مميز
EN عربي

السلاسل: القرآن والحياة

التاريخ: 19/02/1978

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

8- الحلقة الثامنة: المال 1

التصنيف: علوم القرآن الكريم

لعلَّ المال من أجل النعم، ولكن ينبغي أن نعلم أنَّ الإنسان لا يملك المال، الله سبحانه وتعالى يبطل هذا التصور في كتابه عزَّ وجلَّ، فهو يقول: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ ويقول: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾.


فالبيان الإلهيُّ يوضح أنَّ الإنسان موظفٌ في إدارةِ المال ورعايتِه، وليس مالكاً له، والفرق بين الحالتين أنَّ المالك يتصرَّف بملكه كما يشاء، أمَّا الموظف مِن قِبل الله في رعاية المال؛ مِن أجلِ إقامة المجتمع فلا يملك أن يتصرَّف في المال كما يحبُّ ويشاء، بل يسير وفق النهج الذي شرعه الله في إدارة المال.


الباري عزَّ وجلَّ رسم لنا هذا النهج ببياناتٍ عامَّةٍ كليةٍ في القرآن، وفصَّل لنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذا المنهج ببياناتٍ تفصيليةٍ.


فنقول بإيجازٍ كبيرٍ: إنَّ هذا النظام يقوم على منهجٍ في الاكتساب، وعلى منهجٍ في الإنفاق، فهنالك نوافذ لاكتساب المال لا يجوز تجاوزها، وهي الصناعة، والتجارة، والإرث، والهبات، والأموال العامَّة، وهذه الأخيرة لا يملكها فردٌ دون فردٍ، وإنما يملكها المجتمع، ولا يجوز للإنسان أن يضيف إلى هذه النوافذ نافذةً سادسةً؛ ذلك لأنَّ هذه الطريقة ستكونُ طريقةً ظالمةً، أو مسيئةً إلى المجتمع.


بالمقابل هنالك طريقٌ للإنفاق، فالإنسان أولاً ينفق على نفسه، ثم على من يعيل، ثم على الآخرين، وهكذا أوضح رسول الله في حديث مسلم عندما جاءه صحابي وقال له: عندي درهم إلى من أعود به. قال: على نفسك. قال: فعندي درهم ثان. قال: على زوجك. قال: فالثالث. فقال: على ولدك، ثم قال: على من تعيل أو على الآخرين.


فهذا هو الفريق الأول الذي رتب الله عزَّ وجلَّ الإنفاق عليهم، بعد ذلك النفقة تكون للمجتمع ضمن سُلَّمٍ من الأولويات التي شرعها الله عزَّ وجلَّ:


فهنالك الزكاة الحتمية، وهنالك الصدقات، فالزكاة تعطى لأصنافٍ محصورةٍ معلومةٍ ذكرهم الله عزَّ وجلَّ في محكم تبيانه، والصدقات أعطياتٌ طوعيةٌ تعطى لكل محتاجٍ، لمسلمٍ أو غيرِ مسلمٍ، ثم بعد ذلك تأتي الدرجة الأخيرة من الأعطيات، وهي الهدايا التي ندب إليها الله سبحانه وتعالى.


الفرق بين الزكاة والصدقات والهدايا واضحٌ، فالزكاة ضريبةٌ حتميةٌ تُعطَى لأصنافٍ محصورين لهم صفاتٌ معينةٌ، يأخذون هذا المال بوصفهم أصحابَ حقٍ، ثم الدرجة الثانية: وهي الصدقة تعطى لعامة المحتاجين، ثم تأتي الدرجة الثالثة: وهي الهبات، وهي عبارة عن وسيلة لتقوية الحب والتآلف بين الناس.


كما أنَّ هناك أموراً منع الله سبحانه وتعالى الإنسان من الانحراف إليها في سياسة المال: فهو يمنع من الربا، يمنع الميسر بكل أصنافه، يمنع الغش والخديعة، ويأمر الناس عندما يتبادلون الأعطيات أو الهبات أن يكون ذلك عن طوعٍ وتراضٍ.     


وليست عطيةً طوعيةٍ.


الفارق بين الهدية والرشوة، الرشوة إتاوةٌ يضطر إلى تقديمها الإنسان من أجل نيل حقٍّ له، أو من أجل اقتناص حقٍّ لغيره، هاتان صورتان للرشوة، الصورة الأولى: الحرمة تكون للآخذ لا للمعطي، أي إنَّ الآخذ يقع تحت طائلة إثمٍ مُضاعفٍ، إثمه الآخذ وإثم المعطي، أما الصورة الثانية: تكون الرشوة محرمة لكلا الطرفين، المعطي والآخذ.
أما الهدية فهي أعطية تأتي طوعاً ليس هنالك ما يضطر المهدي إليها.



تحميل



تشغيل

صوتي