مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 10/03/2017

خطبة د. توفيق البوطي: الإحسان


الإحسان
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ # وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ( وقال ربنا تبارك وتعالى لسيدنا موسى وأخيه هارون : ) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى # فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى( وقال سبحانه: )الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( روى مسلم عن عائشة t أنَّ النبي e قال: «إنَّ الله رفيقٌ يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على ماسواه» وروى مسلم أن النبي e قال: «إن الرفق ما يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» وروى البخاري عن النبي e أنَّه قال: «إنما بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» وروى الشيخان عن النبي e أنه قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»، وروى مسلم عن النبي e أنه قال: « إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».
أيها المسلمون، الرفق والإحسان من أسس التعامل في حياة المسلم، ومن أخلاق الدعوة إلى ديننا، وخلافهما ليس من الإسلام، هما أساس في منهج المسلم حتى في تعامله مع عدوه وخصمه. وأحد الأخلاق الأساسية التي تتصف بها شخصية المسلم ولا تنفك عنها، فهو في بيته يتعامل بالرفق مع زوجته ومع أولاده، وهذا لا يعني التساهل والتغاضي عن الأخطاء؛ بل يعني أن تصحح الأخطاء ويقوم الاعوجاج بلين ورفق ولطف، فباللطف يتحقق مالا يتحقق بالعنف، وفي دعوتنا للآخرين إلى ديننا أمرنا الله عزَّوجل أن نسلك سبيل الرفق )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( )وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ( بل قال لموسى وهارون عندما وجههما إلى فرعون الطاغية الظالم المتأله في الأرض، قال لهما )اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى # فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى( وعندما نتعامل مع الخصوم والأعداء –طبعا الخصوم والأعداء ضمن المجتمع- قال لنا: )وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ( خير علاج لعداء المعادي وخصومة المخاصم أن تقابل إساءته بالإحسان؛ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. بصورة دائمة أمرنا ربنا تبارك وتعالى أن نتصف بكظم الغيظ، والعفو عن الناس والإحسان إليهم، فلا نستسلم لغضبنا ولا ننساق أمام انفعالاتنا، بل نكون على درجة من الرفق والتأني والحلم والتعقل، عندما يتطلب الأمر منا مواجهة عدو صلفٍ مستكبرٍ ظالمٍ طاغٍ، فإن علينا أن نواجهه بشجاعة وقوة وبأس، وعلينا أن نواجهه بشدة تليق بطغيانه وعربدته واستكباره، علينا أن نتصف بالشجاعة والقوة، ولكننا ونحن نتصف بالشجاعة والقوة، ونواجهه بالشدة التي وصفت؛ نتصف بالأخلاق التي ينبغي أن نتصف بها، فإذا قتلنا؛ قتلنا قتل من يعالج العضو الفاسد في الجسم بالاستئصال حرصًا على سلامة الجسد، لا نتجاوز القتل إلى التعذيب والتمثيل، نقبل إصلاحًا، ونتعامل مع عدونا بقصد الإصلاح، ونقاتله بقصد المعالجة، لا تشفيا ولا انتقامًا؛ بل ضبطًا للأمور ووضعًا للحد أمام الطغيان والفساد، نقتل إصلاحًا ولنضع حداً للطغيان والفساد، ولا نستسلم لمشاعرنا وأنانيتنا في التشفي والطغيان، الفساد لا يعالج بالفساد، والظلم لا يعالج بالظلم.
أقول هذا الكلام لنلتزم به بدءًا من البيت والأسرة؛ نتعامل بالرفق، ونتعامل بالإحسان وبسعة الصدر وبالحكمة وباللطف، نوصل الكلمة الطيبة للآخرين عبر بريد اللطف والرقة والعذوبة، وليس بالشدة والقسوة والعنف )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ( بهذا أمرنا حبيبنا المصطفى e لكن ظهر في عصرنا هذا إسلام جديد، إسلام يحرق أتباعُه الإنسان وهو على قيد الحياة، يقطعونه إربًا أربًا وهو على قيد الحياة، ويصفون عملهم بأنه من الإسلام، أقول: إن هذه التنظيمات القذرة التي ظهرت في هذه الفترة بعد تمهيدات أنتم أعرف بها، بدأت التمهيدات من أناس كنا نظنهم عقلاء فبدا أنهم ليسوا بعقلاء، إذ كانوا القنطرة التي وصل من خلالها الإرهاب إلى بلادنا، والذي يتزيى بزي الإسلام ويطلق اللحى ويضع العمائم وينادي باسم الله عزَّوجل، ولكنهم والله عملاء لإسرائيل، وعملاء لأمريكا، صنعتهم أمريكا بغية شيئين، بغية تدمير بلادنا وبغية تشويه الإسلام، وكان فينا من ارتضوا أن يكونوا القنطرة التي يصل هذا الإرهاب من خلالها إلى بلادنا، ويشوه أحكام شريعتنا وديننا من خلالهم، هذا نوع من الإرهاب المرفوض في الإسلام، نوع من التشويه للإسلام، هذا النوع يتمثل في شكلين، شكل يمارس هذا الإرهاب بشكله الوحشي الهمجي القذر الذي بدأ اليوم يتلقى ضربات النهاية لأن قطعان الإرهاب ستنال نتائج إرهابها باليد التي جلبتهم؛ سوف يقتلون، والأيدي التي جلبتهم هي التي ستقضي عليهم، بالوسائل نفسها وبالجهة نفسها، أقول: هذا الإرهاب أو هذا التطرف له شكلان، شكل في ممارسة التطرف والإرهاب، وشكل يبدو من الصف المقابل عندما ينسب ذلك للإسلام ليصفه بالتطرف والإرهاب. كلاهما شريكان في جريمة واحدة، أحدهما يمارس الإرهاب والقتل والوحشية والهمجية، والآخر يصدق على أنَّ هذا هو الإسلام، وعلى أنَّ هذه الممارسات هي من الإسلام.
كان أولى بهؤلاء أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، الإسلام رسالة الله التي قال فيها: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( لكن الإسلام الذي صنعته أمريكا واسرائيل لكي تنفر الناس من الإسلام يظهر بهذه الشاكلة، ويظهر بالشكل الآخر الذي نجده بين صفوفنا وبين من يتزيى بزينا ويقف إلى جانبنا فيما يبدوا؛ هو داعشيٌّ بشكل آخر، الذي يصف الإسلام بأنه هو الإرهاب، وأنَّه مصدر التطرف، وأنَّه وأنَّه.. هؤلاء هم جزء من المؤامرة على بلادنا، ينبغي أن نعلم جيدا أن معرفة الإسلام معرفة صحيحة أمر من الضرورة بمكان، لكي نكون على درجة من الوعي بحيث لا يشوه الإسلام أمام ناظرينا، ويجب أن نكون أيضا على درجة من الوعي بحيث لا نسمح لأناس يندسون بين صفوفنا يصفون صنيعة أمريكا واسرائيل بأنها الإسلام. صوت وصدى، الصوت فعل هؤلاء المجرمين والصدى أولئك المندسون فيما بيننا والذين يتظاهرون بأنهم وطنيون ولكنهم يريدون أن يصفوا الإسلام بما أرادت أمريكا أن تصفه به، وبما أرادت إسرائيل أن تصفه به.
ينبغي أن نكون على درجة من الوعي، وأن يكون الرفق واللطف والحكمة والموعظة الحسنة منهجنا في بيتنا ومنهجنا في الشارع ومنهجنا مع عدونا، ومنهجنا مع صديقنا، ولكن إلى جانب


تشغيل

صوتي