مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 08/04/2016

خطبة د. توفيق البوطي: الإسلام ... ضمانة سلامة الوطن


الإسلام ... ضمانة سلامة الوطن
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ( ثم يقول سبحانه بعد ذلك: )لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (وروى ابن حجر في المطالب العالية، والحاكم في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r: « من استعمل رجلاً على عصابة وفي من تلك العصابة من أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان جميع المؤمنين»
أيها المسلمون، اتضح أن ما جرى ويجري في وطننا إنما كان بتصميم خارجي يستهدف سلامة الوطن والمواطنين، و يستهدف بصورة أخطر دين هذه الأمة، ولكن بأسلوب خبيث يتظاهر بأنه المدافع عن الدين ويتقنع بلباسه وهو إنما يريد محاربته من خلال تنفير الناس منه، وتشويه صورته هنا وفي العالم كله. أو بعبارة أخرى كان ما يجري يهدف فيما يهدف إلى محاربة الإسلام باسم الإسلام، أما وقد بدأت القوى التي تمارس ذلك الدور بالإضافة إلى القوى الأخرى التي تريد انتهاز الفرصة للانقضاض على هذا الوطن، وتنفيذ الجزء المتمم من المخطط لتمزيق وحدته وضرب أبنائه بعضهم ببعض، أما وقد بدأت هذه الخطة تنهار وتتعرى الحقائق وتظهر الوجوه من خلف الأقنعة، طبعاً يبدو أن علينا في هذه المرحلة الحذر من قوى تتقنع بالوطنية لتقضي أيضاً على الوطن، هناك قوى تقنعت باسم الإسلام لمحاربة الإسلام، واليوم تظهر قوى تتقنع بالوطنية لتقضي على الوطن، وذلك من خلال تنفيذ الخطة نفسها بنسبة ما أريد به تشويه الإسلام إلى الإسلام، وادعاء أن ما جرى إنما جرى لأن الإسلام وراء ذلك، طبعاً هذه من تتمة المخطط، ومن حلقات المؤامرة أن ينسب إلى الإسلام كل هذا الذي يجري. مع أن الإسلام كان هو الذي قد واجه هذه المؤامرة وبذل الكثير وجند المسجد والكلمة وكل ما لديه من وسائل في سبيل سلامة هذه الأمة وسلامة هذا الوطن، ولكن أعداء هذا الوطن الذين يتقنعون بالوطنية، وأعداء الإسلام أرادوا أن يستكملوا حلقات هذه المؤامرة بنسبة هذه المؤامرة إلى المسجد والمؤسسات الدينية وغيرها مما يتصل بالإسلام بصلة.
كان الإسلام ولايزال ضمانة سلامة هذا الوطن ووحدته وجمع كلمة أبنائه على اختلاف أطيافهم، وهذا ما يزعج القوى المعادية، لذلك أخذ هؤلاء المتقنعون بالوطنية ينسبون ما جرى من أحداث وجرائم إلى المساجد والمؤسسات الدينية التعليمية، هؤلاء هم الفريق نفسه الذي كان يقوم بالجرائم التي تهدد سلامة أمتنا ووحدة وطننا، إلا أنهم في هذه المرة يمارسون الدور من خلال التقنع بالوطنية ليقضوا على سلامة الوطن وسلامة الأمة، يلبسون ثوب الوطنية وغيرها ليحققوا الجزء الآخر من المخطط الهادف إلى تمزيق الوطن وضرب أبناء الأمة. كان المسجد ولايزال أحد ضحايا جرائم هذا المخطط الخارجي، وهذا ما لا يخفى على المتتبع للأحداث، وكانت المؤسسات الدينية ضمانة وحدة هذا الوطن وجمع شمل الأمة، ونحن هنا في هذه المسألة في الذات إنما نتبع أوامر ديننا ونلتزم توجيهات شريعتنا التي أقامت علاقة المسلمين مع غيرهم على أساس التعايش والتعامل الإيجابي والتعاون بين المسلمين وغيرهم من أبناء المجتمع. أليس الإسلام هو الذي حمى الكنيسة؟ أليس الإسلام هو الذي حمى المعابد؟ أليس الإسلام هو الذي ضمن سلامة جميع المواطنين على اختلاف دياناتهم، والتاريخ يشهد على أعظم صورة تدل على ذلك. أجل الإسلام هو الضمانة، ومن أراد أن يلصق بالإسلام ما أرادت الدوائر الخارجية إلصاقه بالإسلام من تلك العصابات التي تدعي الانتساب للإسلام وترفع شعار الإسلام على معاداة الإسلام وعلى مناوأة الإسلام وعلى تشويه الإسلام، أقول هذه حلقة أخرى في المؤامرة التي تستهدف هذا الوطن وتستهدف هذا الإسلام. نحن في هذا الوطن حضارتنا وسلامتنا وأمننا ووحدة فصائل وأطياف شعبنا وتعايش أبناء أمتنا إنما يتم ذلك في مظلة تعاليم ديننا الذي ألزمنا أن نعامل الآخرين كما قال الله تعالى: )لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( هذا ما أمرنا به الله عزَّ وجل، وهذا ما قد وجدناه في حياة المسلمين. بلاد الشام هذه كان أهلها من النصارى كنائسهم لا تزال ماثلة إلى اليوم في أحيائهم، وهي تشهد بحسن معاملة المسلمين لأبناء هذه البلاد، طبعاً هذه البلاد تشهد بأن الإسلام احتضن جميع أبناء هذه البلاد، بل الإسلام يمنع من أن يكره إنسان على ترك دينه، ألم يقل الله تعالى )لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ(؟ أليس في العهدة العمرية أن لا يكره أحد على ترك دينه؟ أليس في العهدة العمرية ضمان كنائس النصارى ومعابد الآخرين أن لا تمس بسوء وأن لا تمس صلبانهم ولا أموالهم ولا بيوتهم ولا أهاليهم؟ هؤلاء الذين يريدون أن يلصقوا بالإسلام تلك الجرائم التي تشوه الإسلام هم جزء من المؤامرة التي تستهدف هذا الوطن باسم الوطنية، هم الفريق الذي يتآمر على سلامة هذه البلاد من خلال الطروحات التي تمزق أبناء الشعب، وتضرب فئات هذه الأمة ببعضها، وهي تخدم الهدف الذي قامت الفتنة من أجله ألا وهو تشويه هذا الإسلام. أجل المراقب للأمور يدرك أن الغرب اليوم بعد سنوات طويلة من نشاط الدعوة الإسلامية بين أبنائه وإقبال الكثير الكثير من أبنائه على الدخول في الإسلام، اليوم أصبح من الصعب جداً أن تتحدث باسم الإسلام في العالم الغربي، لماذا؟ لأنهم وجدوا خير وسيلة أن يحاربوا الإسلام تحت اسم الإسلام، وهذا الذي نراه بأم أعيننا، هل هؤلاء نزلوا من السماء أم نبعوا من الأرض؟ من هؤلاء ؟ ومن أين جاءتهم القوة ومن أين جاءهم السلاح حتى يعملوا في بلادنا هذه أنواع التخريب والتدمير والقتل والجرائم الوحشية، من هؤلاء؟ ومن الذي سلحهم ومن الذي يدعمهم؟ ألا يتساءل أحدنا هذا السؤال! الذين وجهوا هؤلاء هم الذين ينسبون ذلك للإسلام، وهم الذين يريدون لهذه الأمة أن تنهار ولهذا الوطن أن يتمزق ويدمر. هذا أمر ينبغي أن يعيه الجميع نحن هنا نطبق تعاليم ديننا الحنيف من حيث وجوب التعايش وأن ندعو إلى ديننا بالحكمة والموعظة الحسنة وأن نجادل الآخر بالتي هي أحسن، وأنه لا يجوز أن نسيء معاملة إنسان تحت مظلة هذا الوطن، إنما يساء لمن يسيء من المجرمين والقتلة، يساء إلى من يسيء من الغزاة الذين يريدون لأمتنا ووطننا هذا السوء والدمار.
أمر آخر لابد من الإشارة إليه ونحن مقبلون على اختيار من يمثل تطلعاتنا ومصالح أمتنا ومصالح شعبنا من المؤسسة التشريعية المسماة: مجلس الشعب، هذه المؤسسة ينبغي أن يكون لنا دورنا في اختيار الأمين العدل الكفء الصالح الذي يؤتمن على مصالح هذا الوطن ومصالح هذا الشعب، في قيمه ومبادئه ومعيشته ومستقبله وخطة المستقبل القريب والبعيد لسلامته، والنبي r جعل هذا عهدة في رقابنا وأمانة نحن مسؤولون عنها، وانظروا إلى الحديث الذي يقول فيه النبي r :« من استعمل رجلاً – أي ولّى واختار وهو نوع من التولية، نحن نوليهم على المؤسسة التي تخطط لقوانيننا ولنظام حياتنا ولإدارة شؤون هذه البلاد من خلال المؤسسة التشريعية. النبي r يقول :من استعمل رجلاً على عصابة –الجماعة، هذا وطن يعني هو مجموع الجماعات كلها في ظل هذا الوطن– وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه –أي أكثر أمانة وأكثر تقى وأكثر حرصاً على سلامة ومصالح هذا الوطن– فقد خان الله ورسوله وخان جميع المؤمنين» أما وإن علينا أن نختار الرجل الأمين الثقة الذي يُطمأن إلى سلامة مساره وسلامة برنامجه وصدق دعواه، طبعاً الشعارات المعسولة التي ترفع، كل إنسان يرفع شعارات معسولة لا يوجد أجمل منها، ولكن عند التنفيذ من عهدنا منه الصدق والأمانة والحرص على مصلحة هذه الأمة وقيم هذه الأمة ومبادئ هذه الأمة .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 08/04/2016


تشغيل

صوتي