مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 27/10/2017

خطبة الدكتور توفيق البوطي: ضرورة الوعي في مواجهة حرب الشائعات

ضرورة الوعي في مواجهة حرب الشائعات
خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي
بتاريخ 27 / 10 / 2017
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ( ويقول سبحانه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( ويقول جلَّ شأنه: )لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ( ويقول بعدها في السورة نفسها: )وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (وروى مسلم عن النبي r أنه قال: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»، وروى البخاري عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين».
أيها المسلمون؛ نعود مرة أخرى للحديث عن ضرورة الوعي، وتزود المؤمن بوعي يعصمه من الوقوع في الخطأ، ويحميه من السقوط في مخططات تستهدف وجوده ودينه ومصالح أمته وعلاقاته مع إخوانه وأهله، نشر الشائعات وترويج الأخبار، وتناقل الأقاويل أمر لا يليق بالمسلم لأنها تستهدف تزيين القبيح وتشويه الحسن، والافتراء على الناس، ومن شأنها تمزيق الروابط الاجتماعية وتشكيك الإنسان بمن حوله من أحبة أو علماء أو جيران أو أهل أو قادة، ومن شأنها تفتيت عزيمة الأمة وبثُ مشاعر الخوف والقلق في كيانها.
ربنا سبحانه وتعالى يأمرنا أن نكون على وعي وحذر من الوقوع في شباك حرب الشائعات وترويج الأقاويل ونشر الأكاذيب، فعلى المستوى الاجتماعي كم كانت الغيبة والنميمة والكذب سببًا في تدمير الأسر وتشويه صورة القريب والصديق في نفس صديقه وقريبه.
ومن هنا كانت عقوبة القذف في شريعتنا شديدة وقاسية، فقد اشترط الشارع لاتهام أحد بالفاحشة أن يأتي بأربعة شهود عاينوا الأمر بتفاصيله، وكتاب الله U حذر من هذه الجريمة –جريمة القذف- )وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( ثلاث عقوبات العقوبة الأولى أن يجلد ثمانين جلدة، والعقوبة الثانية أن تسقط عدالته فلا تقبل له شهادة أبدًا، والعقوبة الثالثة وصمه بصفة الفسق، لأنه أدار على لسانه كلامًا ليس من حقه أن يقوله، وافتراءً ما كان له أن يجري على لسانه.
نعم، كتاب الله أيضًا يحذرنا من حرب الشائعات التي من شأنها إضعاف ثقة الأمة برجالها، من علماء وصالحين وقادة وغير ذلك.
حرب الشائعات التي من شأنها إضعاف ثقة الأمة برجالها في شتى المجالات، بالطبيب بالمهندس بالعالم بالقيادة، بأيٍ كان، هو فن تتقنه جهات معادية لإضعاف ثقة الأمة برجالها، ولتوهين هذه الأمة.
ومن شأن حرب الشائعات بث مشاعر الخوف والقلق وسوء الظن والإحباط في النفوس، ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ( نشروه، وروجوه، وهذا شأن المنافقين؛ شأن من لم يزوّد بالوعي الذي يحمي أمتهم ويحمي أنفسهم )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ( ولذلك أيضًا يقول النبي r «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع» نعم إن وعْينا في الأمر يقتضي عدم نشر وترويج الشائعات أيًا كان نوعها وأيًا كان شكلها، علمت أمرًا هناك مرجعية، هناك القضاء، هناك أولياء الأمر.
أما أن تدير لسانك في المجالس وتتحدث في أمرٍ من شأنه أن يفتّ في عزيمة الأمة ووحدتها أو أن يضعف ثقتها برجالها في شتى المجالات في شتى الميادين كلها، فهذا أمر مخالف لتوجيهات ربنا تبارك وتعالى وتوجيهات سيدنا ونبينا محمد rكم خطط العدو لتقويض الثقة الناس بالصالحين من أبناء الأمة والثقات من علمائها والمخلصين في شتى الاختصاصات والمجالات، إن ضعف وعي الأمة وعدم التزامها بمقتضيات هذا الوعي الذي وجهنا إليه كتاب الله U وسنة نبيه r لخطرٌ يهدد الأمة، بل لقد هدد فوقع ما هدد، وأنذر فوقعت الأمة في المصائب التي توعدها الله U بها.
نحن نعاني من مصائب فتكت بنا ومزقت أمتنا ودمرت وطننا وأضعفت ثقة الأسرة بأبنائها وبناتها، لأنهم تقبلوا أن يلغ لسان المرء ويهرف بما لا يعرف وبما ليس له به علم، أو أن يروج الخبر حتى لو كان صحيحًا دون العودة إلى المرجعية التي تجعل هذا الخبر في موقعة، إن من شأن نشر الخبر دون وعي ودون حذر أن يضعف الأمة وأن يمزقها.
لقد كنا نحذر في بداية الفتنة التي طافت في بلادنا من أن ما يجري وراءه أصابع الصهيونية وسمّينا أشخاصاً ممن يديرونها. فصدق الناس حرب الشائعات، وكذبوا ما كنا عليه مطلعين، وها هو الرجل نفسه يذهب إلى العراق لينشر الفتنة فيما بين العرب والأكراد من مسلمي العراق، ولكي يجعل تلك المنطقة تحت الوصايا الإسرائيلية، حذرنا وذكرنا في بداية الأزمة ونبهنا إلى خطورة ما يجري، ولكن الناس صدقوا قنوات الكذب، وانساقوا وراء التضليل فكان ما ترون. أين نحن من قوله تعالى: )لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ( أين نحن من قوله تعالى )لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(
كم ينشر أهل الفساد اليوم من أكاذيب مضللة لإضعاف ثقة الأمة بنفسها وبالصالحين من أبنائها وبالخيرة منهم، وكم كان ذلك سببا لضعف الأمة وتشتيت شملها ودخولها في متاهات فقد الثقة برجالها ومرجعياتها فسقطت للأسف في مخططات معادية أدت إلى الدمار وإلى الهلاك.
إن كتاب الله U مرجعنا وإن سنة النبي r هي التي تهدينا سواء السبيل فلنلتزم بالوعي وباليقظة وبالتوجيهات الإلهية والنبوية لكي نعصم أنفسنا من أن نكون ضحية للتضليل ضحية للأكاذيب ضحية للشائعات التي تستهدف وجودنا.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا من الوعي والتقى والهدى ما يعصمنا من السقوط في المهالك.
أقول قولي هذ وأستغفر الله العظيم ي وكم فيا فوز مستغفرين.


تشغيل

صوتي