مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 07/04/2017

خطبة د. توفيق البوطي: وصية سيدنا عمر بن الخطاب للجيش

وصية سيدنا عمر بن الخطاب للجيش
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ # فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ( ويقول سبحانه: ) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ( ويقول سبحانه: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( وقال في حق مؤمن آل فرعون يروي كلامه، قائلاً لبني اسرائيل أتباع موسى عليه السلام، ولقومه أيضا من آل فرعون: )فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ # فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ(
أيُّها المسلمون، تمر بنا أحداث جسيمة خطيرة لا داعي أن أقف في تحليل أسبابها، فالآيات قد سلطت الأضواء على كثير منها؛ وإنما منذ بدأت الأحداث ونحن نبحث عن المخرج، والمخرج قد وجهتنا إليه الآيات الكريمة، وأوضحت معالم طريق الخلاص مما نعاني، ولابد من أن أذكر بعض الأحاديث النبوية في هذا المجال، روى مسلم عن عمر بن الخطاب t قال: (لمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ e إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْف، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ e الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ( فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ). وانتصر المسلمون القلة في غزوة بدر على طغيان قريش وكثرتهم في العدد والعدة. أمور يجب أن نراها نصب اهتمامنا في هذه المرحلة الخطيرة من وجودنا، من تاريخ أمتنا. هناك أمور كررنا الحديث عنها؛ أن ما أصابنا إنما أصابنا بسببٍ منا نحن، إما أنه سبب مباشر، أو سبب غير مباشر؛ أما السبب المباشر: فارتضاء بعضٍ منا أن يكون أداة طيعة في تنفيذ مخطط دول الكفر في المنطقة، عندما ارتضوا أن يكونوا أداة تنفيذ المخطط، هذا سببٌ خطيرٌ من أسباب المحنة أو المصيبة التي نحن نعاني منها. أما السبب غير المباشر والذي قد لا يراه البعض؛ فهو ذنوبنا، هو آثامنا، هو بُعدنا عن ربنا.
والبعض يستغل الفرصة التي نعاني فيها ما نعاني، ويحاول أن يقف إلى جانب المخذّلين فيتّهم الدينَ بالمصيبة. الدين هو القوة التي تواجه المصيبة، الدين والمسجد والمؤسسات التعليمية الدينية هي التي تضيء لنا معالم طريق النجاة، هي التي تبعث فينا قوة المواجهة أمام العدو، هي التي تجمع الكلمة ولا تمزقها. أما أولئك فيأبون إلا تمزيق الكلمة وتفتيت الصف، يريدون أن تغدو أمتنا أمما.
نقول: ربنا تبارك وتعالى بيّن لنا أنه لا إكراه في الدين، وبين لنا أن على المتدينين الملتزمين بدينهم أن يكونوا صادقين في التزامهم، وأن يكونوا منضبطين بأحكام دينهم، يجتنبون ما نهى الله عنه، وينفذون ما أمر الله عزَّ وجل به، ويبين لهم دينُهم أن ما أصابهم لم يصِبهم إلا بسبب تقصير منهم (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) هذا أمر نحن نحاسب أنفسنا به، وعلينا أن نتتبع أخطاءنا فنتجاوزها، وعلينا أن نصحح مسارنا وسلوكنا في معاملاتنا في أُسَرنا في حديثنا صدقنا وكذبنا، في معاملتنا مع عدونا، في معاملتنا مع صديقنا، هناك ضوابط سلوكية يجب أن نلتزم بها، هذا ما أمرنا الله عزَّ وجل به. وعلينا أن نكون كلمة واحدة في الدفاع عن سلامة هذه الأمة وسلامة هذا الوطن، كنا كذلك، ولا زلنا كذلك، وسنبقى كذلك.
أما المخذِّلون فهم يريدون أن يعزلوا ويلغوا جزءاً من الأمة عن الأمة.
عندما كنا نواجه منذ بداية هذه الأزمة وإفرازاتها بالتوعية والتنبيه والتحذير وبيان حكم الله تعالى في تحريم الخوض فيها، وتحريم أن نغدو أداة في إيقاد نارها؛ كان أولئك الذين ينعقون اليوم باتهام المسجد والمؤسسة التعليمية الشرعية مختبئين في الجحور، أو أنهم كانوا في الصف الآخر. وعندما تساقط الشهداء منا دفاعًا عن سلامة هذه الأمة وسلامة هذا الوطن؛ كان أولئك مختبئين متخفين، أو أنهم كانوا ينتظرون الكفة الراجحة ليقفوا إلى جانبها؛ لأنهم انتهازيون، لأنهم وصوليون، ولأنهم حاقدون على دين الله عزَّ وجل.
دين الله عزَّ وجل هو صمام أمان هذه الأمة، هو صمام سلامة هذه الأمة، هو الجامع لوحدة كلمة هذه الأمة. دين الله لا يسمح بحال من الأحوال أن يغدو المسلم أداة رخيصة في يد أعدائها. قولوا للمخذِّلين عودوا إلى جحوركم. أما بالنسبة لنا نحن المسلمين، فإننا نحن الذين صبرنا منذ البداية على لأواء هذه الفتنة، وقد اتضحت معالمها وظهرت حقيقتها، ولم يعد فيها سر يخفى على أحد.
أيها المسلمون
يجب أن نعيد النظر في مدى صحة مسارنا السلوكي بيننا وبين ربنا، لقد أوصى سيدنا عمر t سعد بن وقاص عندما توجه إلى معركة القادسية فقال له: (أما بعد؛ فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسا من المعاصي منكم من عدوّكم) إن المعصية التي تشيع في المجتمع خطرة علينا كخطورة العدو نفسه، بل هي أشد خطرًا. وهذا ما كان قد نبه إليه شهيد المحراب قبل أن تشتعل الفتنة في بلادنا بثمانية أشهر، عندما نبه أن المعصية في إعلانها خطر شديد داهم سوف يودي بهذه الأمة، ونبه إلى ذلك، ثم يقول سيدنا عمر t: (وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسا من المعاصي منكم من عدوّكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم، وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله-عندما يعصي العدو ربه ونطيع نحن ربنا ترجح كفتنا بطاعة الله عليهم بمعصيتهم لله- ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم – ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد- ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله؛ ولا تقولوا إن عدوّنا شر منا فلن يسلّط علينا وإن أسأنا؛ فربّ قوم سلّط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفّار المجوس )فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا(. واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوّكم)
بهذا أوصى سيدنا عمر t جيش المسلمين، ولقد عملوا بنصيحته فتحقق لهم النصر، وإنها لنصيحة نوجهها إلى كل فرد من أبناء أمتنا في مواجهة هذه الحرب الكونية التي نتعرض لها، كي نكون في مقدار مسؤولياتنا في مواجهة هذه الحرب ولنكون قادرين على مواجهة العدو ولنكون أهلا لنصر الله عزَّ وجل )وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(.
خطبة الحمعة في 07 / 04 / 2017م


تشغيل

صوتي