مميز
EN عربي

السلاسل: يغالطونك إذ يقولون

التاريخ: 04/04/2011

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

3- يغالطونك إذ يقولون: درس خاص عن الأحداث التي تمر بها سوريا بالإضافة إلى صلاة الغائب

التصنيف: فقه عام

درس خاص عن الأحداث التي تمر بها سوريا


(بالإضافة إلى صلاة الغائب، لفضيلة الدكتور البوطي بتاريخ 4/4/2011)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفَهْم، وافتح علينا بمعرفة العلم، وسَهِّلْ أخلاقنا بالحِلْم، واجعلنا مِمّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وبعدُ أيها الإخوة،

هذا هو الدرس الثالث في سلسلة دروس يغالطونك إذ يقولون، ولكن قبل أن أبدأ بدرسنا الذي هو تتمة للدرس الأخير الذي فارقتكم على أعقابه، أحب أن اعتذر عن غيابي في هذه المدة التي ربما كانت أطول من غيرها، وسبب ذلك طول المسافة وربما طول المهمة. كانت السفرة إلى جهة في جنوب شرق آسيا، وكانت المهمة عبارة عن مؤتمر.

عدت وقد أحزنني ما بلغني بأن مزيدا من الدماء قد أريقت، وأن مزيدا من القتلى قد سقطوا في ساحة الشهادة.

إنني أيها الإخوة باسمي وباسمكم جميعا أتوجه إلى أهالي وأقارب هؤلاء الذين استقلت بهم رحمة الله سبحانه وتعالى، وكلنا أهلٌ لهم، وكلنا أقارب لهم، أتوجه إليهم على اختلافهم، أتوجه إلى أهاليهم في درعا، في اللاذقية، في غيرهما من أرضنا السورية الغالية بالتعزية القلبية الخالصة، سائلا الله سبحانه وتعالى باسمكم، باسمي وباسمكم جميعا أن يحشرهم مع الشهداء الأبرار الصالحين، وإني أقول لهم ولنا أيضا: إن الحوادث تخدم قضاء الله عزّ وجلّ المبرم، وليس قضاء الله هو الذي يخدم الحوادث. ولسوف نصلي عليهم صلاة الغائب إن شاء الله عقب انتهائنا من فريضة العشاء.

أيها الإخوة لا بد من أن نستكمل حديثنا الأخير الذي ذكرناه في درسنا الأخير الذي سافرت على أعقابه، ولا بد من إتمامه، وأنا آمل بعد أن استخرت الله عز وجل أن يجعل الخير في ذلك، وآمل أن يكون حديثنا هذا واستيعابنا له إغلاقا لباب هذه الفتنة.

أيها الإخوة: أما الدعوة إلى الإصلاح، والقضاء على الفساد وأسبابه، فهي ضرورة لا مندوحة منها، بل هي ضرورة يوجبها الشرع علينا قبل أن يوجبها المنطق.

حقوق الإنسان، القيم التي ينبغي أن تتألق في المجتمعات الإسلامية، المبادئ الدينية التي ينبغي أن لا تُضَيَّعْ، هذه كلها ينبغي على الأمة: قادة وشعوبا أن يَرْعَوْها، وأن يكونوا حراسا عليها.

فاعتقد انه ليس فينا من يُخَذِّل الدعوة إلى الإصلاح: الحريات المنضبطة، الحقوق الإنسانية، القيم الإسلامية.

ولكن ما هو المنبر الذي ينبغي أن تنطلق منه الدعوة إلى الإصلاح؟

هذا ما ينبغي أن نسأله وما ينبغي أن نجيب عنه إجابة دقيقة حرة.

ما هو المنبر الذي يجب أن تنطلق منه عملية الإصلاح، أو الدعوة إلى الإصلاح؟

ترى، هل المنبر يتمثل في الشوارع والصياح الذي يملأ أرجاءَها؟

أم هل يتمثل هذا المنبر في الهُتافات والشعارات التي تَرفع أو التي تَهبِط، أو التي تُعلي، أو التي تُهبِط؟

هل المنبر، أيها الإخوة، الذي ينطلق منه الإصلاح: الثورات الهائجة التي لا تتورع عن التخريب، لا تتورع عن التهديد، ومن ثَمّ تتعرض للفتن، ومن ثَمّ تتعرض أو تُعَرِّض نفسها لكثير من المحن؟

اعتقد أيها الإخوة أننا جميعا نعلم الجواب، ليس هذا ولا ذاك، ولا ذاك هو المنبر الذي تنطلق منه عمليات الإصلاح.

وما علمنا قط أن هذه التجربة نجحت في يوم من الأيام.

إذن ما هو المنبر الذي ينبغي أن تنطلق منه عمليات الإصلاح التي لا بد منها، والتي نحن جميعا متفقون على ضرورتها؟

أجيبكم أولا من خلال ما يأمر به الدين، ديننا الإسلامي، ثانيا من خلال ما يأمر به المنطق، ثالثا من خلال ما تدلنا عليه التجارب المستمرة القديمة والحديثة.

أما الدين فيقول: إن المنطلق إلى الإصلاح إنما يتمثل في الحوار، في التذكير، في النقاش.

هذه الكلمات التي تلتقي تحت المصطلح القرآني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذا ما يقوله الدين الحق، أي أن عملية الإصلاح إنما تتم بين طرفين، ولا تتحقق من خلال طرف واحد. نحن الآن عبارة عن طرف واحد، نحن الشعب، ما ينبغي أن يكون عن طريق هذا الطرف الواحد، إذن سنكون كمن يحدث نفسه في المرآة، لا.

زمام الإصلاح بيد الطرف الثاني، إذن ينبغي أن نجلس مع هذا الطرف الثاني، وينبغي أن نحاوره، كما يقول الله عز وجل، ينبغي أن نُذكّره، ينبغي أن نأمره بالمعروف، وينبغي أن ننهاه عن المنكر، نعم.

هذا ما يأمر به الدين قبل أن نقول المنطق، وقبل أن نقول التجارب.

واسمعوا ما يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في هذا، إنه حتى عندما يكون الوَلِيّ جائرا، شديدَ الجَوْر، لا يأذنُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بأن نُعْرِضَ عنه، وأن نصيح في الشوارع، وأن نثير الغوغاء زاعمين أننا نصلح، بل يأمرُنا بأن نواجهه، يأمرنا بأن نجلس إليه، لاحظوا دقة كلامه:" أفضل الجهاد كلمة حق – بعدها، ماذا قال؟- عند، عند سلطان جائر"، حتى لو كان جائرًا.

ما قال: كلمة حق وراء سلطان جائر، ما قال أفضل الجهاد كلمة حق في الشوارع دون التفاتٍ إلى السلطان الجائر. لا، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ما يقول.

إذا رأينا أن هنالك فسادا يستشري، وأننا بحاجة إلى الصلاح والإصلاح، فلنعلم أن سبيل ذلك أن يلتقيَ الطرفان، وأن يتم بين هذين الطرفين التذاكُر، والمحاورة، والنقاش،.

ذلك هو المنهج الذي رسمه لنا كتابُ الله سبحانه وتعالى، هذا ما يقوله الدين. ودونَكم فاقرأوا كتابَ الله، كل آية يأمرنا اللهُ فيها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عودوا إلى تفسير هذه الآية تجدون مصداق ما أقوله لكم.

تنهى عن المنكر، إذن ينبغي أن تجد صاحب المنكر، تجلس إليه.

تأمر بالمعروف، إذن ينبغي أن تجلس إلى من نسيَ المعروف فتذكره به.

وأما المنطق: فالمنطق أيها الإخوة، يقول فيما درسناه في الفلسفة وعلم المنطق أيضا:

إن القضية العقلانية المنتجة هي التي تتكون من مقدمتين، يعني من طرفين، فإذا وُجِدَتْ المقدمتان، أي وُجدَ الطرفان، وتلاقحا بالطريقة المنطقية المعروفة، سَرْعان ما تنقدح النتيجة من ذلك.

هذه حقيقة معروفة، أيّ الطرفين إذا استقل بنفسه لا يستطيع أن يصلح فاسدا، لا هذا ولا ذاك، لا بد من التلاقي، ولا بد من الحوار، ولا بد من التشاور، وأنا الآن أتحدث عن المنطق.

التجربة: عودوا إلى التجارب التي سلفت قديما وحديثا، تجدون أنَّ العملية الغوغائية، أنَّ عمليات الثورة التي تنهض ابتغاء الإصلاح لا بد أن تدفع غرامة، هي في مجملها أسوأُُ بكثير من فائدة المَغنم الذي قد تثمره فيما بعد هذه الثورة، وهذا كلام المؤرخين.

يعني عندما تهتاج فئة في المجتمع تبتغي الإصلاح، تهتاج بطريقة الثورة والإثارة، ما الذي يحدث؟

لن تصلَ إلى ما يسميه الإصلاح إلا فوقَ رُكامٍ من التهديم والتخريب وَ وَ وَ ، وما إلى ذلك؛ فإذا أردنا أن نتجاوز هذا الركام إلى الإصلاح لا بد أن تمر سنواتٌ وسنوات.

ترى هذا الإصلاح الذي نحاول أن نصل إليه، ماذا ستكون هويته، وماذا سيكون حدوده، وماذا سيكون عمره؟

إذن أعود فأقول: كلنا متفقون على ضرورة إصلاح الفساد، وعملية الإصلاح تتجدد كما قد قلتُ لكم فيما أذكر.

في كل فترة لا بد من المراقبة، ولا بد من تجديد عمليات الصلاح والإصلاح، ولكن المنبر الذي تنطلق منه عملية الإصلاح إنما هو المجالسة مع الطرف الثاني، الحوار، المناقشة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الآن هذا الكلام أعتقد أنه ليس فينا مَنْ يستطيع أن يخالفه، وأنا أولا وآخرا أعود إلى الدين، المنطق خادم للدين، والتجارب خادمة للدين، لكن أتصور أن فيكم من قد يقول:

لكن يا أخي، لو أردنا أن نطرق الأبواب، ونجلس للحوار لن يسمع كلامنا أحد، لو أردنا أن نجلس إلى الطرف الثاني فنذكّرَهُم بإصلاح الفساد، وفتح أبواب الحريات، وإنهاء عهد الحزب الواحد الحاكم، أل، أل، أل ... إلخ، يا أخي ليس هنالك مَنْ يسمعُ كلامَنا، قد يقال هذا الكلام.

وأنا أقول، وأحب أن أصرّح بما ينبغي أن أقول:

هل تمت هذه التجربة؟ أبدا.

نحن نقول نظريا، لو أردنا آن نطرق الأبواب ونجلس فنتذاكر، لن يصغي إلينا المسؤولون.

لكن، متى قامت هذه التجربة وانتهينا إلى هذه النتيجة، نتيجة عدم الإصغاء؟ أبدا

دعوني أسألكم: متى قامت فئة من أعضاء مجلس الشعب وطرقوا باب الرئاسة العليا، لا لمصلحة شخصية، لا لأمر خاصٍ بشؤونهم، وإنما ليُذَكّروا بضرورة فتح أبواب الحريات، ليُذَكّروا بضرورة إنهاء مثلا الطوارئ، ليُذَكّروا بضرورة ترسيخ مبادئ القيم؟

لا اعلم أبدا أنَّ فيهم من فعل ذلك.

وُجِد مَنْ ذهب لمصالحهِ، مظالمهِ، نعم.

هل في رجال الأعمال مَنْ طرق باب المسؤولين وجلس إليهم ليتحدث عن ضرورة السير في طريق الإصلاح (هذه الجوانب التي نحن متفقون عليها)؟

أنا أصغي بأذني جيدا، وأحاول أن ألتقط الحوادث من هذا القبيل. أبدا، لم يحصل هذا.

وُجد مَنْ سعى وجلس وبحث، لكن من أجل المغانم التجارية، من أجل المصالح الشخصية.

هل وُجد في أساتذة الجامعة، في الطبقة المثقفة العليا، مَنْ طرق هذا الباب، ليسلك هذا المسلك، مسلك المجالسة، الحوار، المناقشة، الدعوة إلى الإصلاح؟

المشايخ، أقولها، فيما مضى: هل تم ذلك؟

نحن مُقَصِّرون، وأشهد أننا مُقَصِّرون.

إذن لا تقل يا أخي: لو فعلنا لن نجد من يصغي السمع إلينا.

جربوا ثم قولوا.

وهنا أقول لكم لقد تمت التجربة.

وقبل أن أقول تمت التجربة، أبدأ بمقدمة.

أنا مضطر هنا أن أتحدث عن نفسي، وأسأل الله عزّ وجلّ أن لا يجعلني أنانيًا، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يميتني وأنا عبد ضعيف ذليل، كل مَنْ أراهم من المسلمين خيرٌ منّي.

لكن قبل هذه الحوادث التي أطلت علينا بالرعب، هذه حوادث في المجتمع كله، جلستُ إلى السيد الرئيس، وذكرتُ له ضرورة فتح باب الحريات، وذكرتُ له: أما ينبغي أن ينتهي عهد سلطة الحزب الواحد؟ وأطلتُ وتكلمت.

فكان الجواب أنه مُقِرٌ بهذه الضرورة، وأنه يسعى صامتا إلى تحقيقها، وذكر لي الخطوات التي يفعلها في هذا الصدد.

لكن التفتّ يمينا وشمالا فلم أجد – آنذاك- أحدًا غيري، وهذا متى؟ قبل الحوادث.

لا يقولن قائل، الخوف من الحوادث هو الذي ..، لا لا لا لا، قبل الحوادث، لكن شاء الله عز وجل أن نستيقظ كمجموعة من العلماء، من المفكرين، من الغيارى على الإصلاح، وَوُجِدَتْ سلسلة لقاءات مع قمة المسؤولين في هذه البلدة، مع السيد الرئيس، وطُرِحَتْ هذه المسائل، ضرورة الإصلاح بالنسبة لهذه القضايا، فكان التجاوب تامًا، ومن خلال اللقاء، إثر اللقاء، ومن خلال المشاورة، طبعًا لأول مرة نحن نكشف عن هذا الموضوع، تمت الاستجابة، تمت الاستجابة بقدر كبير من الإصلاحات، والبحث عن مزيد من الإصلاحات المستمرة، الوقت ضيق، لا بد أن ألخِّص وأكثف الكلام.

أبدأ بالإصلاحات الدينية لأنها هي المهم في اعتقادي وفي يقيني ثم ننتقل إلى الاصطلاحات الأخرى.

أول إصلاح ديني، وأعتقد أنه الأهم: صَدَرَ قرار بإعادة كل المنقبات اللائي أبعدن عن التدريس بسبب النقاب إلى أعمالهن ووظائفهن، بعد أن مُحِّص، وتبيَّن أنهن بريئات من التهمة التي كانت قد ألصقت بهن، وربما اجتهد مَنْ اتّهَم، فَفَعَل ما فَعَل، لكن بعد التمحيص والتحقيق والتدقيق تبيّنت بَراءتهُن، وصَدَرَ قرار بأسماء ثلة كبيرة مِنْهُن، وقد طُلِبَ إليَّ أن أقول لكم: كلُ مُدَرِّسَةٍ لم تجد اسمها بين أسماء هذا القرار الذي صَدَر، ما عليها إلا أن تكتب طلبًا تتقدم به إلى مديرية التربية، أو وزارة التربية، وستأتي التلبية آليًا، آليًا دون توقف.

يعني القرار صَدَرَ في حق كل اللائي صُرِفْنَ أو أُحِلْنَ إلى وظائف أخرى غير وظيفة التدريس.

الشيء الثاني: مرسوم صَدَرَ عن السيد الرئيس، بإحداث معهد الشام العالي للدراسات الشرعية واللغوية، للدراسات اللغة العربية والشريعة الإسلامية. هذا المعهد العالي تتفرع عنه معاهد كثيرة كلها تؤهل دارسين للشهادة الجامعية الأولى، وتؤهلهم للماجستير، وتؤهلهم للدكتوراة، وشهادة مقبولة. هذا أيضا مرسوم صَدَر.

الشيء الآخر، تعليمات صَدَرَت من السيد الرئيس بإحداثِ قناةٍ فضائيةٍ دينيةٍ في سوريا، لسوريا، قناة فضائية دينية ترعى الإسلام الحق، وترعى الإسلام الذي لا يميل إلى شرق ولا غرب، ولا يأخذ غِذاءَهُ من شرق ولا غرب، إطلاقا، وإنّما يأخذ غِذاءَهُ من كتابِ الله وسُنّةِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، وقد ذُكِر حديث عن أقنية فضائية كثيرة في الساحة الإسلامية لكنها تُضَيِّع، هي بين الإفراط وبين التفريط.

هذا أيضًا تم، طيب، ما يتعلق بالمراسيم التي أَعلَن عنها في خطابه السابق، السيد الرئيس رأى أن الأسلوب الذي ذكره لم يكن واضحا للمشاهدين والمستمعين، إذن عمّا قريب سيعود فيتحدث حديثا تلفزيونيا يضع فيه النقاط على الحروف.

المسألة ليست مسألة مشروع مراسيم لفتح الحريات، لإنهاء حالة الطوارئ، لما يتعلق بقانون الأحزاب، لا ليس مشروع، وإنما إصدار مرسوم، وعمّا قريب، خلال هذه الأيام، سيتحدث في ذلك، أما الإحالة إلى اللجان، فمن أجل التنفيذ والتغطية القانونية فقط، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها.

إذن ما يتعلق بالحريات المنضبطة، ما يتعلق بإنهاء حالة الطوارئ، ما يتعلق بإنهاء سلطة الحزب الواحد الحاكم، لتنظيم يرعى الحرية، ويرعى حرية الإعلان والإعلام بين المواطن وبين أجهزة الإعلام، كلُ ذلك، لا أقول في طريق التنفيذ، بل نُفِّذ، وعمّا قريب سيتم الإعلانُ عنه.

إذن أنا أعود فأسألكم: الحِوار أفادَ أم لم يُفِدْ؟ المجالسة مع المسؤولين، والأخذ والعطاء، والمشاورة، قد تصل إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أفادت أم لم تُفِدْ؟

أفادت أيها الإخوة.

إذن لا يَقولنَ قائل: والله لو فعلنا لن يسمع كلامنا أحد، لا لا لا لا .

هذا ما قد تم، نعم.

وفاتني أن أقول لكم أيضا: المهندسون والمهندسات الذين واللائي أبعدن عن المحافظة، الآن يجري تسوية أوضاعهم وأوضاعهن للرجوع إلى أعمالهم.

هذا الذي أقوله أيها الإخوة، أعتقد انه لا يختلف فيه اثنان.

هنا يضطرني الحال، والعمل على سد الثغرات، أن أقولَ شيئا عن أخينا فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، نحن لا نشك بفضل هذا الإنسان، وعلمه، وأنا أعرفه عن قريب، وبيني وبينه مودة أيضا، لكن عجبت جدا جدا للطريقة التي اقتحم فيها ما قد رآه طريقة إصلاح لما يراه فسادا في هذه البلدة.

اعتقد انه رجل علم، يعني يعلم الشيء الذي ذكرته الآن، يعلم أنّ باب إصلاح الفساد من وجهة نظر الدين هو ما قد ذكرته لكم، يعلم ما يقوله بيان الله، ويعلم أن الطريقة الغوغائية ليست هي الطريقة التي تصلح الفساد، الطريقة الغوغائية هي التي تفتح أبواب الفتنة، نعم، العزف على وتر الطائفية لا يُصلح الفساد، أيها الإخوة، أبدا، و إنما يزيد الفساد، بل ربما، أقول لكم: يخلق الفساد، فأنا أعجب أنّ أخي الشيخ يوسف القرضاوي يعلمُ هذه الحقيقة.

تُرى، ما الذي منعه وقد التهبت الغَيْرَةُ بين جوانحه لمصير حقوق الإنسان، والحريات، والقيم في هذه البلدة، وأنا لا أتهم غَيْرَتَهُ، طيب، ما الذي منعه من أن يتوجه إلى دمشق، ولسوف يجد من يُؤَهِلون ويُرَحِبون به، ليجلس شريكًا مع مَنْ جلسوا مع السيد الرئيس، وليكونَ هو الآخر واحدا مِمّن يناقشون ويتكلمون ويبحثون، ومن ثَمَّ يَنالُ – هو الآخر- ثوابا من عند الله عزّ وجلّ على هذا العمل الذي تم؟ ما الذي منعه من أن يشد الرَّحْلَ إلى دمشق، وهو يعلم أن دمشق سترحب به أيّما ترحيب، على المستوى الشعبي، وعلى مستوى المسؤولين.

لماذا آثر المنبر الأول، منبر الغوغاء؟ لماذا آثر الإثارة، وهو يعلم أن هذه الإثارة لا تفيد شيئا؟

طيب، أنا أسأله سؤالا، سؤالَ مُسْتَعْلِم، لا سؤالَ ناقد، أبدا، سؤالَ مَنْ يُريدُ أن يعلم، لا سؤالَ مَنْ ينتقد:

كانت دمشق قد رحبت به فيما مضى على أعقاب حرب غزة، وكان قد أتيح له أن يجلس إلى السيد الرئيس، نعم، إذن امتلك فرصة ذهبية رائعة، ما دام أنه غيور – بهذا الشكل الذي سمعناه- على الإصلاحات، ويدعو إلى إصلاح الفساد بكل ما يملكه من قوة ومن صوت، وَ وَ وَ .. إلخ.

طيب، عندما جاء، وأتيح له أن يجلس إلى السيد الرئيس، كانت مشكلة الحزب الواحد قائمة، وكانت مشكلة الفوارق قائمة، وكانت مشكلة الحريات قائمة، هذه المشكلات التي يعلن غَيْرَتَهُ عليها من خلال خطابه الملتهب، موجودة كانت، ولكنه لم يتحدث عن شيء منها، إنما استبدل بذلك المديح الذي كاله جُزافا للسيد الرئيس. نعم، استبدل بذلك الثناء والمديح، وموقف سوريا من فلسطين وغزة، وما إلى ذلك، وَ وَ وَ، وسمعت أنا الكلام الذي قاله.

طيب، شيء غريب، سبحان الله، فرصة ذهبية أتيحت لك، جلستَ إلى جانب السيد الرئيس بشار، يقول لي: كالَ لي المديح جُزافا، هو الذي يقول.

طيب، هلّا ذكرته يا أخ بهذه الإصلاحات التي تثور من على منبر صلاة الجمعة عليها!! تثور وتثير من أجلها!! الآن، تثير مشاعر الطائفية، وتضرب على وتره!! وبالأمس أتيح لك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر!! وأن تتخذ لنفسك شهادة أو شاهدا بين يدي الله يوم القيامة!! لماذا لم تفعل؟ ما فَعَلَ ذلك!

إذن أيها الإخوة، هذا المنهج الذي ذكرته لكم، فيما يأمر به الدين، وفيما يأمر به المنطق، وفيما تدل عليه التجربة، هو هذا الذي ذكرته لكم. وأكبر دليلٍ وشاهدٍ على أنه هو السبيل المُجدي والأمثل، ما قد تم.

ذكرت لكم الآن، والآن كما يقول المثل العامي: الحبل على الجرار، الإصلاحات تتم.

موضوع القناة الفضائية الدينية لم تكن في خاطرنا، ولا في خاطر الذين جلسوا إليه للإصلاح، وإنما هي غاية تمثلت في ذهني.

أنا واحد من أبسط وأدنى رجال العلم في هذه البلدة، والله في علماء دمشق مَنْ أعلم يقينا أنهم من الأولياء المقربين، وأنا أتقرب إلى الله بتقبيل أيديهم وأرجلهم، نعم. لكن، أنا كنت وقلت بالأمس الدابر، في أواخر شهر شعبان، أرانِيَ الله عزّ وجلّ رؤيا، وكُلّفت بإبلاغها، وقلت إنّ هذه الرؤيا تقول: إنّ غَضْبَةً إلهيةً وافدة ستأتي، فيا ناس عودوا إلى الله، وصادف آنذاك بث مسلسل "ما ملكت أيمانكم"، في رمضان، كل ليلة تتم السخرية بالقرآن من خلال "ما ملكت أيمانكم"، وذكرت ذلك، وقلتُ هذا الكلام في مجلس اللقاء التشاوري.

النّاس كانوا بين ساخر، وبين مستهزئ، وبين متعجبٍ يقول: ما بال الدكتور سعيد رمضان؟ والله بنعرفه رجل علم، شو صار رجل خرافة، بلاقي عم يحكي بالمنامات!!

يا أخي شيء واجب كُلّفت به، ولكن ها هو ذا ظهر. قلت، ولكن هذه الرؤيا التي أرانيها اللهُ -عزّ وجلّ- تقول إن العاقبة خير، وأنها ستنتهي، رأيتُ ذلك، ولكن علمت أن هنالك شرطا، وأبلغتُ الشرط إخواننا، وقادتنا المسؤولين وعلى رأسهم السيد الرئيس. قلت: الشرط هو أن نجدد البيعة مع الله، الشرط هو أن نصطلح مع الله عزّ وجلّ، الشرط هو أن نعود فنكون حُرّاسا لدين الله في هذه البلدة، حراسا للقيم في هذه البلدة، هذا هو الشرط، ولسوف تنجلي الغُمّة.

هذا ما ذكرته، أليس هذا هو الطريق الأجدر، ولقد رأيت التأثر، ورأيت ما يدل على تفاعل النّاس.

ليس فينا، أيها الإخوة، مَنْ لا توجد بين جوانحه الفطرة الإيمانية، قد تكون راقدة، لكننا نحن المسؤولون عن إيقاظها، نحن المحاسبون يوم القيامة، نعم، هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نعرفها.

وأخيرًا أقول: أنا بهذا الحديث عن أخي الشيخ القرضاوي لا اغمز من قناته أبدا، وأعلم علمه وفضله، ولكني أحب له، وهذا كلام أخ مخلص، أحب له، وهو في هذه المرحلة المتقدمة من العمر، أن يُحَكِّم ضوابط الدين وتعاليمه وآدابه في حل أمثال هذه المعضلة، بدلا من أن يُحَكِّم الظروف والمصالح الحزبية التي تدعوه آنا إلى أن يصمُت؛ فيصمُت، وتدعوه آنا إلى أن يتكلم ويثور؛ فيثور ويثير.

لا يا أخي، لا يا أخي، نحن بيننا وبينه القبر الذي ينتظرنا شبر أو أشبار، أنا وإيّاه تقريبا، هو أكبر منّي بقليل.

طيب، يا جماعة دعنا نبيض وجوهنا في عملٍ يرضي الله، نُحَكّم ديننا في هذه القضايا، لا نحكم تبعيتنا الحزبية، وغدا الباري عزّ وجلّ يكتب لنا الأجر الوفير، ولسوف يكون ذلك سببا لصلاحنا وإصلاح إخواننا، وسببًا لإزالة الفساد، وسببًا لانقياد القادةِ لنصائحنا.

القادةُ ينقادون لمصالحنا إن شَمّوا رائحة الإخلاص لوجه الله عزّ وجلّ، ولكنهم يُعرضون عنّا إن وجدوا أننا نتلاعب، وأننا نستعمل الكر والفر من أجل قضايانا ومصالحنا.

هذه تتمة لحديثٍ بدأناه قبل أسبوعين، ونختم كالعادة حديثنا هذا بالدعاء متضرعين إلى الله عزّ وجلّ.

كل واحد منكم ليتصور أنّه بين يَدَي الله، وليعلم أنّ الله يراه، وأنّ الله يسمعُ نجواه، نعم.

اللهم ..................



تشغيل

صوتي
مشاهدة