مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 06/04/2018

خطبة الدكتور توفيق البوطي: تضيحات الصحابة الكرام

تضيحات الصحابة الكرام
في سبيل الدعوة
تاريخ الخطبة: 6/4/2018
أمَّا بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( ويقول جلَّ شأنه: )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ( وقال جلَّ شأنه: )إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(
أيُّها المسلمون؛ الجهاد في سبيل الله لم يكن منحصرًا في الأعمال القتالية؛ بل إنَّ الجهاد في حقيقته يبدأ ويستمر ويتوالى في مراحله بالجهاد بالكلمة، بالدعوة إلى الله جلَّ شأنه، وقد أمضى النبي r ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى الله تعالى متحملًا شتى أنواع الصعوبات والتضحيات ليبلغ الكلمة الطيبة، لم يقابل تعنت قريش ولا طغيانهم ولا قمعهم ولا اضطهادهم ولا تعذيبهم بالقتال واستعمال السلاح، بل دعاهم وفقًا لمنهج الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلَهم بالتي هي أحسن، ولم يكن هذا شأن النبي r وحده؛ بل كان هذا المنهج واجب الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، فأبو بكر كان يمارس الدعوة منذ أعلن إسلامه، ولقد أرسل النبي r إلى المدينة المنورة بعد بيعة العقبة الثانية سيدنا مصعب بن عمير t الذي أمضى سنة في الدعوة إلى الله U بالكلمة الطيبة، بالمنهج الرباني، حتى لم يبقَ بيت من بيوت المدينة إلا ودخله الإسلام. هذا هو منهج الجهاد في سبيل الله، وعندما يتطلب الأمر البذل والتضحية ترخص الأرواح والدماء في سبيل ذلك، ولكن الجهاد بالكلمة هو في الابتداء والاستمرار وحتى الانتهاء.
جاء إلى النبي r بعد غزوة بدر وفد من عُضَل والقارَة يطلبون منه أن يرسل إليهم من يعرفهم بدينهم، وكانت سكناهم بين مكة وعسفان، فأرسل عشرة من خيرة أصحابه، وأميرهم عاصم بن ثابت t يقول البخاري وألخص كلامه: بعث r عشر رهط وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت فانطلقوا، حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذُكروا لحي من هُذيل يقال لهم بني لِحيان، فنفروا إليهم قريبًا من مئتي رجل – عشرة أرسلوا إليهم أكثر من مئتي رجل من الرماة- فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد – منطقة فيها أشجار لعلهم يحتمون بها - وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق – أعطوهم الأمان- ولا نقتل منكم أحداً، قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أمَّا أنا فوالله لا أنزل في ذمة كافر - لم يكن له أن يثق بهم - اللهم أخبر عنا نبيك. فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً وسبعة منهم، فنزل إليهم ثلاثة الرهط – الباقون - بالعهد والميثاق، منهم خبيب بن عدي، وزيد بن الدُّثنَّة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسِيّهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر؛ والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء – أي الشهداء - الذين قتلوا أسوة، فعالجوه فأبى فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبًا بنو الحارث بن عامر، فلبث عندهم أسيرًا – وضعوه في غرفة في أسفل المنزل- ذكرت بنت الحارث أنه حين حبس عندهم أراد أن ينظف من جسمه الشعر فاستعار موسى ليستحد بها فأعارته فتسلل طفلها حتى نزل إليه، تفقدت المرأة ولدها فلم تجده، فنزلت فإذا هو في حجر خبيب، ارتعشت فرائصها – هو يعلم أنه سيقتل، ومن الممكن أن يراهن على ولدهم، فلما رأى خوفها وفزعها قال لها: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله -هذه أخلاقنا، وليست أخلاق داعش ولا تلك العصابات المجرمة التي حاربت الإسلام باسم الإسلام- ما كنت لأقتله؛ بل وضعه في حجره وكأنه ولده، تقول بنت الحارث: والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قِطف عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمر، - من أين له العنب؟ وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبًا، فلما خرجوا من الحرم من حدود مكة ليقتلوه في الحل؛ قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تظنوا أنَّ ما بي من جزع لطوّلتهما، اللهم أحصهم عددًا، فقتله الحارث، إنه الجبن والدناءة والخسة والغدر والخيانة، وامَّا زيد بن الدُّثنَّة فقد سئل: أترضى أن يكون محمد في مكانك وأنت في أهلك آمن مطئن؟ فقال: لا والله لا أرضى أن يُشاك سيدنا رسول الله بشوكة وأنا في أهلي آمن مطئن.
إنها قلوب عرفت الله فأحبته وأحبت نبيه، لأنه كان سببًا في هدايتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، أما عاصم فأرادوا أن يختطفوا جثمانه، فقيض الله له الدَّبر أي الزنابير، فجعلت فوقه مظلة ثم اختفى أثره ولم يروه.
نعم، الدعوة واجبة وأخلاق الداعية تتجسد في هذه الصورة التي وجدناها، أمَّا الأخلاق العربية عندما تكون جاهلية؛ فهي أخلاق خيانة ودناءة وخسة. ولكن إذا تجذر فيها الإيمان انقلبت إلى رجولة وشهامة ومروءة وشجاعة.
أيُّها المسلمون؛ بعد سنة من هذه الحادثة أرسل النبي r سبعين من أصحابه في سبيل الدعوة والحديث عنهم في وقت آخر إن شاء الله.
أجد أن لزامًا عليّ أن أتحدث عن ذكرى الإسراء والمعراج ونحن في شهر رجب شهر الإسراء والمعراج )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى( المسجد الأقصى الذي يساوم عليه من لا يملكه، ويتنازل عنه لمن لا يستحقه. الآن يصرِّح هذا المراهق أنَّ لليهود أن يشتروا من أرض فلسطين ويتملكوا، من أنت لتتبرع بأرض المسجد الأقصى؟ إن كلمة الخائن في حقه أصبحت قليلة غير معبرة، هو عبد قِن يسطو على أموال شعبٍ ليقدمها لأسياده مقابل أن يعتدوا على أبناء بلادنا. كلكم يعرف ذلك، في شهر الإسراء والمعراج نقول: لا يمكن أن ننسى المسجد الأقصى وسنستعيده بإذن الله، أمَّا المارقون العبيد فقد ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا عبيدًا وخونة. دمروا البلاد وقتلوا العباد ونشروا الدمار، ثمَّ تبرعوا بأرض فلسطين. لا يُستغرب الأمر من أهله، ولكن تُرى هل سيدوم هذا الأمر؟ لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله». من الذي سيقول له الحجر يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله؟ إنه المسلم الحر الذي عتق من العبودية للعبيد وأذعن بالعبودية لله تعالى، هذا الذي يقول له الشجر والحجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، أقول لكم: إنَّ اليهود يدركون هذه الحقيقة الغائبة عن كثير من أبناء أمتنا، ولذلك فيهم من يعارض تصرفاتهم، لأن هذه التصرفات تُؤذن بنهايتهم، هناك حزب واسع من يهود أوربة وغير أوربة يعلنون أنهم يرفضون الوجود الإسرائيلي، لا غيرةً على فلسطين، ولكن خوفًا من نهايتهم. أقول: إن مستقبل هذه الأمة مرتبط بعودتها إلى ربها، بتوبتها وعودتها إلى رشدها، إن مستقبل هذه الأمة هو النصر، ومعالم النصر ذرّ قرنها، وبدتْ معالمها، والذين كانوا يتخيلون ويتصورون خلاف ذلك اتضح لهم أنهم كانوا يعيشون في أوهام. الحق أن ربنا تبارك وتعالى سيتولى هذه الأمة، وسيتولى أمر عزتها وكرامتها عندما تعود فتحمل هويتها وتتمسك وتمسك بقبضتها الجمر «القابض فيهن على دينه كالقابض على الجمر» نعم، الصابر على مسؤوليات هذا الدين كالقابض على الجمر وسط الفساد وأمواج الانحراف والضياع والضلال. أقول: ستنتصر بإذن الله تعالى أمتنا، وستعلو راية ديننا، شاء من شاء وأبى مَن أبى، وأمَّا المزيفون فسوف يسقطون، وأمَّا مَن يتاجرون بدمائنا فسوف تدوسهم رحى التاريخ وتلقيهم في مزابلها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي