مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 06/05/2016

خطبة د. توفيق البوطي: مفهوم الشهداة


مفهوم الشهادة
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ # فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ # يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ(
ويقول سبحانه :) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ(
روى ابن حبان عن عمران بن عتبة الذماري قال دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام صغار فمست رؤوسنا، وقالت: أبشروا يا بَني، فإني أرجوا أن تكونوا في شفاعة أبيكم، فإني سمعت أبا الدرداء يقول سمعت رسول الله r يقول: «الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته»
الشهيد الذي خصص له هذا اليوم إحياء لذكراه، وهل تموت ذكراه حتى نحييها؟ ذكراه في قلب كل إنسان من أبناء هذا الوطن، ذكراه تنبض مع نبضات قلبه، وتنهض معه إذا نهض، وتمشي معه إذا مشى، ذكرى الشهيد الذي في كل يوم نزف العشرات منهم، والذين يقولون بلسان حالهم: هذه العقيدة وهذا الدين وهذا الوطن، نحن قد بذلنا الأنفس والأرواح والمهج حماية لها ودفاعاً عنها. استعذبوا الموت، وأعراس الشهادة في كل يوم تنعقد في ساحات كثيرة من ساحات هذا الوطن، لمواجهة أشرس وأقذر هجمة قامت في تاريخ البشرية على بلد ما من بلاد الأرض، تكالبت فيها قوى البغي والعدوان تدعمها قوىً كبرى في هذه الأرض قوة الطغيان التي تريد أن تفت من عضد هذه الأمة وهذه البلد خدمة لشذاذ الأفاق وتحقيقاً لأمن دولتهم، وابتغاء تحقيق هدف أخس وأحط ارتضى بعض القذرين من منتسبي الإسلام، والإسلام برئ منهم، أن يسموا الجريمة جهاداً، من أجل تشويه الإسلام ومسخ صورته، وتنفير الناس منه، ولقد كان الإسلام وسيظل الأقرب إلى قلوب الناس لأنه الفطرة التي فطر الناس عليها رب العزة جل شأنه ) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ( انتقلوا من حياة ضيقة الآفاق، حياة معاناة حياة الشدائد إلى حياة واسعة الآفاق.. يرزقون.. يتمتعون تظللهم مظاهر الرضى الرباني ينعمون في رضوان الله عزوجل )فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ( بماذا نال الشهداء تلك المنزلة؟ بماذا أكرم الله الشهداء بكل تلك المنزلة الشامخة؟
لابد أن نوضح لأنه قد يختلط على الناس الأمر، السبب الأول: سمو الغاية التي يجاهد من أجلها سواء أكان جهاده هذا جهاد قتال أم جهاد دعوة، فهو لا يبتغي بجهاده كسباً مادياً ولا منزلة اجتماعية ولا تسلطاً على الناس ولا خدمة لأهداف أميركا واسرائيل، إنما يبتغي بجهاده هذا حماية الأرض والعرض، حماية الدين والقيم والمبادئ؛ فهو يريد أن يصحح المفاهيم ويحمي القيم ويحرس العقيدة ويصون هذا الإسلام عن تلك الجهود المتلاحقة التي تريد أن تصم الإسلام بأسوأ صفة هو بريء منها لكي ينفر الناس عن الإسلام، أجل لحماية هذا الوطن ولحماية هذه الأمة التي استبيحت دماؤها بأيدي أولئك الشذاذ الذين جلبوا لهذا الوطن من أجل هدفين أو ثلاثة أهداف، لتدمير أرضه ومقوماته، ولقتل شعبه ولتشويه دينه، والهدف من وراء ذلك كله أمن إسرائيل، هذا هو السبب الأول في ذلك، السبب الثاني أن هؤلاء الشهداء أخلصوا القصد أخلصوا النية، فنيتهم لله سبحانه، ليس ابتغاء الحور العين التي طالما خدع أولئك المجرمين رعاعهم وزينوا لهم أن طريق الجنة عبر سوريا، وعبر قتل الأبرياء وتدمير هذا الوطن، لكن الحقيقة أن الغاية السامية هي ابتغاء رضوان الله، والنبي r أشار إلى هذا الهدف في حديث من أجل الأحاديث وأشهرها «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته -جهاده عمله سعيه- لله ورسوله، فهجرته لله ورسوله ، ومن كانت هجرته -وجهاده عمله وسعيه- لامرأة ينكحها أو دنيا يصيبها ، فهجرته إلى ما جاهر إليه » خسيسة دنيئة بدناءة وخساسة القصد الذي هدف إليه، العمل يسمو بسمو المقاصد التي توجه إليه وينحط بانحطاط الهدف الذي يسعى صاحبه إليه، قد يكون العمل واحداً؛ ولكن القصد يسمو بهذا العمل أو ينحط بهذا العمل، لكن سمو الغاية يتطلب علماً ومعرفة ووضوح رؤية، ولذلك حذر النبي r من الرؤية الغائمة والقتال تحت الراية العمية التي لا يعرف الموجه لها ولا يعرف القصد منها ولا يعرف إلامَ ترمي في حقيقة أمرها، ألم يقل النبي r «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمّية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية» ترون كيف يقتتلون فيما بينهم فيقتل منهم أضعاف ما يقتل بيد جيشنا، لأنهم غنما يسعون لمصالح دنيئة ومقاصد خسيسة يقصدون دنيا قذرة يقصدون خدمة الهدف الصهيوني، فينحط بهم الهدف، ويعملون سلاحهم في رقاب بعضهم لماذا؟ لأنهم يقاتلون تحت راية عمية، اسمعوا الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم عن النبي r "ومن خرج على أمتي من أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه" قصفوا المساجد والمشافي في حلب، قتلوا الأبرياء قتلوا الأطفال وقتلوا النساء، هناك وهنا وفي كل مكان، ليسوا بمن رسول الله ولا رسول الله يرضى بهم، رسول الله بريء منهم ولا صلة لهم برسول الله ولا بهذا الدين، وإن كان بعض الدجاجالة يسولون لهم ذلك ويدفعونهم إلى تلك المجزرة التي قذفوا أنفسهم في لهيبها، أقول لأولئك الشيوخ: اتقوا الله في حق أنفسكم، فأنتم مسؤولون عن كل قطرة دم تسفك في هذه البلاد بفتاواكم القذرة، تذكروا أن لكم موعداً بين يدي الله عزَّ وجل وهو سائلكم عن تلك الفتاوى التي تسولون بها قتل شعب وتدمير وطن، الرصاصة تقتل انسان ولكن الفتوى تدمر وطناً وتقتل أمة، أجل من قاتل تحت راية عمية يدعوا عصبية إلى فئة إلى جماعة هذه أو تلك، هم جماعات )بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ( كما وصف الله تعالى أراذل خلقه، أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية.
وبعد أيها المسلمون، أتوجه إلى جنودنا البواسل أبطالنا الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم يبذلونها رخيصة في سبيل الله في سبيل الحق حماية للأرض حماية للعرض حماية للمساجد حماية للمشافي حماية للأبرياء، أقول لهؤلاء بارك الله بجهادكم، وبارك الله بجهودكم.
ولكني لابد أن أذكركم بأمر لا غنى لكم عنه، أخلصوا النية لله فأنتم أقرب الناس إلى لقائه، المقاتل في ساح الوغى قد تصدى للموت، فإما أن يتجنبه الموت أو أن يتخطفه، ولذلك ليكن قلبك مرتبطاً بالله الذي أنت على موعد معه، أخلص النية لله، وتوجه بعزيمتك إلى الله توجه إلى ربك تستمد منه النصر وتخلص له القصد، وتقوم بذكره وبتصرفك العمل الذي تعمله وتقوم به، الأمر الآخر: أن تتأدب بآداب الجهاد، أنت على موعد مع الله: صلاتك عبادتك وقد أعطاك الله سبحانه وتعالى أسباب التسهيلات كلها لتؤدي صلاتك كما تستريح وكما تقضي ظروفك، حتى ولو كنت في طائرتك أو على منصة صواريخك أو كنت حيث كنت، تستطيع أن تصلي، ليكن قلبك هذا متصلاً بالله، فأنت بين لحظة وأخرى على موعد معه، الأمر هذا يقتضي منك شيء آخر وهو أن لا تظلم، أن لا تعتدي، أن تتجنب قتل الأبرياء، أن تبذل جهدك كله القيادة تحرص على أن تتجنب الأهداف المدنية فكن أشد حرصاً على تجنب الأهداف المدنية، ولئن كان أولئك الأوغاد ينصبون قواعدهم التي يقذفون بها حلب وغيرها بين السكان المدنيين لكي يتترسوا بهم وليحموا أنفسهم من خلال ذلك. كن حذراً ما استطعت ذلك، تجنب النيل من المدنيين فهم أهلك، هذا الطفل شبيه بابنك، وتك المرأة شبيهة بأمك وزوجتك.
الأمر الآخر: كن طاهر اليد، لاتمدنَّ يدك إلى مال لا حق لك فيه، ولقد حذر ربنا تبارك وتعالى من الغلول فقال: )وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ- والغلول أخذ الأموال في ساحة المعركة من غير وجه حق- ومن يغلل يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( شرف الجهاد وبسالة الجنود وسمو الهدف والغاية كل ذلك لا ينبغي أن نفسده بسلوك لا يرضي الله سبحانه وتعالى ونحن أقرب ما نكون للقائه.
أسأل الله تعالى أن يرحم شهداءنا، وأن يجعل الجنة مثواهم ومآلهم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يطهر بلادنا من كل من يريد سوءاً بأهلها أو دينها، أو أرضها. وأسأله سبحانه أن ينصر أمتنا في حربها على الطغيان الدولي الذي يريد أن يركع وطننا الذي لم يعتد إلا أن تكون هامته مرتفعة وجبهته عالية لا تنحني إلا لخالقها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 2016/05/06


تشغيل

صوتي