مميز
EN عربي

السلاسل: القرآن والحياة

التاريخ: 05/03/1978

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

10- الحلقة العاشرة: سياسة الإنفاق في الشريعة الإسلامية

التصنيف: علوم القرآن الكريم

سياسة الإنفاق في الشريعة الإسلامية تهدف إلى غايتين اثنتين، الغاية الأولى: تفتيت الثروة، وعدم ترك فرصةٍ في المجتمع لتضخيمها وتجمُّعها في جهةٍ معينةٍ من المجتمع.


والضمانة لتطبيق هذه الغاية الميراثُ، وآدابٌ معينةٌ حرص الإسلام على أن يلتزم صاحبُ المال بها، منها آدابٌ إيجابيةٌ، ومنها آدابٌ سلبيةٌ؛ أمَّا الإيجابيةُ، فالزكاة، وهي تتعلق بكلِّ الناميات من الأموال، وأمَّا السلبية: فنهي الشارع عن المنكر والخداع، وجمع الأموال بالباطل، وتكديس الثروة وكنزها.


لو أنَّ المجتمع الإسلامي التزم معظم هذه الآداب لرأيت أنَّ الفوارق الطبقية ذابت.


التكافل الاجتماعي مبدأٌ إنساني؛ بعضٌ منهم مطبَّقٌ بأحكامٍ تكليفيةٍ كالزكاة، ومنها الحالات الاستثنائية التي يكلف الإنسان بموجبها أن يدفع علاوةً على الزكاة، كأن يقع جارٌ لي في ضائقةٍ، فأنا مكلَّفٌ شرعاً بأن أنهضه من كبوته.


وهنالك أحكامٌ أخرى للتكافل الاجتماعي ينهض بها إمامُ المسلمين، فينظر إلى أي حالةٍ استثنائيةٍ عارضةٍ تهدِّدُ العدالة الاجتماعية بأي معالجةٍ يراها، على شرط ألا تحرِّم هذه المعالجة حلالاً، وألا تغير شيئاً من الثوابت في أحكام الشريعة الإسلامية، فإن رأى أنَّ الأمر يقتضي إعادة النظر في تقسيم الثروات فله ذلك بشرط ألا يجره ذلك إلى ارتكاب محرم، كأن يحقق في مصدر هذه الثروات فيجد أنَّها جاءت من سبلٍ شتى، كثيرٌ منها سبل غير شرعيةٍ، وعندئذٍ للإمام أن يعيد كلَّ ثروةٍ جاءت من طريقٍ غيرِ شرعيٍّ إلى حظيرة الأموال العامَّة التي هي للمسلمين عامة.


أيضاً من أحكام السياسة الشرعية ممَّا يتعلَّق بنظام التكافل الاجتماعي هو وجوب رعاية إمام المسلمين تنميةَ الأموال التي تسمى أموالاً عامة.


يقول كثيرٌ من الفقهاء لو وضعنا الأموال المدخرات في باطن الأرض، وأحصينا الأموال الأخرى التي تدخلها يد الصنعة، لرأينا عدالةً إلهيةً غريبةً في التناسق بين هذين النوعين من المالين، وهذا النوع من المال الذي لم تدخله يد الصنعة صمام أمانٍ من أجل سدِّ الثغرات، فعندما تقوم الدَّولة بتجميد هذه الأموال لمرافق المجتمع، فإنَّها جميعاً تصبُّ في تطبيق ما يسمى التضامن أو التكافل الاجتماعي.


لا شك أننا لن نعثر على مجتمعٍ أمكنه أن يطبِّق مبدأ التكافل الاجتماعي بشكلٍ سليمٍ.


يجب تشغيل المال، ولا يجوز عند كثيرٍ من الفقهاء كنز المال وادخاره، لكنَّ هذا ليس مسؤوليةَ صاحب المال فقط، وإنَّما هو مسؤولية المجتمع كله، لإيجاد المناخ الضَّامن سلامةَ التشغيل، فأنا عندما أريد أن أُخرج مالي من نطاق الكنز والادخار إلى العمل به ثم لا أجد أنَّ المناخ ملائمٌ، فإنَّ الشارع في هذه الحالة يعذرني إذ لا ضررَ ولا ضرارَ.


عندما أشغل المال في الجوِّ الملائم والمناخ الآمن فأنا أمام حالتين؛ الحالة الأولى: أن تُعلِن حدودٌ معيِّنةٌ للأرباح، فلا يجوز للمسلمين أو للتُّجار أياً كانوا أن يتجاوزوا هذه الحدود التي رسمتها الدولة، والحديث عن التسعير معروفٌ، لكنَّ الذين قالوا بالتسعير والذين لم يقولوا اتفقوا على أنَّ الدولة إذا سعرت فعلى الناس أن يلتزموا بهذا التسعير، ما لم يكن هذا التسعير فيه جنوحٌ ضررٌ واضحٌ بأصحاب الأموال.
الحالة الثانية: أن تترك الدولة هؤلاء العاملين بأموالهم أحراراً، وربما كان ذلك في حالاتٍ لا تستدعي السلع تسعيراً معيناً نظراً إلى أنَّها تقوم على قاعدة العرض والطَّلب، هذا عندما تكون السِّلع كثيرةٌ، ففي هذه الحالة يملك التَّاجر أن يشترط لنفسه الربح الذي يشاء، وهذا حكمٌ لا أعرف فيه خلافاً، بشرطِ ألا يغشَّ المشتري وألا يظلمه، كأن يقول له أبيعك هذا المتاع وأنا أربح عشرةً بالمئة فقط، وهو إنَّما يربح تسعين بالمئة.



تحميل



تشغيل

صوتي