مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 18/11/2016

خطبة د. توفيق البوطي: بين يدي عبق ذكرى المولد


بين يدي عبق ذكرى المولد
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في وصف نبيه المصطفى r : ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( ويقول سبحانه: ) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( ويقول جلَّ شأنه في وصفه أيضًا: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين( وعن أبي هريرة t قال قال رسول الله r: «إنما أنا رحمة مهداة». وعن أبي هريرة t أيضاً قال قيل يا رسول الله: «ادع الله على المشركين، قال إني لم أبعث لعانًا، إنما بعثت رحمة»، وروى جابر t عن النبي r قال: مثلي ومثلكم كمثل كرجل أوقد نارًا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها، وهو يذبهنَّ عنها؛ وأنا آخذ بحُجَزكم عن النار وأنتم تفلّتون من يديّ».
أيها المسلمون، بين يدي عبق ذكرى مولد المصطفى e وشذى تلك الذكرى العظيمة من الملائم أن نعود فنتصفح شمائل المصطفى r وخصائصه وسيرته العطرة، لنوثق الصلة به، ولتتوطد المحبة في قلوبنا له، ولنكون أشد حرصًا على الاقتداء بهديه، ألم يقل ربنا تبارك وتعالى )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا( ألم يقل ربنا تبارك وتعالى: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( وفي عصرنا هذا حيث تحرص الدوائر المعادية للإسلام أن تظهر الإسلام للجهلة به من أبناء أممهم وشعوبهم ومن الجهلة من أبناء أمتنا بصورة منفرة، بصورة مشوهة. نحن اليوم بأشد الحاجة إلى أن تكون الصورة لدينا صحيحة، وأن تكون معرفتنا بالنبي r وبديننا معرفةً سليمةً دقيقة، فكثيرون هم ضحايا جهلهم برسول الله r ولو عرفوه لما كانت منهم تلك المواقف السلبية، أنا لا أعمم إنما أقصد الشعوب، كثيرون أولئك الذين لو حظوا بمعرفة رسول الله r بصورة صحيحة لكانت لهم مواقف إيجابية وجيدة قد تصل بهم إلى الهداية والإسلام. ولقد التقيت بكثيرين ممن ليسوا مسلمين، وممن كانت لهم مكانة؛ وعندما عرضْتُ بعض معالم شخصية المصطفىr قال لي أحدهم، ليتني كنت أعرف ما تقول قبل أن أسافر لتلك البلاد، أي أنه عندما رأى بعض المسلمين نفر من الإسلام، ولكنه عندما عرف حقيقة الصورة الإسلامية من خلال شخصية المصطفى r ومن خلال الشريعة السمحاء التي بُعث بها؛ ندم أن لم يكن قد تعرف على الإسلام قبل أن يتعرف على المسلمين، وللأسف. كيف وقد وظفت اليوم وسائل الإعلام وشبكات التواصل وغيرها من قِبَل الأدوات القذرة التي صنعتها الدوائر المعادية لتشويه الإسلام وباسم الإسلام، لمحاربة الإسلام وتحت راية الإسلام المزعومة. لا تؤخذوا بالشعارات، ولا ينبغي لعاقل اليوم أن يخدع بالشعارات المرفوعة، فهي شعارات مضللة، ورفع الشعارات المضللة آلة من الآلات ووسيلة من الوسائل التي يستخدمها اليوم أعداء الإسلام لمحاربة الإسلام.
أيها المسلمون؛ شخصية النبي r فيها معالم لو تأملها الإنسان لرأى أنها جامعة لكل معاني الحسن والسمو والخير، فهو الكرم، وهو الرحمة، وهو الشجاعة، وهو الإحسان، وهو اللطف والرقة والعذوبة، وهو الحرص علينا على الإنسان كله، ربنا تبارك وتعالى وصفه فقال: )لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ( والخطاب هنا لأمة التبليغ، وليس لأمة الهداية، أي للبشرية كلها، لقد جاءكم؛ أي للبشر كلهم رسول منكم أي من الناس حريص عليكم يخشى عليكم الهلاك، يخشى عليكم العنت، حريص عليكم أن لا تتقاذفكم أودية الضلالة وأسباب التعاسة والشقاء، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ الرأفة والرحمة شيء زائدٌ على حسن المعاملة. ولكن حسن المعاملة حقٌ لكل إنسان، وواجب علينا تجاه كل إنسان، وفي الآية الأخرى )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ( لمن؟ للمشركين..للناس كلهم )وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاورهم في الأمر( الكلمة موجهة إلى معاملة الإنسان مسلمًا كان أم غير مسلم، وللمسلمين خصوصيات في التعامل، لقد لخَّص لنا ربنا تبارك وتعالى رسالة النبي r وشخصيته في الآية القرآنية التي بدأتُ بها الخطبة: ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( قال: للعالمين أي العوالم كلها، المسلمين وغير المسلمين من البشر، للناس ولغير الناس، للأحياء وللجمادات، لكل شيء. النبي r كان رحمة بالخليقة كلها وبالعوالم كلها، والمتأمل في سيرته، يدرك هذا المعنى من خلال كيفية تعامله ولطف معشره وأخلاقه، لم يخصص الله تعالى الرحمة هنا للمؤمنين، بل قال: )رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ


تشغيل

صوتي