مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 25/12/2015

خطبة د. توفيق البوطي: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة


لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ( ويقول سبحانه: ) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ويقول سبحانه في وصف حبيبه المصطفى r: )فبما رحمةٍ مِنَ الله ِلِنْتَ لهُم وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ( ويقول سبحانه: )وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( روى الترمذي أن النبي r قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» وعن أنس t أن النبي r قال: « أكمل الناس إيماناً أحسنهم أخلاقاً وإن حُسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة » وسئلت السيدة عائشة t كيف كان رسول الله r إذا خلا في البيت، قالت: "كان ألين الناس بساماً ضحاكاً" وقالت " كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ".
أيها المسلمون, الدنيا كلها أعلنت عن ابتهاجها بذكرى مولد المصطفى r إلا من أبى، ازدحم الناس على باب مسجد رسول الله r وهم ينشدون قصائد المديح للنبي r غير عابئين بجفاء وجلافة أهل نجد – ونحن نقصد من أهل نجد أولئك الأجلاف ولا نقصد كل أهل نجد - الذين كفَّروا الأمة لأنها تعبر عن حب رسول الله وتبتهج بمولده. ازدحم الناس للسلام على النبي r وللتعبير عن ابتهاجهم بذكرى مولده، كيف لا ! وهي ذكرى ولادة أمة وانبثاق النور وانبلاج الصبح واندثار معالم الجاهلية عن جزيرة العرب في تلك الفترة، كيف لا ؟! والقلوب معلقة بالنبي r لأنه الشفيع المشفع، ولأنه كان يحب لو أنه رآنا، كان يحب لو رأى أولئك الذين أفعمت قلوبهم بمحبته فآمنوا به واتبعوا هديه، فقال فيما رواه مسلم: « وددت لو أنّا رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، إخواننا الذين لم يأتوا بعد » أجل اشتاق إلى رؤيتكم فكيف لا تشتاق قلوبنا إلى رؤيته، كيف لا تتلهف قلوبنا لذكراه، كيف لا تتزاحم الجموع في المساجد وفي المحافل وعلى باب مسجده r لتعبر عن محبته لتعبر عن التعلق به وعن الاشتياق إليه، ولتربط عقداً بينها وبين النبي r أن تمضي على هديه وأن تلتزم دينه وتتمسك بشرعه، لتنال غداً يوم القيامة شفاعته. لأنها علمت أن من صافح رسول الله r باتباع سنته اليوم صافحه النبي r على الصراط غداً، ومن تنكر للنبي r ولسنته وهديه اليوم لم يتعرف عليه النبي r يوم القيامة في الموقف وعلى الصراط؛ لأن اليد التي تتفلت من يده في الدنيا والذين شردوا عن هديه هم الذين أبوا مصافحته، ألم يقل النبي r: « ألا ليذادنَّ أناس عن الحوض، فأقول: ألا هلمّ، فيقال: يا رسول الله إنك لا تدري كم غيروا من بعدك» الذين أعرضوا عن سنته وخالفوا شريعته وتنكروا لوصاياه وهديه لن تتصل أيديهم بيده، ولن تصل أقدامهم إلى حوض النبي r ولن تنال شفاعته. لكننا مع ذلك نقول: إن النبي r يحب الرفق، فعسى أن يكون من رفقه أن يملأ الله قلوبنا بشوق إلى اتباع هديه وبحرص على العودة إلى دوحة سنته والتمسك بشريعته، نحن بحاجة في ذكرى مولد النبي r أن نجدد العهد وأن نقوي الرابطة وأن نستذكر ونستعيد سيرته أخلاقه شمائله سنته، لكي نجعلها جسراً بيننا وبينه فنتبع سنته ونتخلق بأخلاقه، ونتمسك بهديه، هذا هو رسول الله r «خيركم خيركم لأهله» هل نحن مع أهلنا بخير؟ هل نعامل الزوجة والوالدين والأولاد على النحو الذي أمر النبي r من الرفق وحسن المعاملة ولطف المعشر؟ بل إن النبي r كان مثلاً عجيباً في هذا المجال، النبي rكان قائد أمة وكان أميراً وقاضياً وقائداً يقود الجيوش ويسوس الأمم ويبني الحضارة، ولكنه مع كل ذلك كان إذا أتى إلى البيت كان في مهنة أهله؛ يرقع ثوبه ويخصف نعله، يساعد زوجته ويكون عوناً لها في أمورها وفي خاصة شؤون بيتها، يباسطها ويباسط زوجاته ويتودد إليهن بالرفق واللطف، ولطالما ارتقى الحسن والحسين على ظهره فمضى بهما وهو يقول: « نعم الجمل جملكما ونعم الحمل أنتما» هذا رسول الله الذي يقود الدولة كلها لم تشغله الدولة عن بيته ولم تشغله عن سبطيه ولا عن نسائه، كان من الرفق إلى الدرجة التي وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «كان بساماً ضحَّاكاً، كان ألين الناس» ولكنه عندما تقتضي الأمور كان أحزم الناس، لم يكن لديه التردد في سياسة الأمة، ولم يكن لديه الخوف من مواقف الخطر، كان مقتحماً للمخاطر، ولكنه في الوقت نفسه كان مع عدوه ومع حزمه ومع شجاعته؛ إذ كان يقتحم المواقف ويخترق الصفوف ويتقدم المقاتلين، إلا أنه إذا سقط العدو بين يديه كان يرفق به، هو كان طبيباً حتى في شدته، كان المبضع في يده لاستئصال الداء ولم يكن للانتقام، كان المبضع في يده ليستأصل به الداء ويعالج به المريض ويداوي به النفوس، لكي تستعيد عافيتها وتعود إلى رشدها، هكذا كانr ، ولقد علمنا أن الخلق الحسن هو سجيته، وأنك إذا أردت أن تكون قريباً منه غداً يوم القيامة فإن عليك أن تأتسي به، وأن تتخلق بأخلاقه، ألم يقل النبي r: « إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون» – لحسن أخلاقهم – ويقول: «وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة المتشدقون المتفيهقون الثرثارون» أي المتكبرون المتكلفون في كلامهم، والذي يظهرون شيئاً من الاستعلاء في كلامهم، النبي r كان يتودد للطفل ويمسح على رأسه ويسلم عليه لكي يتعلم الناس كيف يعاملون صغارهم وكبارهم ويقول: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» هكذا قال r، كان يكرم كريم القوم؛ لأن إكرامك لزعيم القوم و كريمهم إكرام للقوم كلهم، ويحسن وفادته ويباسط جلساءه ويمازح بعضهم، ويتودد إلى الصغار بمقدار ما يؤنس المرء منهم ويصرف عنهم الوحشة والهيبة ويقول: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً فإن ذلك ظلم عظيم» لا يجوز لمسلم أن يروع مسلماً بأي شكل من أشكال الترويع، أما الإرهاب الذي يمارس اليوم فهو ناء عن الإسلام ولا علاقة له بالإسلام. إذا كان لا يجوز لك أن تروع مسلماً بأخذ عصاه أو بإخفاء سلعته، فكيف يجوز لك أن تقتل وتذبح وتسفك الدماء، كيف يجوز لك أن تنشر الخوف في أوصال بلادك، كيف تستطيع أن تزعم أنك مسلم وأنت تنشر الخراب والدمار وسفك الدماء وباسم الإسلام، أي إسلام هذا ؟ هذا إسلام أمريكا وليس إسلام النبي r، ليس الإسلام الذي أنزله الله بل هذا الإسلام الذي أوحى به الشيطان. كان النبي r في غاية الرفق، لم يكن فظاً ولا غليظ الطبع )قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ( بهذا وصفه الله حريص عليكم على البشرية بالمؤمنين رؤوف رحيم هذا هو رسول الله r، كان يعامل القاسي بالرفق، والعرب كانت قد شاعت في صفاتهم الجلافة، يأتي رجل من العرب على بعيره فيربط البعير عند باب المسجد ويدخل إلى المسجد ويقول: " أيكم محمد؟ والنبي r متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب، فقال رسول الله r : قد أجبتك – استعمل الأسلوب نفسه – فقال الرجل للنبي r: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تغضب، قال: سل عما بدا لك، قال: أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ - الموقف هنا موقف صدق وجدية، والمعهود عن محمد أنه صادق، استحلفه بالله فقال r:"اللهم نعم" قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة، قال:" اللهم نعم "، قال: آلله أمرك ..أخذ يسأله عن أركان الإسلام وأمور أخرى، والنبي r يقول: " اللهم نعم" حتى قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي؛ أنا ضمام بن ثعلبة أخو سعد بن بكر، ولعل الرجل يأتي إلى رسول الله r ويمسك بتلابيبه فيقول أعطني، يريد أن يتسول وبعنف فيبتسم النبي r ويقول:" أعطوه" لأن الرجل هذه طبيعته، فهو كان يصبر على الجاهل ويتحمل جهله، ولكنه إزاء المواقف التي تحتاج إلى الرجولة والصلابة لم يكن مترددا، النبي r في غزوة أحد وفي المواقف كلها كان حزمه متضحاً تماماً وكانت رجولته وشجاعته سمة متميزة في شخصيته، فرفقه لا يتنافى مع حزمه، ولطفه لا يتناقض مع شجاعته، فشجاعته حيث تقتضي منه الظروف الشجاعة، والرفق واللطف واللين حيث يقتضي الأمر منه رفقاً ولطفاً ولينا، هذا هو رسول الله فإذا كنا نحتفل بذكرى مولده r فيجب أن ندرس سيرته ويجب أن نتعلم شمائله، ويجب أن نتعرف على جوانب شخصيته كيف كان يعامل أهله؟ كيف كان يعامل المرأة؟ كيف كان يعامل الطفل؟ كيف كان يعامل الجاهل، كيف كان يعامل العدو كيف كان يعامل الصديق؟ حتى الحيوان نال كما ذكرنا في خطبة ماضية من رفق رسول الله r ولطفه الكثير من العناية والاهتمام.
أسأل الله أن يرزقنا حسن اتباع هديه والاقتداء بنبيه r لأن من اتبعه )قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 25-12-2015


تشغيل

صوتي