العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
السلاسل: القرآن والحياة
التاريخ: 19/03/1978
12- الحلقة الثانية عشرة: العدالة بين الرجل والمرأة
إذا تحدثتَ عن الإنصاف ينبغي أن تتحدث عن إنصاف المرأة والرجل من خلال إنصاف المجتمع، وعن إنصاف المجتمع من خلال إنصاف الرجل والمرأة، من هذا المنطلق نقول: الإسلام فلم يحجر على المرأة أيَّ بابٍ من أبواب العمل قطُّ، بشرط أن يكون العمل مشروعاً، فربَّ عملٍ نبحث عن الرجال للقيام له فلا نجد، فإن وجدنا في النساء من يُحسنَّ ويتقنَّ هذا العمل أكثر من الرجل نقول: يا حبذا، وإن رأيناهما يقومان على قدم المساواة فالإسلام يرحب بكلٍ من الرجل والمرأة.
ولكن عندما أرشح المرأة لعملٍ من الأعمال الوظيفية وأجد أنَّ المجتمع قد وكل إليها عملاً وظيفياً كرعاية الأسرة المتمثلة في الزوج والأولاد، ولا شكَّ أنَّ هذا أيضاً عملٌ مهمٌ، فخروجها إلى العمل الثاني ينبغي ألا يُحدث ثغرةً في عملها الاجتماعي الأدق، وهو رعاية أسرتها، فيكون في هذا العمل تخريبٌ اجتماعيٌ؛ ذلك لأنَّ وجود من يملئ هذه الثغرة الاجتماعية ضرورةٌ قصوى، فأنا إذن أمنع المرأة لا لأنها مرأةٌ، تماماً كما أفعل مع الرجل إن كان مرتبطاً بعملٍ يخدم فيه أبويه المريضين، ويسهر على رعايتهما، فنقصيه عن كثيرٍ من الأعمال الاجتماعية؛ لأنَّه وحيدٌ لأبويه وينبغي أن يرعى شأنهما، وعلى هذا المبدأ يعمل نظام التجنيد الإجباري.
مجتمعنا قائم على أنَّ الرجل هو الذي يقدم المهر لزوجته، وهو الذي يتولى الإنفاق عليها وعلى أولاده، هذا الواقع الاجتماعي يفرض علينا تعاوناً على منهجٍ معينٍ فيما بين الرجل والمرأة في العمل، فيجب أن نراقب المجتمع بحيث لا تكون كفَّة العمل للمرأة أكثر من الرجل، فيصبح كثيرٌ من الرجال يعانون من العطالة والبطالة، فهذا وضعٌ شاذٌّ في قانون الاجتماع، يُخلُّ بالتوازن الاجتماعي.
وهنالك أسبابٌ تقتضي أن يكون الرُّجل هو الذي يقدِّم المهر، وهو المنفق، أسبابٌ اجتماعيةٌ ونفسيةٌ واقتصاديةٌ، كقانون العرض والطلب، مقتضاه أنَّ الجهة التي تطلب هي التي تعطي الثمنَ، والجهةَ التي تُطْلَب هي التي تأخذ، والرجل هو الذي يخطب المرأة، يقرر هذا الأخلاق، وعلم النفس الأنثوي والذكوري، والاجتماع، ولو كان العكس لهانت المرأة، تبحث عن هذا وتقدم له مهراً، فيتظاهر لها بأنَّه محبٌّ فيتسلَّى معها أياماً، ثم يتركها تذهب إلى آخر، أنوثةُ المرأة مطبوعةٌ على أن تُطلَب لا أن تَطلُب.
أمَّا الإنفاق فالمشاركة الطوعية فيه بشكلٍ رضائيٍ وطوعيٍ، الشارع يبارك هذا، لكنَّ الموافقة الطوعية لا تغطى بقوانين؛ لأن امرأةً قد توافق، وامرأةً أخرى لا توافق، فلا نشرع قوانين وأنظمة تجبر المرأة على أن تشترك مع الرجل في الإنفاق، لأنَّ المرأة لا تسعد أن تنفق مالها على زوجها وأولادها كالرجل، والرجل لا يمكن في نطاق المجتمع ولا علم النفس الإنساني ولا الشريعة أن يشعر بشيءٍ من هذا الأمر؛ لأنَّ إنفاقه واجبٌ مترتبٌ في عنقه، وليس تفضُّلاً منه بشكلٍ من الأشكال.