مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 27/01/2017

خطبة د. توفيق البوطي: من نتائج الفتنة


من نتائج الفتنة
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ( ويقول سبحانه: )لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ( ويقول جلَّ شأنه: ) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ( ويقول سبحانه وتعالى: ) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ( روى البخاري عن سيدنا علي t أنَّه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله r فلأن أَخَرَّ من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة. سمعت رسول الله r يقول: «يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة».
أيُّها المسلمون؛ ست سنوات ونحن نعاني من فتنة طائفية طافت ببلادنا وألقت بظلالٍ صعبةٍ قبيحةٍ مؤلمةٍ على أبناء أمتنا، كنَّا في بدايتها قد حذَّرنا، وقلنا إنَّها فتنة، وقلنا إنَّ هذه الفتنة قد صُنعت بليل؛ من تدبير أعداء الأمة وأعداء الوطن وأعداء الإسلام أيضًا؛ لكنّ قِلَّةً من الناس أدركوا صحة ما نقول، وهاهم أولاء الذين أوقدوا نار الفتنة يستثمرونها ويقتسمون غنائمها. المشكلة أيَّها المسلمون خطيرة جدًا، قلنا إنَّ أبرز هدف من أهداف هذه الفتنة تشويه الإسلام، ولقد رأينا كيف أنهم استثمروا الإسلام والشعارات الإسلامية، من تكبير ومساجد ولا إله إلا الله محمد رسول الله، وحور عين، وغير ذلك من الشعارات التي إنما كان يقصد منها تشويه الإسلام، وكانوا يهدفون بذلك أن ينسبوا فتنة تطوف بالبلاد فتحرق الأخضر واليابس إلى الإسلام، مع أنَّ الذي أوقد نارها إنما هم غرباء عن الإسلام، نعم مشى في ركابها بعض الحمقى والمغفلين من ذوي المظهر الديني، وبعض الأدوات التي باعت دينها وباعت إسلامها وأخلاقها وضميرها، مقابل حفنة من مال أو نحو ذلك. إنَّ أحد قادة هذه الفتنة رجل طُرد من التعليم في سوريا لأنه شتم رسول الله e، فخرج من البلاد وأوى إلى فرنسا وبعد أربعين سنة قام ليتآمر ضد الإسلام وضد هذه الأمة. أول مظاهرة خرجت في البلاد كانت في مسجد بني أمية، والذي قادها صليبيٌ شيوعيٌ ملحدٌ. وممن كان يقود هذه الفتنة نساء لا صلة لهن بالإسلام ولا صلة للإسلام بهنّ، عرفْن بسوء السيرة وقَماءة المستوى وانحطاط الخلق، فمِنْ متهوِّدة إلى إنسانة سفيهة أرادت أن تكون أداة في قتل هذا الوطن وفي سفك دماء أبنائه، والذين قادوا هذه الفتنة -ولايزالون يقودون- أُناس غرباء عن الإسلام، غرباء عن الدين؛ لكنهم استغبوا الأمة فاستعملوا الشعارات الإسلامية، استعملوا شعار التكبير، واستثمروا المسجد ووضعوا لافتات إسلامية لتصرفات تحارب الإسلام وتشوه الإسلام وتسيء إلى الإسلام، كل هذا قد جرى، وأظن أنَّ الكثير منكم يدرك هذه الحقيقة إدراكًا واعيًا، وإن كان هذا الإدراك جاء متأخرًا، إلا أنك أن تدرك خيرٌ لك من أن لا تدرك.
أيَّها المسلمون؛ تداعيات هذه الفتنة أسوأ من الفتنة، الجهة التي صممت لهذه الفتنة ورسمت مخططاتها تريد اليوم أن تستثمرها لتنسب إلى الإسلام جريمتها، ومن ثم فإنها تريد أن تحارب الإسلام وتناهض الإسلام وتسيء إلى الإسلام، والمشكلة أنَّ كثيرًا من شباب أمتنا على جانب كبير من الجهل بحقائق الإسلام، إسلامهم – وللأسف- تقليدي، ولذلك نجد في كثيرٍ من البلاد الإسلامية التي طافت بها هذه الفتنة، أنَّ حركة ردة قد بدأت تظهر بها... إذا كان الإسلام هكذا فلماذا نحن مسلمون إذاً، إذا كان الإسلام قتلًا وسفك دماء؛ فلماذا نحن مسلمون! نسبوا إلى الإسلام جرائمهم ثم بدأوا يستثمرون هذه النسبة لتشويه الإسلام ولمحاربة الإسلام، وغدوا اليوم يحاربون الإسلام علنًا، يريدون أن يجردوا أمتنا من الهوية الإسلامية، هذه الأمة وهذا الوطن مسلمٌ والأمة مسلمة شاء من شاء وأبى من أبى. هويتنا هي قبل أرواحنا، هويتنا هي قبل وجودنا، هويتنا قبل دماءنا، ليُعلم هذا الأمر، وليعلم أنّ أي تآمر على حقيقة هذا الإسلام ستكون نتائجه وخيمة على الذين يريدون أن يتآمروا على هذه الأمة. حملة مسعورة من كلاب أفلتت في الأزقة والطرقات، وعبر وسائل الإعلام، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ تريد أن تشوه الإسلام مستثمرةً ما كانت هي قد خططت ورسمت له ضد هذه الأمة، ما ينبغي أن نكون أغبياء فتلبس علينا الحقائق وتشوه وتطوى حقائق الأمور بأسلوب أو بآخر.
أيَّها المسلمون؛ ينبغي أن ندرك جيدًا أنَّ ما طاف بهذه الأمة ويطوف بها؛ هو أمرٌ يُتآمر به على الإسلام وليس من الإسلام، يُحارب به الإسلام وباسم الإسلام، وأن ندرك جيدًا أن ردود الفعل المصطنعة لهذه الفتنة هي جزء من الفتنة، والذي خطط خطط للفعل وخطط لردة الفعل، خطط للمخطط الذي جرى بنا وحدث في بلادنا، ثم خطط أيضًا لردود الفعل التي هي كما نرى ونسمع تريد أن تستثمر الفتنة لمحاربة الإسلام علنًا.
أما وإني أرى أن أقول لكم أمرًا في غاية الأهمية؛ أنَّ على شبابنا وأولياء الأمور في بيوتهم؛ أنت ولي أمر بيتك[ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته] أن تكونوا يقظين، وأن تكونوا حريصين على التعرف على دينكم، على سيرة نبيكم، على حقائق دينكم، وأن تعتزوا بعبوديتكم لله جلَّ شأنه وأن تعتزوا بشرائع الإسلام ومظاهره، وأن تعتزوا بالمظهر الإسلامي الذي شرف الله تعالى الرجل والمرأة بهما وأن تكونوا حريصين على أن لا يندس في صفوفنا من يدعي الإسلام؛ والإسلام بريء منه. كما أن نكون على درجة من الوعي لندرك أنَّ هؤلاء الذين رسموا المخطط الأول هم الذين الآن يحاولون أن يحاربوا الإسلام محتجين بما كانوا قد رسموه وخططوا له بتشويه الإسلام. هذه الفتنة وإن طرحت شعارات إسلامية وإن سار في ركابها ادوات رخيصة لها مظهر إسلامي إلا أن الإسلام بريء منها وهي بريئة من الإسلام، لا صلة بينها وبين الإسلام، فنصوص الشريعة الإسلامية تمنعها، وقد كنا قد أوضحنا موقف الإسلام من هذه الفتنة منذ بداياتها، وقلنا إنه نفق مظلم يودي بالأمة إلى مهالكها، فسخر من سخر، وضجَّ من ضجَّ، وكانت ردود الفعل السلبية معروفة، كلكم يعرفها وكلكم يتذكرها، يجب ان نستيقظ الآن جيدًا وندرك أن الهدف من هذه الفتنة بالدرجة الأولى محاربة الإسلام، والهدف الثاني هو تدمير هذا الوطن الذي كان البيئة الطيبة الطاهرة للمعارف الإسلامية، للمدارك الإسلامية، منبرًا للدعوة الإسلامية على مستوى العالم كله، والقضاء على قوة هذا البلد، لأنه البلد الذي لم يقبل أن ينحي للابتزاز الصهيوني الأمريكي، كل المنطقة قدمت الولاء لإسرائيل إلا سوريا، سوريا لم تنحن لإسرائيل ولا لأمريكا، لذا يجب أن تعاقب يجب أن تؤدب، وأدوات هذا التأديب هم أولئك المتآمرون على هذا الوطن، وهم المتآمرون على هذه الأمة، يجب أن نزداد حرصًا على التمسك بديننا، ولكن على درجة من العلم والفهم لحقائق عقيدتنا، هناك تشكيك بالعقيدة، وحقيقة سيرة نبينا محمدٍ r، وأن نتمسك بأحكام شريعتنا عن معرفة لا عن تقاليد، فالتقاليد تتبخر وتنمحق، لكنَّ الذي يتمسك بالإسلام عبوديةً ومعرفةً وإيمانًا لا يمكن أن تتزعزع عقيدته، ولا يمكن أن يتزلزل تدينه مهما كلف الأمر ومهما كانت الأخطار والشكوك التي تثار هنا وهناك، يجب أن نزداد تمسكًا بديننا، ونزداد تعلمًا لأحكامه، وتعلمًا لعقيدته. مجالس العلم في بلادنا موجودة ولله الحمد، ومناهل العلم ستبقى تصدع بحكم الله تعالى وبالمعارف الإسلامية، والزاهد بها يعرض نفسه لفتنة في دينه وفي أخلاقه وفي وطنيته أيضًا.
ينبغي أن ندرك مخاطر المرحلة القادمة، لقد بدأوا الآن يتحدثون عن الدستور الذي تمَّ الاستفتاء عليه عام (2012) يريدون أن يلغوا منه الصفة الإسلامية من هذا الدستور، ونحن نقول: نحن الذين اختارنا هذا الدستور ونُصِرُّ على بقائه على ما هو عليه، وأن تُكرس فيه هوية هذا الوطن وهوية هذه الأمة. نحن لا نستورد دساتيرنا ولا قوانيننا من شرق و لا من غرب، دستورنا وقوانينا تصدر من أمتنا وتحمل هوية أمتنا، هويتنا لا تصنع خارج البلاد، هويتنا تصنع هنا، هويتنا تنبع هنا، هويتنا هي من هنا وليس من هناك، ليس لأمريكا ولا لغير أمريكا أن تفرض علينا دستورًا يمسخ هويتنا ويشوه حقيقة انتمائنا وديننا وغير ذلك من خصوصياتنا، نحن متشبثون بهويتنا ولا يعبثن أحدٌ بأمن هذا الوطن بعد ست سنوات من المعاناة المريرة التي سفكت فيها الدماء وخسرنا فيها الكثيرين من شبابنا الكثير من ضباطنا، خسرنا فيها الكثير من الشهداء خسرنا علماء خسرنا فيها قرى ومدناً خسرنا فيها الكثير الكثير، بعد كل هذه التضحيات لا يمكن أن نضحي بديننا و ولا يمكن أن نضحي بهويتنا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد وأن يكشف عنا هذه الغمة، ويصرف عنا هذا البلاء ويجعل كيد من يكيد لهذه الأمة ولدينها في نحره، ومكر من يمكر بها عائدًا عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الحمعة في 27 / 01 / 2017م


تشغيل

صوتي