مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 15/07/2016

خطبة د. توفيق البوطي: حسن الخلق


حسن الخلق
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم في وصف نبيه r: ) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.( ويقول في شأنه أيضاً: ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (ويقول سبحانه حاضَّاً على محاسن الأخلاق مثنياً على من يتجملون بها: ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( وسئل النبي r عن البِر، فقال: «البر حسن الخلق» والبر كلمة جامعة لكل معاني الخير، فكل معاني الخير مختصرة في حسن الخلق، ثم قال: «والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس» إنه ميزان: ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وسئل r فيما صح عنه عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: «تقوى الله وحسن الخلق» وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: «الفم- لأكل المال الحرام- والفرج – للتعدي على أعراض الناس-» وقال r: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا يا رسول الله علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون» وعرَّف الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله ورضي الله عنه حسن الخلق بقوله: ( طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى) ثلاثة اختصر بها حسن الخلق: بشاشة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى، عندما يقول بذل المعروف أي إلى كل الناس؛ بل إلى كل شيء، وعندما يقول كف الأذى فعن كل الناس مسلمين وغير مسلمين؛ بل عن كل شيء حتى الحيوان والأشياء الجامدة وغير ذلك، وعن النبي r قال: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق».
أيها المسلمون، الإسلام خضوع ودينونة لله سبحانه وتعالى، وامتثال لأمره، وعلاقة طيبة بين الناس تقوم على أساس المحافظة على الحقوق ولطف المعشر وحسن التعامل، اختصر الإسلام كله بالأمرين الذين ذكرتهما، علاقتك مع الله تعالى تقوم على الخضوع لله سبحانه والدينونة له، وبين الناس: العلاقة الطيبة والمحافظة على الحقوق ولطف المعشر وحسن التعامل، وأساس ذلك كله يختصر في حسن الخلق. وحسن الخلق مع الله تقواه وشكره على نعمه والصبر على ابتلائه، وحسن الخلق مع الخلق بشاشة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى، ثم إن الأخلاق الحسنة أخلاق حسنة في السر والعلن مع القريب والبعيد، حسن الخلق ليس ثوباً تلبسه وتخلعه متى شئت؛ بل سجية فيك ينبغي أن يكون كلون بشرتك وكصفاتك الخَلْقية، لا تملك إلا أن تتمسك به وتتصف به، حسن الخلق مع القريب والبعيد، لا تنافق به للبعيد وتنسى به القريب، ولا تخص به القريب دون البعيد، مع الإنسان والحيوان والنبات وسائر الأشياء، والأهم حسن المعاملة مع القريب لأن حقوقه أعظم ولأن المعاشرة معه أكثر، وحسن المعاملة مع البعيد بالمحافظة على حقوقه وبشاشة الوجه معه وكف الأذى عنه.
من محاسن الأخلاق قول المعروف، قال تعالى: )وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا( الكلمة الطيبة صدقة، ربنا تبارك وتعالى يريدك أن تكون كشذى العطر؛ يفوح فتنتعش به النفس سواء تكلمت أم لم تتكلم، تصرفت أم لم تتصرف، فأنت تفوح منك رائحة حسن المعاملة وحسن الخلق، بهذا ترتقي مراتبك في ميزان الله عزَّ وجل، وبهذا تكون قريباً من النبي r يوم القيامة يظلك الله بظله مع أحباء المصطفى r تكون قريباً منه، لا تكن بعيداً كن قريبا منه؛ لأنك إذا اقتربت إليه اقتربت من السعادة، وإن ابتعدت عنه دنوت من الشقاء، من محاسن الأخلاق الرحمة بالخلق، كل الخلق، الإنسان كل إنسان، والحيوان وحتى النبات، أن تسقي النبات رحمة به حسْنُ خُلُق تثاب عليه، وأن تزيل الأذى من الطريق حسن خلق تثاب عليه؛ بل خصلة من خصائل الإيمان، حسن التعامل مع الناس درجات ترتقي بها في ميزان الله عزَّ وجل فترتفع منزلتك عنده، وبذلك أنت ترضى بما وفقك الله له، الإنسان الفظّ أول ما تكون آثار فظاظته تكون على نفسه، فهو بغيض، بغيض إلى الله ، بغيض إلى رسول الله، بغيض إلى الناس، بغيض حتى إلى نفسه، الإجرام والفظاظة وسوء التعامل والخيانة والكذب أمور يكرهها الله عزَّ وجل منك ويكرهها من الخلق، وتكرهها أنت ويكرهها كل إنسان، هي غريبة عن الإسلام لا صلة بينها وبين الإسلام، إذا وجدت الإجرام فاعلم أن الإسلام ليس هناك؛ حتى وإن ادعى أصحاب الإجرام أنهم مسلمون، فهم ليسوا مسلمين ولا علاقة لهم بالإسلام، وإنما الفظاظة وسوء الخلق والأذى والشر سمة يصنعها أعداء الإسلام لأنها صفتهم، فإن نسبوها للإسلام جمعوا بين قبيحتين، الكذب والأذى والشر. تدور في العالم اليوم دوامات وأعاصير وعواصف تستهدف الإسلام وتريد الشر والكيد له؛ لأن الإسلام قريب للقلوب، لأن الإسلام يستجيب للفطرة، لأن الإسلام حسن تتقبله الأذواق، لأن الإسلام لطف ورقة وجمال، هم أرادوا أن يسيئوا إلى لإسلام فلم يفلحوا، اعتدوا وفعلوا فلم يفلحوا، إلى أن ظهرت صنيعة صنعوها هم، نسبوا من خلالها إلى الإسلام جرائمهم، فحاربوا الإسلام باسم الإسلام وأساؤوا إلى الإسلام تحت رايات تدعي نسبتها إلى الإسلام لينفروا الناس من الإسلام؛ لكن يقول العوام: (الكذب حبله قصير) أعتقد أن هذه العاصفة ستنحسر، وستكون وبالاً على أصحابها أنفسهم وقد بدأ أثر ذلك يظهر، إن الذين يحاولون أن يسيئوا للإسلام باسم الإسلام لابد أن تصل إساءاتهم إلى أنفسهم، ويبقى الإسلام شامخاً بما تميز به من صفات عظيمة اختصرت بكلمة (البر) واختصرت بكلمة (حسن الخلق) فما تراه في العالم اليوم من مساوئ أشقت الإنسان ودمرت الأسرة ومزقت المجتمع، لا أتكلم عن مجتمعاتنا، لكن ريحهم الصفراء وصلت إلى مجتمعنا، وآذت مجتمعنا، أقول سيبقى الإسلام شامخاً عظيماً متميزاً؛ لأن هذا الإسلام قد تضمنه كتاب خالد تولى الله حفظه، وسنة صانها ربنا تبارك وتعالى بما قيض لها من جهود المخلصين من علمائنا، وسيرة تميز بها النبي r وأصحابه والتابعون بإحسان، فمن ذا الذي يستطيع أن يحجب الشمس، من ذا الذي يستطيع يشوه ضياء الشمس بكفه القذرة، ستبقى الشمس مشعة مضيئة تملأ الدنيا بضيائها، وسيبقى أعداء الإسلام مجرد سحب صيفية عقيمة تتبدد وتمضي لتبقى الشمس بضيائها وتبقى الشمس بنشرها لدفئها وأشعتها.
أيها المسلمون، إن من أعظم مظاهر حسن الخلق الحياء، والنبي r عدَّ الحياء من شعب الإيمان؛ أي أنه جزء من الإيمان، فمن انعدم الحياء عنده دلَّ ذلك على أن صفة الإيمان فيه مختلة، والحياء هو التحرج والاجتناب من الأمر القبيح، وأسمى أنواع الحياء، حياء أسأل الله أن يملأ قلبي وقلوبكم به، إنه الحياء من الله، إنه الحياء من الله في السر والعلن، بين الخلق وعندما تكون وحدك، تكون مع الله فتستحي منه أن تأتي بما لا يرضاه، عندما تكون مع الله فتتوقد في قلبك مشاعر الحياء فتسمو وتسموا وتصفوا وتصفوا حتى تكون حبيباً إلى الله عزَّ وجل، روى البخاري عن النبي r أنه قال:« إن الحياء لا يأتي إلا بخير» وإنا يتحقق الحياء صفةً فينا بمقدار مراقبة الله وكثرة ذكره ومحبته وخشيته، تسعى قوى الشر والبغي والفساد أن تعدم مشاعر الحياء من الفرد، أن تقتل فيكم نبضة الحياء التي تجعلكم تستشعرون الأمر القبيح فتشمئزون منه وتتجنبونه، تزين لكم قوى الشر عبر وسائل الإعلام والاتصال وشبكات التواصل وغير ذلك وأصدقاء السوء، يزينون للإنسان إماتة مشاعر الحياء فيه، و لكن القلب الموصول بالله والمستمد لمعاني الخير من ميزان الله يبقى الحياء فيه نابضاً، ويكون عندئذ من الذين وصفهم الله بقوله: )إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا( فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ تذكروا فارتعدت فرائصهم حياءً من الله )تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ( ولهذا مشاهد ترجمتها سير الصالحين من أصحاب رسول الله ومن تبعهم من السلف الصالح، نحن بحاجة إلى حسن الخلق، فمنن ادعى أنه مسلم ولم يكن لديه حرص على التمسك بمحاسن الأخلاق نقول له: راجع نفسك، وعد إلى ميزان الإيمان في قلبك فأحيِه، فإن الحياء وحسن الخلق صفتان ملازمتان للإيمان، اسلامك محافظة على الحقوق، حقوقك وحقوق الخلق وحقوق لخالق عزِّ وجل، وكل هذا يختصر في حسن الخلق.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيء الأخلاق لا يصرف سيئها عنا إلا أنت
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 2016/07/15


تشغيل

صوتي