مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 03/02/2017

خطبة د. توفيق البوطي: الإخلاص


الإخلاص
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: )وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ( وقال جلَّ شأنه: ) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ( وروى مسلم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، وروى الشيخان عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني، أبو بكرة t فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع، فإنِّي سمعت رسول الله r يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت: يا رسول الله؛ هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه»
أيُّها المسلمون؛ الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وأن يكون العمل لا يقصد به إلا وجه الله سبحانه، وقد عرَّفوا الإخلاص بأنَّه سرٌ قد أودعه الله تعالى في قلب من أحب من عباده، وأنَّه نسيان الخلق بدوام النظر إلى رضى الخالق أو فضل الخالق، وقالوا: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك. هناك من يقول أنا لا أريد أن أصلي في المسجد لأنال ثناء الناس فيكون عملي من أجل ثناء الناس، هذا هو الرياء. أما أن أعمل من أجل الناس فهو الشرك، أشرك مع الله غيره في قصده. والإخلاص أن يعافيك الله من الشرك ومن الرياء معًا.
أيُّها المسلمون؛ العمل شكل وروح، أمَّا الشكل فالتزامك بالأركان والشروط والواجبات التي لابد منها لصحة العمل، وأمَّا الروح فهو أن تجعل هذا العمل خالصًا لوجه الله. الشكل لابد منه لصحة العمل، والإخلاص لابد منه لقبوله عند الله جلَّ شأنه، والشكل بدون روح جسدٌ ميتٌ لا قيمة له ولا فائدة منه، وموضع نظر الله عزَّ وجل منك إنَّما هو إلى قصدك الذي في قلبك. لن يتحقق الإخلاص في العمل إلا بمقدار قوة الإيمان، وكثرة ذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأن غياب ذكر الله عن القلب يؤدي إلى سيطرة الشيطان على قلبك ليعبث به ويوجهه حيث يريد، لا حيث تريد؛ أما قال ربنا تبارك وتعالى: )وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ( إذا غفلت عن الله صرت تحت سيطرة شيطانك، والشيطان إنما يقذف بك إلى حيث تهلك، ولن يتحقق الإخلاص -كما قلنا- إلا بقوة الإيمان وكثرة الذكر. وللإخلاص رائحة ذكية تبدو لذوي البصائر يجدونها في العمل أو يفتقدونها فيه، لكن علامة الإخلاص انضباط العمل بالوجه الشرعي الذي ضبطت فيه أوامر الله تعالى ورسوله. غياب الإخلاص يتجلى في مخالفة قواعد الشرع، نعم، الالتزام بقواعد الشرع هو شكل، ولكن مخالفتها دليل على عدم وجود الإخلاص، والعمل مع الجهل مطية للمخالفة ودليل على عدم الإخلاص. عندما تعمل لوجه الله أنت أدرى بأن ربنا سبحانه وتعالى قد أنزل أحكاماً، وشرع شرائع، وأمر ونهى؛ فإن كنت مخلصًا التزمت أوامره واجتنبت نواهيه. علينا نحن جميعا أن نحرص على أن يكون عملنا مستوفيًا أركانه وشروطه، وأن نؤديه مستوفيًا فرائضه وما لابد منه فيه، وعلينا في الوقت ذاته أن نجعل هذه القلوب التي بين حنايانا أن نجعلها وعاء للإخلاص لله سبحانه وتعالى، وأن لا نقصد بالعمل الذي نعمل إلا رضا الله جلَّ شأنه، عندما تجد المخالفة تدرك أنَّ هذا العمل ليس لله، انظر إلى حيث نهى النبي r وحذر من قتال المسلم مع أخيه كيف أنه وصف قتال المسلم مع أخيه المسلم بأنهما في النار، القاتل والمقتول، اقتتلا من أجل لعاعة دنيوية، أو اقتتلا فيما يزعمان جهادًا في سبيل الله، وهل يكون الجهاد في سبيل الله بقتل أخيك المسلم!! هل يكون الجهاد في سبيل الله باغتيال أخيك المسلم!! هل يمكن أن يتصور أن يكون هناك إخلاصٌ في العمل ومخالفةٌ لله فيه! انظر إلى ذاك الذي تجرد عن أدنى معاني الإنسانية ومشاعر الإنسانية، فأرسل طفلة لتنتحر بقتل الآخرين، تحت اسم الجهاد، متوهما أنَّه إنَّما يقذفها بذلك إلى الجنة، هي طفلة بريئة، هي دون سن التكليف، ولا يتصور أن تُضلل فيحاسبها الله تعالى على ضلالها، ولكن ذلك المجرم الذي تجرد عن أدنى مشاعر الإنسانية؛ فقذف بها ليهلكها ويُهلك بها، هل هذا جهاد في سبيل الله؟
انظر إلى أولئك الذين قطعوا المياه عن سبعة ملايين نسمة متجردين عن أدنى درجات الإنسانية أو المعنى الإنساني- لا أستطيع أن أصف عملهم إلا بالهمجية المطلقة، كيف لهم أن يمنعوا الماء عن سبعة ملايين إنسان، وتحت أي اسم؟ تحت اسم الجهاد! انظر إلى أولئك الذين تحالفوا مع إسرائيل لمقاتلة أبناء وطنهم، لأنهم يكرهون السلطة، إذًا فليتعاونوا مع اسرائيل ضد السلطة، وليدمروا وطننًا وليقتلوا أمةً، انظر إلى أولئك الذين صفقوا للعدو الإسرائيلي يوم قصف مواقع في وطنهم، وهللوا وكبروا لأن العدو الإسرائيل قصف مواقع في وطنهم، ثم يسمون أنفسهم مجاهدين، يا لله أي جهاد هذا؟ هذا جهاد في سبيل الشيطان، أي جهادٍ هذا الذي يجاهدونه وأي إصلاح هذا الذي يزعمونه، أي حرية هذه التي يصبون إليها؟! انظر إليهم الآن كيف يقتتلون! يقتل الفريق منهم من الآخر مالم يقتله المسلمون مع اسرائيل طيلة فترة حربهم معها!. انظر كيف يقتتلون وكل منهم يزعم أنه في سبيل الله، اعتزل تلك الفرق كلها؛ لأنها ليست من الجهاد في شيء، ولأنها ليست من الإسلام في شيء، هي إنما تعمل تنفيذًا لمخطط ارتضت لنفسها أن تكون أداة لتنفيذه في قتل أمة وانتحار وطن، ولكن خسئوا، سيقتتلون ويقتتلون ويبقى الوطن بإذن الله. وستنحسر هذه السحابة وسيعلم الناس من هو الذي على الحق ومن هو على الباطل؟ الأخطاء موجودة ونحن ننتقد الأخطاء، والتجاوزات موجودة ونحن نسعى لإصلاح هذه التجاوزات، ولكن هل يغسل الدم بالبول؟ وهل تداوى الحمى بالطاعون؟ سبحان الله! لكنهم )وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(. أسأل الله أن يلهمنا الإخلاص لوجهه الكريم، وأن يردنا إلى دينه ردًا جميلًا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الحمعة في 03 / 02 / 2017م


تشغيل

صوتي