مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 05/06/2020

خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي بتاريخ 5 / 6 / 2020

خطبة الجمعة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي


في جامع بني أمية الكبير بدمشق بتاريخ 5 /  6 / 2020


أمّا بعد فيا أيّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ويقول سبحانه: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). وقال النبي ﷺ فيما رواه مسلم: ((لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ.)).


أيها المسلمون، لقد بلغ الطغيان بفرعون ما بلغ، حتى قال لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) كما بلغ به جنون العظيمة درجةً من الغباء عجيبة؛ قال ربنا تبارك وتعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ۝ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا) أي غباءٍ هذا؟ لكن الجنون فيمن يتعالى ويبغي ويستكبر يسفّ في صاحبه إلى هذا المستوى.


واليوم تتكرر قصة الظلم والبغي والعدوان في طاغية أمريكا، الذي لم يفهم عاقبة الظلم والطغيان. لقد ابتلاه الله قبل أسابيعٍ بعدوٍّ صغيرٍ جداً لا يرى بالعين فتك بعشرات الألوف من أبناء شعبه، ولم تُجدِ معه جيوشه ولا تقنياته ولا أمواله. فتك ذلك العدو الصغير البسيط؛ الفيروس، بعشرات الألوف من أبناء شعبه ولا يزال، ويقف الطاغية عاجزاً أمام ذلك العدو الصغير، ولكنه لم يعتبر كما لم يتعظ!


هذا الطاغية يوجه عدوانه منذ عشر سنوات ويزيد إلى أمتنا، فيحاصر شعبنا ويتلف مساحاتٍ شاسعًة من محاصيل أراضينا من قوت هذه الأمة وطعامها، غير مبالٍ بما يترتب على ذلك من ضررٍ بأمةٍ بشعب. بلغ به الطغيان والظلم والبغي والعدوان أن يستولي على مقدّرات هذه الأمة من نفظٍ وغيره، لا لقلة ما عنده، لكن إمعاناً في الظلم والبغي والعدوان على هذه الأمة.


لقد وضع نصب عينيه العدوان على أمتنا، وتجويع شعبنا والتجاوز على حقوق هذه الأمة. نعم، بلغ بعدوانه ما بلغ حتى وصل إلى أقصى من ذلك؛ فأصدر ما يسمى بأعبوثة قانون قيصر. وهل انتظر صدور هذا القانون أو موعد تنفيذه؟! هو يمارس محاصرة هذه الأمة وبغى عليها واعتدى عليها وهو الداعم الأساس للظلم والبغي والعدوان في العالم كله. أليس هو الذي يدعم العدو الصهيوني المتربع على أرضنا ومقدساتنا؟! أليس هو الذي منح العدو الصهيوني الجائر الظالم المغتصب حق البقاء في القدس والجولان وغيرها؟! وكأنه يملك تلك الحقوق فيوزعها من أملاك أبيه وأمه! أي ظلمٍ هذا؟! أي بغيٍ هذا؟! أي عدوانٍ هذا؟! ألا يعتبر؟!


واليوم يواجه غضب شعبه.. يواجه ثورةً من الفوضى العجيبة التي تفشّت في أرجاء بلاده، دون أن يملك سيطرةً عليها. ذلك لأن الظلم يبقى تحت الرماد، حتى إذا هبت الرياح تفجّر هذا الجمر ثورةً تشتعل فتحرق الأخضر واليابس. اليوم يواجه خطر شعبه. علامَ؟ على التمييز العنصري.. على قتل الإنسان لمجرد لونه.. على قتل ٍإنسانٍ لمجرد انتمائه العرقي.. وليس عجيباً هذا فبلاده قامت على أشلاء عشرات الملايين من الهنود الحمر الذين قتلوا على أيديهم، لا لذنبٍ اقترفوه.. لا لجريمة ارتكبوها.. لمجرد أنهم أبناء هذا الأرض فينبغي أن يبادوا لتكون الأرضُ خالصةً لهم هم. كيانً قام على الظلم.. كيانً قام على العدوان..


