
الدكتور محمد توفيق رمضان


الخطيب:
التاريخ: 14/10/2016
العلم
بسم الله الرحمن الرحيم
العلم
14-10-2016
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم لنبيه r ونحن من بعده: ) وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ( ويقول سبحانه: ) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (وقال جلَّ شأنه: ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ( وروى الشيخان عن النبي r أنه قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » أي أن التفقه في الدين علامة على سعادة المرء وفلاحه. وروى مسلم أن النبي r قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه" وروى ابن حجر في المطالب العالية عن النبي r بإسناد صحيح أنه قال: «من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار، ومن قال في القرآن بغير علم جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار»
أيها المسلمون؛ أشرت في أسابيع مضت إلى أن معاناتنا تعود إلى أسباب؛ من أخطرها افتقار الأمة وفي مقدمتهم علماؤها إلى صفة الإخلاص لله سبحانه وتعالى في المواقف والتصرفات والأقوال والبيانات. والأمر الثاني الذي يفتقرون إليه، وهم إذا ما أرادوا ان يعالجوا مشكلتهم ينبغي أن يحققوه لأنفسهم؛ هو العلم. وأقصد التفقه في الدين، لأن افتقارنا إلى المعرفة العلمية في معالجة قضايانا وفي أحكام تصرفاتنا يؤدي إلى التخبط وإلى كثيرٍ من الأخطاء، والناحية الثالثة هي الوعي. وحديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عن ضرورة التفقه في الدين، إذ من أخطر ما تعاني منه الأمة اليوم الجهل بشريعة الله، حتى غدا أحد أخطر أسباب أزمتنا ومعاناتنا. وكثيرون يلبسون مظاهر العلماء وليسوا بعلماء، اتخذهم الناس أئمة في دينهم فضلوا وأضلوا، والعالم الصادق إن تحقق لديه وصف الإخلاص في علمه لله سبحانه وتعالى كان على يده النفع العظيم. وإنما أصيبت الأمة اليوم بما أصيبت به بسبب الجهل، ولأضرب أمثلة على ذلك؛ من أمثلة ذلك ما سوغ البعض به إثارة الفتنة باتهام خصومهم من ولاة أو غيرهم بالكفر، ثم لما كفَّروهم جعلوا ذلك مسوغاً للخروج على ولي الأمر، ثم لما خرجوا جعلوا ذلك مسوغاً للقتل بتهمة الردة عن الدين، وكل ذلك دون أي مستند شرعي صحيح. كل ذلك خطأ وليس له مستند شرعي. فليس لنا أن نكفر، وليس لنا أن نخرج، وليس لنا أن نستبح الدماء. وإنما جرى كل ما جرى بسبب جهل أو بسبب تزييف للحقائق وتزوير للأحكام الشرعية. طبعاً هم سوغوا بتلك الفتاوى إثارة مظاهر الفوضى والشغب مما جعل الوضع العام مضطرباً بين أفعال وردود أفعال أدت إلى الكثير من سفك الدماء والتشريد وغير ذلك مما لا يخفى على أحد. ولو رجع هؤلاء إلى الشرع الحنيف والقواعد الشرعية لوجدوا أن كل ذلك لا يباح بوجه من الوجوه، فالاتهام بالكفر من أخطر ما يجب تجنبه، والنبي r هو القائل فيما صح عنه «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» ظاهر الكلام أنه إذا اتهم صاحبه بالكفر ولم يكن كذلك فهو الكافر. ومع ذلك فإن الإمام النووي لا يبيح لنا أن نقول لمن كفر أخاه أنت كافر، مع أن ظاهر الحديث يشير إلى ذلك. هناك قواعد في التكفير ألّف فيها علماؤنا كتباً مهمة. ولو ثبت الكفر فإن ذلك لا يسوغ التصرفات التي بنيت على ذلك، لأن انكار المنكر يجب أن لا يترتب عليه منكر أكبر. ولو أنهم تأملوا في القواعد الشرعية لوجدوا أن الخروج على ولي الأمر قد أجمع العلماء على منعه وتحريمه، فالإمام النووي وكثيرون من الأئمة نقلوا الإجماع على منع الخروج على ولي الأمر وتحريمه. ولو توافر لديهم شيء من الوعي الذي سنتحدث عنه بتفصيل إن شاء الله؛ لعلموا أنهم بذلك إنما ينفذون مخططاً للعدو المتربص بأمتنا يهدف إلى إهلاك الأمة وتدمير الوطن. وقد روى الطبراني بإسناده عن زُر بن حبيش، قال: لما أنكر الناس سيرة الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فزعوا إلى عبد الله بن مسعود، فقال لهم: اصبروا، فإن جور إمامٍ خمسينَ عاماً خيرٌ من هرج شهر، [جور إمام خمسين عاماً – لو فرضنا أنه ثمة جوراً- جوره خمسين عاماً خير وأهون على الناس من فتنة شهر] ذلك أني سمعت رسول الله r يقول: لابد للناس من إمارة برّة أو فاجرة، فأما البرّة فتعدل في القَسم، ويُقسم بينكم فيؤكم بالسوية، وأما الفاجرة فيبتلى فيها المؤمن، والإمارة الفاجرة خير من الهرج، قيل يا رسول الله؛ وما الهرج؟ [-وكأنه يرانا ويرى أمتنا ويرى واقعنا-] قال: القتل والكذب" ما جرى من الكذب في هذه الفتنة لم يسجل التاريخ له نظيراً، وما جرى من الافتئات والافتراء في الساحة الإعلامية، وفيما بين الناس لم يُسبق إليه في التاريخ، ولكن الناس، وللأسف، وقعوا تحت تأثير من تظاهروا بالعلم وليسوا على علم، أو أنهم كانوا على علم استخدموه في التزوير والتدجيل والتحريف، هم كانوا على علم، ولكنهم افتروا على شرع الله خدمةً لمن ارتهنوا ورهنوا أنفسهم من أجلهم واسترضاء لهم، تحقيقياً لمصالح دنيوية خسيسة. وتجلت منهم مواقف عرف كل ذي عقل، عن هؤلاء الذين يسمون علماء وهم علماء سوء، أنهم غدوا أدوات رخيصة في خدمة البرنامج الذي أهلكنا والذي وضعته جهات معادية للأمة بغية القضاء عليها. ولعل من أبرز الأهداف التي هدفت إليها هذه الفتنة محاربة الدين تحت راية الدين، محاربة الإسلام باسم الإسلام، حتى غدا الإسلام اسماً مرعباً في الإعلام العالمي، لأنه يقترن بالقتل وسفك الدماء ونشر الفوضى والاضطراب. طبعاً هم فعلوا ذلك وأفتوا بما أفتوا به من قتل وسفك للدماء لينسب ذلك للدين، و ليقف الجهلة من الجهة المقابلة من الدين موقف العداء والمناوأة طبعاً.
ومن أمثلة الفتنة في هذا العصر- ولا أعني بالفتنة الأحداث التي نعاني منها ولا زلنا فقط - بل هناك تضليل عجيب، سبب وقوع الناس في شباكه جهلهم بدينهم. من مظاهر ذلك، إفتاء البعض بصور كثيرة من المعاملات المالية الباطلة كالربا وغيره، فقد وقع الناس في الربا بفتاوى صدرت إما عن أناس يدعون العلم وليسوا بعلماء، وإما عن أناس يعرفون وينحرفون، خدمةً لجهات تريد أن تحقق تشويه أحكام الشريعة الإسلامية. هذه صورة، وثمة صور أخرى من الفتاوى التي تخالف شرع الله في أحكام الأسرة والميراث والأحوال الشخصية. هم يريدون أن يفرغوا هذا الجانب الذي لايزال فيه بقية باقية من شرع الله يريدون أن يفرغوه من شرع الل،ه ويخضعوا بلداً له سيادة وله قيادة وله قوانين وله منظومة تشريعية متكاملة يريدون أن يخضعوه لاتفاقات دولية هي لهم وليست لنا، يهدفون من خلالها إلى تقويض البناء الاجتماعي وتدمير الأسرة وتمزيق المجتمع. - بلدنا هنا اتخذ تحفظات على تلك الاتفاقيات الدولية طبعاً- يأتي اليوم من يريد أن يرفع تلك التحفظات وباسم الشريعة الإسلامية؛ لكي يذيب المجتمع في تلك الأنظمة الفاسدة التي أفسدت المجتمعات الغربية، ويعاني المجتمع الغربي منها المرارة والتفكك والانهيار. هم لا يريدون أن يصلح أمرهم، لأنه لن يصلح أمرهم مالم يكن الأمر مستنداً إلى قواعد دينية. هم لن يستطيعوا أن يصلحوا أوضاعهم إلا إذا صاروا مسلمين، وهم لا يريدون الإسلام، لذلك هم يقولون: (إذا متُّ ظمآناً فلا نزل القطر)، إذن ينبغي أن نهلك المجتمعات الأخرى كما نهلَك، وأن ندمر المجتمعات الأخرى كما ينهار مجتمعنا. لذلك يصدّرون إلينا أسوأ مفاسدهم وأمراضهم الاجتماعية لكي يهلك مجتمعنا كما يهلك مجتمعهم، وهناك منا وللأسف من يتبرع ويسوغ ذلك باسم الشرع وباسم الدين.
كل ذلك يمكن أن ينطلي على الناس بسبب الجهل. ولا منجاة من هذه الأمور إلا بأن تكون لدينا حصيلة من علم وفقه تحمينا من الفتن وتحمينا من المعاملات الفاسدة، وتحمينا من الانحراف الاجتماعي، وتحمينا من كل مفاسد العصر التي يعد الجهل أحد أخطر أسبابها.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين وأن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
تشغيل
صوتي