مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 22/07/2016

خطبة د. توفيق البوطي: وذروا ظاهر الإثم وباطنه


وذروا ظاهر الإثم وباطنه
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا #فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا # قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا #وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا( وقال سبحانه: )وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (وقال جلَّ شأنه: )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ( وقال سبحانه: )إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ( وعن ضمرة بن حبيب فيما رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق قال: قال رسول r: «إن الملائكة يرفعون أعمال العبد من عباد الله، يستكثرونه ويزكونه، حتى يبلغوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه، فيوحي الله إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي- أي على ما يظهر ويتجلى منه- وأنا رقيبٌ على ما في نفسه، إن عبدي هذا لم يخلص لي ولم يخلص عمله، فاجعلوه في سجين. ويصعدون بعمل العبد يستحقرونه ويستقلونه، حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه، فيوحي الله إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي، وأنا رقيب على ما في نفسه، إن عبدي هذا أخلص عمله فاكتبوه في عليين» وعن العباس ابن عبد المطلب t قال: قال رسول r:«يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار، وحتى يخاض بالخيل في سبيل الله، ثم يأتي قوم يقرؤون القرآن، فإذا قرأوه قالوا قد قرأنا، فمن أقرؤ منا، فمن أعلم منا، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئك من خير؟ قالوا لا، قال: فأولئك منكم، وأولئك من هذه الأمة، وأولئك وقود النار»
سر العمل الإخلاص لله، وبطلانه وإحباط أجره في جعل هذا العمل لغير الله، ابتغاء سمعة، ابتغاء ثناء، ابتغاء استعلاء على الآخرين.
أيها المسلمون، أقف عند قوله تعالى: )قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا( تزكية النفس واجب على كلٍ منا، وشرط النجاة والفلاح، وتجنب الآثام ظاهرها وباطنها واجب أكدت الآيات والأحاديث ضرورة ذلك، وسطوة النفس وسلطانها على صاحبها مشكلة لا مخرج منها إلا بتزكيتها. للنفس سلطانها على صاحبها تزج به في الأخطاء والمعاصي، وهذا ما يشكوه كل منا من نفسه وضعفه، فما المخرج من هذه الحالة التي نعاني منها؟ إن المخرج من ذلك كله بتزكية هذه النفس. والتزكية هي التطهير، والمراد: تطهير النفس من عيوبها وأمراضها الظاهرة والباطنة، روى الحاكم في المستدرك عن شداد بن أوس قال قال رسول الله r :«الكيس – العاقل - من دان نفسه- جلس إلى نفسه فحاسبها، فإذا وفق لخير فالله هو الذي وفقه فليحمد الله وليسأل الله القبول- وعمل لما بعد الموت- وضع الموت نصب عينيه، وتزود لهذا الموت بالزاد اللائق، إذ سيقوده الموت إلى موقفه بين يدي ربه، لذلك عليه أن يتأمل أمره وينظر في حاله فيحاسب نفسه، وليتزود للرحلة الخطيرة التي لابد له منها، رحلته إلى الله عزَّ وجل- والعاجز – الأخرق، الأحمق - من أتبع نفسه هواها- استرسل في طاعة نفسه فيما تشتهيه من أمور مخالفة لأمر الله عزَّ وجل – ثم تمنى على الله» يحلم بأن يكون في الجنة وبأن يسعد في الآخرة مع أنه لم يُعِدّ لذلك عُدته، ولم يتزود لذلك بالزاد اللائق له. والتزكية إنما تكون بتجنب الآثام الظاهرة، الآثام الظاهرة: آفات اللسان كالكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم واللغو والكلام الباطل، كل ذلك من الآفات الظاهرة، لابد من تجنب هذه الآفات الظاهرة لكي نطهر أنفسنا فنرقى إلى مرتبة القبول عند الله U ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا #فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا # قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا( طهرها من آثامها من عيوبها من معاصيها، ردعها وزجرها وحال بينها وبين مخالفة أمر الله U، إلا أن هذه الآثام التي يخشى الإنسان من أن يقع فيها، منها ما هو ظاهر كآفات اللسان التي عرضتها، وكأن أمد يدي إلى المال الحرام، أو أطلق بصري إلى مالا يرضي الله U من المشاهد والمرئيات مما حرم الله علينا النظر إليه، ومما ينعكس على قلوبنا بالفساد والضلال والانحراف، وإمساك اللسان وإمساك البصر وإمساك السمع، وكف اليد عن إيذاء الآخرين، عن التعدي على أموالهم، عن الإساءة إليهم وظلمهم، بأي شكل من أشكال الظلم والاعتداء، فإذا كففت نفسك عن الآثام الظاهرة وهو أمر ضروري وقد يكون صعباً بعض الشيء. إلا أن كف النفس عن الآثام الباطنة أشد ضرورة وأخطر في حياة الإنسان المسلم، فما الآثام الباطنة؟ ترى الرجل يبدو لك أنه من أهل الصلاح والتقى، ولكن قلبه ينطوي على آفات خطيرة لا تدع أحواله التي تظهر منه ما يرقى به إلى الله عزَّ وجل، وقد مر بنا الحديث الذي رواه عبد الله بن المبارك، أن الملائكة يرفعون إلى ربهم عزَّ وجل عمل إنسان، يستكثرونه ويعظمونه ويزكونه حتى يبلغوا به إلى ما شاء الله من سلطانه، فيوحي إليهم أنكم حفظة على ظاهر عمل عبدي، فهو جلس في المساجد ووقف يصلي ومظهره مظهر المؤمنين الصالحين هذا ما بدا لكم، لكن قلبه إنما هو موضع نظر الله عزَّ وجل وأنا رقيب على ما في نفسه، ما في قلبه إن كان مخلصاً لله أو مرائياً للخلق، فإن كان مخلصاً لله عزَّ وجل فقليل من العمل يرقى إلى القبول وينتفع به العبد، وإذا كان غير مخلص لله في عمله فكثير من العمل لا خير فيه، يقول له الله عزَّ وجل أنا أغنى الشريكين خذ أجرك ممن عملت لهم، قضية الإخلاص لله عزَّ وجل في العمل هي من أهم ما ينبغي أن يلاحظ المرء في قلبه عندما ينظر إلى عمله ويلاحظ سلوكه وتصرفاته، هناك ما يسمى بباطن الإثم، والذي حذرنا ربنا تبارك تعالى منه عندما قال: ) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ( مِن باطن الإثم: الحقد الذي ينطوي عليه قلب الإنسان فيدفع به إلى العدوان، ويدفع به إلى المواقف الضارة والمفسدة، لا ينطوي قلب الإنسان المؤمن مادام مؤمناً على حقد، إنه يرجو الخير لكل الخلق حتى للكفرة، هو يرجو الخير للكافر بان يهديه الله عزَّ وجل وينجيه من النار، ليس في قلب الإنسان المؤمن حقد، الحقد مرض ينم عن أن هذا الإنسان إيمانه غير صحيح، وأن إيمانه غير صاف من زغله، الحسد: الحسد تمني زوال النعمة عن إخوانه، ضاق صدره بما قسم الله عزَّ وجل للناس، إنه مشكلة خطيرة، إذ يضيق صدر المرء بما حبا الله فلاناً من مال، بما حبا الله فلاناً من ذكاء، بما حبا الله تعالى إنساناً من صلاح وتقى، بما حباه الله عزَّ وجل من مكانة اجتماعية جعلته محبوباً بين الناس محترماً بين الخلق، هذا الحسد مرض خطير قاتلٌ لصاحبه، يودي به إلى الهلاك، حذر النبي r وحذر ربنا من باطن الإثم الذي يهلك صاحبه، وهو أخطر من ظاهر الإثم، ظاهر الإثم يمكن أن يراك أحد الإخوة المخلصين لك فيقول لك يا أخي هذا خطأ، فلو أقلعت عنه. أما باطن الإثم فداء خفي لا يراه الناس وإنما يطلع عليها رب الناس، الذي يعلم السر وأخفى، وهذا مما قد يؤدي إلى مواقف سلوكية هي أخطر من المعاصي العادية التي نعرفها. من أخطر باطن الإثم: النفاق بكل أنواعه وبكل تداعياته ونتائجه، المنافق يظهر شيئاً ويبطن شيئاً آخر، ومنه أيضاً العجب: بأن أعمل العمل فأرى لنفسي فضلاً فيه


تشغيل

صوتي