هم الذين قاموا بجريمة تدمير مدينتين بأهليهما؛ هيروشيما وناغازاكي. هل ينسى التاريخ تلك الجريمة؟ هل ينسى ما فعلوه هنا وهناك؟! كيانٌ قائمٌ على الظلم... وهذا ابنٌ غير شرعي للظلم والبغي والعدوان.


ليس هذا مستغرباً لكننا نقول: (افعل ما بدا لك).


 إن أمةً يتضامن أبناؤها ويتراحمون ويتعاطفون، ويترجمون معنى قوله سبحانه وتعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ترجمةً عمليةً في مجتمعهم، بين إخوانهم. يترجمون معنى حديث رسول الله ﷺ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)). هذه الأمة التي تترجم هذه المعاني في سلوكها وفي علاقاتها لن تهزم! ستنتصر بإذن الله تعالى، وستهزم جميع المكائد بإذن الله وترتدّ على أصحابها.


أيها المسلمون، إن عدونا ليس قوياً. إنما تكمن قوته في نقاط ضعفٍ في مجتمعنا.


لنكن صريحين.. لنكن واقعيين.. في الوقت الذي نقول: (إن في أمتنا من ترجم تلك المعاني ترجمةً عمليةً راقيةً ساميةً عظيمة، فكانوا مؤثرين وكانوا متوادّين متراحمين متعاطفين)؛ في أمتنا وللأسف من يعاني من مرض الجشع والأنانية والأثرة الدنيئة، التي يعاني منها الناس اليوم، والتي تؤدي إلى غلاءٍ متفاقم. عدوك يعلن الحصار عليك وعلى إخوانك، وأنت تزيد في ألم ذلك الحصار على إخوانك؟! فتستغل حاجتهم وتبالغ في رفع الأسعار؟! تحتكر السلعة؟! ما هذا التفكير السقيم؟! ألا تفكر في عاقبة ذلك؟!


النبي ﷺ يقول فيما رواه البخاري: ((لا يَرحمُ اللهُ مَن لا يرحَمُ النَّاسَ)) ويقول ﷺ: ((من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله)). لا ينبغي أن يكون فينا جائع، فكيف نكرس الفاقة والفقر بالتغالي بالأسعار واحتكار السلعة واستغلال حاجة الناس. بل ينبغي عليك أن تبذل لا أن تأخذ.. وأن تتساهل لا أن تتشدد.. أن تكون مرناً.. أن تكون قنوعاً.. والله من كان قنوعاً اغتنى! والله من كان قنوعاً بورك له في رزقه وتضاعفت أرباحه، لا من جيب الفقير ولكن ببركةٍ من عند الله عزّ وجلّ.


أيها المسلمون، لا ينبغي أن ننسى أن النبي ﷺ قال فيما صح عنه، وقد روي بأسانيد متعددة ومنها عن سيدنا عمر عن النبي ﷺ: ((من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله تعالى بالجذام والإفلاس)) فلنتبه هؤلاء الذين يستغلون حاجة الناس ويغالون في الأسعار ويكون لديهم من الجشع ما يبلغ بهم استغلال حاجة الناس لدرجة المغالاة ولدرجة الجشع الدنيء والأنانية الخسيسة؟ ما ينبغي أن يكون هذا في مجتمعنا.


وبعد أيها المسلمون، أما العملاء الخونة الذين صفقوا للحصار وابتهجوا لإتلاف المحاصيل.. أما هؤلاء فليعلموا أنهم أقلّ من أن يذكروا وأتفه من أن نتحدّث عنهم. هؤلاء سوف يرون أثر القانون الإلهي في حياتهم عاجلاً غير آجل. قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ).


سينهار ذلك الدعم الذي يأملونه وسينتصر الحق وسيزهق الباطل. وستعود سورية وغيرها من الدول المعتدى عليها قويةً بإذن الله متماسكةً متضامنةً منتصرةً إن شاء الله تعالى.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة