مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 03/11/2017

خطبة الدكتور توفيق البوطي: مولده صلى الله عليه وسلم

مولده صلى الله عليه وسلم
خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي
بتاريخ 03 / 11 / 2017
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ( ويقول سبحانه: )وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ( ويقول جلَّ شأنه: ) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (، وروى مسلم عن أبي هريرة t أنَّ رسول r قال: «مِن أشد أمتي لي حبًا ناسٌ يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله»، لو بذل أهله وبذل أهله في سبيل أن يرى رسول الله لبذل ذلك كله- r- وروى البخاري عن أنس t عن النبي r: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كمما يكره أن يقذف في النار» وروى البخاري: أنَّ رجلًا سأل النبي r فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعدت لها؟» قال لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: «أنت مع من أحببت»، قال: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي r: أنت مع من أحببت، قال أنس: فأنا أحب النبي r وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل عملهم.
أيُّها المسلمون؛ محبة النبي r ثمرة لمعرفته وأثر لمعرفة شمائله وأخلاقه وسيرته العطرة، ولا سيما معرفة شدة رحمته وعطفه على أمته، ومحبة النبي r أيضًا نتيجة لاتباع هديه وسنته وكثرة الصلاة عليه، وسوف نبدأ بإذن الله وعونه بدءاً من هذه الجمعة بذكر مشاهد وصفحات مِن سيرته العطرة وشمائله الكريمة ونحن مقبلون على ذكرى مولده r، عسى أن يكون ذلك سببًا لمزيد محبته ولعله يكون سببًا في شفاعته، وقد روى ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة t أن النبي r خرج إلى المقبرة –إلى البقيع- فسلم على من فيها -وفي رواية أخرى قبيل وفاته- وقال: «السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنَّا قد رأينا إخواننا»، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي، وإخواني قوم لم يأتوا بعد، وأنا فرطكم على الحوض» -إنه ينتظرنا غدًا يوم القيامة على الحوض ليشفع لنا وليمضي بنا إلى جنة الخلد- قالوا: وكيف تعرف من يأتي بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: «أرأيتم لو أنَّ رجل له خيل غرًا-بيضاء الجبهة- محجلةً –بيضاء القوائم- بين ظهري خيل بهم دهم -سوداء- قال: ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يارسول الله، قال: «فإنهم يأتون محجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض» ثم يقول: «ألا ليذادنَّ – ليطردن- أناس عن الحوض كما يزاد البعير الضال، أناديهم ألا هلم، فيقال: إنهم قد أحدثوا بعدك -إنهم قد انعطفوا عن نهجك وغيروا من هديك لم يلتزموا بما أمرتهم به وانحرفوا عن صراطك- فأقول: سحقًا سحقًا، من لم يرتض أن يتبعني في الدنيا فليس له مكان عندي في الآخرة».
أيها المسلمون؛ محبة رسول الله r رأس مالنا وسبب لفوزنا إن شاء الله، لكن هذه المحبة سبب لشيء وتنتج شيئًا، سبب لمزيد من الإقبال على اتباع سنته والتشبث بهديه، وهي نتيجة لمعرفته. ولكي نتعرف عليه سأبدأ اليوم بصفحة من أهم وأبرز صفحات حياته وهي كونه يوم ولد r ولد يتيماً، لم تكتحل عيناه برؤية والده، فقد مات عبد الله أبوه وهو عائد من تجارته من الشام عند أخواله في المدينة المنورة بني النجار، ودفن قرب المدينة في الأبواء، وَلدت سيدتنا آمنة رسول الله r واسترضع في بادية بني سعد سنتين ثم أصرَّت حليمة السعدية أن يبقى عندها فبقي سنة ثالثة، ثم عاد إلى حجر أمه لينال من عطفها ثلاث سنوات ثم مضت به لتزور أخوال أبيه –بني النجار- في المدينة المنورة وهناك بقيت شهرًا ثم مرضت وأمام وليدها الذي لم يتجاوز ست سنوات توفيت. وهكذا تيتم من أبويه، توفي أبوه وهو في بطن أمه، وتوفيت أمه على مرأى عينيه وهو في السادسة، فكفله جده عبد المطلب أطيب كفالة وأعطف كفالة، حتى بلغ الثامنة فتوفي جده، فكفله عمه أبو طالب ورعاه خير رعاية.
أقول: هذه الصفحة الأولى من حياة المصطفى r قد لا يتسع المقام لتحليلها التحليل الكافي، إلا أني أقول: إنَّ فيها عزاء لكل يتيم، اليتْم لا شك أنَّه مؤلم، ولكنه ليس سببًا لأن يصاب الإنسان بحالة مِن اليأس أو حالة مِن البؤس، فنحن مسؤولون جميعًا عنه، وهو ينبغي أن يرى في رسول الله r وكيف نشأ يتيم الأبوين، ثم غدا النبي r برعاية الله فخر الكائنات وأعظم عظماء التاريخ، ولئن تصفحنا تاريخنا لوجدنا أن أجلَّ علمائنا ورجالات تاريخنا من أهل العلم وغيرهم كانوا أيتامًا، فمالك كان يتيماً، والإمام الشافعي كان يتيماً، وكثير مِن رجالات تاريخينا كانوا أيتاماً فلم يحل اليتم بينهم وبين أن يتسلقوا قمم المجد في العلم وفي العطاء وفي أن يكونوا رجالًا على درجة من الكمال.
أقول: مسؤوليتنا أن نحسن رعايتهم، ومسؤوليتهم أن ينطلقوا في الحياة بقوة لا بيأس، وباستعانة بالله سبحانه وتعالى وأن يجدوا في أولئك الرجال وفي مقدمتهم الحبيب المصطفى r أسوة حسنة لهم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدنا حبًا في رسول الله وأن يرقنا اتباعه وأن يجعل من حياته نورًا في طريقنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.


تشغيل

صوتي