مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 12/08/2016

خطبة د. توفيق البوطي: أمور هامة لا بد منها لتجاوز الأزمة



خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي
أمور هامة لا بد منها لتجاوز الأزمة
12/8/2016
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ويقول سبحانه: )إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ( ويقول سبحانه: ) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ويقول جلَّ شأنه ) لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ( روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: «والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب نفوسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ».
أيها المسلمون، تعاني أمتنا منذ أكثر من خمس سنوات من حرب كونية، تألبت فيها قوى الشر، وعصفت بها فتنة سوداء نشرت القتل والدمار. ولا داعي لبيان زيف الشعارات المضللة التي رفعتها هذه الفتنة، إذ لم يعد فيما أعتقد أحدٌ تنطلي عليه تلك الشعارات المضللة التي ترفع هنا وهناك، فالإسلام ليس استباحة للأعراض والدماء، والإسلام ليس تخريباً ولا تدميراً للمنشآت والبيوت والمصانع. والحرية لا تستورد من اسرائيل ولا يمكن لإسرائيل ولا لأمريكا أن تكون وصية على إصلاح وطننا ولا على حرية شعبنا، إنما الذي يجري تشويه للإسلام وتدمير للوطن وسفك للدماء ونشر للفتنة والقتل، وهو أمر قد أشار النبي r إلى ظهوره في هذا الزمان، إذ قال فيما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي r قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل »
أيها المسلمون، ونحن نعيش الحالة المأساوية التي تعاني منها أمتنا، ونرى ما يجري من حولنا، وكأن وطننا هذا بحاجة إلى وصاية من فلان أو من الدولة الفلانية ليتدخلوا في شأن أمتنا، وفي طرح شعارات الحرية والإصلاح على أبناء وطننا، وتحت هذه الشعارات يدمّر الوطن وتقتل الأمة، وتسفك دماؤها. نحن هنا لسنا بحاجة إلى وصاية من دول مجاورة، ولا من دول بعيدة، نحن هنا أمة علّمت الأمم الحرية، نحن هنا أمة كريمة تعلم البشرية كلها معنى الكرامة، فلا داعي لأن يتدخل في شأنها من ليس منها، ولسنا بحاجة إلى وصاية، فلقد ركلنا من فرض علينا الوصاية بأقدامنا وطردناهم من أرضنا. ودماء شهدائنا الذين بذلوا الغالي والرخيص في مواجهة الاستعمار الفرنسي لا ننساها، نحن هنا شعب كريم يستطيع أن يبحث عن مصلحته ويصلح شأنه، ولسنا بحاجة لوصاية من أميركا ولا من إسرائيل ولا من غيرهما. إن ضمانة سلامة هذه الأمة. إنما تتحقق بأمور:
الأمر الأول: علم يوضح للناس الحق والباطل والصدق والكذب في ديننا، والمؤسسات التعليمة الشرعية والمساجد مسؤولة عن تحقيق ذلك، والعلماء المخلصون يجب أن يوضحوا وجه الحق في المواقف والأوضاع.
ثانياً: وعي يجعلنا ندرك حقيقة ما يجري، وهل هو جهاد أم مؤامرة تستهدف إجهاض الجهاد. إن السلاح الذي في أيدي أبناء أمتنا يجب أن يوجه إلى جهة واحدة فقط، إلى العدو الرابض على أرض فلسطين والمتربص بأبناء أمتنا، ولا يجوز أن يوجه سلاح المسلم إلى أخيه المسلم، ولا سلاح السوري إلى صدر أخيه السوري. إن ما جرى قد عصف بالمجتمع بل بالأسرة الواحدة، حتى غدا الأخ يقتل أخاه والجار يقتل جاره، وذلك إن دل على شيء فهو يدل على أننا كنا نفتقر إلى وعي يعصمنا من تلك النتائج المؤذية والمؤلمة، وأعتقد أن أمتنا قد استيقظت ووعت وأدركت أنها مؤامرة وليست إصلاحاً، الإصلاح لا يتم بتدبير من نتنياهو، والإصلاح لا يتم بمفاوضات بين عملاء يحملون أسماء سورية ويتعاملون مع العدو الصهيوني، الإصلاح والحرية شيء قائم في بلادنا في دمائنا في حياتنا ولا نستورده من عدونا. وليس وصاية تأتي من دول عظمى أو دول غير عظمى، نحن هنا شعب يعرّف الأمم معنى الحرية ويبني أسساً للإصلاح ولا يستورد الإصلاح.
الأمر الآخر بعد الوعي الذي يجب أن نعرفه جيداً، ويميز مصالحنا مما يضرنا ، وعدونا من صديقنا، يجب أن نتجه بعد ذلك إلى عامل آخر هو القوة العسكرية التي يجب أن تكون، بمقدار مسؤولياتنا وبمقدار الخطر الذي يهدد بلادنا.
أيها المسلمون، جيشنا هو أبناؤكم، هو أنتم، هو هذا الوطن، هو هذه الأمة، وليس بضاعة مستوردة من هنا وهناك أتت لتدمر هذا الوطن ولتقتل أبناءه. جيشنا هم أبناؤكم، هم إخوانكم، هم الذين إن نمت في بيتك مطمئناً فلأن أعينهم ساهرة من أجلك، وإن وجدت أن طعامك يصل إلى بيتك ويؤمن لك أسباب العيش، فلأنهم يجوعون لتشبع، ويواجهون الخطر لتأمن، ويعيشون على الشظف من أجل أن تكون في حالة من الأمان والطمأنينة. جيشنا هم أبناؤنا هم إخواننا هم أهلنا وليسوا غرباء عنا، والذين أرادوا أن يجعلوا الجيش بمنأى عن الأمة هم أعداء الأمة. ولذلك فإننا لابد أن نقول كلمة صادقة؛ بفضل الله تعالى إذ منح هذا الجيش البسالة والصمود في وجه مئات الجبهات، ما أظن دولة في الدنيا مهما بلغت من العظمة والقوة أنها تستطيع أن تواجه الخطر الذي يواجهه جيشنا، أجل والله لقد حدثني واحد من أبناء دولة عظمى أنه لو طافت ببلدهم الفتنة التي تطوف ببلدنا وبالحجم نفسه ثلاثة أشهر لسقطت تلك الدولة، وها نحن نصمد بجيشنا في وجه هذه الفتنة وفي وجه هذه المؤامرة الكونية ما يزيد على خمس سنوات، نقدم الشهداء إثر الشهداء حتى لم يبق بيت من بيوت أبناء هذا الوطن إلا وأصيب بشهيد أو أكثر، استعذبنا الموت، وذقنا مرارة التضحيات، ولكننا لن نسمح لليأس أن يتسلل إلى قلوبنا، ولا للهزيمة أن تصل إلى قطرنا إلى وطننا إلى ديننا إلى أمتنا. سنظل بعون الله ثابتين صامدين صابرين، لن نسمح لليأس أن يتسلل إلى قلوبنا، اليأس يكون لغير المؤمنين، أما المؤمنون فإن ثقتهم بالله وطيدة، وهم يستمدون نصرهم وثباتهم من ثقتهم بربهم عزَّ وجل، وهنا لابد أن نقول إن الله عزَّ وجل يقول: ) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (إن من أمضى الأسلحة في سبيل البلوغ إلى النصر إنما هو سلاح الاستعانة بالله، والاستغاثة به. إذا كان هناك من يواجه العدو بمقدرة جسدية وسلاح فيصمد في وجهه وهو يقدم التضحيات؛ فإن علينا جميعاً أن نجعل من ليلنا سهاماً لا تخطئ نضرع فيها إلى ربنا سبحانه وتعالى أن ينصر جيشنا وأن ينصر أمتنا وأن يثبت أقدامنا ويؤيد أمتنا في وجه أعدائها المتربصين شراً بها.
أقول هناك أمر آخر يجب أن نجعله في مقدمة أسباب النصر والتأييد، إن من أسباب سلامة الأمة وثباتها وصمودها نبذ الفكر الإقصائي الذي تمارسه جهات متطرفة؛ لئن كانت الفئات المتطرفة التي ترفع شعاراً إسلامياً تمثل انحرافاً عن الإسلام وعزلاً للأمة وتشويهاً لدينها وإساءة لها؛ فإن علينا أن ندرك أن كل فكر إقصائي متطرف هو نسخة متكررة عن ذلك الفكر، إن الذين يريدون أن يعزلوا الأمة بفكر متطرف منحرف يحارب الإسلام أو يناهضه هم شركاء للمتطرفين الذين يرفعون زوراً وبهتاناً شعارات إسلامية. الصورة التي تتمثل في الفكر الاقصائي المتطرف الذي يدعي أنه مسلم هو صورة متكررة في أشخاص آخرين يدعون الوطنية ويحاربون هوية الأمة، يحاربون إسلامها يحاربون عقيدتها، أقول هؤلاء وهؤلاء كلاهما ليسوا من الأمة، إن الذين يريدون أن يعزلوا الأمة ويحاربوا عقيدتها إنما يعزلون أنفسهم. نقول: إن أمتنا هذه تتألف من أطياف متعددة وهذا التعدد في أطياف أمتنا هو مصدر غناها ومزية فيها، نعم مصدر غناها ومزية فيها. يمكن أن نحاور نقاط الاختلاف فيما بيننا، ولكن النقطة التي لا خلاف فيها أن هذا الوطن يجب أن يصان، وأن هذه الأمة يجب أن تحقن دماء أبنائها، وأن تحصن هذه الأمة من كل من يريد أن يسفك دماءها أو أن يتربص بها شرا. هذا أمر لا ينبغي أن نسمح بتجاوزه بحال من الأحوال، نقول هناك من يريد أن يفرض تصوراته على الأمة كلها، نحن نقول: نحن كمسلمين نقول لا إكراه في الدين، ونقول للآخرين لن نسمح لكم أن تكرهونا على معتقداتكم الفاسدة ولا على سلوككم المنحرف، وإذا كانت بيننا وبينكم خلافات حول أمور ما؛ مهما كانت، هناك قضية أهم وهي حماية هذا الوطن وحماية هذه الأمة، فإما أن تشاركونا فيها وإما أن تعزلوا أنفسكم، فنحن منهمكون الآن في الدفاع عن الوطن والدفاع عن مقدساتنا والدفاع عن أعراضنا.
إن من أهم مقومات النصر على الخطر الذي يتربص بأمتنا أؤكد مرة ثانية هو صدق الالتجاء إلى الله )إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ( لذلك فإننا نأمل ممن يختلف معنا في معتقداتنا الدينية ويلتقي معنا في مواجهة الخطر الذي يطوف بالأمة أن لا يلغي وجودنا لوجوده، كما لا نلغي وجوده بوجودنا، ولا ينكر فكرنا لفكره كما لا نلغي فكره بفكرنا، وليجعل من الهدف المشترك وسيلة لمواجهة الخطر، ثم إننا نلتقي بعد ذلك لنتحاور حول نقاط الاختلاف والحوار، قد أمرنا الله عزَّ وجل به إذ قال:) وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي