مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 05/08/2016

ومضات من السيرة " إلى الساعين إلى إلغاء مادة التربية الإسلامية "


ومضات من السيرة
" إلى الساعين إلى إلغاء مادة التربية الإسلامية "
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين ( ويقول سبحانه: ) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( ويقول فرعون فيما نقله ربنا جلَّ شأنه من كلامه: ) قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ( روى أبو نُعيم في حلية الأولياء وابن هشام في السيرة في قصة هجرة الحبشة: أن مشركي مكة أرسلوا في إثر المهاجرين إلى الحبشة من أصحاب النبي r من يردهم إلى مكة، وتوجهوا بطلبهم ذلك إلى النجاشي، فلم يرضَ حتى يسمع من المهاجرين، فكان الذي كلمه سيدنا جعفر بن أبي طالب، فقال له: ( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء للجوار ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كان يعبد أباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا عن عبادة الله عزَّ وجل، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، فاخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك).
أيها المسلمون، نحن أما مشهد آخر من مشاهد سيرة المصطفى r، وسأسعى في تحليل هذا المشهد ومقارنته بواقعنا المعاصر.
أولاً: لم يسلك الإسلام إلى قلوب الناس أسلوب الإكراه والقهر، وإنما كان هذا الأسلوب أسلوب مشركي مكة مع من اهتدوا وتمسكوا بدينهم، فقد كان أسلوبهم أسلوب القمع والقهر والاضطهاد، حتى بلغ بهم الأمر إلى استخدام القتل في المسلمين وتعذيبهم والتنكيل بهم. الإسلام لم يسلك أسلوب الإكراه ولا أسلوب القمع والاضطهاد، وما يمكن أن ينسب إلى الإسلام من هذا السلوك هو ليس من الإسلام، هو أمر أريد به تشويه الإسلام، اصطنعته قوى الطغيان الغربي وقدمته ليكون نموذجاً مشوهاً للإسلام، فالإسلام قال فيه ربنا تبارك وتعالى: ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( وقال فيه: )لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( هذا هو الأمر الأول.
الأمر الآخر: دعوة الإسلام بنيت على الحجة والبرهان في أمر العقيدة، فرسول الله r أمره ربه سبحانه وتعالى أن يقول لهم: )قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( وأتاهم بالدليل إثر الدليل على كل ما كان قد دعاهم إليه من أمور العقيدة حول وجود الله وتوحيد الله وبيان صفات الله، وحول اليوم الآخر والبعث بعد الموت، كل ذلك كان يؤيده بالدليل والبرهان. ثم إن الإسلام يهدف إلى بناء مجتمع طاهر، مجتمع نظيف، مجتمع قويم السلوك، مستقيم الأخلاق، يجعل من مراقبة الله وخشيته ومحبته الوازع الذي يحقق جدية الالتزام بمكارم الأخلاق، وكما قيل: (لا أخلاق بلا دين ولا دين بلا أخلاق). لاحظوا فيما قاله جعفر بن أبي طالب t الفرق بين قيم الإسلام ومبادئه وبين ما كانوا عليه في الجاهلية، عندما يقول جعفر: ( كنا أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه) هذا واقعهم؛ يتبعون الخرافة، ويمشون في طريق الضلالة، مسلكهم الإجرام، أخلاقهم دنيئة، عدوانيتهم معروفة، وحروبهم فيما بينهم كانت لأتفه الأسباب وأدناها. وأمر الجاهلية غير خافٍ على من تأمله وعرفه، ولخصه جعفر بن أبي طالب فيما قلت لكم، ثم يقول في الوجه المقابل: (فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده - هو الخالق والموجد هو الواحد الأحد- ونخلع ما كان يعبد أباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات) هذا ما دعانا إليه ديننا، فقارِنوا بين السلوك الجاهلي وبين ما دعانا إليه ديننا.
نحن في هذا الوطن في هذه البلاد عامة أبناء هذه البلاد مسلمون، ثمة قلة ليسوا بمسلمين، نتقبلهم ونتعايش معهم وقد اقتسمنا وإياهم الحلو والمر، لم نكرهْهُم على دين، لم نضطهد ولم يضطهدوا، هذا الأمر الواقع في بلادنا، أما أن تأتي عصابة تريد أن تلغي الوطن وأبناءه وترفع عقيرتها وتنادي بإلغاء الإسلام والتربية الإسلامية أو إلغاء التربية الدينية كلها، فهذا أمر مرفوض في وطننا. نحن ندعو إلى المكارم وهو يدعون إلى الرذيلة، نحن ندعو إلى الخير وهم يدعون إلى الشر، نحن ندعو إلى الأمانة وهم يدعون إلى الخيانة، نحن ندعو إلى الفضائل وهم يدعون إلى الرذائل، هذا الوطن وطن الفضيلة وليس وطن الرذيلة، هذا الوطن وطن الأخلاق القويمة. يرفض الخيانة، يرفض الكذب، يرفض العمالة، يرفض التعامل مع الأجنبي، يرفض أن تسفك الدماء. هذا الوطن لن نقبل فيه أن يفرض بعض سفهائه على الآخرين من أبناء هذا الوطن نظرتهم القذرة وأخلاقهم المنحطة.
الإسلام يدعو إلى الفضيلة، ما الذي أغاظهم من الإسلام؟ هل حاوروا المسلمين في عقيدتهم فوجدوا أن فيها بطلاناً أو أن فيها خطأً أو أن فيها زيفاً؟ أم إنهم يكرهون الحق لأنه حق! ماذا وجدوا في الإسلام غير الخير والفضائل والعدالة وبناء المجتمع على أساس من التحابب والتراحم والتعاطف؟ هؤلاء هم بقايا قوم لوط الذين نقموا على لوط عندما قالوا: )أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( الجريمة التي ارتكبها لوط وأتباعه هي أنهم يتطهرون، هم يريدون القذارة، يريدون الضياع، يريدون تفسخ الأسرة، يريدون عقوق الوالدين، يريدون العدوانية والفساد، وهذا أمر نرفضه ولا يمكن أن نقبل به، طبعاً هم يرفضون الحوار ويسلكون إلى دعوتهم وإلى ما يريدون أسلوب البذاءة في الكلام، أسلوب الشتيمة، أسلوب القمع، الأسلوب الساقط الذييسلكه أبناء الشوارع.
وهنا لابد من البيان وأن أقول: إن التطرف يولد التطرف، والفكر يقابل بالفكر، نحن مستعدون أن نواجه أي مخالف بالحوار العلمي والمنطقي، فنحن أبناء هذا الوطن ولسنا دخلاء عليه، ونحن جزء من هذه الأمة، فإذا كانوا هم دخلاء فإنا نرفضهم، وقد نتقبلهم ضيوفاً في بلادنا؛ ولكن لن نتقبل إنساناً يريد أن يلغي وجود الوطن ووجود أبنائه، يريدون أن يلغوا هوية الوطن هوية الأمة.
التطرف الداعشي أوجد التطرف المنحرف هذا، ولكننا لا ينبغي أن ننطلق من ردود الفعل ولا ينبغي أن ينطلق الإنسان السوي من ردود الفعل، ولا ينبغي أن يستغل انحراف البعض لتسويغ انحراف الآخرين، نقول: إن الذين دافعوا عن هذا الوطن هم أبناؤه من كل أطيافه، فيهم المسلم المتمسك، وفيهم المسيحي المتمسك، وفيهم من كل أطياف هذا الوطن، فيهم من هو من الشمال والجنوب والشرق والغرب ومن كل بقعة من بقاع هذا الوطن، من قدم روحه رخيصة في سبيل سلامة هذا الوطن في وجه أعدائه، فأن يُزاود بعض الساقطين علينا في هذا الموضوع فمزاودتهم موضوعة تحت أقدامنا، قدمنا الشهداء وقدموا الرذيلة، قدمنا وحدة الوطن قدموا تمزيق الوطن، قدمنا تماسك الأمة وقدموا تفتيت هذه الأمة.
الذين خانوا الوطن فيهم من تزيا بزي الإسلام، وفيهم من تزيَا بالبعثية، وفيهم المدني وفيهم العسكري، وفيهم المسلم وفيهم المسيحي فيهم من أطياف المجتمع، كل من هانت عليه نفسه سار في درب الخيانة، وكلنا يعلم أن في هؤلاء الذين تخلوا عن وطنهم وأساؤوا إليه هم من أطياف هذا البلد ممن ضعفت نفوسهم أو استدرجوا أو غرروا أو ضللوا، فلا يزاودنَّ علينا أحد، ولا يحاولنَّ إنسان أن يفرض علينا هويته ويسلخنا من هويتنا، هويتنا أرواحنا، هويتنا وجودنا، ووجودنا هو الأقوى بالحجة والبرهان والدلالة والحوار، أما بأسلوب القمع فإننا أقوى من القمع، وإننا أقوى من كل محاولة لسلخ الهوية الوطنية والدينية من أبناء هذه الأمة. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا من كل من يريد إثارة الفتنة سواء كان داعشياً أو غير ذلك، أياً كانوا هم وجوه متعددة لحقيقة واحدة تريد تفتيت الوطن وتريد تدميره.
خطبة الجمعة 2016-08-05

تحميل



تشغيل

صوتي