مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 11/08/2017

خطبة الدكتور توفيق البوطي: فتبينوا

فتبينوا
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك على في كتابه الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ( ويقول سبحانه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا( وقال جلَّ شأنه: )لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ( وقال في المنافقين الذين يروجون الشائعات الكاذبة: )يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ( وقال لنا جميعًا محذرا من أن نكون أداة لترويج الأكاذيب والشائعات: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ( وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع».
أيُّها المسلمون؛ مضت أكثر من ست سنوات على المحنة التي طافت ولا تزال تطوف ببلادنا وبالمنطقة، وها هي ذي الأقنعة قد تساقطت، وسحب الفتنة بدأت تنقشع بفضل الله، وها هي ذي البلاد بدأت تستعيد عافيتها شيئًا فشيئًا بعون الله.
ومن الضرورة بمكان أن نعود مما جرى بعبرة ودروس تنفعنا لمستقبلنا، لأن المؤمن لا ينبغي أن يلدغ من جحر مرتين. لقد خسرنا الكثير، خسرنا أرواحاً وأحبة لنا، خسرنا ممتلكات، خسرنا أصدقاء، خسرنا الأمان في وطننا الذي تميز بالأمان، فهل نعود مما جرى بعبرة نتعظ بها؟
لعل أخطر ما تسبب بمحنتنا حرب الشائعات والكذب، التي تولى كبرها قنوات إعلامية مشبوهة احترفت الكذب، وتشكيلات غبية من أبناء أمتنا كانوا أدوات في خدمتها؛ فكره بعضنا بعضاً، وحقد بعضنا على بعض، بل بلغ الأمر بالأكثرين أن حملوا السلاح على إخوانهم وذويهم، وسفكت دماء بريئة بتحريض من تلك القنوات القذرة، بل بتحريضٍ أيضًا من أدعياء الدين والوطنية، وهم أفقر ما يكونون إلى الدين والوطنية. واستهدف المخلصون لدينهم ولأمتهم وافتري عليهم، وتم التحريض على قتلهم. ومضى الكثير والكثير من الشهداء، ثم اتضحت الحقيقة للكثيرين، فمنهم من كابر وعاند، ومنهم من ندم واستغفر؛ ولكن ذلك كله بعد أن نال أمتنا ما قد نال.
زيّف علماء السوء أحكام الشريعة خدمة لأولياء نعمتهم، وحرضوا وافتروا، و(إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ) وإن تزيوا بزي أهل العلم. وها هي الأقنعة تتساقط، وهاهم أولياء نعمتهم يتخلون عن مواقفهم، فماذا بعد؟ لنعد إلى ما أمرنا به ربنا تبارك وتعالى من أخلاق ووعي نتعامل بهما مع الشائعات والأكاذيب والافتراءات والافتئاتات، حرصًا على أن لا نلدغ من الجحر نفسه مرتين، وذلك من خلال الأمور الآتية، طبقًا لما بدأنا به من آيات كريمة. الشيء الأول: أن نتبين ما يبلغنا من أخبارٍ وفقًا لقوله تعالى: )إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( فقنوات الإعلام المرتبطة بالجهات الخارجية، بل بالصهيونية ليست البخاريَّ ومسلماً، وليست من الرواة الذين يتمتعون بالعدالة والضبط، بل هي أفواه الكذب وصنّاع الافتراء، معظمهم – إن لم نقل كلهم- مغرض يريد الضرر بنا وبأمتنا.
الشيء الثاني: أن ندرك أن أعداءنا، والمنافقون منهم، يريدون إحداث الوقيعة فيما بيننا، فلا ينبغي أن نلقي السمع إلى كلامهم. ألم يقل الله تبارك وتعالى: )يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُم( يريدون أن يوقعوا بينكم الفتنة، بين الأخ وأخيه وبين الجار وجاره،
الأمر الثالث: أن نلتزم بالحكم على الظواهر، إذا كان ربنا تبارك وتعالى يأمرنا أن نحكم على العدو إذا أعلن إسلامه أن نحكم عليه بظاهره، )وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا( هذا كافر أعلن إسلامه، يأمرنا ربنا تبارك وتعالى أن نتعامل معه بالحسنى، أن نتعامل معه بظاهره. فكيف نتهم من عرفناه مسلمًا بالكفر والضلال والنفاق؟ على أي قاعدة؟ وعلى أي أساس؟
والأمر الرابع -وهو في غاية الخطورة والأهمية- أن لا نسارع عندما نتلقف خبراً إلى إشاعته ونشره بين الناس، فهذا مما حذر ربنا تبارك وتعالى وحذر نبينا صلى الله عليه وسلم منه ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»؟ ألم يقل ربنا تبارك وتعالى: )إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا(؟ وأن نتقي الله عزَّ وجلَّ من أن نكون أداة لنشر الكذب وإشاعته فالكذب من أكبر الكبائر )إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون بآياتِ اللهِ( هذا ما يقوله ربنا تبارك وتعالى في حق الكذب وأصحابه، ينبغي أن نعود من المصيبة التي حاقت بنا، ومن المحنة التي تطوف بنا، أن نعود بعبرة، أن نكون أكثر يقظة وأكثر حذرًا وأكثر تثبتًا، وأن يكون لنا عودة إلى المرجعية العلمية الموثوقة التي لا تبيع دينها ولا تبيع نفسها بعرض من الدنيا قليل، ولا تبيع بلدها. تثبت في البلاد وتستقر فيها، تحرص على دماء أبنائها، تحرص على سلامة وطنها تحرص على المقدرات التي فيها، لا تشجع على التدمير والتخريب ولا على سفك الدماء، ينبغي أن نكون حذرين من أولئك الذين تزيوا بزي الوطنية أو زي العلم والدين، ثم تخلوا عن الدين والعلم والوطن. هذه الشام التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «من دخلها فبرحمة الله، ومن خرج منها فبسخط الله»، أجل هذه الشام نحن مرابطون فيها، صابرون على لأوائها ثابتون فيها، ونحن مطمئنون أنها ستعافى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله تكفل بها وبأهلها: «إن الله تكفل لي بالشام وأهلها» نحن مطمئنون لمستقبل هذه البلاد، وأنها ملاذ المؤمنين في الدنيا، وأنها عافية الإسلام في العالم كله، وأنها منهل العلم الشرعي، ولا ينبغي أن نسمح لأي فريق أن يشككنا بمسلمات ديننا ولا بقدسية بلادنا، ولا بسلامة مؤسساتنا الدينية، وبمناهجنا التعليمية. كل هؤلاء يحاولون أن يفتّوا بعضد هذه الأمة وأن ينالوا من ثبات أبناء هذه البلاد على لأوائها من أجل مستقبل يبتسم لها، وأرجو الله عزَّ وجلَّ أن نرى ذلك قد تحقق وشيكًا وقريبًا بإذن الله تعالى، أن يعود الأمن والأمان والطمأنينة والخير والبركة، والبركة موجودة، إلى بلادنا، إلى أبناء أمتنا إضافة إلى المحبة والمودة والصفاء والإخلاص، بعد كدر حاولوا أن ينشروه بين أبناء أمتنا.
أسأل الله أن يردنا إلى دينه ردًا جميلا وأن يعيد الأمن والأمان والسلامة والطمأنينة والمودة والمحبة إلى وطننا وأبنائه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة في 11 / 08 / 2017


تشغيل

صوتي