مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 22/09/2017

خطبة الدكتور توفيق البوطي: وجائكم نذير

وجاءكم نذير
د. محمد توفيق رمضان البوطي
خطبة الجمعة في 22 / 09 / 2017
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( وقال سبحانه: ) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ( وقال سبحانه: )قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ( وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البر لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، فكن كما شئت ،كما تدين تدان»
أيها المسلمون؛ مع انتهاء عام وميلاد عام جديد من حياتنا، لنفتحْ صفحة جديدة، وإن كنا لا ندري كم ستستمر بنا الحياة، وكم ستطول هذه الصفحة، قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( أجل ترى هل تستطيع أن تعلم يقيناً إلى متى ستعيش؟ وكم قدر لك من العمر؟ كم مِن إنسان خطط ولم ينفذ، وكم مِن إنسان جمع المال ولم ينفق، وكم مِن إنسان بنى ولم يسكن، ظانًا أنه سيمتد به العمر، فينفق ما قد جمع ويأكل ما قد أعدَّ من طعام ويلبس ما قد خاط لنفسه من ثياب، ونسي أو جهل أن الأجل كان أقرب إليه من ذلك كله. إنها فرصة، العام الجديد فرصة جديدة أتيحت لنا، علينا أن نحسن الاستفادة منها، ولا ينبغي أن نجعلها حجة علينا؛ فيقول لنا ربنا تبارك وتعالى: )أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ( هل تعلمون ما هو النذير؟ المفسرون قالوا إنه الشيب، ولكن كل شمس تغرب نذير لك، كما انتهى هذا اليوم ستنتهي حياتك، وكل شهر يمضي نذير في حياتك، كما مضى هذا الشهر ستنتهي حياتك. ونذكّر بما قال أبو الدرداء وبما قال ابو الحسن البصري: (يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما مضى يوم نقص بعضك) أنت أيام فكل يوم يمضي جزء منك قد انتقل إلى ربك بما ملأته من خير أو بما ملأته من شر، فهل تدبرت أمر حياتك؟ لا يغرنَّ الشاب شبابُه، ولا يغرنَّ الغني غناه، ولا يغرنَّ الصحيح القوي صحتُه وقوته. فكل ذلك عرَض زائل، كل ذلك أمانات نتمتع بها إلى أجل لا يعلمه إلا من وهبنا إياها. أجل، لنفتحْ صفحة جديدة في حياتنا نصلح فيها ما كنا قد أفسدنا ونصحح فيها أخطاءنا، نضاعف فيها الجهد في الخيرات والمبرات، ونجتهد في الإقلاع عن المعاصي والسيئات، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، أجل هذه فرصة عمل ولا حساب، ولكن هذه الفرصة ستنتهي ونجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام الحساب )يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ( وعندئذٍ لا سبيل لتدارك ما فات )رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ( لا سبيل إلى الرجوع لذلك. كل يوم أشرقت شمسه نعمة من الله عليك فاستثمرها فيما يقربك إلى الله، ووظفها فيما يسعدك أن تجد حسن استثمارها بين يدي ربك غدا عندما تقف بين يديه، لا سبيل إلى تدارك ما فات، ألم يقل ربنا تبارك وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بما تعملون ( بِمَا تَعْمَلُونَ ويقول سبحانه: )وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ( يقول سبحانه: )اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ(.
أقول: عامٌ سعيدٌ وعامٌ مباركٌ وعامٌ جديدٌ وميلادٌ لنا جديد في حياتنا بإشراقة شمس عام قمري جديد، يذكرنا بضرورة حسن توظيف هذا العمر وهذه الحياة فيما خلقنا له، وفيما أوجدنا ربنا تبارك وتعالى لنقوم به.
أسأل الله سبحانه أن يرزقنا حسن الاتعاظ، وحسن الاعتبار، وأن يجعل عامنا القادم خيرًا من عامنا الماضي، وأن يجعل يومنا خيرًا من أمسنا، وغدَنا خيرًا من يومنا، وأن يجعل آخرتنا تسعدنا بما أعددنا وبعفو الله عنا.
أأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي