مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 01/04/2016

خطبة د. توفيق البوطي: بين فتنة ابن الأشعث وفتنة اليوم


بين فتنة ابن الأشعث وفتنة اليوم
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( ويقول سبحانه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (ويقول جل شأنه: ) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (ويقول أيضاً: )لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(
أيها المسلمون، بدأت معالم التحول في مسار الأحداث تتضح، وبدأت تتكشف النتائج وتظهر الحقائق، فالخطر الذي طالما أرهبنا الغرب به، حاول الغرب إرهاب العالم الغربي بالإسلام من خلاله، من خلال وصفه بالدولة الإسلامية- وهم يصرون على تسميتها بالدولة الإسلامية - وإرهاب المسلمين أيضاً به ليقعوا في ولائه، الخطر المتمثل في تلك الدولة الكرتونية القائمة على منطق ما يسمونه التوحش – هم يسمونه كذلك – بدأت تتهاوى، دولته هذه بدأت تتهاوى لأنها في الحقيقة ليست أكثر من دمية مخيفة صنعوها لأكثر من هدف، ولكن كانت المرحلة الأولى في مراحل صنعها إشعال الفتنة هنا وهناك تحت اسم الحرية والإصلاح.
لنعد إلى تاريخنا ولنأخذ منه الدروس والعبر لكي نتعامل مع الواقع بما يعصمنا في المستقبل من الوقوع في مثل تلك المصائب. إن إثارة الفتن في الأمة إنما هو من وجوه الخدمة لأعداء الدين وأعداء الأمة وأعداء الوطن، أجل هو خدمة لأعداء الدين وأعداء الأمة وأعداء الوطن. وهو قد يكون لمطمع ذاتي، يسعى فيه المرء لتحقيق مصالح ذاتية على حساب الأمة على حساب سلامتها على حساب بقائها ومصالحها. وقد جرى هذا في تاريخنا الإسلامي. فتنة (ابن الأشعث) التي وقعت أيام الحجاج، ابن الأشعث قائد من قادة (الخليفة الأموي)، و(الحجاج) قائد من قادة (الخليفة الأموي)، كلاهما كانت له الإمرة والولاية في موقعه، لكن (ابن الأشعث) كان قائد جيش، و(الحجاج )كان أميراً على العراق في الوقت الذي كان هو الآخر قائداً في الجيش، كانت بين (ابن الأشعث والحجاج)خلافات أو تنافسات شخصية، زاد من تأجيج نارها النميمة والغيبة فيما بين من أثاروا الشقاق والنزاع بينهما. ثار الخلاف بين (الحجاج وابن الأشعث) مما دفعت به كراهية الحجاج لقتاله بينما كان على جبهة دولة كافرة ملكها (رتبيل)، فقد أرسل الخليفة ابن الأشعث لقتال جهة معادية للدولة الإسلامية من الترك في الشرق ملكها (رتبيل)كانت شديدة وقاسية تتربص بالدولة الإسلامية الدوائر، فأرسل لها قائداً محنكاً هو (ابن الأشعث) ولعل للحجاج يداً في إرساله إلى تلك الحرب، وحقق (ابن الأشعث) الانتصارات إثر الانتصارات على (رتبيل) الذي صار يفر من قرية إلى قرية، وبدا لـ (ابن الأشعث) خاطر فأوقف الحرب ولم يعد يستمر في انتصاراته، ما الذي جرى؟ أو ما الذي بدا له؟ الذي بدا له - وقد وجد أنه على جانب من القوة وأن الحجاج بغيض لقلوب الناس - نظراً لظلمه وهو أمر معروف في التاريخ، ولشدة بأسه على الناس، فأعلن الحرب على (الحجاج)، أعرض عن (رتبيل) وتوجه لقتال أخيه الذي يخاصمه وينازعه، فلما رأى أن الناس قد رجبوا بهذا الموقف اغتر هؤلاء الناس- ومنهم أهل علم وأهل صلاح - اغتروا بهذا الأمر... بقوة (ابن الأشعث)، فلم يكتفوا بخلع (الحجاج)، بل طالبوا بخلع الخليفة أيضاً. وخلع الخليفة أمر خطير لأنه تدمير للدولة وتقويض للمجتمع، أرسل الخليفة إلى (ابن الأشعث) عرضاً: أن يعزل الحجاج وأن يوليه الإمرة حيث أراد، وكاد (ابن الأشعث) يرضى إلا أنه ولانتصاراته اغتر بنفسه وبمن حوله فأصر على مناهضة الخليفة، فوجه الخليفة إليه جيشاً وتقهقر ابن الأشعث أمام ذلك الجيش، وفرَّ والتجأ إلى (رتبيل)، إلى عدو الدولة الإسلامية الكافر، عندها أرسل الحجاج إلى (رتبيل) أنك إن لم تسلم لنا (ابن الأشعث) ومن معه فلنوجهنّ إليك جيشاً على جانب من البأس والقوة لا تستطيع مواجهته، استشار رتبيل من حوله فنُصح بأن يتخلى عنه، فقيده وثلاثين من أنصاره وأرسل به إلى الحجاج، تحين (ابن الأشعث) فرصة كان فيها في بناء شاهق، فرمى بنفسه من ذاك البناء الشاهق وقتل نفسه.
نعم إنها الفتنة، أودت بصاحبها وأضعفت الدولة وقوّتْ أعداءها.
المرء عندا يلتفت إلى التاريخ الماضي وإلى الواقع الذي يكرر قصته ينبغي أن يعود من ذلك بعبرة، نحن اليوم وقد بدأت تتهاوى الدولة الكرتونية ومعها أولئك الذين لم تعد للعدو بهم مصالح. نحن بحاجة اليوم إلى إعادة الإعمار إعادة إعمار الوطن ولكن دعونا نفكر من أين نبدأ، إذا كنا في المرحلة التالية ينبغي أن نعيد الإعمار فإن أول شيء ينبغي أن نعيد إعماره هو المجتمع – طبعاً بعد إعمار الفرد- الذي تمزق تحت وطأة الفرز الطائفي والفرز العرقي والخلافات التي مزقت الأسرة قبل المجتمع، ومزقت البيت الواحد قبل أن تمزق المجتمع، مجتمعنا الذي عرف التنوع العرقي والطائفي، وحينا هذا مثال على ذلك، وكل بقعة من سوريا هي مثال على ذلك. مجتمعنا هذا عاش قروناً طويلة غنياً بتلونه، تتآزر مكوناته في حماية وجوده وأرضه. إعمار المجتمع يكون بإسقاط أي طرح يعيدنا إلى مربع الصراع والنزاع، والله تعالى يقول لنا: )وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( ويقول: )وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ( أجل علينا أن نعود إلى حالة الرشد، إلى حالة الوئام، إلى نبذ أي طرح من أي فريق من مجتمعنا من شأنه أن يمزق هذا المجتمع، وأن يوهن قوته ويضعف وحدته ويجعله نهبة للطامعين من أعدائنا ولأنه لن يستفيد ولم يستفد من الفتنة التي دارت بنا إلا العدو، والذي تمكن من أن يقف بصلف وغطرسة وكبرياء مصفقاً للتناحر الذي يجري فيما بين أبناء أمتنا.
أسأل الله أن يصلح ذات بيننا وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يعيد لأمتنا الوئام وأن يصرف عنا ابن الأشعث وأضرابه، إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.
خطبة الجمعة 2016/04/01


تشغيل

صوتي