مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 30/09/2016

في رحاب العام الهجري الجديد


بسم الله الرحمن الرحيم
في رحاب العام الهجري الجديد
30-9-2016
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ # الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ( وقال سبحانه: )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( وقال في وصف من عاند وأصرَّ على ضلاله من الكفرة حتى لقيَ عذاب الله يوم القيامة قال في وصفهم: )وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ( وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن ابن عمر وعن سهل بن سعد أنه: جاء جبريل إلى النبي r فقال: «يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، ثم قال: يا محمد؛ شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس» هذا الحديث مروي عن سيدنا جابر t في المطالب العالية؛ أي أنه مروي عن ثلاثة من الصحابة y، وروى الحاكم أيضاً عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r لرجل وهو يعظه:« اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»،
أيها المسلمون عام من حياتنا انصرم ومضى، ونحن نعلم كم مضى من عمرنا، أو هكذا ينبغي. وعام جديد هو مقبل ولا أحد من الخلق يعلم كم بقي لنا من أيام هذه الحياة الدنيا، فقد نعيش إلى مثله وقد لا نعيش. وكم ممن كان معنا في مثل هذا اليوم من العام الماضي مضى إلى ربه ولم يعد بيننا. وليس من أحد مخلد في هذه الحياة؛ لأن الخالق سبحانه قد قضى قضاءً مبرماً لا رادَّ لقضائه فقال: )كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ( أجل عام من حياتنا مضى بما كنا قد ضمَّناه فيه من صالح الأعمال أو غيرها.
عادة التُّجار ورجال الأعمال في مثل هذه المناسبة أن يعودوا إلى حساباتهم للقيام بجردٍ يعرّفهم الربح والخسارة، وهو تصرف سديد وصحيح؛ ولكن أيهما أجدر بالعودة للمراجعة، حساب الدنيا وهي زائلة أم حساب الآخرة والتي لا مفر منها؟ لعل التاجر أو الصناعي يلحظ خسارة، فيتمكن من أن يستدركها في الخطة القادمة؛ ولكن إذا مضى العمر كيف يستدرك المرء منا خسارته؟ يقول سبحانه: ) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ( ولذلك قال r: «الكيّسُ – العاقل الفطن - مَن دَانَ نفسَه وعمل لما بعد الموت، والعاجز- الأحمق _ من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله» ويقول سيدنا عمر t: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخِفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا" أجل، علينا أن نعود إلى أنفسنا فنحاسبها.
وفي مثل هذه المناسبة علينا أن نستعرض العام الذي انصرم من حياتنا بما فيه من خير أو شر، من صالحات أو غيرها، فما وجدنا فيها من خير حمدنا الله سبحانه وتعالى أن وفقنا له، وسألنا الله تعالى أن يتقبل، ويعيننا على المداومة على ذلك. وما وقعنا فيه في معصية أو شر ندمنا وأسفنا واستغفرنا، وتبنا توبة صادقة، عازمين على أن لا نعود. ونجأر إلى الله عزَّ وجل أن يغفر لنا وأن يتوب علينا لأنه ) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ( فقبل أن نرى شرور أعمالنا غداً يوم القيامة لنستدرك في الدنيا ولنستغفر ولنتب، فربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: )وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ- لا يعصون الله بأي من المعاصي التي ذكرها وغيرها- وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا # يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا – هذه عاقبة الكفر والمعاصي – # إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ، وهل أعظم إكراماً ورحمةً وعطاءً من هذه البشارة التي يبشر الله بها عباده المقبلين التائبين النادمين المصححين لمسارهم، يقول لهم:- فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ -كانت صفحته مليئة بالسواد، فإذ ندم على ما كان قد فعل، وصدق في ندمه وصدق في توبته؛ يبدل الله تلك الصفحات إلى صفحات كلها حسنات بفضل توبته الصادقة واستغفاره الواجف الذي عاد به إلى ربه سبحانه وتعالى- وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا # وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا(
أيها المسلمون علينا أن نراجع ما انصرم من حياتنا، وأن نحاسب أنفسنا في سلوكنا الشخصي المتعلق بذواتنا سواء فيما يتعلق بحق الله أو فيما يتعلق بحق الخلق وأن نتأمل أيضاً مدى التزامنا بمسؤولياتنا تجاه أسرتنا، تجاه الزوجة والابن والبنت، والأخ والأخت، والأم والأب. أن نراجع مدى التزامنا بحقوقهم، وقيامنا بشؤونهم على النحو الذي أمر الله سبحانه وتعالى: )قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ( احفظوا أنفسكم لا تعرضوا أنفسكم لسخط الله عزَّ وجل سواء في حقوق الأبوين، أو حقوق الأولاد، أو حقوق الإخوة والأخوات، أو حقوق الأرحام. إنها حقوق مطلوبة منا، وعلينا أن نلتزم بأدائها على النحو الذي أمر الله سبحانه وتعالى به، كذلك هناك حق المجتمع حق الأمة، نحن مسؤولون عن أنفسنا، وعن الدائرة الصغيرة في مجتمعنا وهي أسرتنا، وعن الدائرة الأكبر وهي الأمة برمتها، عن مجتمعاتنا، أما أمر مجتمعنا فهو أمر عظيم ومسؤولياتنا عن مجتمعنا هي في الحقيقة أثر أو استكمال لمسؤولياتنا عن أسرتنا؛ فمن عني بأسرته انعكس اعتناؤه بأسرته على المجتمع برمته، ومن قصر في عنايته بأسرته انعكس تقصيره هذا على المجتمع برمته، لأنا إذا ربينا أبنائنا وبناتنا على الفضيلة والاستقامة والخير قدموا لهذا المجتمع الخير والإيمان والصلاح والاستقامة، وإن نحن أهملنا تربيتهم وتركنا الحبل على الغارب ليعيثوا في الأرض فساداً انعكس ذلك على مجتمعنا نحن. هذا فضلاً عن المسؤوليات المتعلقة بالمجتمع بصورة مباشرة.
لو أننا عدنا سنواتٍ مضت إلى أنفسنا، عندما صاح الصائحون لِبَثِّ الفتنة في بلدنا ونشر الفوضى بين أبنائه، وبث الكراهية بين أبناء هذا المجتمع وتحت شعارات مضللة، قلنا: إنها شعارات مضللة فلم يصدقوا، وقلنا: إنها مؤامرة لتقويض مجتمعنا وتدمير وطننا؛ فسخروا من كلامنا. زيَّنوا لأبناء وطننا خطةً لتدميره وقتل هذه الأمة؛ من خلال الوقوع في شباك برنامج مُدَمر، عودوا الآن بعد خمس سنوات ونيف؛ عودوا بالذاكرة إلى هذه السنوات الخمس والحصيلة التي وصلنا إليها، وعودوا أيضاً وتأملوا النصائح التي وجهت إلينا بعدم السقوط بهذا المستنقع القذر، عندما نصحنا الناصح حرصاً علينا ورحمة بنا؛ ولكن كان الكثيرون من أبناء وطننا من أبناء مجتمعنا ممن صدق فيهم قوله سبحانه )يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ( ما هي الحصيلة؟ حصيلة الإصلاح! حصيلة الحرية! حصيلة الجهود البناءة في خدمة العدو في تدمير الوطن، في نشر الكراهية، في فتح حدود بلادنا لأصناف الأعداء. عرس عند اسرائيل لما أصابنا من خطة رسمتها هي ومن تحالف معها. خسرنا أبناءنا، خسرنا بيوتنا، خسرنا أهلينا، خسرنا أحباءنا، خسرنا المودة التي كنا نتمتع بها. على أننا لا زلنا في الحياة الدنيا وبوسعنا أن نستغفر، وبوسعنا أن نعود إلى صوابنا ورشدنا، وبوسعنا أن نقول لهؤلاء الذين شردوا: أغمدوا سيوفكم، هذه السيوف لا يصلح أن توجه إلا إلى العدو، إلا إلى اليهودي الذي يقبع في المسجد الأقصى، ويقتل أبناءنا هنا وهناك. ما ينبغي أن نوجه سلاحنا في صدور إخواننا، ما ينبغي أن نقتتل فيما بيننا.
مع انتهاء عام وابتداء عام؛ علينا أن نراجع حياتنا الشخصية الفردية، وحياتنا الاجتماعية، وواقعنا الذي وصلنا إليه. ثم نحلل الأسباب والأخطاء والنتائج، ثم نبحث عن طريق العودة الراشدة إلى السبيل الأقوم. أجل نحن بحاجة إلى مراجعة الذات، لا من أجل خاطر زيد أو عمر؛ ولكن من أجل موقفنا بين يدي ربنا غداً يوم القيامة وسألنا عن تفريطنا وعن تضيعنا للأمانة، سواء تضييعنا لأبنائنا وبناتنا؛ أو تضييعنا لمجتمعنا وعلاقاتنا الاجتماعية، كل ذلك نحن محاسبون عليه؛ لكن أن تستدرك الآن خير لك من أن تلقى الله ثم تقول:) رَبِّ ارْجِعُونِ # لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ


تشغيل

صوتي