مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 27/05/2016

خطبة د. توفيق البوطي: مؤامرة صهيونية


مؤامرة صهيونية
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ( .
أيها المسلمون، لقد مرت في الأسبوع الماضي بوطننا أحداث خطيرة ومؤلمة، ضمن ما يجري في وطننا من أهوال، هذه الأحداث يجب أن نضعها في إطارها ومدلولها الصحيح من خلال العودة إلى السيرة النبوية الشريفة، لذلك سأقف أمام ثلاثة مشاهد من سيرة النبي r، المشهد الأول: ما رواه الطبري في تفسيره جامع البيان عن زيد بن أسلم أن يهودياً اسمه شاس بن قيس، كان عظيم الكفر شديد الحقد والحسد على المسلمين، أغاظه ما تم في ظل الإسلام بين الأوس والخزرج من المودة والألفة، بعد أن كانوا في الجاهلية أعداء يتقاتلون، ولا تفتأ تنتهي حرب بينهم لتبدأ حرب أخرى، كما أشار بيان الله عزَّ وجل )إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ( فلما رأى ذلك أغاظه الأمر، فأمر فتى من اليهود أن يأتي إلى الأنصار من الأوس والخزرج فيجلس إليهم ويذكرهم بأشعار قيلت يوم حرب بعاث التي استعرت بين الأوس و الخزرج، مما ذكّرهم تلك المعارك والصراعات الدموية، وكان ما أراد هذا الخبيث، تذكروا ذلك واستعرضوا الأشعار التي قيلت، حتى ثارت الحمية في صدورهم، وتنادوا: السلاحَ السلاحَ، وتواعدوا في الحرة، وبلغ النبي r الأمر، فقال: "يا معشر المسلمين اللهَ اللهَ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم من الكفر وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً !" وأعاد الأمر إلى نصابه، وأفاق الأوس والخزرج إلى مكيدة شاس بن قيس. أما المشهد الثاني فقد روى البخاري عن جابر t قال: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها رسول الله r فقال: "ما هذا؟" فأوضح الصحابة له الأمر فقال r: "دعوها فإنها منتنة". لاحظوا استغلال المنافقين للحادثة، فقد وجدها فرصة عبد الله بن أبي بن سلول فقال: أوقد فعلوها ؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن منها الأعز منها الأزل، يقصد بالأعز الأنصار، وبالأذل المهاجرين، ويومها أراد سيدنا عمر t من النبي r أن يأذن له فيضرب عنقه، لأنها عنق فتنة، لكن النبي r لم يأذن له بذلك وقال له: "أتريد أن يقول الناس إن النبي r يقتل أصحابه".
حسن معاملة النبي r لرأس النفاق أدى إلى انفضاض المنافقين المتأثرين به عنه، والتزامهم بمنهج الهداية الذي دعا إليه النبي r حتى أخمدت فتنته. أما المشهد الثالث: فقد كان بين المنافقين رجل يدعى أبو عامر الراهب الصيفي، هذا الرجل ضاق صدره بالإسلام، فلم يجد فرصة للتخلص من الإسلام سوى أن يلتحق بالروم ويرتد إلى دينهم، ليس حباً بدينهم، وإنما لكي يكون عميلاً؛ فيستفيد بعمالته للروم، بالمصطلح المعاصر، طريقة يكيد بها للإسلام والمسلمين، فأمر المنافقين بإنشاء مسجد على مقربة من مسجد قباء، واحتج المنافقون بأن هذا المسجد للعجزة وغير القادرين على الذهاب إلى مسجد قبا، أو لعله أحياناً يسيل السيل فيصبح من الصعب عليهم أن يذهبوا للصلاة في مسجد قبا، وكاد النبي r أن يخدع بأكذوبتهم فنزل قوله سبحانه وتعالى: )وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(، انظروا!! إنما أراد بما سماه مسجداً أن ينشئ وكراً تحاك فيه المؤامرات ضد النبي r وضد المسلمين، بالتعاون مع أسياده الروم.
القصة تتكرر، يتآمرون في الغرب ضدكم، وأدواتهم تتمظهر بالإسلام لتحاربكم. تتظاهر بالإسلام لتكيد لكم ولدينكم، والمكيدة اليوم في ظاهرها شرسة وقذرة؛ لأنها دمرت وطناً وقتلت شعباً وشردته، ولكن الأسوأ من ذلك أنها حاربت الإسلام باسم الإسلام، تماماً كما أراد أبو عامر الصيفي أن يحارب الإسلام من خلال ما سماه مسجداً وكان إرصاداً لمن حارب الله ورسوله، ووكراً للكيد للإسلام والمسلمين.
أيها المسلمون؛ ها هو ذا شاس بن قيس يظهر من جديد، أجل يظهر شاس بن قيس من جديد من خلال شخصية برنارد ليفي الذي سمى نفسه الشيطان، بل إن الشيطان ليتعلم على يديه المكائد، ها هو ذا قد أحرق ليبيا فاستعرت الفتنة بين الليبي وأخيه الليبي، لتصبح ليبا لقمة سائغة في فم أعدائها، وها هو ذا يرسم الخطة إثر الخطة لتدمير أمتنا، ولقتل أبناء هذه الأمة بأيدي أبنائها، توفيراً لدماء أبناء جنسه وأبناء دينه، المستريحين اليوم على أرض فلسطين وعلى مقربة من المسجد الأقصى، يدنسون المسجد الأقصى بينما ترتع عصابات الإرهاب في بلادنا مؤتمرة بأمر ليفي لكي تنشر القتل بين أبناء الوطن.
أيها المسلمون، وصية النبي r عندما وجه جيوشه للفتح وللغزو قال: "أبعثكم على أن لا تغلوا، ولا تجبنوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، ولا تحرقوا كنيساً، ولا تعقروا نخلاً" أما ما جرى أمس فهو أن يفجر إنسان نفسه أو يدخل سيارة مفخخة فيفجرها بين أطفال ونساء وأبرياء يقتلهم دون تمييز، وزيادة في الكيد انتحاريون آخرون يقفون على باب ذلك الكراج، هم يدركون أن الناس سيفرون من المنطقة فيفجرون أنفسهم على أبوابها، إمعاناً في القتل، لمن!! وآخر يدخل إلى الإسعاف في المشفى، هكذا خطط له برنارد، لأنه يدرك أن الناس سيلوذون بالمشفى لإسعاف الجرحى، فيفجر نفسه في غرفة الإسعاف ليقتل أطباء الإسعاف كلهم.
أي جريمة سطرها التاريخ منذ فجره إلى اليوم أبشع من هذه الجريمة، وباسم الإسلام !! أي إنسان يمكن أن يتقبل مثل هذا الفعل باسم المعارضة أم باسم الإسلام أم باسم أي شيء يمكن أن يوصف إلا شيئاً واحدا، تنفيذ مخطط شيطان التآمر في المنطقة برنارد ليفي وعصابته الستة في فرنسا، أما آن لهؤلاء الأغبياء أن يدركوا أنهم أدوات بيد من يثيرون؟ وبتوجيه من يسيرون؟ وماذا ينفذون من مخططات؟ هم أدوات غبية، ينتحرون لتنفيذ ما يخطط لهم، يكيدون لأنفسهم، يكيدون لوطنهم، يكيدون لأهلهم... وباسم الإسلام.
أيها المسلمون، قد يقول هؤلاء كفرة؛ ولنقل كفرة – وكلامهم طبعاً غير صحيح- هل دعوهم إلى الإسلام؟ هل وجهوا لهم رسالة دعوة؟ أم نفروهم من الإسلام؟ ونفروا العالم كله من الإسلام بجرائمهم؟ كل الناس أصبحوا يقولون إذا كان هذا هو الإسلام فكيف يمكن أن نقدم عليه؟ كيف يمكن أن نقدم على هذا الدين الذي يدعو للقتل والإجرام ؟ هذه واحدة، الشيء الثاني، النبي r نهى عن قتل الطفل والمرأة والشيخ، الشيء الثالث، هل يقتل الكافر لكفره؟! أريد منكم أن تدركوا جيداً أن الكافر لا يقتل لكفره، أولم يقل ربنا تبارك وتعالى )وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ( مقاتل مشرك عدو جاءك لاجئاً واستجار بك، إذا كان الكافر يقتل لكفره إذاً عليك أن تضرب عنقه، لكن الله سبحانه وتعالى ماذا قال؟ قال: )فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ... ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ( أوصله إلى حيث يأمن على نفسه، بهذا أمرنا ديننا لا بقتله، هذه واحدة، والثانية، كلكم يعلم أن هذه البلدة كان فيها نصارى ولا يزالون، وأن بلاد العراق وإيران كان فيها مجوس وأن بلاد الهند وأفغانستان وتلك المناطق كان فيها بوذيون، سلوا التاريخ هل قتل أحد من هؤلاء بسبب كفره؟ لا تزال معابد البوذيين وتحت سلطان المسلمين قائمة إلى يومنا هذا، لا يقتل الكافر لكفره، يدعى إلى الإسلام، والله تعالى يقول )لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ( هذا إذا حكمنا أن المقتولين كفرة، وهم أطفال ونساء وأبرياء، ومنهم من الأهالي اللاجئين الذين دفعت بهم عصابات الإرهاب إلى اللجوء إلى الساحل، فآواهم الساحل وحماهم وأنزلهم منازل الأمان. أمنهم الساحل، وقتلهم هؤلاء، حماهم الساحل ودمر وجودهم هؤلاء. ليثيروا الفتنة بين أبناء الأمة، أما آن لنا أن نستيقظ؟ أما آن لهؤلاء الأغبياء أن يدركوا أنهم أدوات في تنفيذ مخطط تدمير وطنهم وتشويه دينهم وقتل إخوانهم ؟! أعتقد أن هذه العملية الأخيرة هي القبر الذي ستدفن فيها هذه الفتنة بإذن الله، أعتقد أنها بداية نهايتهم، ولا بقاء لهذه الفتنة في أرض تكفل الله عزَّ وجل به، "إن الله تكفل لي بالشام وأهله" لا بقاء لمن يحارب الإسلام باسم الإسلام. هذا البلد متميز بالمعرفة والوعي والعلم، ولئن انساق بعض الجهلة وأشباه المتعلمين وراء هذه الفتنة فإن مجريات الأحداث كافية لإيقاظ من لديه بقية دين أو بقية عقل.
أسأل الله أن يعيد الأمن والأمان، والسلام والطمأنينة إلى البلاد والعباد، وأن يطهر بلادنا وبلاد المسلمين من شر الفتن ومن المتآمرين من يوقدون الفتن، فرج الله عن الأمة .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
إنجازات هؤلاء: تقتيل الأبرياء تفجير المشافي تحطيم لمرافق البلد تدمير للجسور، وإفساد تدمير مؤسسات الكهرباء التي توفر الإضاءة والتدفئة.. الإحراق القتل الإرعاب...كل ذلك وباسم الإسلام، وباسم الإسلام يدخلون المسجد فيقتلون العالم المسن الداعية ومعه أكثر من خمسين من خيرة طلبة العلم باسم الإسلام، أي إسلام هذا! هذا إسلام نتنياهو إسلام أوباما، إسلام الخونة وليس الإسلام الذي أنزله الله على نبيه r، فلتستيقظ الأمة ولتنتبه ولتركل هذه المؤامرة هذه الجرائم بوعيها بيقظتها بتوبتها بعودتها إلى ربها بعودتها إلى رشدها.
خطبة الجمعة 2016/05/27


تشغيل

صوتي