مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 21/07/2017

خطبة الدكتور توفيق البوطي: سيتحرر المسجد الأقصى

سيتحرر المسجد الأقصى
خطبة الجمعة في 21 / 07 / 2017
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ) سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( ثم قال بعد ذلك: ) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا( وقال سبحانه: ) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( وقال سبحانه: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ( ورى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا؛ فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»
أيُّها المسلمون، المسجد الأقصى وأهل القدس من حوله يتعرضون اليوم لأشرس عدوان، دنّسَ الصهاينة المجرمون المسجد الأقصى وانتهكوا حرمته، وحالوا بين أهل القدس وبين الصلاة فيه عدوانًا وظلماً. وليس هذا مستغربا منهم، فهم الذين أحرقوا المسجد الأقصى، وانتهكوا حرمته مرات كثيرة.
المسجد الأقصى أولى القبلتين للمسلمين وثالث الحرمين الشريفين. وبيت المقدس فتحه عمر رضي الله عنه صلحاً وأسلم بطارقة وقساوسة بيت المقدس مفاتيحَ بيت المقدس لعمر يبن الخطاب رضاً منهم بذلك. ثم حرره صلاح الدين من سطوة الفرنجة الذين سفكوا دماء أهله بأشرس مجزرة عرفها تاريخ بيت المقدس. وها هي ذي الأمانة التي سلمنا إياها عمر رضي الله عنه وردها إلينا صلاح الدين يضيعها المسلمون اليوم في صمت مهين، بل في إقرار وتأييد ورضاً من جهات تدعي الإسلام. وهل تجرأ جبناء اليهود على ذلك إلا عندما رأوا أمتنا قد ارتضت لنفسها ثوب المهانة بعد ثوب العز الذي ألبسها الله إياه، هل تجرأ الصهاينة المجرمون على ذلك إلا بعد أن شغلت الأمة بنفسها في صراع أحمق وسعي غبي في خدمة المصالح الغربية؟ هل تجرأ العدو على ذلك إلا بعد أن وجه أدعياءُ الجهاد أسلحتَهم إلى إخوانهم وأبناءِ أمتهم مستعينين بعدوهم؛ بل لقد استخدم العدو الصهيوني في سبيل تحقيق أهدافه أدواته، فيما يسمونه جهادًا، ليقتل المسلمون بعضهم بعضاً بدلا من أن يقاتلوا عدوهم. واستخدم عملاء أو موظفين في مؤسسة الموساد يحملون أسماء إسلامية يخفون وراءها حقيقتهم ليقوموا بنشر الفتنة بين المسلمين، وليشجعوا المسلمين على قتال بعضهم بعضا كما نرى اليوم. فلقد ألقت السلطات الليبية كما ذكرت أمس صحيفة إسبانية، ألقت القبض على إمام مسجد يسمي نفسه أبا حفص بتهمة التجسس، فلما تبينت لهم هويته وجواز سفره، تبين أن اسمه بنيامين أفراييم من الموساد الصهيوني، يدعو الناس إلى الجهاد في سبيل الله، بأن يقتل بعضهم بعضا؛ كما نرى في ليبيا وكما نرى هنا في بلادنا. دعوا إلى الجهاد ضد الدولة؛ فلما فشلت دعوتهم في تحقيق أهدافها أعملوا سيوفهم في رقاب بعضهم ليدلوا بذلك على غبائهم وعلى سوء نيتهم.
نعم، كم من أمثال بنيامين أفراييم موجود الآن في صفوف المسلمين يوجه همتهم وأسلحتهم ليضرب بعضهم بعضا، وليقتل بعضهم بعضا. ولتأمن اسرائيل في مساعيها لتقويض المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل القذر على أنقاضه؟! كم من أمثاله بين المسلمين صاروا خطباء مساجد لينشروا الفتنة، ولكي يشجعوا الناس على أن يقتل الأخ أخاه؟! وكلهم يعلم، وكلكم تعلمون، أن العدو الصهيوني هو الذي يغذي الفتنة في المنطقة بين المسلمين عامة وفي سورية خاصة، ويدعم أهل الفتنة بصورة علنية، لا لأنه يريد أن ينتصروا على خصومهم؛ ولكن لكي يفتت البناء الإسلامي داخليًا ليتآكل البناء الإسلامي بنفسه دون أن تستخدم رصاصة منهم في وجهه. نعم لتأجيج نار الفتنة بين أبناء المسلمين أنفسهم. واليوم كلكم يسمع ويرى كيف يقتل بعضهم بعضا، لأن قصدهم ليس لله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار» هذا يرفع شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله زورا وبهتانا، وذاك يرفع شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله زورا وبهتانا. وعندما تعارضت مصالحهم أمرهم أسيادهم بأن يقتتلوا فاقتتلوا، وأعملوا سيوف بعضهم في رقاب بعض لينشغلوا عن حرمة المسجد الأقصى، ووالله لو أن هؤلاء الأغبياء أو العملاء استعملوا عددهم وعدتهم في مواجهة العدو الصهيوني لسقط العدو الصهيوني خلال فترة وجيزة، وما أحداث جنوب لبنان في عام 2006 إلا دليل على أنهم أجبن من أن يواجهوا المسلمين، وأضعف من أن يواجهوا المسلمين. ولكنهم عرفوا أن خير وسيلة لتدمير المسلمين هو أن يقوموا بتوجيههم للتآكل ذاتيًا وداخليًا، بأن يضرب بعضهم رقاب بعض، ويفتتوا الصف من داخله؛ وهذا هو الذي يجري، صراعهم فيما بينهم لم يعد خفيًا، ولو توجه أدعياء الجهاد لإصلاح بلادهم بدلاً من تدميرها لكان ذلك مصدر رهبة في قلب العدو يمنعه من النيل من المسجد الأقصى ومن الشعب الفلسطيني.
اليوم يقتَّل الشعب الفلسطيني وتُسلب أرضه وتنتهك حرماته، ويقتل شبابه علناً في الشوارع. والمؤسسات الدولية هي الجهة المشرع لجرائم اسرائيل، هيئة التآمر المتحدة هي أداة بيد اليهود وحماتهم. ولا أمل لهذه الأمة إلا بأن تجمع كلمتها وتعود إلى دينها وتتوب إلى ربها، وتغمد السلاح عن أن تمده إلى رقاب إخوانها، وتجعل هذا السلاح موجهًا إلى وجهة واحدة. حتى الذين – وللأسف- ادعوا الجهاد في فلسطين لفلسطين ولمقدسات فلسطين، أغمدوا سلاحهم عن حماية فلسطين، واستعملوه في قتال إخوانهم، وكلهم يعلم ذلك. وهذا مما يؤسف له، وهاهم فيما بينهم يصطرعون على كراسي مزيفة، ومكانة سرابية لا قيمة لها، أين هي الأمة الراشدة التي تحرص على مقدساتها وتحمي أرضها وعرضها، وتحرص على توحيد كلمتها في مواجهة عدو شرس لا يبتغي بدعم هذا إلا ليُقتل ذاك، ولا يبتغي في دعم ذاك إلا ليقتل هذا، يريدون أن يفتتوا الأمة ويقتل بعضهم رقاب بعض ليأمنوا على أنفسهم ويتمكنوا من السيطرة على المنطقة. وقد سيطروا إلى حد بعيد. وها هي ذا أموال أبناء هذه الأمة- قد وُهبت لعدوهم، وها هي ذي أرضهم قد أصبحت مرتعًا لأعدائهم، وهاهم أنفسهم يصطرعون فيما بينهم، علامَ؟ وفيمَ؟ سلوهم بالله.
نحن اليوم أحوج ما نكون لجمع الكلمة،(وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
ستنطلق جحافل الجهاد من هذه البلاد بإذن الله وتواجه أولئك الشراذم بعون الله تعالى بعد أن تنتهي الفتنة، وبعد أن تستيقظ الأمة فتغمد سلاحها عن أن يمتد إلى رقاب إخوانها، وتوجه سلاحها نحو وجهة واحدة، نحو العدو الذي يتربص بها.
أسأل الله أن يردنا إلى دينه ردا جميلا وأن يجمع كلمتنا على الحق والتقوى، لن نخدع بعد اليوم بالشعارات ولا بالمظاهر ولا بالادعاءات، الجهاد ليس في أن يقتل بعض أبناء هذه الأمة بعضهم، والمسلم الحريص على المسجد الأقصى ينبغي أن يكون حريصاً على المسجد الأقصى، لا أن يتخلى عنه في ساعة الحرج، ويدع أهله يُقَتَّلون في باحات المسجد الأقصى، ويحال بينهم وبين الصلاة في المسجد الأقصى.
سيتحرر المسجد الأقصى، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، ولكن عندما نعود إلى ديننا وتجتمع كلمتنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي