بادئ ذي بدء إلا بهذه الصلاة ومن المعلوم أن الانسان لم يستطيع أن يستعين في تنفيذ أمر الله عز وجل به إلا إذا استعان ذلك بالصلاة، يؤديها على وجهها ألم يقل مولانا عز وجل في محكم كتابه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) ألم يقل الله عز وجل في محكم كتابه:

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) ألم يأمر الله عز وجل عباده بالصلاة كلما أمرهم بالإيمان حتى أصبحت رابطة ما بين الإيمان والصلاة، رابطةً قويةً في كتاب الله عز وجل .. وهل يمكن للإنسان أن يستعرض حوادث الإسراء والمعراج ثم لا يتذكر أهمية هذه الفريضة التي فرضها الله علينا وأناطها بأعناقنا، فلماذا ننسى في هذه المناسبة أقدس واجب من الواجبات العبادية التي كلف الله بها عباده؟ ونتذكر فقط أن نجعل من هذه الحادثة أداة طنين ورنين لنستنهض به عواطف المسلمين من أجل استعادة الأرض المقدسة. لماذا؟

ألم يجسد لنا ذكر الإسراء والمعراج عظم جرم الذي يقترفه آكل الربا .. ألم تحدثنا ذكرى الإسراء والمعراج عن الجريمة الكبرى التي يقترفها مرتكبوا الفواحش الذين نسوا أمر الله عز وجل ونهيه .. ألم تجسد لنا ذكرى الإسراء والمعراج كثيراً من الواجبات التي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها من خلال مشاهداته .. فلماذا نتجاهلها جميعاً ثم نجعل ذكر الإسراء والمعراج فقط لسان ناطقاً عن البيت المقدس وما يتعلق بالبيت المقدس؟ ولماذا شرّف الله رسوله بهذه الخارقة؟ ولماذا أكرم الله رسوله بالإسراء إلى بيت المقدس وبالعروج إلى السماوات العلا؟

أكرمه الله تعالى بهذا حتى يلفت ذلك نظرنا إلى أن محمد صلى الله عليه وسلم مؤيدٌ من قبل الله عز وجل وأنه رسوله الصادق الأمين وأنه لم يفتئت على ربه شرعاً بلّغه ولا رسالة أخبرنا إياها، حادثة الإسراء والمعراج من أكبر الأدلة المؤيدة بنبوة رسول الله، فالحكمة هي أن نزداد يقيناً بنبوته ونزداد إيماناً برسالته لكي يزيدنا هذا الإيمان تمسكاً بهديه وارتباطاً بسنته وسيراً على هديه وصراطه الذي بلغنا إياه من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، فلئن احتفلنا بذكرى الإسراء والمعراج ولم تزدنا هذه الذكرى إيماناً بنبوة رسول الله، وبالتالي تمسّكاً بشرعة رسول الله وتمسّكاً بما أوصانا باتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدءاً من الصلوات الخمس إلى بقية الأوامر إلى اجتناب سائر النواهي والمنكرات، إن لم تفدنا هذه الذكرى زيادة إيمانٍ برسول الله وزيادة تمسكٍ بشرع الله فماذا صنعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحتفل بهذه الذكرى؟ وماذا يغني أن نتحدث عن أرض استلبت عن المسجد الأقصى أو عن غير المسجد الأقصى وما أعظم مصائبنا وما أكثرها؟

ماذا يجدينا ذلك إن لم نؤسس إن لم نقم هذا المعنى على أساسٍ من شدَّةِ ارتباطنا برسول الله من شدَّةِ تمسكنا بهديه، من تجديد إيماننا به من تحريم ما حرَّم من أن نوجب علينا، ما أوجب من أن نقبل إلى الصلوات الخمس فنؤديها كما أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألم يُقبل المصطفى عليه الصلاة والسلام في اليوم الثاني بعد هبوطه من السماوات العلا ألم يقبل إلى أصحابه يعلمهم كيف يصلون يعلمهم متى يبدأ وقت الصلاة ومتى ينتهي؟ وهل تركت ذكرى الإسراء والمعراج أثراً عملياً في حياة المسلمين أقدس من هذا الأثر؟ أثر إقبالهم على الله في اليوم خمس مرات يصلون يدعون ويتضرعون ويسجدون بين يدي الله عز وجل.

أريد أن أقول من خلال هذا الكلام إن لكل شيء مفتاح، وإن الدخول إلى أي ساحةٍ لا يصلح إلا إذا تم الدخول إليها من بابها، ومفتاح استعادة أرضنا السليبة ومفتاح استعادة عزنا الثالث إنهما هو الدينونة لله، والخضوع لأمر الله، وإقامة الصلة بيننا وبين الله، ولا يمكن أن تقوم هذه الصلة بيننا وبين الله إذا ضيعنا الصلاة وارتكبنا المنكرات ألم يقل لنا ربنا عز وجل:

(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)

رتّب الله هذا الوعيد على ذلك الترك خلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة وقد أضعناها واتبعوا الشهوات، وقد اتبعناها. ماذا يقول الله بعد ذلك: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) سوف يلقون ضلالاً، سوف يقعون في تيه. نحن واقعون في تيه .. تيهنا هو هذه المصائب التي نعاني منها .. تيهنا هو تسليط الله علينا أراذل الأمم، اليهود استلبوا أرضنا وانتقصوا من ديارنا ومزقوا حرماتنا واستلبوا عزتنا، هذا هو جزء من معنى قول الله عز وجل: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً). إذا أردنا أن نتخلص من هذا الغي، إذا أردنا أن ننجو من هذا التيه ماذا نصنع؟ نسلك السبل من بابه؛ ونفتح الباب بمفتاح الله عز وجل، يأمرنا بأن لا نضيع صلاةً وأن لا نضيع أمراً أمرنا به، أن نقيم إسلامنا كما أمرنا الله عز جل، فإن فعلنا ذلك فإن الله قد ألزم نفسه بأن يعيد إلينا مقدساتنا، وأن يعيد إلينا أرضنا السليبة، وأن يعيد إلينا ديارنا .. نعم هكذا ألزم الله ذاته إن نحن وفّينا بما التزمنا به لله عز جل ألم يقل الله عز وجل:

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) أليس هذا وعد الله وعد الله قطعه على نفسه ألم يقل الله عز وجل:

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) هكذا يقول الله عز وجل. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ... هذا كلام الكافرين ينقله الله لنا ثم ينقل على أعقابه وعده لنا لتخرجن من أرضنا:

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) ولكن هذا لا يكون بشكل عشوائي، ولا يكون بالأماني ولا يكون بالأحلام وبالخطب الرنانة وإنما يكون بما قاله الله عز وجل: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) فهل خِفنا مقام الله عز وجل، هل خِفنا وعيد الله عز وجل، يا عجباً لمن يحتفل بذكرى الإسراء والمعراج، ثم لا يذكر أن رسول هذا الإسراء والمعراج ائتمننا في تلك الليلة على صلوات وربط الله هذه الصلوات بأمانينا ورغائبنا.

فإذا أردنا حقاً أن نستعيد أرضاً سليبة أو عزاً غابراً فلا سبيل إلى ذلك إلا بأن نعود إلى الإسلام، وأن نقف تحت مظلة ذكرى الإسراء والمعراج وقفةَ إيمانٍ بربِّ سبحانه وتعالى ووقفة عبودية له فنأخذ كل ما أمرنا الله سبحان وتعالى به، أما إن لم نفعل ذلك، وأما إن اعتبرنا أنفسنا نتطور لنتجاوز الإسلام ولنبتعد عنه ولنغرق أنفسنا في تقاليد آسنةٍ مما يأتينا من الشرق أو الغرب، فماذا يفيدنا بعد ذلك أن نأخذ من ذكرى الإسراء والمعراج، ما يمكن أن نجعله مجرد دعاية لأمرنا.

لا يجتمع أمر هذه الأمة ولا يمكن أن تستعيد شيئاً من حقوقها إلا إذا عادت إلى صراط الله عز وجل، علم هذا من علم وجهله من جهل، ويا للعجب .. إن اليهود وضعهم الله عبرةً أمام أبصارنا لا يخطون خطوةً لإيذائنا ولاستلاب حقوقنا إلا ويجعلون من التوراة رائداً لهم، ولا يسيرون خطوةً في سبيل أن يوسعوا أرضهم على حساب حقوق هذه الأمة، إلا ويجعلون دافعهم الخفي والعلني هو الدافع الديني، يأبون أن يتنازلوا عن هذا المعنى الديني الرائد لهم شروا نقير. وكلكم يعلم ذلك وكلكم يعلم أنهم عندما يسيرون إلى أمانيهم وأحلامهم، فإنما يسيرون بدافعٍ مما تعدهم به توراتهم، ويسيرون بدافع من أمانيهم الدينية ننظر فنجد أولئك المبطلين يحكمون دينهم الباطل، أما نحن فقد أكرمنا الله بالحق ووعدنا إن اتبعنا هذا الحق أن يعيد إلينا العزة ويمتعنا بالوحدة ويعيد إلينا الكرامة، لا نتبع ديننا كما يتبع أولئك دينهم ولا نحكم شرعتنا في حل مشكلاتنا كما يحكم أولئك شرعتهم الباطلة في حل مشكلاتهم، كانت نتيجة ذلك أن سلّط الله علينا هذا البلاء وأن سلط علينا هذه الشراذم عبرةً لأولي الألباب، فأين هم المعتبرون وأين هم الذين يعلمون أن الله سبحانه وتعالى عادل لا يمكن لنواميسه أن تشذ، ولا يمكن لقوانينه أن تختلف في عصر من العصور.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لاتباع أمره ولاجتناب نهيه أن يعزنا بعزته فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي