مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 21/10/2016

خطبة د. توفيق البوطي: الوعي


الوعي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ( وقال سبحانه: ) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (
أيها المسلمون؛ تحدثت في الأسابيع الماضية عما يجب أن يتحقق فينا؛ لنتجاوز الحالة البائسة أو ما يسمى بالأزمة التي نعاني منها، فذكرت الإخلاص لله تعالى في أعمالنا وعبادتنا وأنشطتنا، وذكرت العلم الذي يصحح عقيدتنا ويصحح عباداتنا ويضبط تصرفاتنا وأنشطتنا، ونتحدث اليوم عن الأمر الثالث، عن مدى الحاجة إلى الوعي لتجنب الوقوع في شباك المؤامرات التي تحاك ضدنا، وترسم لتمزيق وجودنا، تمزيق مجتمعنا، والحيلولة دون تحرير إرادة الأمة ولمصادرة قرارها الذي يحقق قوتها ومصالحها. وقد أمرنا ربنا تبارك وتعالى أن نكون على حذر من كيد عدونا المتربص بنا، ومن المخذّلين الذين يخدمون العدو من حيث يعلمون، أو من حيث لا يعلمون.
أيها المسلمون؛ إن علينا أن نتمتع بالوعي بعد توافر المعرفة الشرعية التي تضبط تصرفاتنا وتصحح عقيدتنا، وبعد ترسيخ معاني الإخلاص لله سبحانه وتعالى في كل شؤننا من خلال تربية ربانية تسمو بنا إلى مراقبة الله سبحانه وتعالى والإخلاص لوجهه الكريم في كل تصرفاتنا، لابد لنا من وعي نتسلح به لفهم واقعنا، ومعرفة المخاطر التي تحيط بنا وتحاك لنا. فأمتنا اليوم وللأسف- تسير بخطىً حثيثة ضمن المخطط الذي يرمي بها إلى مهالكها، فهي تنفذ تلك الخطط بكل دقة، ودون إدراك ووعي لعواقب ما يترتب على ذلك والمخاطر التي وقعت فيها. من ذلك؛ عرض الإسلام من خلال ما نراه على الساحة اليوم بصورة تؤدي إلى تنفير الناس منه وتشويهه وبعث حالة من الاشمئزاز من التصرفات التي توضع عليها عناوين إسلامية، والجرائم الوحشية التي تحمل اسماً إسلامياً، ومن ثَمَّ تعطي العدو الحجة لمقاومة الدعوة الإسلامية الصحيحة بكل صورها وأشكالها السليمة، يعرضون إسلاماً صنعوه هم، مشوهاً منفراً لكي يسوغوا بذلك محاربة ومقاومة الإسلام الصحيح الذي أنزله الله عزَّ وجل، وبذلك تستطيع تلك القوى المتآمرة تقطيع أواصر التضامن والتعاون بين المسلمين على مستوى الشعوب، وعلى مستوى الحكومات والأفراد، من خلال خلق تناقضات فيما بين أطيافهم وفيما بين دولهم، وتخلق تناقضات بينهم لأسباب اقتصادية ولأسباب دينية ولأسباب سياسية؛ كل ذلك لإيجاد حالة من الصراع الذاتي فيما بين المسلمين أنفسهم. هذه التناقضات تحقق حالة عدم الاستقرار الذي هو شرط لنمو الأمة الإسلامية وقوتها وسعادتها وتطورها وتقدمها حضارياً ووحدة كلمتها سياسياً على كل الصعد. إيجاد التناقضات بين الشعوب والحكومات الإسلامية من جهة، وبين الحكومات الإسلامية ذاتها من جهة أخرى، هو قرار أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية قبل ربع قرن. نعم هو قرار بناء على تقارير من مكتب الأمن القومي الأمريكي. وهذا الكلام كان قد تحدث عنه خطيب هذا المنبر، الشهيد رحمه الله، وأشار إليه إبان حصول تلك القرارات السرية التي سربت ووصلت إلينا. وها هي ذا تنفذ فيما بيننا، وتحدث الحالة البائسة التي نعيش فيها؛ لأننا نفتقر إلى الوعي الذي يصحح سلوكنا ويقوم تصرفاتنا ويصحح علاقاتنا فيما بيننا. نعم، هم صنعوا الإرهاب ودعموه وسلحوه ثم احتجوا به للتدخل في شؤون عالمنا الإسلامي وشؤون بلادنا هذه، أدواتهم في تحقيق ذلك دمى تسمى زعامات في الدول الإسلامية.
منذ القديم طرحوا فكرة مقاومة الإرهاب، دون أن يعرفوا ما هو الإرهاب، فممارسات العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وسلبه حقوقه في أرضه في مزارعه في مصالحه التي يملكها هو، هذا ليس إرهاباً، ودفاع الفلسطيني عن حقوقه هذا هو الإرهاب، دفاع الأمة عن حريتها عن استقرارها عن وحدتها هذا إرهاب، وفرض النفوذ الأجنبي ومصادرة الثروات ومصادرة القرار للدول الإسلامية لا يسمى إرهاباً. أما إذا سعت الأمة الإسلامية لتكون لها السيادة على أرضها، وقرارِها في اقتصادها وفي شؤونها الخاصة، هذا يسمى تصرفاً إرهابياً. وقد كان قد سعى قادة هذا البلد منذ القديم لبيان تعريف الإرهاب، لكن الأعداء لا يريدون تعريفه؛ لأن تعريفه سوف يجعله منطبقاً عليهم هم. فهم الإرهاب وهم صانعوه، من الذي يصنع الإرهاب؟ ومن أين له هذا السلاح الذي يمارس فيه ألوان الجرائم في بلادنا، في المنطقة الشرقية وفي المنطقة الجنوبية وفي غيرها من المناطق، والتي اتفقت الدول على أن تسميها منظمات إرهابية، من أين له هذا السلاح؟ من أين له هذه القوة؟ من أين جاءته الموارد البشرية؟ من أين له الثروات المالية؟ من الذي يدعمه؟ ومن الذي يؤيده؟ هم صنعوه، ثم أطلقوا عليه اسم الإسلام، ثم شوهوا به الإسلام ليقاوموا الإسلام وليحاربوا الإسلام.
ترى ذلك النجدي الذي يقبع في مكان ما من سورية، والذي جاء ليجاهد عندنا بدلاً من أن يجاهد اليهود في فلسطين، وبدلاً من أن يجاهد القواعد الاستعمارية الأمريكية حول بلده. ما الذي جاء به؟ عندنا عمله يسمى جهاداً، وفي الدفاع عن فلسطين وعن شعبها وعن غزة وعن المسجد الأقصى لا يسمى جهاداً. هم صنعوه وهم صدروه إلينا لكي يوجدوا التناقضات في مجتمعنا، وشعبنا بسيط وللأسف- يصدق كل ناعق وينساق وراء كل صائح.
الإرهاب في المصطلح الذي أرادوه هم صنعوه، ثم وضعوا عليه لصاقة إسلامية؛ ليبرروا بذلك تنفير الناس من الإسلام واستدراج الحمقى من أبناء شعبنا لينساقوا وراءه. ولا أدري هل الذي يجري في سورية خدمة للإسلام!، وهل الرموز اليسارية الملحدة، والرموز العميلة التي ربيت في فرنسا وبريطانيا وأمريكا، هل هي سدنة للدولة الإسلامية! أجل هم سدنة لما يسمى الدولة الإسلامية.
والمهم بالنسبة لما يجري توفير مصالح للعدو الغربي بكل أطيافه في ثرواتنا. هم يريدون أن تكون هذه الثروات لهم؛ ولذلك صنعوا حادثة الحادي عشر من أيلول، واستخدموا بعض الحمقى والمغفلين ليتبنوا تلك الجريمة، ثم بعد خمسة عشر عاماً انتبهوا إلى محاسبة من قام بهذا العمل – كدولة وليس كأفراد-. هم صنعوها، وهم ركبوا الموضوع من أوله إلى منتهاه، وهناك أدلة دامغة تدل على ذلك. لكن لابد من أن يستخدم التضليل للوقوع في الشباك، وللأسف حتى هذه الساعة هناك من يصدق أن ما جرى في الحادي عشر من أيلول هو جهاد.
المهم أن تتوفر لهم مصالحهم في ثروات بلادنا أولاً، والمهم أن تظل المنطقة في حالة اضطراب لأن استقرارها هو المناخ الذي يستطيع فيه أبناء بلادنا من خلاله أن يتحاوروا ويرسموا لأنفسهم مستقبل بلادهم وحماية مصالحهم، والمهم توفير مناخ الأمن لتلك الدويلة المسخ دويلة شذاذ الآفاق لتكون متمكنة في أرضنا، تفرض قراراتها علينا، ونحن بغبائنا ننفذ مخططهم ونجعلهم يبتسمون رضىً بما يجري بيننا، نجعلهم سعداء بما يجري فيما بيننا، ما أظن أن تلك الدويلة المسخ سعدت في تاريخها كما تسعد اليوم بالتناقضات التي تجري على الساحة فيما بيننا، المهم توفير مناخ الأمن لها، و التمكن من أن تفرض قرارها على منطقتنا. متى نعي وندرك أن أقدامنا تُسير إلى حتوفنا، وإلى شقائنا وتعاستنا؟ إن قضية الوعي أمر قد فرضه الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن تكون يقظة، )خُذُوا حِذْرَكُمْ( هكذا أمرنا أن لا نلقي السلاح، وأن نكون حذرين من مؤامرات عدونا، ومن مكائد عدونا وأمرنا دائماً في أن نكون في حالة يقظة لما يُكاد لهذه الأمة، ولما يُرسم لها من مخططات. وعندما حذّرنا مما يجري في الساحة في هذه المنطقة وُصف الشهيد الذي حذر بأنه من علماء السلطة، والآن تبين _أعتقد_ لكل ذي عقل ماذا كان يحذر منه وما المخاطر التي كادت ترسم لأمتنا وها نحن نرى بصيصها. نعم نحن في محنة، نحن في أزمة وسنتجاوزها بإذن الله، سنتجاوزها بعون الله، )إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا #وَأَكِيدُ كَيْدًا # فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا(
أستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 21/10/2016


تشغيل

صوتي