مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 12/05/2017

خطبة د. توفيق البوطي: على أبواب شهر رمضان


على أبواب شهر رمضان
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ( ويقول سبحانه: ) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( ويقول سبحانه: ) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا( ويقول سبحانه: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( روى البخاري عن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله e يقول: «إني لأستغفر الله وأوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» وفي روية يقول: «يا أيها الناس؛ توبوا إلى الله واستغفروه، فإنِّي لأتوب إلى الله وأستغفره في اليوم مئة مرة» وروى مسلم عن النبي e أنه قال: «مَن خرج مِن الطاعة وفارق الجماعة فمات ميتته جاهلية، ومَن قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصبة أو يدعو لعصبة أو ينصر عصبة، فقُتل فقتلته جاهلية، ومَن خرج على أمتي من أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهدٍ عهده؛ فليس مني ولست منه».
أيُّها المسلمون؛ ونحن نقترب من شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ( يجب أن نراجع أنفسنا ونتهيأ لموسم الرحمة الربانية، عسى أن نكون ممن نالتهم بركته وغنموا من هداياه.
أجدني أقف عند أمرين مهمين في هذه المناسبة، هما من الضرورة بمكان، أولهما صدق التوبة إلى الله عملاً بقوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ( والتوبة واجبة، وإذا كان المصطفى e وهو المعصوم من الذنوب يقول: «إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» أو «أكثر من سبعين مرة»؛ فنحن، الذين لا نستطيع أن ننأى بأنفسنا عن الآثام ليل نهار، أجدر وأحق بأن نضع التوبة نُصب أعيننا وأن نستغفر الله بصدق وإخلاص، وأن نكون في مراجعة أنفسنا صادقين؛ لأننا في الحقيقة مقصرون ومذنبون، مقصرون بحق الله تعالى، ومقصرون بحق الخلق أيضًا. فالتوبة هي مراجعة المرء لنفسه ومحاسبته لها في مدى التزامه بحقوق الله وحقوق العبيد، فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل )وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ(. لنراجع أنفسنا فلنصل ما قطعنا من أرحام، ولنبرَّ الوالدين ولنحسن إلى الجوار، ولنكن أمناء في معاملاتنا، أمناء في عقودنا، صادقين مع الناس ومع ربنا. كم من إنسان ظن أنه إذا استطاع أن يخدع صاحبه نجا، بوسعك أن تخدع صاحبك ولكن لن تفلت من قبضة قيوم السموات والأرض يوم يقول: )وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ( نحن مقصرون بحق الله عزَّ وجلَّ، في صلاتنا في صيامنا في عباداتنا، في أداء سائر حقوق الله تعالى علينا. هل راجعنا أنفسنا، هل استغفرنا الله عزَّ وجلَّ بصدق. أنصح نفسي وأنصحكم جميعًا أن نتوب إلى الله كما وصف ربنا تبارك وتعالى توبة نصوحا توبة صادقة، عد إلى نفسك فحاسب نفسك )كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا( كما يقول ربنا تبارك وتعالى، لو رجعنا إلى أنفسنا لوجدنا أننا مقصرون جدا وبحاجة ماسة إلى تدارك أمرنا والتوبة إلى الله من تقصيرنا وسيئاتنا.
الأمر الآخر متصل بهذا الأمر، إذا تبنا إلى الله عزَّ وجلَّ فيجب أن نتوب من الخطأ الذي أودى ببلادنا إلى الحالة التي نحن فيها، إلى الوضع الذي نحن فيه الآن. فالرجوع عن الخطأ شجاعة وفضيلة، وحكمة وفهم، أعني الرجوع عن الخطأ الذي أودى بنا إلى فتنة أحرقت الأخضر واليابس، وسقط الناس في مستنقعها، فوصَلتْ بهم إلى الحالة التي نرى، حيث تكالبت قوى الشر لتفتك بوطننا وبأبناء أمتنا. وغدت بلادنا مرتعًا مباحًا تستبيح حرمته ودماء أبنائه العصابات وأولياء نعمتها، وممولوها ومزودوها بالسلاح. لنتأمل: وراء مَن يسرون؟ خلف مَن يسرون؟ مَن الذي يوجه دُفة الأحداث؟ ولماذا يتنازعون مادامت دعواهم إلى الإصلاح ودعواهم إلى النهوض بأمر البلاد وتدارك أمرها، مادامت دعواهم فيما يدعون، إنشاء دولة إسلامية ونصرة الدين والحق، ففيم يقتتلون إذاً؟ فيمَ يقتل بعضهم بعضًا؟ هم يشنون فيما بينهم حربًا بالوكالة بالنيابة عن الجهات الممولة، بالنيابة عن الجهات التي سخرتهم لتدمير وطنهم لقتل أنفسهم، للوصول إلى هذه الحالة البائسة التي وصلت إليها بلادنا وأمتنا.
كنا قد نبهنا، وسخر البعض وغضب البعض، أما وقد اتضحت الحقيقة فإن الرجوع عن الخطأ شجاعة، والتمادي فيه خور وجبن وحماقة وغباء. ما بالنا لا نحذر من حديث رسول الله e الذي يقول فيه: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، وصفهم بأنهم كفار، أي كفار نعمة. إذا اعتبروا جيشنا كافرًا -وجيشنا أبناؤنا أبناؤكم أولادكم إخوانكم- إذا اعتبروه كافرًا فقاتلوه، ففيم يقتتلون هم فيما بينهم؟ هم أغمضوا أعينهم وتوجهوا نحو هدف واحد فقط هي المطامع مادية أو الأحلام المخملية...لن يبلغوا أحلامهم لأنها سراب لا يمكن أن يرجى منه شيء، لن يجنوا منه إلا الذل والمهانة، ولكن لو رجعوا عن غيهم وخطئهم سيجدون باب التوبة إلى الله، وبين يدي الوطن مفتوحًا ومتاحًا.
وراء من يسيرون؟ ألم يقل لنا ربنا تبارك وتعالى: ) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا( أما قال النبي e: «مَن خرج مِن الطاعة وفارق الجماعة فمات؛ ميتته جاهلية، ومَن قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصبة أو يدعوا لعصبة أو ينصر عصبة –أي جماعة- فقُتل فقتلته جاهلية»؟ سلوهم وراء من يسيرون؟ ومن الذي يوجه مسيرتهم ويقود رقابهم إلى مقصلة الموت والهلاك؟ ولو أنه كان هلاكًا في الدنيا لهان الأمر، فكم من إنسان يشتهي الموت، ولكنه هلاكٌ في الدنيا وعذابٌ في الآخرة، لأنَّ ميتته جاهلية.
لنعد إلى رشدنا، لنعد إلى قوله تعالى )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ


تشغيل

صوتي