مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 05/05/2017

خطبة د. توفيق رمضان البوطي: ليلة النصف من شعبان


ليلة النصف من شعبان
د. محمد توفيق رمضان البوطي
5-5 -2017
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم # وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ # إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ # فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم( وقال جلَّ شأنه: )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُون( وقال جلَّ شأنه: )فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( وقال سبحانه: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ(، روى ابن ماجه والترمذي عن عائشة t قالت: فقدت رسول الله e ليلية فخرجتُ فإذا هو بالبقيع، فقال: "أكنتِ تخافين أن يحيف عليك الله ورسوله؟" قلت: يا رسول الله: إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، قال: "إن الله عزَّ وجلَّ ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء لدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب"، وروى ابن حبَّان في صحيحه، والطبراني وابن ماجه والبيهقي، عن معاذ بن جبل t عن النبي e قال: "يَطَّلعُ الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" وفي رواية: "هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب، لا ينظر الله فيها إلى مشرك، ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم، ولا إلى مسبل، ولا إلى عاقٍّ لوالديه، ولا إلى مدمن خمر".
أيُّها المسلمون؛ كنت في الأسبوع الماضي قد أشرت إلى عظيم فضل شهر شعبان، واهتمام النبي e بشأنه، وأنَّه كان يُكثر من الصيام فيه حتى ليكاد يصوم أيامه كلَّها، وهذا يدل على عظيم شأن هذا الشهر المبارك، على أننا نبين أنَّ الصيام من بعد النصف منهيٌ عنه إلا امتدادًا لما قبله أو استمرارًا لورد التزم به. يعني لو أنَّه صام من العشر إلى الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، واستمر هكذا إلى ما بعد الخامس عشر؛ فإنه يجوز، وكذلك إذا كان قد جعل وردًا لنفسه أن يصوم الاثنين والخميس؛ فكذلك يجوز له أن يستمر إلى ما بعد النصف، أمَّا إذا لم يكن هذا ولا ذاك فلا ينبغي أن يُنشئ صيامًا من بعد النصف من شعبان. وفي شأن هذا اليوم وهذا الشهر المبارك وفي شأن ليلة النصف منه، يقول ربنا تبارك وتعالى: )إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ # فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم( هذه إشارة إلى عظيم شأن هذه الليلة، فقد ذهب كثيرٌ من المفسرين إلى أنَّ هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان، أو أنَّها ليلة القدر، أيًّا كان فإنَّ الخلاف يدور بين كونها ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان، إذا كان الأمر كذلك فهذه إشارة واضحة إلى عظيم شأن هذه الليلة المباركة، قال عكرمة فيما رواه عنه الإمام القرطبي في تفسيره: (يبرم فيها ربنا تبارك وتعالى أمرَ السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد) أي أن لله عزَّ وجلَّ تقديره الذي يمكن أن يتغير. هناك القضاء والقدر نوعان، قضاء مبرم وقضاء معلق، أمَّا المبرم فلا يتغير، أمَّا المعلق فإنَّ الدعاء يمكن أن يرد القضاء، والنبي e يقول: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" حتى لا يشكل على الإنسان هذا الأمر عندما يُشار إلى أنَّه يمكن في ليلة النصف من شعبان أن يغير الله تعالى من حال إنسان قدر له في قضاء غير مبرم أن يموت فيصرف الله تعالى عنه أجله ويؤجله، أو يكرمه بحج أو يكرمه بمزيد رزق ولم يكن قد قدر له، هذه أمور يحتاج البسط فيها إلى مجلس علم في علم التوحيد والعقيدة حتى يستكمل الإنسان فهمه لها، وقال النبي e: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان" هذه كلها إشارات إلى عظيم شأن ليلة النصف من شعبان، وعظيم شأن هذا الشهر الذي هو مقدمة بين يدي إقبالنا على شهر الرحمة الذي نزل فيه القرآن )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ(
أيها المسلمون؛ نحن اليوم أحوج ما نكون إلى مواسم الرحمة التي أتاحها الله U لعباده بين فينة وأخرى، وهذا موسم من أعظم مواسم الرحمة، يجدر بنا أن نضاعف فيه الجهد في التقرب إلى الله U ونجدّ في عبادته والالتجاء إليه، لا سيما في ظروفنا التي تحيط بنا، والتي نعاني منها من فتنة طال أمدها واشتد تأجج نيرانها. في ظروف الهرج والفتن يجدر بالإنسان أن يكون أكثر التجاءً وتقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، وقد روينا في الأسبوع الماضي أو ما قبله حديثًا رواه الإمام مسلم عن النبي e: "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ" إذا أردت أن يكرمك الله U بمنزلة المهاجرين إلى النبي e في المدينة المنورة، فأكثر من الالتجاء والتقرب والعبادة في هذه الأيام التي نرى فيها أهوال الفتن تجتاح البلاد والعباد، وفي الآيات التي افتتحت بها الخطبة ) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( ما ينبغي أن نكون ممن قسى قلبه وابتعد عن ربه، يجدر بنا في مثل هذه الظروف التي تحيط بنا، والتي نجد أنفسنا قد اشتد بنا الكرب وتكالبت علينا الأمم، وضاقت بنا المعيشة، وأحيط بنا من كل جانب، أن نكون أكثر التجاءً وتقربًا وتضرعًا إلى الله U هذا ما تحضنا عليه آيات القرآن الكريم ) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ( التجؤوا إلى الله.. ابتهلوا إلى الله.. رفعوا الأكف بصدق إلى ربهم سبحانه وتعالى أن يكشف عنهم الفتنة التي أحاطت بهم، وفي الآية الأخرة


تشغيل

صوتي