مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 27/04/2018

خطبة الدكتور توفيق البوطي: غزوة ذات الرقاع


غزوة ذات الرقاع
تاريخ الخطبة: 27/4/2018
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ( ويقول سبحانه: ) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(. وروى الشيخان: (أن رسول r صلى بالصحابة يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، فصفَّ طائفة معه وطائفة في وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم تبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم) وروى جابر بن عبد الله t أن النبي r في عودته من هذه الغزوة أدركت الصحابة وقت القيلولة وهم متعبون، فنزل في مكان كثير الشجر وتفرق الصحابة بين الأشجار ليستظلوا بها، ونزل النبي r تحت شجرة ظليلة خصوا بها النبي e، فجاء رجل أعرابي من المشركين وسيف النبي r معلق بالشجرة فاخترطه فقال للنبي r وقد انتبه من نومه: تخافني؟ قال: لا قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله، فسقط السيف من يده، فأخذه النبي r وقال: من يمنعك؟ قال: كن خير آخذ. قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى رسول الله r سبيله، فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس r.
مشاهد تستحق الوقوف عندها والتأمل بها، خرج النبي r لمعاقبة الخونة الغادرين الذين قتلوا القراء السبعين، خرج إليهم إلى قبائلهم وأماكنهم، ولما وصل النبي r إلى منازلهم فزعوا وخافوا ودبَّ في قلبهم الخوف، فتفرقوا مع أنهم أكثر من المسلمين بكثير، ولم يجر قتال فيما بينهم وبين المشركين، وخلال هذه الغزوة صلى النبي r بأصحابه صلاة الخوف التي ورد في بيانها قول الله تعالى: )وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا( هذه الآية تشير إلى أهمية الصلاة ولو في ساحة القتال، ولاحظوا الآيات كيف كررت وجوب حمل السلاح وأخذ الحذر، فلا يتشدقن أحد علينا ويقول حتى في ساحة المعركة؟! في ساحة المعركة الناس أحوج للصلاة من أي فرصة أخرى أو مجال آخر، فهم على شفير الموت ولقاء الله U، وهم أحوج ما يكونون إلى تأييد الله U ، فلذلك كان )إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( عاملان الثبات والالتجاء إلى الله U، هما سبب النصر وتأييد الله Uوهذه آية في كتاب الله تؤكد أن ميدان المعركة لا ينبغي أن نغفل فيه ركن ديننا الأساس ألا وهو الصلاة، ساحة القتال أشد ضرورة لأداء الصلاة فيها، لأن الإنسان فيها قد بلقى وجه الله U بين ساعة وأخرى، ولأنهم أشد حاجة إلى تأييد الله تعالى ونصره.
المشهد الآخر هو: كيف تعامل النبي r مع ذلك المشرك الذي باغته وهو نائم، فأخذ سيفه المعلق فوق رأسه واستله وقال للنبي r: من يمنعك مني؟ سأله أولاً: تخافني؟ قال: لا، كيف يخافه والله سبحانه وتعالى قد تعهد له أن يمنعه وأن يحميه وأن يتولاه، وكيف يخافه وقلبه معلق بالله U، يخاف من المخلوق وهو مع الخالق!!، ثم سأله: من يمنعك مني؟ قال له: الله، كلمة ارتجف لها فؤاد ذلك الأعرابي المشرك، فسقط السيف من يده، فحمله النبي r فسأله: من يمنعك؟ قال وهو في حالة الضعف – وهو يستحق القتل فعلاً - قال: كن خير آخذ، النبي r داعية أرسله الله رحمة للعالمين، وهو صاحب رسالة يريد أن ينشر رسالته بين الخلق، فهو ليس متشفياً، وهو لا يحمل فكراً إرهابياً يكره الناس على ما لا يقتنعون به، ماذا قال له النبي r؟ أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: أعاهدك ألا أقاتلك وأن لا أكون مع أحد يقاتلك، وهذا الكلام جرى مرة أخرى بين الأعرابي والنبي r أمام الصحابة، وخلى النبي r سبيله، ليغدو إلى قومه فيقول لهم: جئتكم من عند خير الناس، أجل خير الناس الرحمة المهداة النبي الكريم r الداعية بكلمته، الداعية بسلوكه، الداعية بمواقفه، الداعية بأخلاقه، هذا هو إسلامنا الذي يتجسد في أخلاق النبوة، )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ( هذا هو إسلامنا، وليس إسلامنا ذلك الذي صنعته أميركا لتشوه إسلامنا، إسلامنا هذا الموقف الذي نراه من النبي فكان رسالة يحملها هذا الرجل إلى قومه ليقول لهم جئتكم من عند خير الناس، فكان في هذا الموقف فتحاً لقلوب أولئك الناس قبل أن تفتح بلادهم، وتبشيراً لهم بعظمة رسالة الإسلام الرحمة التي أرسلها الله للبشرية بدلاً من أن يكون موقفه تشفياً وانتقاماً.
من حقه، بلا شك، في مثل هذا الموقف أن يقتله، لأنه جاء غادراً، وأراد أن يقتل النبي r وبسيفه، أما أولئك الأدعياء الذين تجدهم بوجوههم المنفرة وبسلوكهم الشرس وبأسلوبهم الفظ لكي يشوهوا رسالة الله U، المجازر التي ارتكبوها باسم الإسلام والإسلام منهم براء، الوحشية التي يمارسونها بمظاهرهم المنَفِّرَة وشكلهم الموحش، وسبق أن وصفهم النبي e بالصورة التي اتخذوها لأنفسهم، تاريخهم صنعته الصهيونية ابتداء في عهد سيدنا علي t نعم وراء نشطاتهم كانت اليهودية ويهودية عبد الله بن سبأ، ثم تجلت اليوم في تلك الأدوات المجرمة التي تحارب الإسلام باسم الإسلام، لكنه إسلام صنعته أمريكا لتحارب الإسلام.
هنا لابد أن يستوقفني هذا المشهد لأقول: كم خُدع الناس في بداية الفتنة عندما لبست مسوحاً إسلامية ابتداءً من التكبير وانتهاءً عند اللواذ بأبواب المساجد، إلى غير ذلك من أساليب ما ينبغي أن نُخدع بها، يومها أوضح الذين يعرفون ما وراء الأكمة وخلفيات الأمور أن هذا التصرف الأرعن لا علاقة له بالإسلام، وإلى اليوم تجد أن بعض منتسبي العلم ممن سار في خط هذه الفتنة يصف بدايات الفتنة بأنها بدايات إسلامية؛ لأنه كان أداة غبية في هذا المركب العفن، وها نحن نحصد نتائج تلك الفتنة العمياء، ونرى آثارها في بلادنا؛ في تشرد أبناء المدن والقرى، في حالة الكراهية التي سادت أبناء مجتمعنا، في هذه الأوضاع الصعبة التي نعاني منها. وللأسف لا يزال البعض من طرفي النقيض ينسب إلى الإسلام جرائم هذه الحالة التي نرى، هم ينتسبون ادعاءً وبعض أغبياء المسلمين أو الأدوات التي استعملت منهم ينسبون ذلك إلى الإسلام، فهل من معتبر؟ وهل من متعظ؟
أيها المسلمون ما ينبغي أن نمر غافلين عن ليلة النصف من شعبان التي ينظر الله فيها إلى خلقه فيغفر للناس كلهم إلا لمشرك أو مشاحن، لاحظوا كيف استثنى النبي r من مغفرة الله U فريقين، المشرك الكافر المنكر لدين الله U، والفريق الثاني الذي امتلأ قلبه حقداً وغيظاً وكراهيةً لأخيه المسلم، هما فريق واحد للأسف، الله تعالى يقول: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ( فريق من الناس يقولون: أفسدوا فيما بينكم، الله تعالى يقول (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ): وهم ينادون أن تنازعوا وتخاصموا، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. نعم إن الله تعالى يقول: )إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا( أي يفسد العلاقة فيما بينكم، الذين نشروا الكراهية في أوساط مجتمعنا؛ هم أدوات فاسدة سيئة تمارس دور الشيطان في إفساد مجتمعنا، نحن ينبغي أن نطهر قلوبنا من الكراهية من الحقد من الكبر من الحسد من الغل، وأن لا تنطوي قلوبنا إلا على محبة الآخرين ولا سيما أهل الإيمان منهم، نحن نحب كل الناس من خلال محبتنا الهداية لهم، ولكننا نخص المؤمنين بالمحبة لأن قلوبهم قد انطوت على محبة الله فكيف تنطوي قلوبنا على كراهيتهم.
أريد أن أؤكد أن فضيلة هذه الليلة ينبغي أن نستثمرها لنكون ممن يغفر الله تعالى لهم، لكننا نقبل على هذه الليلة بقلوب عامرة بمحبة الله ومحبة المؤمنين، لا تنطوي على حقد، لا تنطوي على غل، لا تنطوي على حسد، لا تنطوي على كبر لا تنطوي على كراهية لإنسان مؤمن بل تفيض محبة للمؤمنين، وحرصاً على ما فيه سلامتهم، طبعاً إذا كانت الأيام البيض مسنون أن نصومها فنحن في الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فلا يتشدقن أولئك الذين يصدون عن سبيل الله بقولهم هذه بدعة، البدعة هم، البدعة في ضلالاتهم، أما ما ندعو الناس إليه من حسن الاستفادة من هذا اليوم، فهو أمر من السنة، بل هو العمود الفقري لديننا، نرغب أن نقيم ليلها، ألسنا مدعوين أن نكون من المستغفرين بالأسحار، أن نتهجد أن نتعبد، فماذا في أن نجعل هذه الليالي المباركة التي ينظر الله فيها إلى خلقه فيقول: قد غفرت لكم!! أنكون في تلك الحالة سادرين في الغفلة، منصرفين إلى لهونا أم نكون مقبلين على الله ليقبل علينا بمغفرته وعفوه؟ يأبى جند الشيطان إلا أن يصدوا عن سبيل الله، ونحن نأبى أن نستجيب لضلالهم ونقول: بل ينبغي أن نخص ليلة القدر والأيام البيض وهذه الليالي المباركة بالإقبال على الله تعالى لنكون ممن شملتهم مغفرة الله تعالى وعفوه.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن شملتهم مغفرة الله تعالى في هذه الأيام المباركة، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي