مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 18/08/2017

خطبة الدكتور توفيق البوطي: وليال عشر

وليال عشر
خطبة الجمعة في 18 / 08 / 2017
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك على في كتابه الكريم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ( ويقول سبحانه: )لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ( وقد ذكر المفسرون في بيان معنى الليالي العشر والأيام المعلومات، أنها عشر ذي الحجة الآتية بعد أيام قليلة إن شاء الله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما من أيامٍ العمل الصالح فيهنَّ خير واحب إلى الله عزَّ وجلَّ منها في هذا العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العبادة في الهرج كهجرة إلي" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ لربكم عز وجل في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا».
أيُّها المسلمون؛ فرصة قادمة وموسم كريم، يكرم الله سبحانه وتعالى به عباده، يجدر أن يتنافس فيه المتنافسون على المزيد من التقرب إلى الله جل شأنه بشتى وجوه التقرب، حتى أنه جعل هذا العشر مدخلا إلى ركن عظيم من أركان ديننا؛ ركن الحج، ولم تنحصر مزية ذلك بالحج بل جعل الترغيب فيه للعمل الصالح كله، وجاء بلفظ عام فقال: «العمل الصالح» أي كل أنواع العمل الصالح مشمولة بهذا النص فيشمل ذلك صيام نهاره، وقيام ليله، والصدقات وصلة الرحم وتلاوة القرآن، وسائر القربات، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن صدقة السر تطفئ غضب الرب وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وإن صلة الرحم تزيد العمر وتنفي الفقر، وأكثروا من قول لاحول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة، وإن فيها شفاء من تسعة وتسعين داء أدناها الهم» كل هذه القربات وغيرها من القربات يجدر بنا أن نتنافس في الإقبال عليها ونتسابق في المبادرة إليها. أيها المسلمون؛ ما أحوجنا اليوم إلى عمل يقربنا إلى ربنا تبارك وتعالى فيكون سببًا في إخماد نار الفتنة التي طافت بهذه الأمة فاكتوت بنارها، وندَّخر هذا العمل لآخرتنا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. لا تُقابل نيران المحن والفتن إلا بشدة الالتجاء إلى الله والتقرب إليه والإنابة إليه، ومراجعة النفس وتصحيح التصرفات والأعمال والمواقف. ما أحوجنا إلى عودة راشدة نصحح بها أحوالنا، ونقوم بها اعوجاجنا، ونراجع بها أنفسنا، فنصحح التصرفات ونقوّم المواقف؛ لنكون أقرب إلى هدي الله وشرعه، وأدنى إلى سبيل الرشاد والحكمة، لعل ذلك يكون جسراً لنا يبلغ بنا الفرج من الشدة التي حلت بنا.
أيها المسلمون؛ إن الوعي يقتضي منا مراجعة الذات ومحاسبة النفس وتصحيح الأخطاء )بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ( والعقل والإيمان يقتضيان منا مواجهة امواج الفتن بصدق التقرب إلى ربنا وصدق الالتجاء إليه، ألم يقل ربنا سبحانه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)
أيها الناس والله ما حل بنا الذي حلّ بنا من الفتن إلا بسبب من سوء أحوالنا وسوء تصرفاتنا، لأن ربنا تبارك وتعالى أعطانا قانوناً فقال: )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ( لذلك على كل منا -وأنا في مقدمتكم- علينا أن نعود إلى أنفسنا فنستغفر ذنوبنا ونصحح تصرفاتنا ونقوم أخطاءنا واعوجاجنا، وأن نعود عودة راشدة إلى الله، والله سبحانه وتعالى قد فتح لنا أبواب التوبة والإنابة، قد فتح لنا أبواب رحمته؛ فأقبلوا إليها قبل فوات الأوان قبل أن يحل بنا الأجل فنندم ولات ساعة مندم. لاتزال الفرصة متاحة ما دام فينا نفسٌ يصعد ويهبط بين حنايانا، ما دام فينا عين تطرف فإن الفرصة لا تزال متاحة، لنرجعْ إلى صوابنا، لنرجع إلى رشدنا.
أمَا وإنه قد أطلت لنا بشائر الفرج ولاحت، ومظاهر زوال الفتنة وانحسارها قد بدأت، فلنقابل ذلك بالشكر. لنقابل ذلك بتصحيح المسار وتثبيت أقدامنا على طاعة الله والإنابة إليه والإقبال عليه، ألم يقل ربنا تبارك وتعالى: )لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشاكرين لنعمه، والمقبلين على طاعته، والمتجنبين لمعصيته وممن استخدموا العقل ووضعوا ضوابط الشرع ميزانًا لتصرفاتهم وأعمالهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي