مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 01/04/1983

من الذي يجب علي اتباعه في مثل هذه الأيام؟

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاماً دائمين متلازمين، إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعد فيا عباد الله:

مرة أخرى نعود للحديث عن العزلة، وعن واجب المسلم في هذا العصر، وأمام هذه الفتن المتجلية، وإني لأرجوا أن يكون في هذا الحديث الذي أقوله للمرة الثالثة أو الرابعة ما يغني عن العودة إليه، وما يغني عن أي نقاش خاص فيه، يسأل المسلم اليوم ماذا أصنع؟ وبمن اتصل؟ وكيف أقيم الإسلام الذي أمرني الله عز وجل بإقامته؟ وكيف أقيم دولة الإسلام؟ يسأل هذه الأسئلة الكثيرة، ويفسر في أرق وهم كبير لمعرفة الإجابة عليها والجواب واضح، والإجابة بدهية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا على (بيضاء نقية ظاهرها كباطنها، لا يزيغ عنها إلا هالك)، كما قال عليه الصلاة والسلام، ماذا تصنع وبمن تستعين ؟ ومع من تضع يدك؟ تسأل نفسك هذا السؤال، وأنت تعيش في هذا المجتمع الذي أنت فيه وكأنك تعيش في قاعة كبيرة، في حفلة من هذه الحفلات التنكرية، لا تكاد ترى وجهاً على حقيقته، وإنما ترى أقنعة مختلفة اختفت تحتها الوجوه الحقيقية، أنت تعيش في مجتمع هذا شأنه.

ثم تسأل بمن اتصل؟ ومع من أضع يدي؟ ما أكثر ما ترى من يحدثك عن ضرورة العمل في الإسلام، والعمل الجماعي من أجل إقامة حكمه ومنهاجه، وتتأمله جيداً وإذا هو رجل من هواة المناصب، ومن هواة المكانة فهو يريد أن يتخذ من بضعة أشخاص سلماً لمنصب يهواه، وما أكثر ما ترى رجلا ً آخر يتحدث عن الأفكار المختلفة، التي تتحدث عن الإسلام ويقول لك كما قال لي أحدهم: إنه استخار الله عز وجل فرأى الخير في أن يسير في الاتجاه الفلاني، وأن يصل آصرته ونشاطه بفئة من الفئات التي يراها إسلامية، وهي فئة من الفئات الهدامة التي سخرها الاستعمار الأجنبي منذ سنوات طويلة من أجل إفساد الدين، ومن أجل إشاعة الاضطراب في عقول المسلمين، فهذا رجل ثان مقنع بقناع آخر، وما أكثر ما ترى رجلاً ثالثاً، أو شاباً ثالثاً قد أرخى اللحية، وأظهر الإسلام وحمل السبحة، وتظاهر بالحماسة لدين الله، كما رأيت ذلك في بعض البلاد الإسلامية، يستنكر المنكرات الصغيرة ويخلق من أجلها فتناً، ويهيب بالناس أن يقارعوا النظم والمجتمعات من أجل تفتيت دستور الإسلام ومنهجه، وبعد قليل تتأمله وإذا هو إنسان ملحد لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالإسلام، ولكنه يريد أن يثير فتنة هوجاء ، ويريد أن يخرج المسلمين من الطريق الذي يسيرون فيه إلى الله، لعله يسخرهم لفتنة، لعله يسخرهم لبلاء، لعله يجهض دعوة إسلامية تنتشر بطبيعتها في المساجد وهنا وهناك، فهذا قناع ثالث، وما أكثر الأقنعة، ما أكثر الذين يتظاهرون بالحماس للدين وهم يضمرون اتجاهاً سياسياً، ما أكثر من يتظاهرون بضرورة خلق جماعة تستعيد للدين قوته وهم من هواة المناصب، ما أكثر الذين ينقلون هذا الكلام نفسه، وإن أحدهم لينتسب إلى فئة قاديانية أو فئة مادية أخرى.

وهكذا فأنت يا أخي المسلم، تعيش في عصر لا تطمئن فيه على الحقائق، فالألسن تتكلم بشكل والوقائع تتكلم بشكل، أكثر النفوس متعمقة بالدنيا بالسراب بالأهواء، بالمناصب ولكن ألسنتهم تستعمل السلعة الرائجة، والسلعة الرائجة بين الناس اليوم هي الإسلام والحديث عن الإسلام، وخداع البسطاء باسم الإسلام، في هذا الجو ماذا ينبغي أن تصنع؟ يجيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجوبة واضحة صريحة قاطعة يقول فيما يرويه النسائي وأبو داوود عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رأيت الناس ملجت عهدوهم وقلت أماناتهم وأصبحوا هكذا - وشبك رسول الله في يديه - قال فماذا تأمرني: قال: الزم بيتك، وأمسك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، والزم أمر الخاصة، ودع عنك أمر العامة) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه الترمذي والنسائي وأبو داوود وابن ماجه في أسانيد صحيحة عن رسول الله صلى الله عيه وسلم: (إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهواً متبعاً، ودنيا مأثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فدع عنك أمر العامة، وعليك بخاصة نفسك، فإن أمامكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للرجل منهم أجر خمسين، قال أحد الصحابة منا أم منهم يا رسول الله؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الحق أعواناً، ولا يجدون) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً: فيما يرويه البخاري عن حذيفة بن اليمان أنه قال كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة الوقوع فيه والحديث طويل يقول رسول الله في آخره جواباً على سؤال حذيفة أبعد ذلك الخير شر؟ قال: (نعم ، أناس يقفون على أبواب جهنم، فمن استجاب لدعوتهم قذفوه فيها، قال صفهم لنا يا رسول الله: قال هم من أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، قال فماذا تأمرني يا رسول الله أن أصنع؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق والجماعات كلها ولو تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت عل ذلك) هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب الحائرين، وينهي اضطراب المضطربين، ويعلم الجاهلين، ويضع النقاط على الحروف، وقد قال ربنا جل جلاله:

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)، ويقول: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)

والله سبحانه وتعالى أرسل رسوله مبيناً والرسول هو الذي يقول لقد أوتيت القرآن ومثله معه، فمن لم يقنعه هذا الكلام فلا أقنعه الله، ومن أردا من بعد هذا الكلام، كلاماً أوضح فلا رأى عقله ما يوضح له السبل، ومن لم يجد في هذا البيان الموضح الناصع الذي ينبض بالرحمة والشفقة والحب لأمته، من لم يجد في هذا الكلام غذائه المشبع فلا أشبعه الله له عقلاً ولا فكراً، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا داعي لبحث بعد هذا ولكن قد نحتاج إلى شيء من التفسير لكلامه (عليك بخاصة نفسك) قال علماء الحديث: ما معنى خاصة النفس؟ هل معنى ذلك أن لا يلزم إلا ذاته، فلا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، لا (عليك بخاصة نفسك) أي كن رقيباً على نفسك أولاً وعلى أهل بيتك ثانياً فهم من خاصتك، أقم بيتك على أساس إسلامي سليم، كن آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فيه، ثم إنك ينبغي أ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أصدقائك وأصحابك وذوي رحمك، وكل من ترى لنفسك عليهم سلطاناً، فهم أيضاً من خاصة نفسك هذا معنى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بخاصة نفسك) ومن عجب أنا نرى أناساً يحارون ويضطربون ويموج أمرهم، ماذا نصنع؟ والبلاء في بيوتهم ولا يمضون شيئاً من وقتهم العزيز، لإصلاح مفاسد بيوتهم، لإصلاح الجدل القائم بين جوانح أسرهم وأهليهم وأولادهم، إن هذا من الأمر الذي يضحك وشر البلية ما يضحك، ولكم رأيت أناساً أيها الإخوة وضرب الأمثلة في هذا المجال يفيد يتحدثون ويظهرون أنفسهم، عن الإسلام وكيف ينبغي أن يحكم الإسلام؟ وكيف يبنغي أن تكون قوانين الأمة قوانين إسلامية وهو يقول بمناسبة وربما بدون مناسبة إنه قد استقدم أخيراً جهازاً تلفزيونياً آخر ملوناً، فجهازه الذي عنده غير ملون، وقال له واحد من أصدقائه، وما فعلت بالجهاز الأول؟ قال وضعت واحداً في غرفة النوم، ووضعت الآخر في غرفة الجلوس، ويتحدث عن المجتمع الإسلامي، وكيف ينبغي أن يشاد وعلى أي الدعائم ينبغي أن تنهض عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآخر أرى له بنات كبار وصلن مبلغ البلوغ، لو أننا لا حظنا أمر الشرع فيهن لكان على الواحدة منهن أن تحتجب من فرقها إلى قدمها، وهي تتخطر في الشوارع بمظهر لا والله ربما التبس على الإنسان أنها فتاة مسلمة أم غير مسلمة، ووالدها يتحدث كيف نقيم المجتمع الإسلامي؟ وكيف نبني الإسلام؟ أمثلة أكثر من هذا حدثتكم عن طرف منها، البذخ الذي تراه في بيوت المسمين، العهر الذي تتسم به أفرح المسلمين، الفسوق والفجور، الذي عشش في بيوت المسلمين، ألا تتصور هذا البلاء، ألا تتصور الطوفان وتدع الشيطان يلعب بعقلك لتتسائل عن الإطار، ضع الصورة السليمة قبل كل شيء ثم تسائل عن الإطار الذي ينبغي أن تضعه، أسأل الله سبحانه وتعالى، أن يجمع أمرنا على بالحق وأن يرزقنا اتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا ممن تهمهم خصائصنا وذوو قرابتنا، وأرحامنا حتى يصلح الله أمرمنا خاصة وعامة،

فاستغفروا الله يغفر لكم

تحميل



تشغيل

صوتي